كتبت – أسماء حمدي
بسبب موجة الجفاف الطويلة التي اجتاحت كينيا والقرن الأفريقي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمجتمعات الرعوية، وخاصة النساء اللاتي يتحملن المسؤولية الأساسية عن تأمين الغذاء والماء والوقود.
تواجه النساء الرعويات في قرى الماساي في جنوب كينيا، تحديات يومية كبيرة، حيث تزيد أزمة المناخ من عبء الرعاية الواقع عليهن، بالإضافة إلى توفير الطعام لأسرهن وأطفالهن على المائدة كل يوم.
حقائق قاسية
في إيسيتيتي، إحدى قرى الماساي، تقوم بيلالي ريكويان بطهي قدر كبير من الأرز لأحفادها، وتحكي قائلة: “اعتدت أنا وعائلتي على تناول الحبوب البسيطة كلما نفد الإنتاج أو نقصت اللحوم، لكن إعداد هذه الوجبة يجعلني أشعر بالحنين إلى الأيام التي كان فيها منزلنا يمتلك عدة رؤوس من الماشية”، مشيرة إلى أن الماشية تضمن إمدادات ثابتة من اللحوم والحليب، ودخلًا للمنتجات والاحتياجات الأخرى.
تحكي ريكويان البالغة من العمر (69 عامًا): “لقد تغيرت الحياة كثيرا منذ ذلك الوقت، لم نعتد قط على العمل بهذا القدر من الجدية يوميًا لتوفير الطعام على المائدة.”
بحسب صحيفة الجارديان البريطانية، كانت ريكويان إحدى قصص مصورو الماساي كلير ميتيتو وإيرين نانو، إذ يقوموا بتسجيل التجارب اليومية لامرأتين كبيرتين في السن، لتسليط الضوء على العبء المنزلي المتزايد الذي يتحملونه هؤلاء النساء على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، والذي غالبًا ما يتم التقليل من قيمته.
كانت ماتيتو ونانو من بين 14 امرأة في كينيا وغانا شاركن في برنامج نظمته Lensational، وهي مؤسسة اجتماعية تدعم النساء اللاتي يرغبن بتعلم فنون التصوير الفوتوغرافي وتوثيق التغييرات التي تحدث في حياتهن بشأن قضايا مثل تغير المناخ.
اختارت ماتيتو تصوير تجارب حماتها ريكويان لأن حياة الأم الحاكمة تعكس الحقائق القاسية التي أصبحت طبيعية، حتى بين النساء أنفسهن، إذ تبذل ريكويان ونساء أخريات في أسرتهن المكونة من 7 أسر جهودًا كبيرة لرعاية الماشية حتى المريضة منها والحفاظ على قطيعهن على قيد الحياة، لكنهن فقدن معظم أبقارهن بسبب الجفاف في السنوات الأخيرة، ويتعين عليهن الاعتماد على الماعز، التي لا تنتج سوى جزء صغير من العرض.
انعدام الأمن الغذائي
مع تضاؤل قطعانهم وتزايد انعدام الأمن الغذائي، يتزايد الطلب على الرعاية، يمرض الأطفال في كثير من الأحيان بسبب سوء التغذية، مما يعني أن النساء يكرسون المزيد من الوقت لإعادتهم إلى الصحة.
تروي ماتيتو، وهي معلمة في مدرسة حضانة وأم لـ4 أطفال، أن ريكويان تستيقظ عند بزوغ الفجر كل صباح لبدء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال بينما تقوم ماتيتو ونساء أخريات في رحلتهن المنزلية المتعددة الأجيال لساعات للعثور على الحطب ومواقع الرعي لماشيتهن، على أمل إنجاز أكبر قدر ممكن من العمل قبل فترة ما بعد الظهر، قبل أن يبطئهم الإجهاد الحراري.
تضاءلت الأراضي العشبية بسبب الجفاف، لذا فهم بحاجة إلى المشي عدة كيلومترات لمسافة أبعد مما اعتادوا عليه، تقول ماتيتو، التي تعيش في منزل ريكويان: “هذه نظرة حقيقية وحقيقية لحياتها – لحياتنا جميعًا، إن العمل الذي تراها تقوم به هو شيء نعرفه جميعًا، إنه أمر صعب، لكننا اعتدنا عليه، لذلك لم يعد يُنظر إليه على أنه أمر خارج عن المألوف”.
تقول شبكات المناخ النسائية إن الحكومات بحاجة إلى توفير شبكات الأمان الاجتماعي وسبل العيش البديلة لأولئك الذين زادت احتياجاتهم ومسؤولياتهم بسبب الأزمة، والاستثمار في البنية التحتية التي تدعم النساء من المجتمعات المهمشة.


معاناة في صمت
ذكر أفراد المجتمع المحلي أن تقريب المرافق الصحية في إيزيتيتي، من شأنه أن يسمح للنساء بقضاء وقت أقل في إدارة احتياجات الرعاية الصحية لأسرهن، ومن شأن الطرق المناسبة أن تزيد من وصول تجار السوق إلى القرية وتقلل من الوقت الذي تقضيه النساء في تأمين الغذاء.
في الوقت الحالي، لا يغامر التجار بالدخول إلى القرية إلا مرة واحدة في الأسبوع لأن حالة الطرق سيئة، لذا تحتاج النساء إلى العبور إلى تنزانيا المجاورة كل أسبوع، سيرًا على الأقدام لعدة ساعات في كل اتجاه.
تقول المصورات اللاتي تم تدريبهن من قبل Lensational أن رواية القصص المرئية هي أداة قوية لمجتمعهن، الذي يواجه التهميش والأمية، ووسيلة لكسر الحواجز التي غالبًا ما تمنع واقعهن ووجهات نظرهن من الرؤية الكاملة.
تلتقط صور نانو حياة لينوي مايمبي، وهي مزارعة من ناروك في جنوب كينيا، وهي الوصي الرئيسي على حفيديها، إذ تمكنت مايمبي من الاحتفاظ بالعديد من رؤوس الماشية على الرغم من الجفاف، لكنها تواجه تحديات في الحصول على المياه مع جفاف الأنهار والسدود.
لقد جعلت أنماط الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها من الصعب الاعتماد على محصول صحي، لذلك قامت بتأجير جزء من أرضها لأفراد المجتمع لإدارة المخاطر، كما بدأت بإدارة منزلها بعد وفاة زوجها، لكنه ملك لولديها، كما أن المعايير الجنسانية التي تقيد ملكية المرأة للأرض تجعلها تشعر بالضعف.
تقول نانو: “في ناروك، النساء هن من يربين الماشية، ويجلبن الماء، ويعتنين بالأطفال، إنهم يعتنون بالثروة ولكن الأزواج يسيطرون عليها، لذلك فإن العديد من النساء لديهن احتياجات لم تتم تلبيتها وينتهي بهن الأمر بالمعاناة في صمت”.
تشير نانو وماتيتو إلى أن عملهما في التصوير الفوتوغرافي سمح لهما بمشاركة التمثيل الأصيل لنساء الماساي، وأعاد إشعال اهتمامهما بالأحداث اليومية في مجتمعاتهما، ومكنهما من فهم القضايا التي يواجهانها بشكل أعمق، يضيفا: “بالوقوف خلف الكاميرا والاستماع إلى كيفية تأثر الناس، أدركنا حقًا مدى الوضع الذي نواجهه مع تغير المناخ”.
تداعيات سلبية
في يوليو الماضي، أوضحت التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن التداعيات السلبية على النساء تنتج عن دور المرأة في المجتمع والأسرة، وحساسيتها الجسدية، وعدم قدرتها الكافية على الوصول إلى الموارد.
أكدت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي تتناول دور المرأة في المجتمع في مختلف أنحاء العالم ومشاركتها في الحياة التجارية، على أن المرأة تتحمل 75% من الأعمال غير مدفوعة الأجر حول العالم، مشيرة إلى أنه في حالة وقوع كارثة لا تملك المرأة الموارد المالية للتعامل مع الوضع الناتج”.
من جانبها، ذكرت الباحثة في معهد التنمية الخارجية في بريطانيا، فيرجيني لو ماسون، أن تأثير تغير المناخ على النساء لديه أبعاد متتالية، مضيفة: “عبء العمل على النساء أعلى، ومع ذلك لا يمكنهن كسب المال، لذلك تتأثر قدرتهن على ادخار المال والاستثمار في مستقبلهن”.
واختتمت لو ماسون حديثها، قائلة: “علينا أن نفهم أن تغير المناخ لا يستهدف النساء على وجه التحديد، لكن النساء أكثر عرضة لتغير المناخ لأنهن يواجهن بالفعل العديد من أوجه عدم المساواة”.
وأشارت عالمة الاجتماع بجامعة ريجينا الكندية، لفتت آمبر فليتشر، إلى أن تأثير عواقب تغير المناخ على النساء يتحدد وفق الجغرافيا والأوضاع التي يتعرضن لها، مشددة على أن النساء في جنوب الكرة الأرضية يتأثرن بشكل كبير بالكوارث المناخية.
وأردفت فليتشر: “الفجوة بين الجنسين هي السبب الجذري للتوزيع غير المتكافئ للموارد والسلطة، كما تتفاقم مثل هذه اللامساواة عند وقوع كارثة.