كتبت – أسماء حمدي
مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، يواصل 1.000 لاجئ عبور الحدود الجنوبية يوميًا، بحثا عن مكان آمن من أجل البقاء على قيد الحياة.
وينضم هؤلاء إلى أكثر من نصف مليون شخص عبروا الحدود إلى جنوب السودان، الذي يكافح لاستيعاب الوافدين الجدد مع ازدحام مخيمات اللاجئين هناك.


ظروف مزرية
بالنسبة للكثيرين، يمثل جنوب السودان العودة إلى الأرض التي ظنوا أنهم تركوها وراءهم، بعد أن فروا من البلاد بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2013، والآن أجبرهم القتال الجديد في بلدهم الجديد على العودة مرة أخرى.
في بلدة الرنك الصغيرة في جنوب السودان، يواجه عدد متزايد من اللاجئين نقصا حادا في المياه والغذاء والمأوى، إذ بلغ عدد اللاجئين في الرنك نحو 57.000 ألف شخصا يعيشون في ظروف توصف بأنها مزرية، وفقا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
تقع الرنك على مسافة 10 كيلومترات فقط من السودان، حيث اندلعت الحرب في إبريل من العام الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومنذ ذلك الحين يشهد مركزا عبور تابعان للأمم المتحدة، تدفقا متواصلا للسودانيين الفارين من الحرب.


ومع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين المصابين بصدمات نفسية إلى الرنك كل يوم، فإن مركزا العبور يكافح لعلاج ودعم اللاجئين، يقول مسؤول في الأمم المتحدة: “لا يكاد يوجد أي ماء أو طعام أو صرف صحي أو أمن أو مأوى”.
ونظرا للاكتظاظ في مركز العبور في الرنك، أصبحت المرافق غير كافية على الإطلاق، وهناك حاجة إلى المزيد من المراحيض للتخفيف من انتشار الكوليرا، إذ يتشارك حاليًا حوالي 200 شخص في مرحاض واحد، أي 10 أضعاف النسبة الموصى بها، ما يجعل الوافدين الجدد أمام خيار واحد وهو العثور على مأوى خارج محيطه.


تقطعت بهم السبل
على الحدود في جودة بعد فرارها من العاصمة السودانية الخرطوم، وعلى بعد 400 كيلومتر (250 ميلا) شمالا، تجلس جاكلين 12 عاما، تحت شجرة صغيرة، ويحيط بها 16 فردًا من عائلتها.
تقول جاكلين لقد جعلنا الشجرة منزل مؤقت بينما ننتظر التوجه جنوبًا نحو الرنك، مضيفة: “كانت الحياة على ما يرام، كنت آكل وأنام على السرير ولكني الآن أبقى تحت شجرة صغيرة”.
تقول جلوريا، 10 سنوات، والتي فرت من القتال في الخرطوم، إنها تنتظر الحافلة التي ستنقلها هي وعائلات أخرى تقطعت بهم السبل إلى مركز العبور المكتظ في الرنك، جنوب السودان، في رحلة تستغرق ساعتين على مسارات ترابية في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية.
منذ بداية الحرب، فر من السودان قرابة 8 ملايين شخص، نصفهم أطفال، لجأ نحو 560 ألفا منهم إلى جنوب السودان، وفقا للأمم المتحدة التي تقدر أن 1500 شخص تقريبا يصل كل يوم إلى البلاد، ويمضي كثر منهم أشهرا في الانتظار في المخيمات، آملين في أن يتمكنوا في وقت قريب، من العودة إلى ديارهم.
وحسب أرقام الأمم المتحدة، أودت الحرب بحياة آلاف المدنيين، كما تشير إلى أن نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، في حين يعاني نحو 3.8 مليون طفل دون سن الخامسة، سوء تغذية.
وفي حين يتوق كثر في الرنك للعودة إلى ديارهم، يأمل آخرون في السفر إلى مدينة ملكال في ولاية أعالي النيل التي تستضيف أيضا، عددا كبيرا من اللاجئين.
في ميناء الرنك، يصطف مئات الأشخاص تحت أشعة شمس حارقة في طوابير طويلة، للصعود على متن قوارب تقوم بالرحلة مرتين على الأقل في الأسبوع إلى تلك المدينة.
وتجلس صابرين البالغة من العمر 16 عامًا، بصبر مع أسرتها في قارب مكتظ سينقلها من الرنك على طول النيل الأبيض إلى ملكال إذ تحاول الوصول إلى عاصمة جنوب السودان، جوبا، على بعد 970 كيلومترا إلى الجنوب، تقول: “إذا كانت محظوظة، فستستغرق الرحلة يومين على الأقل، وربما 3”.


العودة على مضض
آخر مكان تود نيارول أن تذهب إليه بعد فرارها من القتال الدائر في السودان هو بلدها جنوب السودان الذي تركته مع اندلاع الحرب الأهلية في عام 2013.
تعيش نيارول الشابة البالغة من العمر 26 عاما مع والدتها وشقيقها في مركز العبور، وهي واحدة من العديد من مواطني جنوب السودان الذين اضطروا إلى العودة لأن البلد الذي لجأوا إليه خطير للغاية، تقول نيارول: “لم أكن لأعود إلى جنوب السودان، كنت سأذهب إلى أي مكان لكن لم يكن لدي خيار آخر”.


تضيف: “ارتفاع درجة الحرارة يقتلنا وهناك بعض الناس ظلوا 4 أيام دون طعام ولا مكان للنوم والأطفال يمرضون”، لكنها تأمل في أن تساعدها الأمم المتحدة في الانتقال إلى بلد آخر.
بدورها، قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شارلوت هالكفيست: “من أكثر الأزمات التي تعاني منها جنوب السودان، هي نقص التمويل، ونحن الآن نتحرك لدعم هذا التدفق الجديد من اللاجئين”، ودعت المجتمع الدولي إلى عدم نسيان جنوب السودان”.
نيارول، ليست الوحيدة، إذ فرت سوزان وليام (36 عاما) من الحرب الأهلية في عام 2013 وأعادت بناء حياتها في السودان حيث عملت ممرضة في الخرطوم، أما الآن فقد عادت إلى جنو السودان وتعيش في المخيم البدائي في الرنك مع أطفالها الـ4.
تحكي سوزان: “يقولون إنه لا يوجد استقرار في جنوب السودان، لذلك قررنا التوجه إلى السودان وتأسيس حياة هناك، لكن الآن أيضا لا يوجد استقرار في السودان، ماذا نفعل؟ لا نعلم”.