كتبت – أماني ربيع
تبدو أفريقيا مثل صندوق مليء بالنفائس، من كنوز الطبيعة الخلابة البكر إلى كنوز الثقافة والتقاليد والأساطير الفريدة والمتنوعة التي تجعلها أشبه بقصة لا تنتهي عنوانها الجمال والأصالة.
وعلاقة الأفارقة بالطبيعة والحيوانات علاقة هامة جدا في التقاليد الأفريقية، فلدى قبيلة الماساي مثلا تبجيل من نوع خاص للأسود، وبعض القبائل تعتبر الأبقار والمواشي تميمة حظ فهي مورد الغذاء وعنوان الثروة، ويستطيع الأفارقة التعايش مع الحيوانات البرية بكثير من التآلف، وحتى القبائل المستمرة في اتباع تقاليدها القديمة القائمة على الصيد تعرف جيدا كيف يكون هذا الصيد متوائما مع البيئة في تناغم لا يؤدي لتناقص الثروة الحيوانية، وهو أمر مدهش، يؤكد على الروابط الخاصة بين الإنسان والحيوان في أفريقيا.
فلكلور غريب
وعلى أطراف مدينة أبوجا في نيجيريا تتواجد في القرى النائية قبيلة يُطلق عليها “رجال الضباع”، وليس مستغربا أن يقابلك رجل هناك وهو ممسك بسلسلة معدنية يجر وراءه حيوانا ضخما هو الضبع كما لو كان يسير بصحة كلب أليف.
ومن وقت لآخر يبدأ رجال الضباع هؤلاء طقوسا خاصة بمصاحبة قرع الطبول بالأسلوب الأفريقي، ويتحلق حولهم المواطنين من السكان المحليين والسواح الباحثين عن كل غريب، وتتحول ساحة القرية إلى ما يشبه مسرحا صغيرا للفلكلور.
وإلى جانب الطقوس الرمزية التي تؤدى، يكون ضمن العرض استعراض وترويج لعلاج الأمراض عبر الجلوس على جسد هذا الحيوان الضخم المفترس الذي يمتص الخوف من الجسد، ولا مانع من أن يمنحك أحد أفراد القبيلة بعض الأعشاب الخاصة التي تحمل أسرارهم وتبث في روح من يتناولها الشجاعة وتطرد كل مخاوفهم.
ولهذه القبيلة سحرها الخاص الذي يجذب إليها السواح من كل مكان، والكل يندهش من العلاقة الوثيقة بين هؤلاء الرجال وحيواناتهم الأليفة الغريبة.
يبدأ الأمر مع اصطياد رجال القبيلة للضباع الصغيرة من البرية، بعد ذلك لا تعود هذه الحيوانات قادرة على العودة مجددا إلى الغابات حتى بعدما تكبر، ويكون هؤء الرجال مثل أهل للضباع التي تعتمد بشكل كامل عليهم في توفير الغذاء لها، في مقابل ما تمنحه هذه الضباع من فرصة لأفراد القبيلة تساعدهم على كسب المال، وهو ما يبدو أشبه بعلاقة متبادلة تكافلية.
“رجال الضباع”، هم قبيلة من المسلمين يمتلك بعضهم قدرات خاصة وينتشرون بالمناطق الصحراوية، النائية والبعيدة عن المدن في نيجيريا.
وإلى جانب تربية الضباع، وإعداد وبيع الأعشاب الخاصة التي يتناقلون أسرارها جيلا بعد جيل، يقومون بكسر السيوف الصلبة بأسنانهم، وإبطال مفعولها أيضا بحيث لا تفقد قدرتها على الإيذاء والجرح، وتستطيع أن ترى على أجسادهم علامات للخدوش في كل مكان بسبب قردة البابون التي يمتلكونها ويتشاجرون معها باستمرار.
رجال هذه القبيلة يحبون التجوال وينتشرون في أكواخ على أطراف العاصمة النيجيرية، وحيث تجدهم تشعر وكأنهم بمثابة النادي أو المقهى الذي تحظى فيه القبيلة أو المدينة التي يحطون فيها بالمرح، وهم رواة للقصص أيضا، يقيمون العروض في الشوارع ويبيعون جرعات الأدوية العشبية الشافية بعد ذلك، تماما مثل فرق السيرك في أوربا قديما خلال ثلاثينيات القرن العشرين، لكن بدلا من الدببة، كان لدى هؤء الرجال ضباع.
عرض لا يُنسى
يصف من يراهم مشهد تأديتهم لعروضهم الخاصة، بأنه أمر فريدا وضخما ولا يُنسى، يبدأون بقرع الطبول لجذب الحشود، ثم يرفعون الكمامات عن أفواه الضباع، ثم يضعون أذرعهم ورؤوسهم بين فكي الحيوان المفترس لإقناع الجمهور بأنهم يمتلكون صلاحيات خاصة مع هذه الحيوانات التي قد تقتلع رأس شخصا ليس منهم لو كان مكانهم..، لكن وهذا هو الجزء المثير في العرض بإمكانك حتى لو كنت من الجمهور أن تكتسب هذه الصلاحيات أيضا، إذا ما قمت بشراء جرعة خاصة من الأعشاب تجعلك مثل رجال الضباع.
عند رؤيتك لهؤء الرجال مع حيواناتهم الأليفة الغريبة تدرم أن العلاقة بينهم أكثر إثارة للاهتمام من أي شئ أخر في العرض، هناك رابط غريب يجمعهم، ربما يعود هذا لأن هذه الحيوانات اخذت وهي، بعد، جراء وليس بوسعها العودة مجددا للبرية، كما أنها تعتمد بشكل كلي في طعامها على هؤء الرجال، الذين بدورهم يعتمدون على هذه الحيوانات في كسب معيشتهم، لكن رغم هذه الحاجة المتبادلة لم يكن التعايش سهلا.
وإذا كان الأمر سهلا مع الضباع التي طالما قمت بإطعامها وسقياها ستكون سعيدة وراضية، فهو يختلف مع قردة البابون، وهي حيوانات أكثر تعقيدا من الناحية العاطفية، ولذا كانت دائما ما تدخل في شجار مع الرجال الذين امتلأت أجسادهم بالخدوش نتيحة لذلك.
بدأ الإعلام يسمع عن رجال الضباع عام 2003، بعد التقاط صورة لهؤلاء الرجال مع وحوشهم، وتم نشرها في إحدى صحف جنوب أفريقيا، وتم وصفعن بأنهم تجار مخدرات ومحصلي ديون، وأن الضباع التي معهم بمثابة عضلات لدعم أنشطتهم الإجرامية، لكن فيما بعد اكتشف العالم أنهم ليسوا مجرمين بل هم اشبه بفرقة فنية متجولة تمارس الطب التقليدي.
حيوانات مهمشة
وقام المصور بيتر هوجو بمصاحبتهم والتجوال معهم لمدة عامين، التقط خلالها سلسلة من الصور الفريدة لهؤلاء الرجال مع حيواناتهم، نشرت في عام 2005، بعنوان ” Gadawan Kura” .
ووثقت صور هوجو شكل حياة هؤء الرجال ووصفت الصور أسماء أفراد القبيلة والحيوانات، والمدن المختلفة التي التقطت خلالها، وتظهر لنا كيف هي الحياة في بيئة فقيرة بعيدة عن التحضر، وكيف يمكن أن تكون هذه الحياة شيئا مشتركا بين البشر والحيوانات، فيما يشكل لوحة صارخة للحياة على الهامش.
الضباع حيوانات مفترسة، تشبه القطط البرية، أو الكلاب الضالة الضخمة، يمكن يصل وزن الضبع المرقط إلى مائتي رطل، وإلى جانب اللحوم يطحنون العظام أيضا، لذا فغالبا ما يكون لون برازهم أبيض، وأنثى الضبع أكبر وأكثر عدوانية من الذكور.
وتاريخيا، كان من النادر أن يتم تدجين هذه الحيوانات، وقد لعبت دورا في الثقافة البشرية منذ أن اصطادها المصريون القدماء، وكانت دائما بين مملكة الحيوانات مهمشة نظرا لقبحها، وكانوا بفضلون عليها الأسود التي تبدو أكثر نبلا، وعادة ما يتم تصوير الضباع في الأدب الغربي باعتبارها جبانة وغادرة.
وفي قصيدة إدموند سبنسر الملحمية Faerie Queene ، كانت الضباع وحوش خادعة وشهوانية يستحضرها السحرة.
ولخص الأديب الأمريكي الشهير إرنست همنجواي الأحكان المسبقة التاريخية ضد الضبع في كتابه “جرين هيلز أوف افريكا” قائلا: ” الضبع خنثى يلتهم الموتى، نتن، يأكل بقايا العظام التي يتركها الأسد، مثل كلب هجين جبان ينظر دائما إلى الخلف.”
لكن في الواقع، الضباع حيوانات لديها القدرة على الصيد، وشرسة في البرية، ولديها ولاء كبير للقطيع، لكن اصبح من الصعب الآن استعادة صورة مثالية لها الحيوان، فضلا عن العثور على صديق فيها أو التفاعل البشري معها.
تلعب الضباع دورا مركزيا في الحكايات الشعبية بالقارة الأفريقية، وكثير منها مرتبط بالسحر، ولدى قبيلة رجال الضباع الضبع معادل للرجل وتبدو ضمنا كهوية للبشر، هوية لها جذور عميقة في منطقة غرب افريقيا تحديدا، وكان الاحتفاظ بها تقليدا مقصورا على فئة معينة من الأشخاص في نيجيريا، وتم تناقله عبر السنين من جيل إلى جيل، وهي علاقة مقدسة، فالرجل الذي يمتلك ضبعا يرتقي لمنزلة أخرى بعيدا عن الدنيوية، ويصبحون جزء من عالم السحر والمسرح والتقاليد الروحانية.
عُرضت صور رجال الضباع في المعارض الفنية بنيويورك، وقد أبرزت كيف يشترك البشر والحيوانات في النضال من أجل البقاء على الهامش، وإذا كانت الأوروبيون دائما يتساءلون فقط عن رفاهية الحيوانات، لكن بدلا من ذلك تحملنا هذه الصور على التساؤل لماذا يحتاج هؤلاء الرجال الفنانون إلى اصطياد الحيوانات البرية من أجل لقمة العيش؟، ومن هو الذي يعاني من سوء الأوضاع البشر أم الحيوانات الذين لجأوا للاعتماد المتبادل فيما بينهما من أجل استمرار البقاء.