كتب – د . يوسف بدر

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط

شنت إيران هجومًا مباشرًا من أراضيها بالصواريخ والطائرات المُسيرة تجاه إسرائيل إلى داخل الأراضي المحتلة، وهي سابقة ومغامرة قد وضعت المنطقة والعالم أمام معادلة جديدة من الصراع والتوتر بين هذين البلدين الذين يعلنان عدائهما بشكل صريح.

وبالنسبة للقارة الأفريقية، التي تجاور هاتين القوتين الإقليميتين، إذا تقترب إيران من أفريقيا جنوبًا عند خليج عدن وباب المندب، وإسرائيل تقترب شمالًا عند خليج العقبة وبينهما البحر الأحمر، فإن هناك تساؤلات تُطرح عن موقع دول القارة في معادلة الصراع بين الطرفين، خاصة أن كل من إيران وإسرائيل يتمتعان بنفوذ واسع داخل القارة الأفريقية.

هل أفريقيا معنية بما جرى بين إيران وإسرائيل؟

بالفعل معنية، خاصة أن موقع قارة أفريقيا يقع في منتصف العالم، وتحدها البحار والمحيطات من الجوانب كافة، ومنها البحر الأحمر، الذي هو منطقة حركة السفن العسكرية الإيرانية والإسرائيلية، بجانب تمدد إيران وإسرائيل في المدن المطلة على هذا البحر.

وقبل الضربة الانتقامية التي وجهتها إيران لإسرائيل في الأراضي المحتلة، كانت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد أعربت عن قلقها عن شحنات أسلحة أرسلتها إيران إلى الجيش السوداني، وظهر ذلك خلال تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي فيي، خلال مشاركتها في القمة الأفريقية بأديس أبابا، ما يعني أن واشنطن التي قادت جهودًا لمدة أسبوعين منذ قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق (1 أبريل)، وذلك لاحتواء الضربة الإيرانية عبر قواتها المنتشرة في المنطقة، كانت تخشى من خروج طائرات مسيرة أو صواريخ باليستية من أراضي أفريقية، ومنها السودان تجاه إسرائيل.

وهذا يعني أن أفريقيا واقعيًا معنية بما يجري بين إيران وإسرائيل، وهي منطقة تنافس بينهما، على غرار التنافس الأمريكي – الروسي، أو الأمريكي – الصيني.

ويمكن القول، إن انعكاسات الهجوم الإيراني على إسرائيل، سيدفع إسرائيل إلى توسيع الاتفاق الإبراهيمي فيما حولها، ومنها دول أفريقيا، لا سيما المسلمة منها، على غرار اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني، 23 أكتوبر 2020.

ما الذي يمكن أن يتغير في معادلة إيران – إسرائيل بالنسبة لأفريقيا بعد ذلك الهجوم؟

ما قامت به إسرائيل أو إيران، أمر مستجد على المنطقة، ما يعني أن هناك جرأة في اتخاذ خطوة مثل هذه، بالنسبة لإسرائيل، قصف مقرات البعثات الدبلوماسية، وبالنسبة لإيران مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر من أراضيها بالصواريخ والطائرات المسيرة، وأفريقيا هي منطقة تنافس بين الطرفين، ولذلك لا يمكن أن تخرج من هذه المعادلة.

وهناك نتيجة مهمة بعد الهجوم الإيراني، وهي أن إسرائيل التي اكتشفت أهمية محيطها برًا وبحرًا في صد الهجمات الإيرانية خارج أجوائها، ستعمل على تعزيز نفوذها في أفريقيا التي تجاورها، خشية أن تستفيد إيران من المليشيات الموالية لها هناك في توجيه ضربات ضدها.

وهو ما ستعمل إيران عليه في المرحلة القادمة، خاصة أن انتشار المليشيات والفصائل الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بمثابة قنبلة نووية بديلة، يمكن أن تستخدمها إذا ما تعرضت لتهديد قادم من إسرائيل أو أية قوى خارجية.

بالنسبة للبعد العسكري، كيف تتأثر أفريقيا بمعادلة التنافس بين إيران وإسرائيل؟

إذا راقبنا التحركات الروسية في أفريقيا، مثلاً في دول مثل مالي أو النيجر أو جمهورية أفريقيا الوسطى، نجد متلازمة روسيا-إيران، ولذلك يأتي التعاون العسكري مع تلك الدول في إطار مناوئة القوى الغربية، وبالنسبة لإيران يوفر لها هذا التعاون، الوجود في منطقة تنافسية مع إسرائيل وأيضًا تهديد لأمنها وحركة تجارتها البرية والبحرية.

ومسألة أخرى مهمة بالنسبة لإيران، وهي أن أفريقيا تمثل سوقًا مهمًا لصادرات أسلحتها، خاصة الطائرات المسيرة والأسلحة التقليدية، وهي تجارة تمثل مسارًا بديلًا لتوفير العملة الصعبة بعيدًا عن تجارة النفط التي تتعقبها العقوبات الغربية.

هل من مؤشرات جادة على أولوية أفريقيا في السياسة الخارجية الإيرانية؟

إذا تابعنا خطابات المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، نجد أنها دائمًا تتحدث عن معادلة أسيا وأفريقيا في مواجهة أمريكا وأوروبا، وهي معادلة تقوم على مناوئة القوى الغربية، لذلك نجد وزير الخارجية الإيراني يزور دولة مالي، أغسطس 2022، أي في الفترة التي شهدت انقلابًا على الوجود الفرنسي هناك.

إشارة أخرى، أن إيران حريصة على ملف أفريقيا في سياستها الخارجية، فقد قامت مؤخرًا بتعيين أكبر خسروي نجاد، في منصب مساعد وزير خارجيتها والمدير العام لشؤون أفريقيا، وهو شخصية ذو خبرة عن هذه المنطقة؛ حيث شغل منصب سفير إيران في سيراليون، ورئيس دائرة شؤون المؤسسات الأفريقية، ورئيس دائرة غرب أفريقيا في الخارجية الإيرانية، ما يعني أن طهران مهتمة بملف القارة السمراء بشكل جاد.

في إطار التنافسية مع إسرائيل، هل هناك أطماع اقتصادية لإيران في القارة الأفريقية.

بلا شك، فإن كانت كل من إسرائيل وإيران لديهما اهتمام بالمجال النووي، فإن مناجم أفريقيا السبيل لدعم هذه الصناعة، وإثبات إيران لحضورها الإقليمي بعد الهجوم الصاروخي الذي وجهته لإسرائيل، سيفرض على كلا البلدين الاهتمام بالتكنولوجيا النووية، حيث تجاوز السلاح النووي مفهوم الردع الاستراتيجي، وباتت الآن هناك نوع من الأسلحة النووية التكتيكية، وهي تحتاج صناعتها إلى عنصر اليورانيوم الذي يتوفر في القارة السمراء.

لذلك الأمر، ذهبت إيران إلى النيجر التي تمتلك احتياطيًا كبيرًا من اليورانيوم، بينما العلاقات بين ذلك البلد والولايات المتحدة الأمريكية تشهد حاليًا حالة من التوتر.

أيضًا، إذا شاهدنا المعرض الأول للقدرات التصديرية لإيران الذي أقيم في تنزانيا، 21 فبراير الماضي، نكتشف أن الحكومة الإيرانية في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، قد وضعت أفريقيا على أولوية الخيارات للزراعة خارج حدودها، حيث تهتم بدولة تنزانيا في هذا الإطار، خاصة أن الهضبة الإيرانية تشهد حاليًا فترة طويلة من الجفاف والقحط، وهو ما يستدعي البحث عن مصادر للغذاء خارج هذه المنطقة.

أيضًا، تمثل أفريقيا سوقًا مهمة للمنتجات الإيرانية، فهي سوق تبحث عن وفرة المنتجات بأسعار مقبولة ولا تفتش عن الجودة، وهو ما يتماشى مع الصناعات الإيرانية، وهناك مثلًا بلد مثل كينيا في شرق أفريقيا، يستعد لإقامة معرضه الزراعي والحيواني في 12 يونيو القادم، وهو معرض تتجهز طهران للمشاركة فيه بقوة.

وقريبًا، هناك مؤتمر اقتصادي، تستعد طهران لاستضافته تحت عنوان “مؤتمر التعاون الاقتصادي بين إيران وأفريقيا”، بمشاركة 30 دولة أفريقية، في 26 أبريل الجاري، ما يؤشر على حجم اهتمام طهران بالاقتصاد الأفريقي.