كتبت – أماني ربيع

في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 2021، أعلنت منظمة اليونسكو السابع من يوليو يومًا عالميًّا للغة السواحيلية، مما يجعلها أول لغة أفريقية تحتفي بها الأمم المتحدة، وهي أيضا إحدى اللغات الرسمية للاتحاد الأفريقي.

جاء ذلك بعد سنوات قليلة من ترحيب الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال قرارها الصادر في 11 سبتمبر 2017 بشأن التعددية اللغوية، بتخصيص يوم لكل لغة من لغاتها الرسمية من أجل الإعلام والتوعية بتاريخها وثقافتها واستخدامها.

وتم اختيار السابع من يوليو تحديدًا؛ لأنه في نفس اليوم عام 1954، أعلن الاتحاد الوطني الأفريقي لتنجانيقا، الحزب الحاكم في تنجانيقا آنذاك، بقيادة جوليوس نيريري، اللغة السواحيلية كأداة مهمة في الكفاح من أجل الاستقلال.

لغة تتحدث إلى الماضي والحاضر

في الخمسينيات من القرن الماضي، أنشأت الأمم المتحدة وحدة اللغة السواحيلية في إذاعة الأمم المتحدة، وحاليًّا، تعد اللغة السواحيلية هي اللغة الأفريقية الوحيدة داخل مديرية الاتصالات العالمية في الأمم المتحدة.

وتلعب اللغة السواحيلية دورًا في تعزيز التنوع الثقافي، وخلق الوعي وتعزيز الاتصال بين الشعوب، كما أنها لغة تتحدث إلى الماضي والحاضر، وعلى مر القرون، ظهرت لغة البانتو هذه كشكل مشترك من أشكال الاتصال في أجزاء كثيرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

يتم استخدام اللغة اليوم على نطاق واسع في منطقة شرق أفريقيا كلغة مشتركة تضم أكثر من اثنتي عشرة لهجة رئيسة، وهي لغة مستخدمة  في حديث الأشخاص الذين لا يتكلمون بلغة واحدة، وهي لغة وطنية في كينيا وأوغندا وتنزانيا، ولغة رسمية لجماعة شرق أفريقيا التي تضم كينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان.

بناء الجسور

وفي عام 2020، أصبحت السواحيلية أحدث لغة يتم تدريسها في الفصول الدراسية بجنوب أفريقيا، وهو ما اعتبره البعض فرصة لإعداد طلاب جنوب أفريقيا للتفاعلات الغنية في التجارة والأوساط الأكاديمية والحياة اليومية العادية في أماكن أخرى من القارة.

والسواحيلية كانت إحدى لهجات لغة البانتو الأفريقية، لكنها تطورت لتصبح أكثر لغات أفريقيا المعترف بها دوليًا، كما أنها من أكثر اللغات الأفريقية استخدامًا، وهي أيضا من اللغات القليلة في العالم التي يتحدثها أكثر من 200 مليون شخص، وتتمتع بتاريخ طويل في بناء الجسور بين الشعوب عبر قارة أفريقيا وفي الشتات.

تفاعل لُغوي وثقافي

نمت السواحيلية على مدى ألفيّ عام، وتكيفت مع العديد من المتغيرات، استخدمها الأفارقة في هجراتهم الداخلية والتجار من آسيا والعرب، والمستوطنون من هنود وأوروبيين، وحكام استعماريون، كل هؤلاء تكيفوا أيضا مع السواحيلية وأخذوها معهم عند عودتهم إلى الغرب.

تمتد المنطقة الناطقة باللغة السواحيلية في أفريقيا الآن عبر ثلث القارة بالكامل من الجنوب إلى الشمال وتصل إلى قلب إفريقيا، تقع الأراضي التاريخية للسواحيلية على ساحل شرق أفريقيا المُطل على المحيط الهندي، عبر سلسلة من المدن الساحلية يبلغ طولها 2500 كيلومتر من مقديشو في الصومال إلى سوفالا في موزمبيق وكذلك الجزر البحرية البعيدة مثل جزر القمر وسيشيل.

كانت هذه المنطقة الساحلية مفترق طرق دولي للتجارة والحركة البشرية، مر عليها أشخاص من مناطق متفرقة مثل إندونيسيا وبلاد فارس والبحيرات الأفريقية الكبرى والولايات المتحدة وأوروبا، تفاعل الأفارقة مع الوافدين من خلفيات لغوية وثقافية أخرى، التقوا بالمسلمين والهندوس والبرتغاليين الكاثوليك، اختلط العمال، من رقيق وحمالين العبيد بالجنود والحكام والدبلوماسيين، واختلط الصيادون والرعاة والمزارعون بالتجار وسكان المدن.

لُغة الوحدة والاستقلال

ضمت قائمة المتحمسين والمدافعين عن اللغة السواحيلية مفكرين بارزين ومناضلين من أجل الحرية ونشطاء في مجال الحقوق المدنية وقادة سياسيين بالإضافة إلى الكتاب والشعراء والفنانين.

كان وول سوينكا الحائزعلى جائزة نوبل أول المدافعين عن السواحيلية، دعا الكاتب والشاعر والكاتب المسرحي النيجيري منذ الستينيات مرارًا وتكرارًا إلى استخدام اللغة السواحيلية كلغة عابرة للقارات لأفريقيا، بحسب البروفيسور في جامعة هارفارد، جون إم موجان.

غذى الاتحاد الأفريقي نفس الشعور بالوحدة القارية واعتمد اللغة السواحيلية كلغة عمل رسمية في فبراير 2022، وجاءت الموافقة، بعد طلب من نائب الرئيس التنزاني فيليب مبانجو، خلال القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد التي عُقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة 5-6 فبراير الماضي، وقال: “اللغة السواحيلية مستخدمة بالفعل في مجتمعات مختلفة، ، بالإضافة إلى استخدامها كلغة تدريس في العديد من البلدان الأفريقية”.

تُعد اللغات عنصرًا أساسيًا في الشعور بالانتماء والقدرة على التعبير، لذا كان قرار الاتحاد الأفريقي مهما، خاصة وأن سكان الدول الأعضاء فيه يتحدثون ما يُقدر بألفي لغة، حوالي ثلث جميع اللغات البشرية، ويتحدث العشرات منها أكثر من مليون شخص.

لكن كيف احتلت اللغة السواحيلية مكانة بارزة بين العديد من المجموعات التي لها تاريخها وتقاليدها اللغوية المتنوعة؟

خلال العقود التي سبقت استقلال كينيا وأوغندا وتنزانيا في أوائل الستينيات، عملت اللغة السواحيلية كوسيلة دولية للتعاون السياسي، ومكنت المناضلين من أجل الحرية في جميع أنحاء المنطقة من توصيل تطلعاتهم المشتركة على الرغم من اختلاف لغاتهم الأصلية على نطاق واسع، وفقا لموقع ” the conversation”.

كان صعود اللغة السواحيلية، بالنسبة لبعض الأفارقة، علامة على الاستقلال الثقافي والشخصي الحقيقي عن الأوروبيين المستعمرين ولغاتهم المسيطرة.

القوة السياسية للسواحيلية

تستخدم حكومة تنزانيا اللغة السواحيلية في جميع الأعمال الرسمية، وفي التعليم الأساسي، وأصبحت الكلمة السواحيلية “أوهورو”، وتعني الحرية، التي نشأت عن هذا النضال من أجل الاستقلال جزءًا من المعجم العالمي للتمكين السياسي.

بدأت أعلى المناصب السياسية في شرق أفريقيا في استخدام اللغة السواحيلية والترويج لها بعد الاستقلال بفترة وجيزة، روج الرئيس التنزاني يوليوس نيريري (1962-1985) وجومو كينياتا رئيس كينيا (1964-1978) للغة السواحيلية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المصالح السياسية والاقتصادية في المنطقة وكذلك والأمن والتحرير.

تحت حكم نيريري، أصبحت تنزانيا واحدة من دولتين أفريقيتين فقط أعلنتا لغة أفريقية أصلية باعتبارها وسيلة الاتصال الرسمية للبلاد، الأخرى هي إثيوبيا التي أعلنت الأمهرية لغة رسمية، قام نيريري شخصيًا بترجمة اثنتين من مسرحيات ويليام شكسبير إلى اللغة السواحيلية لإثبات قدرة اللغة السواحيلية على تحمل الوزن التعبيري للأعمال الأدبية العظيمة.

السواحيلية و حُرية السود

في عام 1966، ربط الناشط والمؤلف، مولانا رون كارينجا حركة “حرية السود” بالسواحيلية، واختار اللغة السواحيلية كلغتها الرسمية وخلق احتفال “كوانزا”، ومصطلح “كوانزا” مشتق من الكلمة السواحيلية ku-anza ، والتي تعني “البدء” أو “الأول”، كانت الغاية من العُطلة الاحتفال بـ matunda ya kwanza ، أي “الثمار الأولى” للحركة، ووفقًا لكارينجا، ترمز “كوانزا” إلى احتفالات المحاصيل الأفريقية القديمة.

تم تشجيع المحتفلين على تبني أسماء سواحيلية ومخاطبة بعضهم البعض بألقاب الاحترام السواحيلية، تحتفل “كوانزا” بسبعة مبادئ أو ركائز، وهي: الوحدة “umoja” تقرير المصير “kujichagulia”، العمل الجماعي والمسؤولية “ujima”، الاقتصاد التعاوني “ujamaa”، الغرض المشترك “nia”، الإبداع الفردي “kuumba” والإيمان “Imani”.

السواحيلية على الساحة الدولية

اليوم، اللغة السواحيلية هي اللغة الأفريقية الأكثر شهرة خارج القارة، والوجود العالمي للغة السواحيلية في البث الإذاعي وعلى الإنترنت لا مثيل له بين لغات أفريقيا جنوب الصحراء.

يتم بث اللغة السواحيلية بانتظام في بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وليبيريا ونيجيريا ورواندا وجنوب أفريقيا والسودان وسوازيلاند وتنزانيا، على الساحة الدولية، لا يُمكن سماع أي لغة أفريقية أخرى من محطات الأخبار العالمية في كثير من الأحيان أو على نطاق واسع.

استخدمت الكلمات السواحيلية في مئات الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مثل سلسلة ” Star Trek” وفيلم ” Out of Africa” لميريل ستريب، وفيلم أنجلينا جولي ” Lara Croft: Tomb Raider”.

 وفي فيلم ديزني الشهير ” The Lion King”، استخدمت عدة كلمات سواحيلية أكثرها شهرة هي أسماء الشخصيات، بما في ذلك سيمبا وتعني “أسد”، ورفيقي “صديق” وبومبا “كن مذهولًا”، بخلاف العبارات السواحيلية مثل: أسانتي سانا “شكرًا جزيلاً لك” وبالطبع ، فلسفة عدم وجود مشكلة المعروفة باسم “هاكونا ماتاتا” التي تكررت طوال الفيلم.

ينتشر المتحدثون باللغة السواحيلية في أكثر من 14 دولة تشمل: تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال وموزمبيق وملاوي وزامبيا وجزر القمر، كما تنتشر اللغة بقدر قليل في عُمان واليمن، وتعتمد دول مثل جنوب أفريقيا وبوتسوانا اللغة السواحيلية في المدارس.

ورغم هذا الانتشار، للآسف تفتقر اللغة السواحيلية اليوم، إلى الثروة والقوة السياسية المرتبطة باللغات العالمية الأخرى، بينما في الماضي، ونتيجة التواجد عند بوابة تجارية رئيسية، خلق الأفارقة في هذه المنطقة مكانًا مناسبًا لأنفسهم، وكانوا مهمين بدرجة كافية في التجارة بحيث لم يكن أمام القادمين الجدد خيار سوى التحدث باللغة السواحيلية كلغة للتجارة والدبلوماسية.