كتب – منير أديب

باحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي

كشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي، عن تنامي ظاهرة الإرهاب بمنطقة الساحل الأفريقي، بنسبة تصل في ارتفاعها إلى 2000% ما بين عامي 2007 إلى 2022، فشكل الإرهاب في هذه البقعة 40% من ضحايا الإرهاب العالمي.

أزمة دول الساحل تتمثل في الصراع الإثني والإتجار بالمخدّرات والبشر ومعها الإرهاب، ولعل مشكلات هذه البقعة الجغرافية تزداد مع النمو السكاني السريع والإتجار بالموارد والانقلابات العسكرية وتهميش الشباب، ومالي نموذج مُصغّر عن هذه المشكلات.

جزء من أزمة منطقة الساحل الأفريقي، والذي يمتد من دول المغرب العربي وتحديدًا من المحيط الأطلسي وصولاً إلى القرن الأفريقي، تتمثل في صعود وتنامي الجماعات المتطرفة، خاصة وأنّ منطقة الساحل تبدو غنية بمواردها الطبيعية، وبالتالي باتت مطمعًا للكثير من الدول الأوروبية، التي فرَّغت نفسها لمحاولة الاستحواذ على هذه الموارد أو إعادة استعمارها من جديد.

تبلغ المساحة الجغرافية لدول الساحل الأفريقي قرابة عشرة ملايين متر مربع، وهنا يبقى غنى هذه المنطقة سبب نكباته أو جزء من استغلال دول العالم لها، وهنا بات الاستعمار بمفهومه القديم سببًا رئيسيًا من من أسباب نشأة وتنامي جماعات العنف والتطرف، وهو ما يجب الانتباه إليه والعمل على تفكيكه.

وهنا يمكن أنّ نضع أيدينا على سبب رئيسي في صعود جماعات العنف والتطرف في العواصم الأفريقية الخمس (موريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر ومالي) وهو أن بعض الدول الأوروبية ما زالت تستعمر هذه العواصم من خلال نهب ثرواتها، وهو ما دفع إلى صعود مجموعات أصولية للقيام بمهمة الدفاع عنها.

هذه الدول الأوروبية على قدر أنها قامت باستغلال دول الساحل الأفريقي اقتصاديًا، وهو ما سمح بإيجاد مبرر “وطني” لقيام التنظيمات الإسلاموية، التي ظهرت بمبرر الدفاع عنها، على قدر تخليها عن القيام بدورها في دعم الأنظمة السياسية في البلدان الأفريقية من أجل مواجهة ظاهرة الإرهاب، أو لعلها فعلت ذلك ولكنها فشلت في تقديم دعم حقيقي ذي أثر.

مشكلات وتحديات دول الساحل والصحراء بأفريقيا ليست غريبة ويمكن قراءة هذه المشكلات في سياقات محلية وإقليمية، رغم أنه لم يتم حلها حتى الآن، ولكن يُضاف إليها عدد من المشكلات العالمية المرتبطة بعدد من الحروب والصراعات سواء تلك التي ضربت القارة أو التي ضربت دولًا أخرى، صحيح هي بعيدة جغرافيًا، ولكنها تركت بصمتها على القارة الفقيرة أو البقعة الجغرافية التي تُعاني تناميًا مفرطًا في جماعات العنف والتطرف.

مشكلة أفريقيا تبدو معقدة فيما يتعلق بتنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف، وربما باتت هذه الظاهرة أكثر خطورة على منطقة الساحل والصحراء، والتي تشهد عدم استقرار، كما أنّ ما يحدث في القارة ينعكس مباشرة على منطقة الساحل الأفريقي، بل تمتد صراعات وحروب العالم إلى هذه المنطقة، فتعد أحد أسباب تنامي الظاهرة.

الحروب والصراعات في القارة السمراء ظهرت بصمتها على منطقة الساحل، بدءًا من مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في أكتوبر من العام 2011 على خلفية التدخل العسكري الأوروبي في ليبيا، وهو ما سمح بدخول أسلحة ثقيلة وغير محدودة إلى مناطق مختلفة في أفريقيا وتحديدًا في منطقة الساحل، وهو ما ساعد في صعود وتنامي هذه التنظيمات بهذه الصورة.

كما أثر العجز الفرنسي في الاحتفاظ بولاء بعض الأنظمة الأفريقية، والتي حدث فيها انقلاب عسكري، على تنامي ظاهرة الإرهاب، والتي وجدت متنفسًا في بيئة عدم الاستقرار، وهو ما أثر في وجود القوات الفرنسية والأمريكية والتي نشطت في هذه المنطقة لمواجهة التنظيمات الإرهابية.

غياب القوات الفرنسية وتخفيض عددها مع القوات الأمريكية أثَّر سلبًا في تنامي ظاهرة الإرهاب في هذه المنطقة، فضلًا عن الاضطرابات السياسية، وعدم وجود أنظمة سياسية مستقرة يمكن أنّ تواجه ظاهرة الإرهاب؛ فتنامي ظاهرة الإرهاب دليل على ضعف الأنظمة السياسية في البلدان الأفريقية، فضلًا عن الأوضاع الاقتصادية المتردية.

تنظيمات العنف والتطرف باتت سيدة المشهد في منطقة الساحل؛ حيث فشلت معها المعالجات الأمنية الضيقة، فضلًا عن التراجع الدولي الملحوظ في مواجهة هذه التنظيمات، وهنا يمكن الإشارة إلى أنّ خطر الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي متعدد الأوجه، حيث تنشط 4 جماعات.

أشهرهم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والتي ضمت تنظيمات أخرى منها المرابطون وأنصار الدين، وقد نجح هذا التنظيم في تنفيذ قرابة 37 عملية نوعية خلال العام المنصرم، فضلًا عن تنظيم داعش، وقد نجح في الإعلان عن 5 ولايات له في أفريقيا، مضافًا لهم جماعة بوكوحرام، وجزء منها تابع لتنظيم داعش وجزء منها ما زال على ولائه للقاعدة، ويتبقى حركة شباب المجاهدين الصومالية، وهو التنظيم الأخطر في أفريقيا.

الوضع الأمني في منطقة الساحل يُعاني انفلاتًا أمنيًا، فتبدو الدولة الوطنية هشة وضعيفة في مواجهة هذه التنظيمات، كما أنّ وجود هذه التنظيمات أضعف الأنظمة السياسية في البلدان الأفريقية، وهو ما يجب معه معالجة جذور مشكلة الإرهاب، وألا يقتصر الأمر على المعالجات الأمنية والعسكرية فقط.

وهو ما يتطلب تدخلًا دوليًّا وأقليميًّا لدعم سلطات الأمن المحلية في مواجهة هذه التنظيمات، ولا يُعني التدخل الدولي احتلال الدول الأفريقية أو التنافس على سرقة ثرواتها، لأن ذلك يصب في خانة دعم هذه التنظيمات، لا بد مع المقاربات الأمنية تقديم حلول جذرية لمشكلات القارة أولًا، ومشكلات دول الساحل الأفريقي ثانيًا.

الحروب الدائرة، سواء في شرق أوروبا وتحديدًا في أوكرانيا قبل أكثر من عام ونصف، فضلًا عن الحرب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا حرب إسرائيل على غزة قبل شهور، ومن قبل في السودان وليبيا وعواصم أفريقية أخرى أثر في تنامي ظاهرة الإرهاب عالميًا وتحديدًا في أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي.

لا بد من إعادة قراءة الواقع الأفريقي، وبخاصة تنامي جماعات العنف والتطرف في منطقة الساحل والصحراء، من خلال تخفيف حدة الصراعات الدولية التي تمثل بابًا لتنامي جماعات العنف والتطرف،كما لا بد من  مساعدة الحكومات الساحلية على إطلاق برامج تنموية وشبابية، بهدف القضاء على البيئة الحاضنة لجماعات العنف والتطرف.

فرغم أنّ الولايات المتّحدة أطلقت في العام 2005 شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء (المعروفة سابقًا بمبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء)، إلا أنّ هذه المبادرة لم يُصبح لها دور، بل تم افتقاد الدور الأمريكي بسبب الحروب والصراعات التي باتت واشنطن إما طرفًا فيها مثل الحرب الأوكرانية في شرق أوروبا أو طرفًا فاعلًا فيها ولعلها طرفًا ولكنها غير فاعلة من ناحية التأثير وهنا نقصد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا حرب إسرائيل على غزة، هو سبب نكبة الساحل الأفريقي.

ولذلك لا بد من إعادة الترتيبات الأمنية في القارة الأفريقية وتحديدًا في منطقة الساحل الأفريقي، وأنّ يكون للمجتمع الدولي دور في هذه الترتيبات، وأنّ يتخلى ويتخفف من الحروب والصراعات والتي تؤثر بصورة كبيرة في أمن واستقرار القارة وعلى أمن منطقة الساحل الأفريقي؛ فبقاء هذه الحروب يعني تقوية عزم هذه التنظيمات ونجاحها في بناء قاعدة أقوى لها في الساحل “المنسي”، وربما يؤدي إلى قيام دولة لها على غرار دولة “داعش” في منطقة الشرق الأوسط.