إعداد – أ.م.د جيهان عبد السلام عباس

أستاذ الاقتصاد المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا- جامعة القاهرة .

في بعض الأحيان يخاطر الشباب الأفارقة بكل شيء، بما في ذلك حياتهم، للقيام برحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود وأمواج البحر الأبيض المتوسط بحثًا عن حياة أفضل في الشمال. فيموت البعض على طول الطريق، والبعض الآخر يتم إرجاعهم، والبعض الذي ينهي الرحلة يدرك أن الحياة قد لا تكون أسهل بعد الهجرة. ولكن مع قلة الوظائف والآفاق القاتمة في الوطن، لا يزال الملايين من الأفارقة يختارون الهجرة. وتطرح مثل هذه التحركات البشرية الممثلة في الهجرة غير النظامية أو الشرعية أسئلة صعبة على العديد من الحكومات وعلى المجتمع الدولي، إذ تقع الهجرة في قلب الخلافات بين البلدان المرسلة والدول المستقبلة الأكثر ثراءً. فالهجرة تجلب معها “العديد من التحديات المعقدة، وتشمل القضايا حقوق الإنسان، والفرص الاقتصادية، ونقص العمالة والبطالة، وهجرة الأدمغة، والتعددية الثقافية والتكامل”.

ومن هذا المنطلق، تستعرض تلك الدراسة مفهوم الهجرة غير الشرعية، وملامح هذه الهجرة من أفريقيا إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارهم أكثر الوجهات لتلك الهجرة، مع تحليل الأسباب التي أدت إليها، والأضرار الناجمة عنها، ومحاولات الدول المتقدمة للحد منها.

أولاً- مفهوم الهجرة غير الشرعية:

تعرف المنظمة الدولية للهجرة  International Organization for Migration (IOM) الهجرة غير الشرعية على أنها “حركة تتم خارج القواعد التنظيمية للبلد المرسل والعبور والمستقبل. وقد يقع المهاجر في وضع غير نظامي في واحدة أو أكثر من الظروف التالية[1]:

  • يجوز له دخول البلاد بشكل غير نظامي، على سبيل المثال بوثائق مزورة أو بدون عبور نقطة عبور حدودية رسمية.
  • قد يقيم في البلد بشكل غير قانوني، بعد انتهاك لشروط تأشيرة الدخول أو تصريح الإقامة مثلًا.
  •  قد يتم توظيفه في البلد بشكل غير منتظم، على سبيل المثال، قد يكون له الحق في الإقامة، ولكن ليس للعمل بأجر في البلد.

وتشمل الهجرة غير الشرعية أشكالا مختلفة من تحركات المهاجرين، فالبعض يهاجر لأسباب اقتصادية بحثًا عن العمل، والبعض الآخر هروبًا من الصراعات والحروب، ومن هنا يمكن القول بأن الهجرة غير الشرعية مرتبطة بشكل كبير بالبناء الاقتصادي والسياسي للدولة[2] .

ثانيًا – الهجرة الأفريقية إلى أوروبا:

في عام 2016 وصل حوالي 181 ألف أفريقي في شكل هجرة غير شرعية إلى أوروبا وخاصة إيطاليا، ونحو 90% منهم جاءوا عبر ليبيا لقربها من الشواطئ الأوروبية. وفي عام 2023، تجاوز العدد 130 ألف مهاجر أفريقي إلى أوروبا كما هو موضح في الشكل رقم (1) . ويشكل مواطنو غينيا وكوت ديفوار وتونس والمغرب ومصر والجزائر أكبر ستة مصادر أفريقية للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا [3]. وجاء ذلك في ظل مخاوف أوروبا من تزايد تلك الهجرة، خاصة في ظل قرارات أفريقية قد تسهم بشكل أو بآخر في تدفق المزيد من المهاجرين الأفارقة بشكل غير نظامي منها على سبيل المثال إعلان المجلس العسكري الحاكم في النيجر إلغاء قانون كان يجرم في السابق نقل المهاجرين في البلاد، مما أثار التخوف من عبور المهاجرين من خلال النيجر باعتبارها دولة عبور، في المقام الأول عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط[4].

والغالبية العظمى من الأفارقة الذين يهاجرون إلى أوروبا يأتون لأسباب اقتصادية في الأغلب ــ وهم شباب ومتعلمون ويبحثون عن وظائف، ونحو 7.2% فقط من المهاجرين الأفارقة في دول الاتحاد الأوروبي هم من اللاجئين .[5]

شكل رقم (1) تطور أعداد المهاجرين الأفارقة بشكل غير شرعي إلى أوروبا خلال الفترة (2009-2023)

Source : Wendy Williams , ” African Migration Trends to Watch in 2024 “, Africa Center For Strategic Studies ,  January 9, 2024 , available at :
https://africacenter.org/spotlight/african-migration-trends-to-watch-in-2024

ثالثًا- الهجرة الأفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية :

لم تكن فقط دول أوروبا هي الوجهة الأكثر استقبالا للمهاجرين الأفارقة، بل ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية في الثلاث عقود الأخيرة كأحد أهم الوجهات أيضًا، إذ أصبح يشكل المهاجرون الأفارقة عنصرًا متزايدًا وواضحًا بشكل متزايد من سكان الولايات المتحدة. ويعرض الشكل رقم (2) تطور أعداد الهجرة الأفريقية إلى الولايات المتحدة من عشرينيات القرن التاسع عشر إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وتظهر البيانات الواردة في هذا الشكل أن الهجرة الأفريقية إلى الولايات المتحدة كانت صغيرة نسبيًا حتى فترة الستينيات تقريبًا من القرن العشرين، واستمر الأمر كذلك، لكنه بدأ في الانطلاق في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وبدأ في التسارع بشكل ملحوظ بعد ذلك. وبحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح هذا النمط من النمو السريع واضحًا، وذلك بعد تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية. إذ أدى قانون الهجرة والجنسية لعام 1965 إلى توسيع المسارات أمام المهاجرين من غير أوروبا الغربية للقدوم إلى الولايات المتحدة، وذلك من خلال الروابط العائلية بشكل رئيسي. كما أدى قانون اللاجئين لعام 1980 إلى زيادة قبول اللاجئين الفارين من الصراع، بما في ذلك من جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وإريتريا. وأنشأ قانون الهجرة لعام 1990 تأشيرة التنوع لتعزيز الهجرة من البلدان الممثلة تمثيلًا ناقصًا، بما في ذلك بنين والكاميرون. كما سهّل قانون عام 1990 على المهاجرين ذوي المهارات العالية الهجرة للعمل، وفتح الباب أمام العمال المتعلمين والطلاب الدوليين من دول مثل غانا وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا. وفي الآونة الأخيرة، وصل العديد من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما دفع إدارة الرئيس السابق “ترامب” إلى منع مؤقت لمعظم الوافدين من أفريقيا خاصة من أربع دول وهي (تشاد وإريتريا ونيجيريا والصومال)[6].

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن رفعت القيود، إلا أنه من غير الواضح  تأثيرها على المدى الطويل على الهجرة إلى الولايات المتحدة. فبشكل عام، زاد عدد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى في الولايات المتحدة بمقدار 16 ضعفًا منذ عام 1980.[7] كما أقام ما يقرب من 2.1 مليون مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الولايات المتحدة في عام 2019، وهو ما يمثل 5 % من إجمالي السكان المولودين في الخارج البالغ عددهم 44.9 مليون نسمة. ويتوقع مكتب الإحصاء الأمريكي أن إجمالي عدد السكان الأفارقة المولودين من قبل المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة سوف يتضاعف بحلول عام 2060، ليصل إلى 9.5 مليون وتتكون هذه المجموعة المتنوعة للغاية من أفراد من 51 دولة. وكانت نيجيريا، إلى جانب إثيوبيا ومصر وجنوب أفريقيا وغانا والمغرب، من بين أكبر 10 دول للمهاجرين الأفارقة في الولايات المتحدة، ومعنى ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تنوعًا كبيرًا في طبيعة المهاجرين الأفارقة إليها، إذ يأتوا من بلدان ومناطق متميزة ثقافيًا ولغويًا وسياسيًا. ويتوقع مكتب الإحصاء الأمريكي أن إجمالي عدد السكان الأفارقة المولودين من قبل المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة سوف يتضاعف بحلول عام 2060، ليصل إلى 9.5 مليون.[8]

 
 

شكل رقم (2) تطور أعداد الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (1980-2019)

 
Source : Mamadi Corra , ” Immigration from Africa to the United States: key insights from recent research ” , Frontiers Media , 08 June 2023, available at:
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fsoc.2023.1171818/full

رابعًا – أسباب الهجرة من أفريقيا لدول العالم المتقدم :

  • الفرص الاقتصادية المحدودة: على الرغم من أن أفريقيا حققت نموًا اقتصاديًا أفضل نسبيًا منذ عام 2000، إلا أن القارة لا تزال تسجل أدنى متوسط ​​لدخل الفرد في العالم. ويعيش ما يقدر بنحو 35 % من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا في فقر، مما يخلق ضغوطًا هائلة على أفراد الأسر الذين يكسبون الدخل لتأمين فرص العمل لتلبية الاحتياجات الأساسية خاصة أن نحو60% من سكان أفريقيا تحت سن 25 عامًا. ومع تدهور نتائج التعليم وفجوة حادة في المهارات. فمعظم الشباب المهاجرين، يظلون في القارة باحثين عن فرص عمل في المراكز الحضرية، ويسعى آخرون للحصول على وظائف خارج القارة بعد أن فشلت سياسات التكيف الهيكلي التي أوصى بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في توفير فرص العمل الكافية للشعوب الأفريقية. وتكون دول لعالم المتقدم عادة هي الوجهة المفضلة، خاصة في ظل توقعات أفضل لمستوى المعيشة بها، فمثلًا من المتوقع أن ينمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو الثلث فقط في أفريقيا حتى عام 2026، وفي المقابل، تشير التقديرات إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي سيظل أكبر بأكثر من 18 مرة من نظيره في أفريقيا حتى العام ذاته، مع نمو سكاني يبلغ نحو 1% فقط.[9]

 ولا تزال أفريقيا تشهد نموًا سكانيًا أكبر من أي منطقة أخرى في العالم. وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا من 1.2 مليار إلى 2.5 مليار نسمة في عام 2050. وبالفعل، ينضم ما بين 10 إلى 12 مليون شاب أفريقي إلى قوة العمل كل عام؛ وبالتالى فمن المتوقع أن يكون لدى أفريقيا عدد كبير من الشباب القادرين على العمل خلال الفترة المتبقية من هذا القرن، قد يدفع ذلك إلى مزيد من الهجرة[10].

  • التغيرات المناخية: أدى تغير في إلى انخفاض بنسبة 34 % في نمو الإنتاجية الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 1961، وهو ما يسهم بشكل أكبر في انعدام الأمن الغذائي غير المسبوق في القارة في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن يكون تغير المناخ هو المحرك لما يصل إلى 10 % من إجمالي الهجرة الأفريقية عبر الحدود بحلول منتصف القرن. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الفيضانات الشديدة والجفاف والعواصف. كما من المتوقع أن تشهد منطقة الجنوب الأفريقي أكبر زيادة في التنقل عبر الحدود في أفريقيا بسبب تأثيرات تغير المناخ، مع احتمال انتقال ما بين 200 ألف إلى 800 ألف شخص إلى دول مجاورة بحلول عام 2050. وبما أن سبل العيش الريفية المستدامة أصبحت أكثر هشاشة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن نسبة متزايدة من المهاجرين – ما بين 70 و110 مليون شخص – قد تضطر إلى هذه التحركات غير النظامية خلال الفترة (2020-2030).

شكل رقم (3) الأعداد المتوقعة للمهاجرين الأفارقة بشكل غير شرعي إلى دول العالم المتقدم في ظل سيناريوهات استمرار التغيرات المناخية، أو مزيد من تطبيقات الاقتصاد صديق البيئة ما بين الفترة (2020-2030)

المصدر : مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، توجهات الهجرة الأفريقية الواجب مراقبتها في عام 2023، ٣ فبراير ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي :-

https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-african-migration-trends-to-watch-in-2023
  • الصراعات السياسية والنظم القمعية: تؤدي الصراعات التي لم يتم حلها في القارة إلى توليد أعداد قياسية من السكان المهاجرين قسرًا. علاوة على ذلك، أدت ظروف الحكم الاستبدادي والقمعي في بعض الدول الأفريقية إلى تقييد الحريات الأساسية مما يسهم في مزيد من عمليات النزوح. ويجبر النزوح القسري الممتد الشباب على الانتقال إلى المناطق الحضرية ومن ثم ربما خارج القارة. وأقرب مثال على ذلك حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل وغرب أفريقيا التي تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية تدفع بشكل كبير نحو الهجرة [11]. وعلى سبيل المثال، أدى اندلاع الصراع بين الفصائل العسكرية في السودان في عام 2023 إلى حدوث 6 ملايين حالة نزوح إضافية عبر الحدود. ويضيف هذا إلى التحركات السكانية الناجمة عن الصراعات في جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وغيرها. وفي حالة استمرار تلك المسببات الرئيسية للهجرة من أفريقيا، فمن وصول الهجرة الأفريقية عبر الحدود إلى ما بين 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050.

خامسًا – الأضرار الناجمة عن الهجرة الأفريقية غير النظامية:

يواجه ما يقدر بنحو ١٥% من المهاجرين الأفارقة، مستويات عالية من مخاطر التعرض للاستغلال والإتجار، إما طوال مسار رحلتهم أو في بلد المقصد. فليبيا، على سبيل المثال، لا تزال وجهة بالغة الخطورة بالنسبة للمهاجرين، فضلًا عن عمليات القتل والتعذيب والاضطهاد واسترقاق المهاجرين من قبل القائمين بالإتجار والميليشيات. وتم تسجيل أكثر من 19500 شخص لقوا حتفهم منذ عام 2014، وحتى عام 2022، في أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط من شمال أفريقيا إلى أوروبا، كما فقد ما يزيد على ٢٥ ألف شخص وهم يعبرون المياه بين أفريقيا وأوروبا للفترة ذاتها [12]. كما تشكل الظروف البيئية القاسية تهديدًا كبيرًا، حيث تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن طريق الصحراء وحده كان مسؤولاً عن وفاة ما يقرب من 5400 شخص بين عامي 2014 و 2022.[13] وأظهرت دراسة حديثة للأمم المتحدة أن 93% من الأفارقة ممن يسافرون إلى الدول الأوروبية عبر طرق غير نظامية، سيفعلون ذلك مرة أخرى، رغم المخاطر المهددة لحياتهم التي يواجهونها في كثير من الأحيان.[14] هذا فضلا عن  التأثير السلبي الشديد على الدولة المهاجر منها الفرد، وخاصة إذا كان المهاجرين من ذوي المهارة، والخبرة.

  وهناك تأثيرًا على الدول الغنية لدخول المهاجرين إلى أراضيها، حيث ينقسم هذا التأثير إلى وجهين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، إذ يمكن استغلال عملية اندماج المهاجرين في سوق العمل، فهناك عمالة رخيصة الثمن والتي يمكن أن تستغلها الدول في المهن الصغيرة، وعمالة مهرة، والتي يمكن تدمجها الدول في المهن التي تحتاج إلى مهارة عالية، وسيكون لها تأثير إيجابي على اقتصاد هذه الدول.

أما التأثيرات السلبية على الدول المتقدمة المستقبلة لهؤلاء المهاجرين، فتتمثل في تأثيرات ديمغرافية واجتماعية، إذ تؤدي الهجرة عمومًا إلى تغيير التركيبة الاجتماعية لكل من دول المهجر ودول المصدر، وتساعد الهجرة إلى حد كبير في تغيير الخريطة السكانية للمنطقة. كما تضيف الهجرة غير الشّرعيّة على المدى القصير ضغوطات على اقتصاد بعض الدول المتقدمة. فهي ترتّب أعباء على الموازنات العامّة لتلك الدول نتيجة تكاليف استقبال، وإيواء أو ترحيل المهاجرين، وتتراوح الكلفة الإجماليّة للمصاريف الأوّليّة خلال السّنة الأولى ما بين 8 و12 ألف يورو لكلّ طالب لجوء. كذلك الحال على صعيد سوق العمل، إذ تمثل الهجرة غير النظامية أعباء إضافية على قوة العمل، تزداد معها فرص البطالة خصة في ظل معانة دول العالم المتقدم ومنها دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من معدلات مرتفعة من البطالة مستمرة منذ سنوات وتزايدت بشكل ملحوظ عقب تداعيات وباء كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية[15].

هذا بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي تنشأ نتيجة تلك الهجرة، حيث إن جزءًا من الحوادث الإرهابيّة الّتي وقعت مؤخّرًا في أوروبا أرجعها العديد من الجهات إلى اشتراك مهاجرين بشكل غير شرعى من أفريقيا تعاونت مع جماعات إرهابية نتيجة تسلّل الإرهابيّين مع المهاجرين كما هو شائع، وهو ما يشير أيضًا إلى عدم اندماج المهاجرين الشّرعيّين في المجتمعات الأوروبّيّة[16].

سادسًا- السبل المقترحة للحد من تدفقات الهجرة الأفريقية غير الشرعية:

 مما لا شك فيه أن دول العالم المتقدم تبذل جهود عدة للحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى حدودها، وتتنوع تلك الجهود ما بين تشريعات قانونية تجرم تلك الهجرة وتعاقب إليها، وما بين جهود تعاونية متعددة من قبل تحالفات العديد من الدول لصد تلك الهجرة. يضاف إلى ذلك إلى جهود الدول المصدر لهؤلاء المهاجرين التي تسعى إلى الحد من التحركات غير النظامية من بادئها. ولكن ليس المجال هنا هو التفصيل لتلك الجهود، ولكن الفكرة هنا كيف يمكن مواجهة مشكلة الهجرة الأفريقية غير الشرعية وسط مجموعة تحديات إضافية يعاني منها العالم أجمع ما بين تحديات اقتصادية وسياسية، وتوترات أمنية عديدة بالقارة الأفريقية تدفع نحو مزيد من الهجرة ومن هنا يجب أن تتم مكافحة الهجرة غير الشرعية في إطار الاحترام الصارم لحقوق الإنسان وكرامته إلى جانب التعاون الدولي والوطني، والمسؤولية المتبادلة بين دول المنشأ والعبور والجهة المقصودة .ومن هنا نقترح الآتي:-

  • أن موضوع الهجرة غير الشرعية مرتبط بشكل كبير بموضوع التنمية، حيث إن المجتمعات التي تعاني من تعثر التنمية فيها تكون في الغالب دولاً مصدرة للهجرة غير الشرعية، بينما الدول التي تشهد تقدمًا في مجال التنمية تكون دولًا مستقبلة للهجرة غير الشرعية، والتنمية هنا يجب أن تكون على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما يجب أن تركز سياسات خلق فرص العمل في القارة على القطاعات كثيفة العمالة مثل الزراعة.
  • ينبغي للحكومات أن تعمل على تقليل اللوائح التنظيمية المتعلقة بالاستثمار الخاص والمحلي والأجنبي، وتوفير البنية التحتية وتعزيز الأنظمة السياسية التي تسمح لأغلبية المواطنين بالمشاركة الاقتصادية وخلق مصادر دخل، فضلا عن ضرورة الاهتمام بالاقتصاد غير الرسمي الذى يتسم بمستويات منخفضة من الإنتاجية. ولا يمكن لهذه المستويات أن توفر للعمال ما يكفي من الدخل لانتشال أنفسهم أو أسرهم من الفقر.
  •  التعاون الدولي من أجل تشجيع التنمية المشتركة وتمكين الأفارقة من التمتع بظروف لائقة للعيش والعمل في بلدانهم. ولكن التعاون الدولي الناجح لتحفيز اقتصاد أفريقيا سوف يعتمد على التمويل الكافي لاستراتيجية التنمية القارية، أو الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد)، بما في ذلك زيادة المساعدات وإيجاد حل لأعباء ديون القارة.
  • من أجل توفير حماية أفضل لطالبي اللجوء، يجب إنشاء مكاتب لجوء تابعة للاتحاد الأوروبي في شمال ووسط أفريقيا، حيث يمكن للاجئين التقدم بطلب اللجوء هناك بأمان. ويمكن لموظفي الاتحاد الأوروبي هناك تقييم ما إذا كان للمهاجر فرصة للوجود والبقاء في الاتحاد الأوروبي أم لا. هذا الأمر من شأنه أن يساهم في تخلي الكثير من المهاجرين عن فكرة سلوك طرق الهجرة الخطيرة مثل البحر الأبيض المتوسط .

 وختامًا، يمكن القول بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ظاهرة معقدة وخطيرة بكل أبعادها القانونية والاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي لا يمكن القضاء عليها أمنيًّا فحسب، وإنما للقضاء عليها يجب البحث في الأسباب المؤدية إليها بمختلف زواياها، حيث يجب التركيز على تحقيق ذلك بالاعتماد على التنمية. وهو ما ظهر مؤخرًا في محاولات دول العالم المتقدم تقديم يد العون والمساعدة للقارة الأفريقية في ملتقيات مختلفة كان أبرزها القمة الإيطالية الأفريقية التي عقدت في يناير 2024، والتي أفرزت خطة “ماتي” التي خصصت 5.5 مليار يورو للتنمية المشتركة في أفريقيا غرضها في الأساس مواجهة أخطار الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا ومنها لباقي دول أوروبا. كما أشارت القمة المصرية الأوروبية المنعقدة في مارس من العام ذاته إلى تقديم الاتحاد الأوروبي حزمة مالية تنموية لمصر تقدر بـ 7.4 مليار يورو تشمل منحًا قدرها 600 مليون يورو من بينها 200 مليون لمواجهة مشكلات الهجرة غير الشرعية.

   ومن هنا يمكن القول بأن الشراكة التنموية ما بين الدول المتقدمة ودول العالم النامي، ومنها أفريقيا، هي السبيل الأساسي لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، ولا ينفي هذا بالتأكيد عن دور الدول الأفريقية في بناء اقتصادات قادرة على استيعاب مواطنيها وضمان مستوى معيشي ملائم لهم في ظل استقرار أمني وسياسي.

  • مراجع الدراسة:


[1])  International Organization for Migration “IOM” ,  Key Migration Terms, 2011, available at: https://www.iom.int/key-migration-terms

[2]) أحمد خميس، “أمن الحدود وتأثيراته على الهجرة غير الشرعية الأفريقية”، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، العدد 2، المجلد 31، ( القاهرة : معهد التخطيط القومى، يونيو 2023 )، ص . 81.

[3]) Wendy Williams , ” African Migration Trends to Watch in 2024 “, Africa Center For Strategic Studies ,  January 9, 2024 , available at :
https://africacenter.org/spotlight/african-migration-trends-to-watch-in-2024
[4]) Voanews  , ” Europe Fears Surge in African Migration as Niger Repeals Trafficking Law” ,  December 07, 2023, available at :
https://www.voanews.com/a/europe-fears-surge-in-african-migration-as-niger-repeals-trafficking-law/7388521.html

[5]) Mo Ibrahim Foundation , Africa and Europe Facts and Figures on African Migrations, 2023 , available at :-

https://mo.ibrahim.foundation/our-research/data-stories/aef-african-migrations
[6]) Mamadi Corra , ” Immigration from Africa to the United States: key insights from recent research ” , Frontiers Media , 08 June 2023, available at:
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fsoc.2023.1171818/full
[7] ) Jane Lorenzi and Jeanne Batalova , ” Sub-Saharan African Immigrants in the United States” ,  the Migration Policy Institute , MAY 11, 2022, available at:
https://www.migrationpolicy.org/article/sub-saharan-african-immigrants-united-states-2019
[8])Jane Lorenzi and Jeanne Batalova , ” Sub-Saharan African Immigrants in the United States” ,  the Migration Policy Institute , MAY 11, 2022, available at:
https://www.migrationpolicy.org/article/sub-saharan-african-immigrants-united-states-2019

[9]) Mo Ibrahim Foundation ,Op.cit.

[10]) Gumisai Mutume  , African migration: from tensions to solutions, 2006 , available at :
https://www.un.org/africarenewal/magazine/january-2006/african-migration-tensions-solutions
[11] ) شعبان بلال، ” تحذيرات من زيادة تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا”، مركز الاتحاد للأخبار، فبراير 2024،  متاح على الرابط التالي:-
https://www.aletihad.ae/news/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/4461006/%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D9%81%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7

12) مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، توجهات الهجرة الأفريقية الواجب مراقبتها في عام 2023، ٣ فبراير ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:-

https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-african-migration-trends-to-watch-in-2023
[13]) BBC العربية، الهجرة: ما هي أخطر الطرق التي يسلكها المهاجرون حول العالم؟، يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:-
https://www.bbc.com/arabic/world-61979721
([14] الأمم المتحدة، “أكثر من 90% من المهاجرين الأفارقة سيكررون رحلة الهجرة إلى أوروبا، رغم المخاطر”، أكتوبر 2019، متاح على الرابط التالي:-
https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042151
[15] ) المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، الهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا إلى أوروبا : أسباب وآثار، مايو 2019، متاح على الرابط التالي:-

[16]) Craisor-Constantin Ionita  , ” Terror in europe and its sources in illegal migration from the south. How to distinguish one from the other and contain both ” , January 2020, PP.33-35., available at :

https://www.researchgate.net/publication/367943894_Terror_in_europe_and_its_sources_in_illegal_migration_from_the_south_How_to_distinguish_one_from_the_other_and_contain_both
  • المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، الهجرة عبر أفريقيا وتداعياتها على أمن أوروبا، يونيو 2021، متاح على الرابط التالي:-
https://www.europarabct.com/%D9%85%D8%B9%D8%B6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%88