إعداد – د. رأفت محمود محمد

الخبير في قضايا الأمن الإقليمي والشأن الأفريقي

تعد حدة التوترات الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية، والتي تصاعدت مطلع العام الجاري نتيجة عقود من الصراع بين الجيش الكونغولي والعديد من الجماعات المتمردة في تلك المنطقة، والتي أدت إلى بلوغ عدد النازحين بسبب أعمال العنف 7.1 مليون في نهاية  شهر مارس الماضي، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة[1].

وتأتي هذه التوترات على الرغم من مساعي قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة (16-17 فبراير 2024م) للحيلولة دون انفلات الأزمة إلى مواجهات عسكرية إقليمية مباشرة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، مع اصطفاف دول أخرى من بينها بوروندي وأوغندا في تداعياتها.

وكانت نتائج قمة الاتحاد الأفريقي المصغرة التي تم عقدها لبحث الأزمة الكونغولية برئاسة الأنجولي جواو لورينسو الذي يحاول إنجاح عملية لواندا للسلام بين البلدين برعاية الاتحاد، وبحضور الرئيس الكونغولي تشيسيكيدي والكيني وليام روتو، والجنوب أفريقي سيريل رامافوسا، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي مؤشرًا على عدم القدرة على الحد من تصاعد التوتر بين الكونغو الديموقراطية ورواندا، ومحفزًا لمزيد من التوتر في الوضع الإقليمي.

فقد قامت رواندا بتفريغ القمة من جدواها حيث تمسكت بمبررات وجود قواتها العسكرية مباشرة داخل أراضي شرقي الكونغو ومطالبتها كينشاسا بمواجهة “القوات الديمقراطية” المتهمة بالتورط في أعمال الإبادة التي شهدها الإقليم قبل ثلاثة عقود، بل قامت مسيرات رواندية بإلقاء قنابل على مطار جوما استهدفت طائرات عسكرية تابعة للجيش الكونغولي في المدينة الحدودية حسب بيان للأخير في 17 فبراير وبالتزامن مع قمة الاتحاد الأفريقي المصغرة[2]، وبما يوضح بأن التوترات في شرق الكونغو ستشهد تصاعدًا خلال المرحلة المقبلة.

أولًا: أهمية منطقة شرق الكونغو

يعد شرق الكونغو الديمقراطية منطقة تنافس جيوسياسي حاد بين الكونغو الديموقراطية ودول الجوار لها، وهم كل من أوغندا ورواندا، وذلك لعدة أسباب أهمها: أن هذه المنطقة تذخر بثروات طبيعية عديدة ونادرة، وكذلك رغبة في إثبات النفوذ الإقليمي في منطقة البحيرات الاستوائية، حيث تختلط في المنطقة الدوافع الأمنية بالعرقية والاقتصادية نتيجة التداخل الإثني لشرق الكونغو مع كل من رواندا وبوروندي وأوغندا، وبما  جعل المنطقة ملجأ لموجات اللجوء الناتجة عن الاضطرابات السياسية والعرقية المستمرة، ووفرت بدورها موردًا بشريًا للعديد من المليشيات المسلحة المحلية أو الفارة من دول الجوار، والتي استفادت من ضعف السيطرة الأمنية لكينشاسا العاصمة الكونغولية على عدد من المناطق، ومها المنطقة الشرقية لها، بالإضافة إلى عامل الاحتضان لتلك الفئات والجماعات في إطار حروب الوكالة التقليدية في منطقة البحيرات العظمى.

وتعد حركة 23 مارس العنوان الأبرز لتلك التوترات، والتي ترى الكونغو أن هذه الحركة تلقى دعم من دولة رواندا المجاورة، والتي من جانبها أنكرت دعمها للجماعة، بل واتهمت الحكومة الكونغولية والرئيس فيليكس تشيسيكيدي بالتعاون مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا Democratic Forces for the Liberation of Rwanda (DFRL)، وهي مجموعة مسلحة تعمل في شرقي الكونغو، ويُتّهم قادتها بصلات بإبادة الهوتو ضد التوتسي في رواندا[3].

ثانيًا: تاريخ حركة 23 مارس

حركة 23 مارس ترجع إلى اتفاق سلام أُبرم يوم 23 مارس 2009 ولم يتم تنفيذه، حيث تم الاتفاق على دمج جماعة نتاغاندا المسلحة (المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب) في عام 2009، بالجيش الكونغولي. وأستفادت الحركة من امتيازات عديدة خلال فترة دمجها بالجيش الكونغولي وبمضي الوقت بدأت الحركة تحوذ على منافع ومزايا نتيجة أنشطة التعدين في منطقىة شرق الكونغو  والغنية بالقصدير والذهب والتنتالوم، مما خلق نوعًا آخر من الصراع بينهم وبين القيادات العسكرية في الجيش الكونغولي. وقد أدى هذا الوضع إلى تبادل الاتهامات بين قيادات الحركة في الجيش والحكومة الكونغولية، ونتيجة لتلك الاختلافات عادت الأطراف مرة أخرى إلى المواجهات في شرق البلاد في عام 2013.[4]

وأدى انشغال الجيش الكونغولي والأوغندي في محاربة الإرهاب إلى زيادة نشاط الحركة، حيث واجه الجيشان تحدي تحالف القوى الديمقراطية الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شمال الكونغو الديموقراطية، واستغلت الحركة حالة من الفراغ الأمني في المنطقة الجبلية كثيفة الغابات، حيث تلتقي حدود الكونغو الديمقراطية وأوغندا ورواندا.

وسابقًا تم استهداف هزيمة حركة “إم 23” من خلال قوة أفريقية مشتركة تم الموافقة عليها في قمة ويندهوك، التي عقدت في مايو 2023، حيث وافق زعماء الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (سادك)، المكونة من 16 دولة، على نشر بعثة عسكرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبهدف تحييد الحركة التي تتألف بشكل رئيس من عرقية التوتسي الكونغولية، على الأراضي في مقاطعة شمال كيفو في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال العامين الأخيرين، بعد أن كانت قد تعرَّضت للهزيمة، على يد قوة أفريقية مشتركة، قبل زُهاء عشر سنوات. 

وتتبادل كل من الكونغو الديموقراطية ورواندا الاتهامات بشأن أحداث شرق الكونغو، فتتهم رواندا الحكومة الكونغولية بأنها قامت بدمج القوات الديمقراطية لتحرير رواندا في القوات المسلحة الكونغولية، تلك القوات التي تكونت خلال فترة ما بعد إبادة التوتسي في العام 1994م، وحسب الرواية الرواندية فقد تجمعت هذه العناصر لاحقًا بما فيها جيش تحرير رواندا Army for the Liberation of Rwanda (ALiR). لتكون مجموعات أكبر مكونة في الغالب من الهوتو، وبالتبعية قامت رواندا وفق العديد من المؤشرات بدعم حركة حركة 23 مارس لتحمي بالأساس جماعة التوتسي الإثنية من ميليشيات الهوت، وبما أدى في النهاية من إحداث حالة من عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو، ومؤخرًا ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة فقد تسببت الاشتباكات العنيفة بين الجماعات المسلحة غير الحكومية والقوات الحكومية في نزوح أكثر من 450 ألف شخص، خلال الأسابيع الستة الماضية، في مقاطعة شمال كيفو[5].

ورغم مساعي التهدئة التي استمرت منذ مطلع العام الجاري حتى منتصف مارس فإن متمردي حركة 23 مارس كثَّفوا هجماتهم في شرقي الكونغو، ونجحوا في الاستيلاء على مدينة نيانزيالي  Nyanzale(5 مارس) الواقعة على بُعْد 130 كم من شمال مدينة جوما، وتضم آلاف المواطنين من المشردين داخليًّا[6].

حاليًا تمتلك حركة 23 مارس قوة نارية وعتادًا شديد التطور، وخاصة من حيث قدرات إطلاق النار بعيدة المدى، ومدافع الهاون والبنادق الآلية، فضلاً عن دقة استهداف الطائرات.“

ثالثًا: أسباب تنامي تهديد  حركة 23 مارس مؤخرًا

على الرغم من توافر عوامل عدة لخفض حجم التهديد الذي تمثله حركة 23 مارس على الاستقرار في منطقة شرق الكونغو إلا إنه واقعيًا توافرت عدة عوامل خلال المرحلة الماضية أدت إلى دعم قوة تلك الحركة والعمل على تنامي تهديدها حتى باتت معضلة تؤرق الجميع نظرًا للأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق الكونغو، والتي تحوذ على اهتمام قوى عديدة، وتتمثل أسباب تنامي تهديد حركة 23 مارس للاستقرار في منطقة البحيرات الاستوائية خلال المرحلة الحالية في الأتي:

  1. الموارد الطبيعية في المنطقة كرافد أساسي للصراع في المنطقة

الصراع على الموارد الطبيعية أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى إطالة حالة عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو، فتتركز معظم ثروة الكونغو الديموقراطية المعدنية في منطقة شرق الكونغو، وبصفة خاصة في مقاطعة كاتانغا والمناطق المحيطة بها، والتي كانت نواة عدم الاستقرار لمدة 20 عاماً على الأقل،

فتمتلك الكونغو الديمقراطية حوالي 51% من احتياطيات الكوبالت في العالم، وحوالي 80% من الاحتياطيات العالمية من معدن الكولتان، وهو معدن نادر يستخدم في صناعة المفاعلات النووية ومحركات الطائرات والصواريخ والأجهزة العالية الدقة، علاوة على ذلك، تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا أكبر منتجي النحاس في أفريقيا، وهو عنصر مهم في الأسلاك والمحركات[7].

وتشير التقديرات إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها لديها عدة ملايين من الأطنان من احتياطيات الليثيوم، ووفقًا لتقرير بلومبيرج إن إي إف، فإن إنشاء منشأة أولية في جمهورية الكونغو الديمقراطية لإنتاج سلائف البطارية لبطاريات الليثيوم أيون سيكون أرخص بثلاث مرات من تكلفة مصنع مماثل في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للقدرة التنافسية من حيث التكلفة والقرب من المواد الخام[8].

وبالتالي فإن التركيز الجغرافي لعمليات لحركة 23 مارس له منطق اقتصادي واضح للغاية؛ فهو يغطي منطقة غنية بالكولتان، تمتد من بوناغانا، بالقرب من الحدود مع أوغندا، إلى غوما، الواقعة في الحدود الإقليمية الكونغولية مع رواندا.

2. الأثر السلبي لدور الأطراف الخارجية في أزمة شرق الكونغو الديموقراطية

إذا كانت القوى الكبرى اجتمعت على أن الاستقرار في منطقة البحيرات الاستوائية سيحقق مصالحها إلا إنها حاولت توظيف حالة عدم الاستقرار تلك لتحقيق مصالحها من خلال  الضغط على دول المنطقة خاصة الدولة الكونغولية، والتي تعاني من حالة عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو  للحصول على أكبر قدر من المزايا، وقد وضح ذلك في التنافس الصينىي الأمريكي للحصو لعلى حقوق تعدين في الكونغو خاصة منطقة شرق الكونغو.

فتوجد رغبة مؤكدة من القوى الكبرى في عدم الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين كل من الكونغو الديموقراطية ورواندا وبورندي، نظرًا لما تحوذ عليه المنطقة من ثروات طبيعية ومعادن نفيسة ترغب تلك الأطراف في استغلالها إلا أن التنافس بينها وتكالبها على الثروات المعدنية في منطقة البحيرات الاستوائية واختلاف التوجهات تجاه دول المنطقة أدى إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.

 ويُلاحظ هنا وجود تنافس غربي صيني وروسي على التدخل السياسي والأمني فمثلًا التحرك الفرنسي- الأمريكي يرجع إلى التخوف بالأساس من أن الضغط المكثف على كينشاسا سيدفع نحو سيناريو وحيد وهو اندلاع حرب مفتوحة في الإقليم وبما سيؤثر بطبيعة الحال في مجمل التصورات الأمريكية- الأوروبية لمشروعات التنمية والتعاون الاقتصادي في إقليم البحيرات الكبرى، لا سيما في قطاعات التعدين والطاقة والبنية التحتية المرتبطة بهما[9].

وقد نددت الولايات المتحدة في فبراير 2024 بتصاعد أعمال العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وألقت باللوم فيها على حركة “23 مارس”، ودعا البيان رواندا إلى سحب جميع أفرادها العسكريين على الفور من جمهورية الكونغو الديمقراطية[10].

ومن ناحية أخرى عملت أمريكا على مواجهة المساعي الصينية للسيطرة على الموارد التعدينية في المنطقة من خلال توقيع اتفاقيات مع الحكومة الكونغولية للحصول على مزايا تعدينية بها ومن ذلك توقيع الولايات المتحدة (بالتعاون مع اليابان) مذكرة تفاهم “غير ملزمة” مع شركة جيكامينز Gecamines عملاق التعدين الكونغولي المملوكة للدولة؛ لضمان ما وصفته “تشاينا جلوبال ساوث بروجكت CGSP في 6 فبراير بمحاولة أمريكية لتأمين منطقة إمداد كونغولية بالموارد المهمة “خالية من الحضور الصيني”[11].

وبالنسبة للصين فقد ترسخت أقدامها في المنطقة من خلال اتفاقيات تتعلق بالبنية التحتية والتعدين، ودخلت في اتفاقات اقتصادية وأمنية ضخمة مع كينشاسا، لا سيما في قطاع التعدين عبر المشروع الضخم المعروف باسم Sicomines الواقع جنوب الكونغو الديموقراطية قرب الحدود مع أنجولا.

3. التدخل الرواندي في شرق الكونغو

أشار تصاعد هجمات حركة 23 مارس في  العامين الماضين إلى وجود دعم خارجي للحركة أدى إلى إعادة إحياء دورها مرة أخرى بعد هزيمتها في عام 2013.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى الدور الوراندي في دعم تلك الحركة، ومنها تقارير للأمم المتحدة حيث أجمع خبراء مفوّضون من الأمم المتحدة، في تقرير قدموه إلى مجلس الأمن في ديسمبر 2022 أدلّة جوهرية تثبت «التدخّل المباشر لقوات الدفاع الرواندية في أراضي الكونغو الديمقراطية[12].

 وعلى الرغم من التصريحات التي صدرت من الحكومة الرواندية تجاه تلك التقارير، والتي أنكرت فيها تدخلها بشكل مباشر إلا أنه يوجد حرص رواندي على وجود حالة من عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو لعدة أسباب منها وجود جماعات مناهضة لحكومة الرواندية، وتتهم رواندا الكونغو بدعمها بالإضافة إلى الثروات العديدة التي تذخر بها المنطقة، والتي تستفيد منها كل من أوغندا وبورندي ورواندا بشكل مباشر، أو عبر وكلائها من المليشيات المسلحة.

وفي مؤشر منها على عدم رغبتها في تدخل أطراف خارج منطقة البحيرات الاستوائية في النزاع الدائي بين الدولتين من الأمم المتحدة بإعادة النظر في عزمها دعم البعثة العسكرية التي كونتها جماعة تنمية الجنوب الأفريقي “سادك SADC بقيادة جنوب أفريقيا ومشاركة من تنزانيا، وقامت باتهام جنوب أفريقيا صراحة بالتحيز للكونغو .

4. تنظيم الدولة الإسلامية

أدت السيولة الأمنية في منطقة شرق الكونغو إلى تمدد تنظيم الدولة الإسلامية من خلال فرعها المسمى بالقوات الديمقراطية كفصيل مسلح يقدّمه تنظيم الدولة الإسلامية على أنه أحد فروعه في أفريقيا الوسطى، وهو أكثر الجماعات عنفًا في شرق الكونغو الديمقراطية، ومؤخرًا فقد تبنى التنظيم هجومًا أسفر عن مقتل 23 مدنيًا في قرية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأعلن التنظيم في بيان عبر حساباته على تطبيق تلغرام أنّ مقاتليه هاجموا الأحد قرية ماكونغوي بالأسلحة[13].

رابعًا: مآلات الصراع في شرق الكونغو الديموقراطية

أحد نتائج تصاعد الصراع في شرق الكونغو تهديد التصورات الغربية لمشروعات التنمية والتعاون الاقتصادي في إقليم البحيرات الكبرى، فتصاعد الاضطرابات الأمنية في شرق الكونغو سينتقل بطبيعة الحال إلى منطقة أعالي النيل في البحيرات العظمى والجنوب الأفريقي، والتي تعد محل تنافس بين العديد من القوى، ويخشى جميع الأطراف من أن الضغط على كينشاسا سيدفع نحو سيناريو وحيد وهو اندلاع حرب مفتوحة في الإقليم تمتد إلى بوروندي والتي لا تُخفي دعمها لكينشاسا في ضوء التنافس بينها وبين رواندا، وبما يؤثر بطبيعة الحال على الاستقرار والتصورات الغربية لمشروعات التنمية والتعاون الاقتصادي في إقليم البحيرات الكبرى، لا سيما في قطاعات التعدين والطاقة والبنية التحتية المرتبطة بهما.

كذلك برز تعاون أمريكي فرنسي تجاه الأزمة في شرق الكونغو حيث تلاقت التصورات الفرنسية مع نظيرتها الأمريكية حول وجوب إدانة السلوك الرواندي في شرق الكونغو، فقد برزت فرنسا في مقدمة الدول التي انتقدت موقف رواندا في الأزمة الجارية ودعمها لحركة 23 مارس والتي تمثل التهديد الأكبر لنظام تشيسيكيدي والقوات المسلحة الكونغولية على الأرض، وقامت بدعم مهمة للاتحاد الأوروبي خلال زيارة للرئيس الفرنسي لدولة الكونغو  أملاً في التوصل إلى تهدئة في شرق الكونغو، من خلال مد جسر جوى إنساني إلى مدينة غوما في شرق الكونغو لمساعدة سكان شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الذين يواجهون مجموعات مسلّحة[14]، وهي الجهود التي قوبلت بعدم ارتياح من الكونغو الديموقراطية.

وقد استند موقف الدولتين على التقارير الجدولية التي صدرت من الأمم المتحدة ومصادر محلية في الإقليم عن تورط رواندا القاطع في دعم تحركات الجماعة العسكرية داخل أراضي الكونغو وارتكابها فظائع بحقّ مئات الآلاف من سكان الإقليم، وترقى إلى أعمال الإبادة والتشريد الداخلي.

وكان التغير الأبرز عسكريًّا هو نشر نظم صواريخ لا تملكها جماعات وحركات مسلحة بطبيعة الحال داخل الأراضي الكونغولية، وبما يتجاوزر الخطوط المتعارف عليها لدى تلك القوى والذي تعده بمثابة غزو للأراضي الكونغولية.

ودعمت واشنطن موقف فرنسا في نفس المداولات بدعوة القوات الرواندية للانسحاب من الأراضي الكونغولية، لافتة إلى تناقض الموقف الرواندي الذي يعني “أن كيجالي التي تسهم بقوات في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يمكنها أن تتحرّك لمواجهة واحدة من تلك البعثات”، وهو انتقاد لافت مِن قِبَل باريس وواشنطن لواحدة من الدول الحليفة التي تولَّت في السنوات الفائتة مهامّ أمنية وعسكرية في عددٍ من الدول الأفريقية (مثل موزمبيق وبنين) تحت المظلة الغربية بشكل عام.

كذلك يبدو الموقف الكونغولي من حركة 23 مارس حاسمًا في عدم قبول التفاوض مع الحركة إلا بعد الإقرار بهزيمتها والبدء في دمجها في الحياة المدنية الكونغولية وليس داخل القوات المسلحة.

ومن ناحية أخرى فإن الصين تعد الطرف المقابل للضغوط الغربية لحل الأزمة، حيث يسعى الغرب للاستئثار بالحل لتلك الأزمة نظرًا للأهمية الاقتصادية التي تملكها منطقة البحيرات العظمى وتسعى الصين إلى مزاحمة الغرب من أجل الوصول إلى تسوية تحقق مصالحها.

لذا فقد سعت الصين إلى عقد العديد من الاتفاقيات مع الحكومة الكونغولية تتعلق بالتعدين، ومد شبكات الطرق والمرافق، وبهدف الوجود الاقتصادي القوي الذي يدعم مصالحها ويجعل صانع القرار الكونغولي يراعي تلك المصالح.

ختامًا:

أهمية المنطقة اقتصاديًا وموقعها الاستراتيجيى مع حالة التنافس بين كافة القوى على الاستحواذ على ثروات القارة خاصة بين الغرب والصين جعل كافة تلك الأطراف تتجه إلى العمل على خفض التوتر في منطقة شرق الكونغو، وحدث ما يشبه الإجماع بين كل من القوى الغربية والصين على أهمية الحد من قدرات حركة 23 مارس على إحداث اضطرابات أمنية تفضي إلى نزاع مسلح بين الكونغو الديموقراطية ورواندا.

ولعل المؤشرات الواردة من رواندا بشأن التفكير في قبول تسوية ما تتم من خلال لقاء مباشر بين الرئيس الرواندي كاجامي والكونغولي تشيسيكيدي توضح أن الإدانات الدولية للتحركات الرواندية داخل الأراضي الكونغولية جعلتها تبدأ في محاولة التهدئة مع جارتها، مع الاحتفاظ بقدرتها على دعم حركة 23 مارس، وبما يحتمل معه إيجاد تسوية بين الدولتين تحد من قدرات الحركة على تأزم الوضع في تلك المنطقة الاستراتيجية، والتي تنتظر صراعًا وتنافسًا آخر للاستحواذ على الثروات الطبيعية بها.


[1] قراءات أفريقية، “قتل 10 أشخاص في هجوم شرق الكونغو الديموقراطية والحكومة تتهم “القوات المتحالفة””، بتاريخ 15

أبريل 2024، متاح على الموقع: https://shorturl.at/boEU2

[2] د. محمد عبد الكريم، “بول كياجامي والأزمة في شرق الكونغو : لعنة ليوبولد!”، قراءات أفريقية، بتاريخ: 19 مارس 2024، متاح على الرابط: https://shorturl.at/gksOU

[3] د. محمد عبد الكريم أحمد، “عين على أفريقيا (17-21 فبراير 2024م) شرق الكونغو الديموقراطية: أزمة أفريقيا المنسية!”، قراءات أفريقية،
بتاريخ 22 فبراير 2024، متاح على الرابط: https://rb.gy/lfm9da
[4] صلاح خليل، “صراع متجدد: عودة حركة 23 مارس المسلحة في شرق الكونغو”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ:  9 مايو 2022، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/19320/
[5] الأمم المتحدة، ” قلق أممي إزاء التأثير المدمر للعنف على المدنيين في الكونغو الديمقراطية”، أخبار الأمم المتحدة، بتاريخ 24 نوفمبر 2023،
متاح على الرابط: https://news.un.org/ar/story/2023/11/1126377

[6] M23 Rebels Seize Town in Eastern Congo, Killing at Least 15, March 5, 2024 ,Available at : https://shorturl.at/crFU9

[7] البنك الأفريقي للتنمية، ” لدول الأفريقية الغنية بالمعادن الخضراء تتطلع إلى ازدهار سوق السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة بقيمة تريليونات
الدولارات”، بتاريخ 24 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://www.afdb.org/ar/akhbar-wa-ahdath/65243
[8] المرجع السابق

[9] د. محمد عبد الكريم، “بول كياجامي والأزمة في شرق الكونغو: لعنة ليوبولد!”، مرجع سابق.

[10] موقع الشرق، “واشنطن تندد بتصاعد العنف في شرق الكونغو الديمقراطية وتتهم رواندا”، بتاريخ 18 فبراير 2024، متاح على الرابط: https://shorturl.at/lEFR8

[11] . محمد عبد الكريم، “بول كياجامي والازمة في شرق الكونغو : لعنة ليوبولد!”، مرجع سابق.

[12] تامر الهلالي، “الصراع بين رواندا والكونغو الديموقراطية مهدد بالتفاقم”، جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 21 يناير 2023 متاح على الرابط: https://shorturl.at/ityD3

[13] يورو نيوز، ” تنظيم الدولة الإسلامية يتبنى هجومًا أسفر عن مقتل 23 مدنيًا في شرق الكونغو الديمقراطية”،

بتاريخ 23 يناير 2023، متاح على الرابط: https://arabic.euronews.com/2023/01/23/is-claim-responsibility-for-dr-congo-attack-that-left-at-least-23-dead

[14] يورو نيوز،” الاتحاد الأوروبي يعلن عن جسر جوي إنساني إلى غوما في شرق الكونغو الديمقراطية”، بتاريخ 4 مارس 2023، متاح على الرباط: https://arabic.euronews.com/2023/03/04/eu-mobilises-over-47-million-to-help-people-in-drc