كتب – حسام عيد
بعد أحداث النيجر، وتصاعد المخاوف من أزمة طاقة عالمية؛ كون البلد الواقع في غرب أفريقيا مصدرًا وموردًا استراتيجيًا لليورانيوم، لم يمض سوى شهر، لتحدث أزمة جديدة ربما تؤثر في أسواق النفط، وهذه المرة من الجابون الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”.
صباح 30 أغسطس 2023، أعلن مركز الانتخابات في الجابون نجاح علي بونجو في الانتخابات الرئاسية وحصوله على ولاية ثالثة، بنسبة 64.27% من الأصوات مقابل 30.77% لمنافسه الرئيسي ألبير أوندو أوسا. لكن سرعان ما تحركت مجموعة تضم 12 ضابطًا من كبار الجيش في الدولة الواقعة بغرب وسط أفريقيا، معلنين في بيان تُلي عبر محطة “جابون 24” التلفزيونية؛ استيلاءهم على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات وحل كل مؤسسات الجمهورية، وإغلاق حدود البلاد المنتجة للنفط حتى إشعار آخر.
وأعلن العسكريون الذين أكدوا أنهم يتحدثون باسم “لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات” أنهم “بسبب حوكمة غير مسؤولة تتمثل في تدهور متواصل للحمة الاجتماعية ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى، قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم”.
وقالت المجموعة، إنها تمثل جميع قوات الأمن والدفاع في البلاد. وأرجعت الخطوة التي أقدمت عليها إلى افتقار الانتخابات العامة الأخيرة للمصداقية.
وسعى “بونجو” الذي انتخب عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونجو أونديمبا، من خلال هذه الانتخابات إلى تمديد هيمنة عائلته المستمرة منذ 56 عاماً على السلطة، بينما دفعت المعارضة باتجاه التغيير في الدولة الغنية بالنفط في وسط أفريقيا، والفقيرة رغم ذلك.
الجابون.. عملاق نفطي وعضو في “أوبك”
هذا الواقع الذي يشبه كثيراً ما حدث في النيجر، يمكن أن يكون له تداعيات على عالم النفط، خصوصاً أن الدولة التي تقع في وسط القارة السمراء، غنية بالموارد الطبيعية، وتُعتبر رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء، تبعاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وذلك منذ اكتشاف العديد من رواسب النفط في المناطق المجاورة للعاصمة ليبرفيل عام 1993. كما أنها تعتبر عضوًا فاعلًا في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.
ويعتبر النفط مصدرا رئيسيا للإيرادات الاقتصادية في الجابون، وقد أطلق على الدولة لقب “عملاق النفط” الأفريقي، وعلاوة على النفط، تحتوي أيضًا على موارد طبيعية أخرى غنية مثل الغابات “تشكل 90% من مساحة البلاد” والمعادن والأسماك، وتلعب هذه الموارد دورًا مهمًا في تعزيز الاقتصاد وتنميته.
ووفقاً لبيانات “أوبك”، فإن الجابون تعتبر منتجًا للنفط ومصدرًا صافيًا له. وأصبحت البلاد عضواً كامل العضوية في “أوبك” عام 1975، لكنها أنهت عضويتها عام 1995. وانضمت مرة أخرى إلى المنظمة في 1 يوليو 2016.
كما تمتلك الجابون احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث زاد إنتاجها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وبلغ 454 مليون متر مكعب بنهاية عام 2021، مقارنة بـ 80 مليون متر مكعب فقط في عام 2010، ووفقا لتقرير سنوي صادر عن “أوبك”.
وتنتج البلاد التي لا يزيد عدد سكانها على 2.14 مليون شخص، نحو 181 ألف برميل من النفط يوميًا، ولديها احتياطيات نفطية مؤكَّدة تُقدَّر بمليارَي برميل. وبالإضافة إلى النفط، فإن البلاد تمتلك وفرة من المواد الأولية، مثل المغنيسيوم.
ووفقاً للبنك الدولي، فإن الجابون حققت نموًا اقتصاديًا قويًا خلال العقد الماضي، مدفوعًا بشكل رئيسي بإنتاج النفط والمغنيسيوم.
وفي عام 2020 شكّل قطاع النفط 38.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و70.5% من الصادرات، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد.
اضطرابات وتداعيات
من غير الواضح ما إذا كان إنتاج البلاد من النفط سيتوقف، وكيفية تأثيره في سوق النفط العالمية، ولكن هذه الأحداث تأتي في ظروف شديدة الحساسية، خصوصاً وسط محاولة منظمة “أوبك” والمنتجين من خارجها في ما بات يُعرف باسم “أوبك+”، إعادة التوازن والاستقرار إلى السوق، من خلال تنفيذ خفض للإنتاج، وفقًا لما أوردته وكالة “بلومبيرج”.
في حين يُتكهّن بأن الولايات المتحدة قد تخفّف العقوبات المفروضة على فنزويلا وإيران، بهدف زيادة إمدادات الخام العالمية، وسط مؤشرات إلى انخفاض المخزونات الأميركية بمقدار 11.5 مليون برميل، وفقًا لمعهد البترول الأمريكي.
بينما قالت شركة التعدين الفرنسية “إراميت”، التي تملك وحدة “كوميلوج” لإنتاج المنجنيز في الجابون، إنها علقت جميع عملياتها في أعقاب التطورات التي وقعت خلال الليل بالبلاد. وانخفض سهم الشركة بنحو 5% في أعقاب هذا الإعلان.
وقال متحدث باسم الشركة لـ”رويترز”، “بدءا من هذا الصباح تم تعليق كل عمليات كوميلوج وستراج، فضلاً عن وقف عمليات النقل عبر السكك الحديدية”.
و”كوميلوج” هي وحدة للتنقيب عن المنجنيز وتملك “إراميت” حصة أغلبية فيها، وستراج هي وحدة للنقل عبر السكك الحديدية.
وتحظى الجابون شراكات تجارية مع الولايات المتحدة والصين وروسيا بالنسبة للصادرات، بينما تأتي أغلب الواردات من فرنسا، لكن الانقلاب العسكري ربما يهدد تلك العلاقات. وكانت فرنسا أول من أدان الانقلاب العسكري الذي وقع في الجابون؛ حيث قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران: “إن فرنسا تراقب الأحداث عن قرب وعبرت عن رغبتها في رؤية احترام نتائج الانتخابات حال معرفتها”.
في المقابل، تراجعت سندات الجابون الدولارية المستحقة في 2031، بنحو 5.7 سنت بعد الأحداث والاضطرابات السياسية. ووفقاً لبيانات “بلومبيرج”، فإن الجابون لديها 4 إصدارات من السندات الدولارية، قيمتها مجمعة ملياري دولار.
فيما أشارت التوقعات إلى أن الجابون كانت بصدد تحقيق نموّ بنسبة 3.4% قبل كورونا، ولكن اقتصادها انكمش 1.8% في عام 2020 بفعل الإجراءات التقييدية المعتمَدة لمكافحة الجائحة ومعالجة انخفاض أسعار النفط عام 2020.
أدى هذا التراجع الاقتصادي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض حادّ في الإيرادات المحلية، إضافة إلى انخفاض الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر، ما أدى إلى عجز مالي كبير.
إضافة إلى ما سبق، فإن الجابون واجهت أزمة بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ تواجه الأسر ارتفاعاً في أسعار الموادّ الغذائية منذ بداية عام 2022، ووصل معدل التضخم إلى 4.3% في نفس العام.
مع ذلك اتخذت الجابون خطوات لمكافحة ارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك وضع حدود قصوى مؤقتة لأسعار 48 سلعة استهلاكية مستوردة من أكتوبر 2022 إلى مارس 2023. وأُنشئَت وزارة جديدة مخصصة لمكافحة ارتفاع تكاليف المعيشة في يناير 2023.
وقبل الأحداث شهد اقتصاد الجابون تعافيًا تدريجيًا، مدعومًا بالأداء الجيد في قطاعات النفط والتعدين والأخشاب، كما ساهمت إزالة القيود المرتبطة بالجائحة في مارس 2022 في نموّ قطاع الخدمات.
وقدّر “البنك الدولي” أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى 3.1% عام 2022، ارتفاعاً من 1.5% في 2021.
وبفضل التعافي التدريجي، انخفض الدَّين العامّ في عام 2022، ليصل إلى 52% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 60.7% عام 2021. ووفقاً لتحليل استدامة الديون الصادر عن صندوق النقد الدولي في يوليو 2022، يُعتبر الدَّين العامّ مستداماً، وقد تراجعت المخاطر.