كتبت – أسماء حمدي
بعد أن وصلت إزالة الغابات من أجل الكاكاو وتعدين الذهب في ساحل العاج إلى معدلات تنذر بالخطر، شكلت الدولة الأفريقية فريقًا أمنيًا مهمته القضاء على النشاط غير القانوني.
«وحدة النخبة»
قبل الفجر بحوالي ساعة، عثر الملازم أول ماهي لاندري، وفريقه من الحراس على منجم ذهب غير قانوني كانوا يبحثون عنه في أعماق غابة تيني، في جنوب وسط ساحل العاج.
في ذلك الوقت، كانت السماء تمطر بغزارة معظم الليل والضوء الوحيد يأتي من أشعة بعض المشاعل، ويتعين على الفريق، تفادي الأغصان المقطوعة، مع الحرص على عدم السقوط في الثقوب التي حفرت في الأرض، وأكياس السجائر وزجاجات الكحول الفارغة والأحذية الفردية متناثرة عبر أرضية الغابة.
وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، بدأ زوجان من الحراس في الكشف عن حفرة أغلقت بقطع من الخشب مغطاة بالمواد والرمل، وألقى الحراس ببعض الحجارة في الحفرة ليستغرق الوصول إلى القاع حوالي 3 ثوان، يقول لاندري: «إنها عميقة، ربما حوالي 25 مترًا، وكان من الممكن أن يستغرق الحفر حوالي أسبوعين إلى 3 أسابيع».
لاندري هو رئيس خدمة مراقبة الغابات، وهي وحدة نخبة من 10 رجال تتمثل مهمتها في الدفاع عن غابات ساحل العاج، والبالغ عددها 234 من عمال مناجم الذهب وقاطعي الأشجار ومزارعي الكاكاو غير القانونيين، وحماية جهود إعادة التحريج.
فقدت ساحل العاج حوالي 80٪ من غاباتها خلال 60 عامًا، وبين عامي 2001 و 2021، خسرت الدولة 3.46 مليون هكتار (8.5 مليون فدان)، أي ما يعادل انخفاضًا بنسبة 23 ٪، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الزراعة المكثفة للكاكاو وتعدين الذهب.
ووجد تقرير لجلوبال فورست ووتش لعام 2019، أن ساحل العاج لديها ثاني أعلى نسبة زيادة في إزالة الغابات في العالم بين عامي 2017 و2018، وحوالي 70 ٪ من قطع الأشجار كان في المناطق المحمية.
معركة حقيقية
في مواجهة هذه الخسارة، اتخذت ساحل العاج عدة إجراءات في عام 2019، إذ تبنت قانونًا للحفاظ على غابات البلاد وإعادة تأهيلها وتوسيعها، ويمكن الآن تغريم أي شخص يتم القبض عليه وهو يقوم بالتعدين بشكل غير قانوني في المناطق المحمية أو يُسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات.
يقول الملازم ما هي لاندري، الذي تشكلت وحدته بعد الأزمة السياسية بين عامي 2010 و2011، عندما كانت الغابات تُستغل بشكل كبير: «كان تعدين الذهب في الغابات المحمية يمثل مشكلة لفترة طويلة، ولكن في الآونة الأخيرة ازداد سوءًا».
يضيف: «لقد كانت السنوات العشر الماضية معركة حقيقية، لكن يمكنني القول إننا أمنا 75-80٪ من غاباتنا، ولدينا العديد من الغابات دون أي تسلل والعديد منها توجد فيه قليلا، وفيما يتعلق بالمكان الذي نقارن فيه الآن بقبل، أنا راضٍ عن الوضع».
وأوضح رئيس خدمة مراقبة الغابات، أن عمال التنقيب عن الذهب يأتون من مالي وبوركينا فاسو وغينيا المجاورة، هربًا من الصراع في بلدانهم ويسعون وراء جمع الثروات في عشرات المناجم الصغيرة غير المرخصة، ويقوم بعض عمال المناجم غير القانونيين بتوظيف الصيادين التقليديين، لحماية مناجمهم، وكثير من الناس في ساحل العاج ينظرون إلى الصيادين على أنهم يمتلكون قوة خاصة وحكمة وقوة.
وأشار إلى أن جرامين من الذهب يمكن أن يصل سعرهما إلى 25000 فرنك أفريقي (33 جنيهًا إسترلينيًا)، مضيفا: «تخيل ما يمكنك الحصول عليه من كيلو، إنها طريقة لكسب المال أسرع بكثير من الزراعة».
البيئة في خطر
في عملية جرت في غابة تيني العام الماضي، اعتقل 21 من عمال التنقيب عن الذهب وصودرت معداتهم، والآن تجري وحدة لاندري تحقيقا في شبكات تهريب الذهب.
يقول لاندري أن عملية التنقيب لها تأثير ضار على البيئة ضار، مشيرا إلى أن الحفر يؤدي إلى إزاحة أكوام ضخمة من الأرض والصخور، وتقطع الأشجار في هذه العملية، ويستخدم الزئبق والسيانيد لاستخراج المياه والأراضي الملوثة للذهب، مما يعرض صحة الناس والنظم البيئية للخطر، يعتبر النهر الذي يمر عبر غابات تيني مصدرًا حيويًا للمياه لأكبر مشتل في البلاد، حيث تُزرع ملايين الأشجار لجهود إعادة التحريج.
ويوضح خبير الدفاع والأمن المستقل الذي يركز على غرب أفريقيا، بيير دربس، أن البحث عن الذهب يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية، مضيفا: «هناك مسألة تدهور الأرض ولكن هناك أيضا منافسة حول من يتحكم في المناجم والأراضي التي وجد أنها مناسبة للاستغلال، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى صراع بين المجتمعات».
ويقول دربس، إنه عثر على العديد من عمالة الأطفال والرق في عمليات التعدين السرية للذهب، وكذلك المخدرات والكحول والبنادق، وفي بعض الحالات، يكون لعمال المناجم صلات مع الجهاديين، لا سيما في مالي وبوركينا فاسو، ويكسبون الأموال لحملاتهم الإرهابية في الوطن.
نظرًا لأن عمليات تعدين الذهب السرية أصبحت أكثر تعقيدًا وتنظيمًا، كان على فريق لاندري التكيف، وأصبحوا يستخدمون شبكات من المخبرين الذين يزودونهم بالمعلومات، وطائرات بدون طيار لتحديد نطاق النشاط غير القانوني قبل التخطيط لعملية ما.
يقول لاندري، إنهم يحملون بنادق، ولكن فقط للدفاع عن النفس، ويتحركون بصمت على الأقدام في منتصف الليل ويحملون القليل من المعدات حتى يتمكنوا من التحرك بسرعة، مشيرا إلى أن الاستراتيجية هي أن تفاجئ الناس، وننصب كمين للحفارين في الصباح الباكر بعد أن كانوا يعملون طوال الليل، بحيث تكون المقاومة ضئيلة.
في منجم الذهب في تيني، يناقش لاندري وفريقه الخطوات التالية، لم تكن هناك اعتقالات في هذه الليلة، إذ ابقى المطر الغزير المنقبين بعيدا، يتحدثون عن إقامة عملية مراقبة لتتبع ما يجري، ويخططون لملء المناجم، مما يعيق تقدم المنقبين عن الذهب.
أثناء عودتهم إلى حيث تركوا المركبات، على بعد 3 أميال عند مدخل الغابة، كان هناك صوت الكسارات في المسافة، يكاد يكون من المؤكد أنهم يكسرون الصخور التي تحتوي على الذهب التي تم جمعها في وقت سابق من تيني، يقول لاندري: «إنها تقع خارج حدود الغابة، لا يوجد شيء يمكننا القيام به».