كتبت – أسماء حمدي 

داخل كهوف كومي الواقعة داخل جبل صخري في مملكة ليسوتو بجنوب إفريقيا، لا يزال عدد من العائلات يعيش هناك، حتى بعد أن أصبحت الكهوف موقعًا تراثيًّا في شمال البلاد، والتي احتلتها القبائل المحلية لأول مرة منذ حوالي 200 عام بحثًا عن مأوى.

«هنا منزلنا»

داخل مسكن طيني إضاءته خافتة يقع داخل جبل صخري في ليسوتو، تقوم ماموتونوسي نتيفاني، 67 عامًا، بنفض الغبار عن جلد حيوان.

تعيش نتيفاني مع أسرتها في مساكن بسيطة في كهوف كومي، التي احتلتها قبائل محلية منذ القرن الـ19، خلال بحثها عن مأوى من الصراعات والحروب، رغم المصاعب اليومية التي تشمل مشاكل في إمدادات المياه وكثيرا ما تجد نفسها معزولة عن العالم الخارجي.

تقول نتيفاني وهي تتزين بمسبحة حول عنقها: «الحياة جيدة، نزرع خضراواتنا بأنفسنا، يمكنني أن أصلي في أي وقت أريد».

تقع كهوف كومي على ارتفاع أكثر من 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، على بعد حوالي 50 كيلومترًا (30 ميلًا) من العاصمة ماسيرو، تحيط بالمستوطنة مراعي قاحلة، حيث يلبس الرعاة بطاطين صوفية طويلة وهم يرعون الماشية في ضباب الصباح.

يتصاعد دخان أبيض رقيق من خارج الكهوف حيث تغلي عصيدة الذرة التقليدية «بابا» في قدر أسود المصنوع من الحديد الزهر فوق نار الخشب.

ينقسم الكهف إلى عدة منازل مستديرة مسندة على صخرة البازلت، أما الممرات المفتوحة عالية بما يكفي ليمشي الشخص من خلالها لتكون بمثابة مداخل، وصنعت الجدران والأرضيات من خليط من الطين والسماد الذي يتطلب صيانة دورية.

يوجد في الداخل العناصر الأساسية بما في ذلك الأواني والدلاء البلاستيكية لتخزين المياه وجلد البقر للسرير.

يقول كابيلو كوم (44 عامًا)، الذي ينحدر من أول من استقر في الكهوف، وسُمي المكان باسمهم: «لا توجد كهرباء ولا ثلاجة، لكن هذا منزلنا، وهنا تاريخنا».

مخبأ 

في القرن الـ19، أصبحت الكهوف مخبأ لأفراد قبائل باسيا وباتونج، عندما اجتاح الصراع والجفاف الشديد المنطقة.

أفاد المبشرون المسيحيون الذين كانوا يسافرون في المنطقة في ذلك الوقت، أن بعض الجماعات لجأت إلى أكل لحوم البشر للبقاء على قيد الحياة، حيث تضاءلت احتياطيات الماشية والحبوب.

وفي هذه الفترة، ظهرت ليسوتو ككيان واحد، حيث اتحدت جماعة سوتو، أكبر مجموعة عرقية في المنطقة، لمحاربة غزاة الزولو والمستوطنين الأوروبيين، واليوم يعيش معظم سكان البلاد البالغ عددهم مليوني نسمة على زراعة الكفاف، أما سكان كهوف كومي يزرعون الذرة والذرة الرفيعة والفاصوليا ويربون الدجاج والماشية.

يتلقى كبار السن في كهوف كومي علاوة حكومية، بينما يكسب الآخرون أموالًا من عرض منازلهم للسائحين.

البعض مثل ماماتاسينج ختسوان، وهي مدرسة سابقة تبلغ من العمر 66 عامًا، انتقلت إلى قرية مجاورة بها وسائل راحة أكبر، تقول: «آتي إلى هنا لتناول الطعام، أو لقضاء وقت مع أحفادي، وهناك تغطية للهاتف المحمول، ولكن لا يوجد إنترنت ثابت أو مياه جارية»، بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية.

تسخر نتيفاني، وهي تقف خارج منزلها، وتحدق في الجبال، بينما تدق أجراس البقر من بعيد، قائلة: «لا شيء من هذا هنا”.

مملكة في السماء

لقبت ليسوتو الواقعة جنوب إفريقيا، بمملكة ‏السماء، والبالغ عدد سكانها مليونين نسمة، وعاصمتها ماسيرو، وحصلت ليسوتو على استقلالها منذ 50 عامًا، وهي دولة ذات إمكانيات طبيعية هائلة، من الطاقة الشمسية وتضم جبل قبلونا الذي يحمل في باطنه كنوزا تبهر العالم، بالإضافة إلى المياه الجبلية.  

وتعرف المملكة بأنها بلا سواحل، فهي غير محاطة بأي بحار أو محيطات، ويتوفر فيها النقل البري والجوي فقط، حيث يبلغ إجمالي عدد المطارات في ليسوتو 28 مطارًا، 3 منهم لديه مدارج للإقلاع وممهدة للهبوط، وبها مطار دولي واحد  وهو مطار موشوشو الدولي في مازينود على مقربة من جنوب شرق ماسيرو عاصمة ليسوتو.

وتعتبر ليسوتو دولة مستقلة متعددة الثقافات، ووصفت بكنز الألماس لأنها تضم أكبر وأضخم منجم للألماس في العالم وهو منجم ليتسينج للألماس، إذ يصل إلى عمق 3 آلاف و100 متر تحت الأرض.

يتحدث السكان السوسية، اللغة الرسمية الإنجليزية والسيسوتية، يتكون سكانها من مجموعات عرقية مختلفة حيث يمثل المسيحيون حوالي 90% من السكان، و19% من المسلمين والهندوس والبوذيين والبهائيين، وأتباع الديانات التقليدية للشعوب الأصلية تشكل 10% الباقية من السكان.

ويحافظ شعب ليسوتو على الموروثات الثقافية من خلال سرد القصص والأساطير، وتعتبر البساطة والتعاون هما أبرز سمات الحياة اليومية، كما تشتهر بحياكة الموهير والصوف ودمى القماش، ويهتم سكانها بالموسيقى والأشعار والقصص التي تثري هويتهم وتنمي حس انتمائهم، وطوروا ‏العديد من الأنماط الموسيقية مع مرور الزمن إلا أن فني الموكيبو والموكوبو، هما ‏الأكثر انتشارا من بينها.

ويجمع فن الموكيبو، بين الغناء والرقص ويقتصر في تأديته على النساء والفتيات، بينما تقوم فنون النتلامو والموهوبيلو على رقصات تقليدية يؤديها الرجال.  

وتأخذ شكل البيوت في ليسوتو شكل الأكواخ التقليدية، وتصنع من الطين وتشيد يدويا باستخدام المواد الطبيعية الخام، وتعد قرية ثابا بوسيو الثقافية نموذجا لفن العمارة لحضارة الباسوتو في البلاد.