كتبت – أسماء حمدي
سحابة دخان تضيق الخناق على بنين الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، فمؤشرات التلوث بلغت مستويات عالية بسبب أبخرة عوادم السيارات، والتي لم تترك للمواطنين كثيرًا من الخيارات للتعامل معها، ولم تنجح السلطات لسنوات في حل هذه المشكلة.
ولمكافحة تلوث الهواء والذي يعد ثاني أكبر قاتل في أفريقيا، يسعى “شيجون بكاري” في الأشهر الأخيرة، لاستبدال الدراجات والسيارات التي تعمل بالوقود بالدراجات الكهربائية، والتي يمكن أن تكون جزءًا من الحل، ويهدف لنشر 25000 واحدة بحلول نهاية العام.


ثورة ضد التلوث
كانت شوارع كوتونو، أكبر مدينة في بنين، مكان عمل “دومينجو سولي” لمدة 35 عامًا، إذ يقضي سائق التاكسي البالغ من العمر (50 عامًا) أيامه في القيادة لأميال على الطرق المغطاة بأبخرة العادم، ويأخذ العملاء ويوصلهم إلى حيث يريدون الذهاب.
في حديثه لصحيفة “الجارديان” البريطانية، يقول “دومينجو سولي”، هو واحد من أكثر من 250.000 سائق سيارة أجرة في بنين، إنه أصيب بسعال بسبب استنشاق الهواء الملوث، وفي نهاية كل يوم تؤلمه عيناه، مضيفًا: “أدرك أن التلوث يسبب الإعاقة، أنا خائف على صحتي، لكن في الوقت الحالي ليس لدي خيار”.
مثل بقية زملائه، يعتمد “سولي”، على الأموال التي يجلبها إلى المنزل كل يوم للبقاء على قيد الحياة، لكن في الآونة الأخيرة شاهد المزيد من الدراجات النارية الكهربائية تجوب شوارع كوتونو، قائلا: “قد تكون الأمور على وشك التغيير”.
ففي يوليو 2022، قدمت الشركة المصنعة الهندية “إم أوتو”، دراجاتها الكهربائية في بنين وهناك بالفعل 2000 دراجة على الطرق، كما قام 2000 شخص إضافي بدفع ودائع وينتظرون تسلم دراجاتهم.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة “إم أوتو”، شيجون بكاري: “علينا أن نفعل شيئًا حيال تلوث الهواء في مدننا، إنه واجب بالنسبة لي، إذ يتسبب بمشاكل صحية للعديد من الناس، خاصة الذين يركبون سيارات الأجرة فهم يواجهون الكثير من الأمراض والآلام”.
ويخطط بكاري لنشر 25000 دراجة بحلول نهاية العام في جميع أنحاء بنين وتوغو ورواندا، وبحلول نهاية مارس، يريد أيضًا أن يكون له وجود في سيراليون وأوغندا، مضيفا: “هناك طلب كبير على الدرجات الكهربائية، وحتى الآن يوجد في بنين وحدها حوالي 100.000 طلب تسجيل جديد للحصول على الدراجات هذا العام، فهذا شيء جديد ورائع وبأسعار معقولة أيضًا”.


إحلال وتبديل
يعد تلوث الهواء ثاني أكبر سبب للوفاة في جميع أنحاء القارة السمراء، ومن بنين وحدها ينبعث 0.6 طن متري من ثاني أكسيد الكربون للفرد، كما يمثل النقل في البلاد 65 ٪، كما تتزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النقل في إفريقيا بمعدل 7٪ سنويًا.
ويرتبط تلوث الهواء بالأمراض غير المعدية بما في ذلك أمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، إذ توفي ما يقرب من 1.1 مليون شخص في أفريقيا قبل الأوان بسبب الأمراض المرتبطة بالتلوث في عام 2019، وهو سدس إجمالي التقدير العالمي البالغ 7 ملايين حالة وفاة سنويًا.
في غضون ذلك، سترتفع التكلفة الاقتصادية لتلوث الهواء في المدن الأفريقية بنسبة 600٪ على مدار الـ 18 عامًا القادمة ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن ائتلاف “صندوق الهواء النظيف”.
يطمح بكاري في جعل جميع سائقي سيارات الأجرة في بنين يتحولون إلى سيارات كهربائية، يخطط هذا الشهر لإطلاق حملة لتشجيعهم على استبدال دراجاتهم القديمة بطرازات كهربائية جديدة.
يقول: “نحن نعمل على تعديل الأرقام الآن، لكننا نريد إزالة دراجات الوقود الأحفوري من الطريق، ونحن نعمل على عملية إعادة تدوير كاملة، يمكن إعادة تدوير الجسم البلاستيكي، ويمكن استخدام الأجزاء المعدنية كالمحرك والشاسيه كخردة”.


مخاوف
اشترى جورج أمادو (35 عامًا)، هو سائق موتو تاكسي، دراجة نارية كهربائية، ويعمل على خطة دفع يومية لتغطية التكلفة، ويعتقد أن دراجته الجديدة ستعمل بسعر أرخص على المدى الطويل، قائلا: “أنا معجب بأنه لا يوجد أي صيانة للقيام بها، مثل تغيير الزيت، هذه الدراجة مريحة وآمنة”.
ويضيف أمادو، أن النقطة الشائكة الوحيدة هي البطارية، إذ يعتمد نموذج أعمال “إم أوتو”، على محطات التبادل في جميع أنحاء المدينة، وعندما تنفد البطارية بعد حوالي 60 ميلا (100 كم)، يجب على السائقين زيارة المحطة والدفع مقابل استبدال البطارية الفارغة ببطارية كاملة.
يقول أمادو: “أرغب في أن تدوم البطارية لفترة أطول، إذ لا توجد نقطة شحن بالقرب من منزلي، لذلك علي السفر لمسافة طويلة وإذا كنت أريد الخروج من المدينة فهذا مقيد بعض الشيء لأنه لا يوجد العديد من محطات التبادل”.
المخاوف بشأن البطارية تمنع سولي أيضًا من شراء دراجة كهربائية، يقول إن شكلها جذاب والأهم أنها ستساعد في تقليل تلوث الهواء الذي يتنفسه كل يوم، لكنها في الوقت الحالي ليست منطقية من الناحية الاقتصادية بالنسبة له، مشيرا إلى أن الأمر قد يكلفه 4000 فرنك أفريقي آي 5.40 جنيه إسترليني في اليوم لاستبدال البطاريات، بينما يمكنه في الوقت الحالي شراء 5 لترات من البنزين تكفي ليوم واحد مقابل 3000 فرنك أفريقي.
يتفهم بكاري مخاوف سولي، قائلا: “لن ينتقل أحد إلى الدراجات الكهربائية لمجرد أنك تقول إنها مفيدة لكوكبنا، إذا كان الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لهم، فلن يفعلوا ذلك”.
يعيش ما يقرب من 40٪ من السكان في بنين تحت خط الفقر، ويكسبون أقل من دولارين أمريكيين في اليوم، يقول بكاري: “إذا كنت أعيش بدولارين في اليوم، فلا يمكنني دفع المزيد لمجرد أنني أريد إنقاذ هذا الكوكب”.
يعمل الرئيس التنفيذي لشركة “إم أوتو”، هو وفريقه على إقناع الحكومات في أفريقيا بتخفيض الضرائب على السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى وضع خطط لتجميع الدراجات في بنين، كما يحاولون جمع الأموال لإدخال المزيد من نقاط الشحن بالإضافة إلى إجراء محادثات مع الحكومة لبناء محطة للطاقة الشمسية لتوفير الطاقة الإضافية التي ستكون مطلوبة.
وسيحدد الوقت ما إذا كان عدد كافٍ من سائقي الدراجات النارية سيحولون دراجاتهم إلى كهربائية لإحداث تأثير حقيقي في بنين، لكن سولي يقول: “أنا عميل محتمل، وفي حال كانت التكاليف أقل سأشتري دراجة كهربائية بالتأكيد”.