د. مادي إبراهيم كانتي

باحث من دولة مالي

في تسجيل صوتي منسوب للمتحدث الإعلامي باسم تنظيم داعش أعلن يوم 31 أكتوبر 2019 عن تعيين المكني “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” خليفة جديد للتنظيم الإرهابي بعد مقتل قائد التنظيم السابق “أبو بكر البغدادي” على يد القوات الأمريكية، وأعلنت داعش على لسان المتحدث باسمها استمرار التنظيم في نهجه السابق.

لم تتواني أفرع التنظيم المنتشرة في العالم في إعلان مبايعتها لقائد التنظيم الجديد خاصة في أفريقيا، ففي الصومال أعلن منتسبوا التنظيم مبايعتهم لأبو إبراهيم القرشي، أما في منطقة الساحل والصحراء  فقد شُنت عملية إرهابية في مالي أدت إلى مصرع 53 جنديا وإصابة عشرات آخرين.

حيث تعرض معسكر الجيش المالى بمدينة إنديليمان في دائرة أنسنغو (شمال شرق البلاد) لـ”هجوم إرهابي”، وتبنى تنظيم “داعش” هذه العملية محاولا إثبات أنه لا يزال موجود، وقادر على شن عمليات إرهابية قوية رغم وفاة أبو بكر البغدادي.

نشأة الارهاب في مالي

الحادث الأخير أعاد فتح الحديث حول نشأة الإرهاب في مالي وتطوراته منذ نشأته وإلي الآن، وإيجازا يمكن القول أن الأهمية الجيوسياسية لدولة مالي في منطقة الساحل والصحراء كان لها دور في تعاظم المد الإرهابي في مالي حيث حرصت الجماعات الإرهابية على التواجد والانتشار بها.

رغم إيلاء الجماعات الإرهابية بمالي إلا أن القوة العسكرية للدولة لم تكن بالقدرة الكافية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في شمال البلاد عام 2012، حين بدأ “إياد غالي -قائد جماعة أنصار الدين-” نشاطه العسكري بالهجوم على مدينة “أغيلهوك” في أقصى الشمال المالي، ثم هاجم قاعدة “تساليت” العسكرية، بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، وتمكن من اقتحامها، والسيطرة عليها، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات؛ حيث أسس مجالس محلية لتسيير شئون المدن التي وقعت تحت سيطرته.

تحالفات إرهابية وإثنية

تفردت تجربة الحركات الإرهابية بمالي بالسعي نحو بناء التحالف بين تلك الحركات، حيث سرعان ما تحالفت الجماعات الإرهابية «جماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد» مع «الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، وكانت مدينة «آري» بشمال مالي أكبر معقل للمسلحين ويضم هذا المعقل أكبر المعسكرات التي تحتوي على مستودعات الأسلحة والآليات([i]).

عملية «السرفال» وإيقاف التوغل جنوبا

تعاظم خطر الجماعات الإرهابية في مالي في مطلع عام 2013، ففي 9 يناير 2013 أعلنت الجماعات الإرهابية مواقفها؛ مطالبةً بالحكم الذاتي، وتطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الشمالية، في إطار دولة مالية تتميز بطابعها الإسلامي.

اتسم رد الفعل الإقليمي «الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ـ الايكواس» في عام 2013 إزاء تعاظم دور الجماعات الارهابية في شمال مالي بالتأخر الأمر الذي سمح للتنظيمات الإرهابية أن تقوم بالتدمير الكامل لشمال مالي منذ بداية الأزمة، فقد كان من المتوقع أن تلعب القوة الاحتياطية للإيكواس دورًا قياديًّا في الأزمة المالية، من حيث إعادة شمال مالي إلى سيطرة الحكومة الانتقالية، وإقامة سلام دائم في البلاد.

وفي ظل تأخر رد الفعل الإقليمي، تدخلت فرنسا في مالي عسكريًّا ضد الجماعات الإرهابية في عملية أطلق عليها اسم “سرفال” في 11 يناير 2013، ونجح التدخل الفرنسي في إنقاذ الدولة؛ لأنه سمح بإيقاف التمدد الإرهابي، حيث تدخلت باريس بحوالي 3000 جندي نجحوا في الحيلولة دون سقوط العاصمة المالية بماكو في قبضة التنظيمات الإرهابية.

تسلسل العمليات الإرهابية في مالي منذ 2015

رغم نجاح عملية السرفال في وقف تمدد الجماعات الارهابية شمال مالي وتوجيه ضربات قوية لها، استمرت التنظيمات الإرهابية من حين لأخر في توجيه الهجمات الإرهابية علي مواقع الجيش المالي وعلى القوات الأجنبية، وأسفرت هذه الهجمات عن قتل المدنيين والعسكريين؛ ومن أبرز تلك الهجمات:

  •  تبنت جماعة “المرابطون” هجومًا وقع في 7 مارس 2015 ضد فندق في باماكو، وكان أول هجوم يستهدف غربيين في العاصمة، وأسفر عن 5 قتلى؛ 3 ماليين وفرنسي وبلجيكي.
  • تبنى تنظيم المرابطون هجومًا انتحاريًّا في 15 أبريل على كتيبة نيجيرية في قاعدة للأمم المتحدة في الشمال، ثم قام التنظيم بعملية اقتحام فندق بيبلوس بمدينة سيفاري في 7 أغسطس 2015([ii]).
  • v   في 18 أبريل 2015 هجوم استهدف قافلة إمداد مدنية تابعة لبعثة الأمم المتحدة في مالي.
  •  في 20 سبتمبر 2015 مقتل رجال شرطة ومدنيين على الأقل، في منطقة موبتي وسط البلاد، في هجوم شنه مسلحون متشددون، قرب الحدود مع بوركينا فاسو، واستهدف الهجوم مركزًا أمنيًّا في قرية “بيه”، التي تبعد 5 كيلومترات من حدود بوركينا فاسو، وقد نفذه مسلحون كانت تقلهم دراجة نارية([iii]).
  •  قامت جماعة “المرابطون” المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يوم الجمعة 20 نوفمبر 2015 بعملية احتجاز الرهائن في فندق راديسون بوسط العاصمة بماكو، مما أدي لمقتل 19 شخص ([iv]) وفي بيان أرسله قائد التنظيم “الجزائري المختار بالمختار” إلى قناة الجزيرة أوضح فيه أن عناصر التنظيم تمكنوا بعد عمليات رصدية واستطلاعية في مراقبة الفندق الذي يقطنه العديد من الرعايا الأجانب([v]) ويأتي بيان بلمختار ليضع حدارلتضارب الأقاويل حول الجهة المنفذة للعملية حيث سبق أن أكدت كتائب “ماسينا” تنفيذها لتلك العملية([vi]).
  • في بداية أكتوبر 2019، أعقبت اشتباكات بين وحدات من الجيش المالي ومسلحين مجهولين، يعتقد أنهم تابعون لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفق ما أعلنت الحكومة المالية في حصيلة مقتل 53 شخصًا في الهجوم.([vii])

نظرا لهذه السلسلة من الهجمات الدامية في مالي، يمكن القول: إن السلطات المالية باتت عاجزة عن التصدي الكامل للعمليات الإرهابية، وكذلك فشلت القوات الدولية والإقليمية في ترسيخ السلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء عموما ومالي على وجه الخصوص.

ومع تزايد الهجمات الإرهابية في مالي، شهدت المدن المالية تظاهرات نظمتها زوجات جنود بعد الهجمات الأخيرة، ورأوا أن خطاب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا بعد الهجوم غير مجدية، كما تبدو السلطة المالية بلا حلول في مواجهة الهجمات الإرهابية؛ لأن قدرتها محدودة عسكريًّا، لمواجهة الإرهابيين في هذه المنطقة الشاسعة الصحراوية التي تشمل تقاطع حدود أربع دول، مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجزائر([viii]).

التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة

يتنافس تنظيمي داعش والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء والمغرب العربي، ويحاول داعش منذ نشأته علي مد أفرعه إلي منطقة الساحل خاصة مالي محاولة تأليب الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل علي القاعدة.

فعلي سبيل المثال تواصل تنظيم المرابطون مع زعيم “داعش”  بعد الانشقاق عن القاعدة إلا أن الصلات الوثيقة  والتاريخية بين قيادة المرابطون وقيادة تنظيم القاعدة وطالبان حال دون انضمام المرابطون للقاعدة.

وتحت وطأة التنافس بين القاعدة وداعش والضربات التي تتلقاها الجماعات الإرهابية اندمجت في مارس 2017 العديد من الجماعات في إطار تنظيمي جديد تحت مسمى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، ففي فيديو نشرته وكالة الأخبار الموريتانية المستقلة ظهر إياد آغ غالي زعيم «حركة أنصار الدين» سابقًا متوسطًا «أمراء» التنظيمات الأخرى (يحيى أبوالهمام أمير منطقة الصحراء، ومحمدو كوفا أمير جبهة ماسينا، وأبوعبدالرحمن الصنهاجي قاضي منطقة الصحراء، والحسن الأنصاري نائب أمير «كتيبة المرابطون» معلنا تأسيس جماعة نصرة الاسلام والمسلمين وتحاول الجماعة الجديد محاكاة تنظيمي داعش والقاعدة.

ومما لاشك فيه أن تحقيق الاندماج بين الجماعات الارهابية ساهم إلي حد كبير في تعزيز القدرات اللوجستية والتسيليحية لتلك الجماعات ففي مارس 2018 قامت التنظيم بالهجوم على السفارة الفرنسية في “وجادوجو” عاصمة بوركينا فاسو، وهو ما يمثل تطورًا نوعيًّا كبيرًا في العمليات الإرهابية، ومؤشرًا على التطور الكبير في قدرات وإمكانيات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين([ix]) وأعلنت الجماعة أن الهجوم جاء ردًّا على مقتل العشرات من قادتها في هجوم للجيش الفرنسي في شمال مالي قبل أسبوعين من تنفيذ العملي([x]).

ويتبقي لنا تساؤل هل من الممكن أن ينتقل الثقل الرئيسي لتنظيم داعش إلي مالي بعد تعرضه لضربات قاسمة في سوريا والعراق انتهت بمقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، مما لا شك فيه أن الاجابة على هذا التساؤل ترجع إلي بضع شهور مضت حيث الاصدار الأخير لأبوبكر البغدادي الذي أثني فيه على جهود أنصاره في الساحل والصحراء خاصة أبو الوليد الصحراوي الزعيم  السابق لتنظيم المرابطون والذي سبق أن بايع البغدادي في عام 2015 وتم طرده من تنظيم المرابطون لصالح المختار بلمختار زعيم التنظيم حاليا.

قد تكون الخلية أو الجماعة التي نجح الصجراوي في تشكيلها نواة جيدة لتنظيم داعش في مالي ومنطقة الساحل والصحراء وقد يستفيد التنظيم من ضعف المواجهة العسكرية للجماعات الارهابية فمن المؤكد أن القوات الفرنسية في إطار عمليتي السرفال وبرخان والقوات الاقليمية المتمثلة في قوة الساحل نجحا في وقف تمدد الجماعات الارهابية نحو الجنوب المالي إلا أنهما في ذات الوقت فشلا في التصدي للعمليات الارهابية فعليي سبيل المثال أعلن الجيش الفرنسي والمالي عن نجاحهما في القضاء على أمادوا كوفا زعيم تنظيم حركة تحرير ماسينا إلا أن في فيديو مصور  نفي أمادوا كوفا مقتله موجها حالة من الاحراج للجيشين الفرنسي والمالي، ويتبقي أمام تنظيم داعش تحدي وحيد قد يعرقل تموضعه في منطقة الساحل والصحراء ألا وهو النفوذ المترامي والمتزايد لجماعة نصرة الاسلام والمسلمين التي تميل لفكر القاعدة فهل ينجح داعش في تجاوز خلافاته مع القاعدة ويتموضع من جديد في مالي والساحل الأفريقي.


[i] -Le Mali à l’épreuve de l’union du MNLA et d’Ansar Dine dans le Nord France 24, consulté le 20 avril 2018
http://www.france24.com/fr/20120528-union-touareg-mnla-islamistes-ansar-dine-mali-bamako-cedeao-etat-islamique-charia-politique-crise.

[ii]– قتلى بهجوم لمسلحين على قرية في مالي| أخبار سكاي نيوز عربية
)https://bit.ly/2EfKquq) consulté le 20 avril 2018

[iii]http://www.panapress.com

[iv]– Idem.

[v]– Attaque contre l’hôtel Radisson de Bamako : état d’urgence et deuil national – France 24, consulté le 20 avril 2018
https://www.france24.com/fr/20151121-attaque-contre-hotel-radisson-bamako-etat-urgence-deuil-national-mali-keita-mokhtar-belmokh

[vi] -Bamako : le front de libération du Massina revendique l’attaque – 23/11/2015 – ladepeche.fr », consulté le 20 avril 2018, https://www.ladepeche.fr/article/2015/11/23/2222903-bamako-le-front-de-liberation-du-massina-revendique-l-attaque.html.

[vii]https://bit.ly/34FzhOU

[viii]https://bit.ly/34HmnzQ

[ix]- http://www.france24.com/fr/20180303-burkina-faso-groupe-jihadiste-gsim-revendication-attaques-ouagadougou-terrorisme
.(Dernière modification : (04/03/2018

[x] http://www.france24.com/fr/20180304-burkina-faso-exclusif-attaque-ouagadougou-forces-securite-burkinabe
(Dernière modification : 04/03/2018)