كتب – كرم سعيد

باحث متخصص في الشؤون الإقليمية

تشهد الأزمة في السودان حلقة جديدة من حلقات التوتر وغياب التوافق بين طرفي الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، بعد تأجيل لقاء البرهان – حميدتي الذي كان مقررًا له 28 ديسمبر في جيبوتي، ناهيك عن تصعيد وتيرة القتال بصورة غير مسبوقة في ولاية الجزيرة وسط البلاد في الأيام الأخيرة، بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ حيث تصاعدت حدة الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في 14 ديسمبر 2023، وانتهت بسيطرة الدعم السريع على مدينة “ود” بولاية الجزيرة وسط السودان، وتعد المدينة ثاني مدن السودان مساحة بعد الخرطوم، وتشتهر بأنها عاصمة زراعية مهمة جدًّا، وتضم أكبر مشروع زراعي بالري الانسيابي في العالم. 

صحيح أن الأزمة السودانية حققت نقلة أولية باتجاه التهدئة مع انخراط واشنطن، ودعوتها طرفي الصراع في 23 نوفمبر 2023 إنهاء عسكرة الأزمة وتخفيف حدة التوتر، وبدء مناقشات جدية تؤدي إلى وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بالإضافة إلى سعي الاتحاد الأوروبي منذ يوليو الماضي لتعزيز دوره في الأزمة، وهو ما انعكس في استقبال بروكسل لوفد من القيادات السياسية السودانية، في 27 يوليو 2023، في محاولة لإيجاد دور أوروبي فاعل في جهود تسوية الأزمة، ناهيك عن التزام طرفي الصراع، البرهان وحميدتي، خلال قمة الإيجاد الطارئة التي عُقدت في 9 ديسمبر 2023 في جيبوتي بوقف غير مشروط لإطلاق النار وحل النزاع من خلال الحوار السياسي, وكذلك موافقتهم على اقتراح الإيجاد بعقد اجتماع مباشر بينهما, بتيسير من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، بيد أن العوامل المحفزة لتجدد الأزمة لا تزال قائمة، خاصة في ضوء التداعيات الكارثية للمواجهات الراهنة، وفي الصدارة منها تعرض مصفاة الخرطوم للبترول في 24 ديسمبر 2023 إلى تدمير كامل.

عوامل محفزة

ثمة العديد من العوامل التي تدفع إلى تنامي حالة التوتر والخلاف بين طرفي الأزمة في السودان خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي: 

1- وجود أجنحة داخل الجيش السوداني تدفع نحو مواصلة الحرب: على الرغم من إعلان البرهان موافقة مشروطة عشية قمة الإيجاد في ديسمبر 2023 للقاء حميدتي، لكن عددًا من جنرالات الجيش السوداني يُعارض هذه الخطوة، ويصر على مواصلة الحرب ضد قوات حميدتي، وكشفت عدة مؤشرات عن هذا الانقسام، منها دعوة الجيش السوداني في سبتمبر الماضي المجتمع الدولي لتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية، إضافة إلى اتهام الخارجية السودانية في مطلع نوفمبر 2023 قوات الدعم السريع بالتورط في تصفية أسرى تابعين للجيش السوداني في أثناء المعارك غربي البلاد.

2- هيمنة الانتماءات القبلية: ما زالت الانتماءات القبلية هي التي تحكم توجهات القوى السياسية السودانية تجاه طرفي الصراع، وهو ما أسهم في تآكل الانتماءات الوطنية التي تعلي من مفهوم وقيمة الدولة المركزية في السودان، الأمر الذي يكرس تسخين الصراع الحالي، وتفكيك وإضعاف الجبهة الداخلية، وهو ما حول السوان إلى بلد ممزق، وهنا، يمكن فهم محاولة كل من طرفي الصراع تعزيز نفوذه في الولايات المختلفة عبر تحشيد القبائل، فبينما يحظى الدعم السريع بتأييد واسع بين قبائل جنوب إقليم دارفور، الذي يمثل حاضنة اجتماعية واقتصادية مهمة لحميدتي، فإن قوات الجيش تعمل على تنسيق المواقف مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة أركو مناوي في ذات الإقليم. وبينما تحظى قوات الدعم السريع بدعم قبائل “بيلتي الشناتلة” و”الفلاتة” في كردفان، يحظى الجيش بدعم قبيلة “الرشايدة” شرق البلاد. كما انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الدعوات في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش السوداني في ولايات النيل الأبيض ونهر النيل وإقليم شرق السودان عبر مجموعات تسمي نفسها “المقاومة الشعبية المسلحة”، تطالب بحمل السلاح والاصطفاف إلى جانب الجيش السوداني، وتقديم الدعم له.

3- تصاعد الاتهامات والاتهامات المضادة: لا يزال الشحن هو العنوان الأبرز بين طرفي الصراع في السودان بعد مرور نحو ثمانية أشهر على الأزمة، خاصة في ظل تمسك كل طرف بخطاب التصعيد، فضلاً عن تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة، وكان آخرها اتهام الجيش السوداني لقوات الدعم السريع بالتورط في قتل المدنيين في مدينة “ود” بولاية الجزيرة عشية الاشتباكات التي تجددت في منتصف ديسمبر الماضي. ومن جهته اتهم حميدتي، قائد الجيش بتدبير النزاعات القبلية خلال الفترة الماضية في ولاية البحر الأحمر وأقاليم النيل الأزرق ودارفور وكردفان، وذلك من أجل البقاء في السلطة. كما هاجم حميدتي، الحركة الإسلامية وقادة النظام السابق متهمًا إياهم بالنفاق وبأنهم من أشعل الحرب. كما تبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 24 ديسمبر الماضي، الاتهامات باستهداف مصفاة الخرطوم للبترول في منطقة الجيلي شمالي العاصمة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل.

ولعل ما يزيد صعوبة التوصل إلى حل، وتهدئة لخطاب التصعيد أن كلًا من الجيش والدعم السريع، لديهما أطراف متشددة، وترى أنها أحق بالسلطة، فمن ناحية يصر بعض معاوني البرهان على عدم الاعتراف مطلقًا بوجود حميدتي، وربط أية تسوية للأزمة بنزع سلاح قوات الدعم السريع ودمجها داخل هياكل الجيش الوطني باعتباره السلطة الشرعية، وفي المقابل، يعتبر حميدتي قيادة الجيش تفتتقر للشرعية الشعبية، وتسعى للإمساك بمفاصل الدولة بعد قفزها على المسار الديمقراطي في 25 أكتوبر 2021، عندما أعلنت الطوارئ وحلت حكومة حمدوك، وغيرها من الإجرءات الاستثنائية.

4- حدود نتائج الوساطة الدولية: دخلت بعض القوى الإقليمية والدولية على خط الأزمة السودانية في إطار محاولتها تهدئة الأوضاع، وتسكين أوجاع الأزمة بين طرفي الصراع، غير أن محاولات التوسط، وإن نجم عنها تهدئة لبعض الفترات، لم تسفر عن استقرار فعلي وحل جذري للخلاف بين الجيش والدعم السريع، وظهر ذلك في تعثر الجولة الثانية من مفاوضات جدة في مطلع ديسمبر 2023، و التي استمرت أكثر من شهر بهدف حلحلة الملف الإنساني وتنفيذ خطوات بناء الثقة وإنهاء المظاهر العسكرية في العاصمة. كما أن محاولات مبعوثي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والمؤسسات الحكومية الدولية الأخرى للضغط على طرفي الصراع لوقف عسكرة الأزمة، لم تُحرِز تقدماً حتى الوقت الراهن في هذا الملف. كما تجدر الإشارة إلى تعليق الوساطة المكونة من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في 4 ديسمبر 2023.  وقبلها كان البرهان قد طالب منظمة الأمم المتحدة في نهاية نوفمبر 2023 بضرورة “إنهاء فوري” لمهمة بعثتها السياسية في البلاد، المعروفة باسم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”، بعد اتهامها بالانحياز. 

هذا وتعثَّرت المحادثات الرامية إلى جمع الفرقاء السودانيين تحت رعاية “الإيجاد”، وهو ما دفع عددًا معتبرًا من القوى الإقليمية والدولية في 14 ديسمبر 2023، إلى تحميل طرفي الصراع المسؤولية عن تدهور الأوضاع في البلاد.

5- مواصلة التحشيد العسكري: رصدت تقارير تحركات عسكرية مكثفة لقوات الدعم السريع منذ نوفمبر الماضي في إقليم دارفور، وولاية الجزيرة، إضافة إلى تحشيد قواته في محيط الخرطوم، وتمكنت من تحقيق انتصارات ميدانية لافتة، أجبرت بعض ألويات الجيش السوداني في مدينة “ود” بولاية الجزيرة على الانسحاب.

في المقابل، تم رصد تحركات لمعدات وقوات الجيش السوداني في ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف لمنع تقدم قوات الدعم السريع إلى بورتسودان المقر الجديد للحكومة والجيش. كما نشبت اشتباكات عنيفة في 25 ديسمبر 2023 بين قوات الدعم السريع وعناصر الجيش السوداني وسط قصف مدفعي عنيف وانفجارات في سنار. فيما شهدت ولاية الجزيرة أعمال نهب وسلب مع تقدم قوات الدعم السريع نحو جنوب السودان. كما رصدت العديد من التقارير احتدام حدة المواجهات بين طرفي الصراع في محيط العاصمة في منتصف ديسمبر الماضي من خلال استخدام كثيف للأسلحة الثقيلة.

6- تمسُّك كل من  طرفي الصراع بشروطه: تبلور ذلك خلال الخطاب الذي ألقاه حميدتي رئيس قوات الدعم السريع في دسيمبر 2023 عشية سيطرته قواته على مدينة “ود” بولاية الجزيرة؛ حيث دعا ما أسماهم شرفاء القوات المسلحة والشرطة للانحياز إلى رغبة الشعب السوداني في تأسيس دولة المواطنة واستعادة مسار التحول الديمقراطي. كما أن قيادة الدعم السريع تشترط للقاء البرهان أن يحضر في أية مفاوضات بصفته قائدًا للجيش لا رئيسًا لمجلس السيادة أو ممثلاً للشعب السوداني.

في المقابل، لا يزال الجيش السوداني يصر على تفكيك الدعم السريع ودمج وحداته في هياكل المؤسسات الأمنية الرسمية، كما اشترط البرهان خلال حضوره قمة الإيجاد في جيبوتي في 19 ديسمبر 2023 أن يكون الجيش الوطني محتكرًا للسلاح. وراء ما سبق اشترط البرهان وجود “جيش وطني واحد” يحتكر استخدام القوة، مشددًا على أن هذه مسألة لا تنازل عنها ولا تهاون فيها. وتابع “لا بد من إعمال مبدأ المحاسبة وعدم إفلات المتمردين من العقاب على الفظائع غير المسبوقة.

تداعيات محتملة

مع تصاعد وتيرة الاشتباكات بين طرفي الصراع في السودان، فإن ثمة ارتدادات عكسية سلبية محتملة على المشهد السوداني، أولها: تزايد موجات النزوح واللاجئين من الولايات التي تشهد مواجهات عسكرية، وهو ما ظهر في إعلان مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر الماضي عن قلقه من تفشي عمليات اللجوء؛ حيث تسببت الحرب في نزوح ما يقرب من  7 ملايين شخص. وبالرغم من لجوء قطاع واسع من السودانيين إلى دول الجوار، وبخاصة تشاد إلا أنهم تعرضوا لأوضاع سيئة، لا سيما وأن استمرار موجات اللجوء يشكل ضغطًا على قاعدة الموارد المتاحة في دول الجوار، ولعل هذا ما أدى إلى مناشدة وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة إلى ضرورة توفير المساعدات للاجئين السودانيين. وثانيها: إمكانية تراجع سيطرة الجيش السوداني على عدد من مراكز نفوذه، خاصة في ظل التقدم الميداني لقوات الدعم السريع في دارفور وبعض الولايات الوسطى وآخرها الجزيرة. وثالثها: تصاعد حدة العنف والخسائر البشرية في البلاد؛ حيث كشفت المواجهات الأخيرة بين الجيش والدعم السريع في ولاية الجزيرة وقبلها في دارفور والخرطوم عن تصاعد حدة العنف، وتجلى ذلك في أعداد القتلى والمصابين فضلاً عن عمليات التخريب والدمار الهائل في البنية التحتية وممتلكات المواطنين. ورابعها: تصاعد احتمال امتداد المواجهات إلى بورتسودان، إذ إن الانتصارات الأخيرة لقوات الدعم السريع، ربما تغري قيادته بالتحرك نحو بورتسودان بشرق البلاد، والتي تمثل مقر الجيش ومركز ثقله بعد مغادرة الخرطوم، وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تقديرات محلية ألمحت إلى بدء الدعم السريع تحركات نوعية تستهدف التغلغل داخل المدينة تمهيدًا للسيطرة عليها، بيد أن هذا الأمر قد يزيد من حدة الأزمة، خاصة أن الجيش قد يذهب بحسب البرهان في استخدام القوة المميتة لحماية بورتسودان. وخامسها: يتوقع أن تسفر المواجهات الراهنة في ولاية الجزيرة والخرطوم ودارفور عن اندلاع مواجهات أكثر عنفًا خلال المرحلة المقبلة وتمدد رقعتها الجغرافية، نظرًا لتعقد المفاوضات السياسية، وسعي كل طرف لحسم الصراع الميداني.

المسارات المحتملة

اتخذت الأزمة السودانية أبعادًا مختلفة مع تجدد العنف واتساع رقعة المواجهات بين طرفي الصراع منذ منتصف ديسمبر 2023، وتمددها إلى ولايات الوسط، وتصاعد فرص وصولها إلى الشرق؛ حيث مركز نفوذ الجيش في ولاية بورتسودان، ما يجعل كل السيناريوهات محتملة، خاصة في ظل تعقيد العملية السياسية، وتراجع زخم الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية، وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدد من المسارات المحتملة على النحو التالي:

1- استمرار حالة الحرب: على الرغم من تصاعد الخسائر البشرية، والكُلفة الباهظة للعمليات العسكرية التي تشهدها البلاد منذ أبريل الماضي، والتي انعكست على الاقتصاد السوداني، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين إلا أن استمرار حالة الحرب تظل خيارًا مرجحًا في ضوء عدة اعتبارات، أولها:  الاشتباكات العنيفة والقتال بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، وسيطرة قوات الدعم علي العديد من الأماكن الحيوية. وثانيها: تصاعد الاستقطابات القبلية حيال طرفي الصراع، فبينما انضمت قوات “ردع السودان” إلي الدعم السريع في 8 أغسطس الماضي مقابل إعلان عدد من القبائل شرق البلاد، والجبهة الشعبية لتحرير السودان في إقليم دارفور انحيازها للجيش السوداني في مطلع ديسمبر 2023. وثالثها: تعثُّر جهود التسوية السياسية للأزمة؛ حيث جاءت نتائج جولة مفاوضات جدة الثانية ضعيفة فضلاً عن عدم قدرة قمة الإيجاد الأخيرة في جيبوتي للتوصل لحل جذري للصراع بالإضافة إلى تراجع الزخم الدولي بالأزمة السوداني، بالنظر إلى انشغال واشنطن والدول الأوروبية وعدد من دول الإقليم بتطورات الأحداث في قطاع غزة، وهو ما يدفع نحو توسع الصراع، واحتمال تحويله إلى حرب أهلية شاملة.

2- تكريس سيناريو المواجهات المتقطعة: تشير بعض التقديرات إلى إمكانية تبني طرفي الصراع في السودان سيناريو المعارك المتقطعة، والتي ترتكز على المناطق الاستراتيجية خلال المرحلة المقبلة. ويغذي هذا السيناريو مجموعة من الاعتبارات، منها امتلاك طرفي الصراع قدرات عسكرية معتبرة، إضافة إلى ارتباط كل طرف بتحالفات إقليمية مؤثرة في المشهد السوداني، وكذلك عدم قدرة أي طرف تحقيق نصر حاسم حتى الآن. ولا يبدو أن أيًّا منهما يمتلك المقدرة على تحقيق ذلك خلال المستقبل المنظور. وخلف ما سبق، فإن غياب الضغوط الدولية والمحلية المؤثرة التي يمكن أن تجبر طرفي الصراع على الانخراط في مفاوضات سياسية ووقف الحرب، تشكل عاملاً إضافيًا لتعزيز هذا السيناريو.

3- تحقيق الدعم السريع مكاسب نوعية: على الرغم من أن الجيش السوداني لا يزال لديه تحالفات إقليمية، ويحظى بقدرات عسكرية معتبرة، تمكنه من التحرك على جبهات القتال إلا أن الدعم السريع حقق في الأيام الأخيرة مكاسب عسكرية وسياسية لافتة، فبينما نجحت جولة حميدتي التي بدأها في 27 ديسمبر، وشملت كينيا وأوعندا وإثيوبيا، في تطوير الصورة الذهنية للدعم السريع، وإيصال رسائل مباشرة إلى الدول المنخرطة في الهيئة الحكومية “إيجاد” بأن حميدتي يده ممدودة للسلام وإنهاء الصراع؛ فعلى المستوى العسكري تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة “ود” أكبر مدن ولاية الجزيرة وسط البلاد، كما تمكنت من إحكام السيطرة على مدن عدة في كردفان ومناطق من العاصمة الخرطوم، فضلاً تحقيق اختراقات عسكرية واسعة في مناطق من إقليم دارفور مثل نيالا وزالنجي والجنينة واقترابها من الفاشر عاصمة الإقليم، وهو ما يعني إمكانية حدوث تحولات ميدانية لمصلحة الدعم السريع، ربما توفر فرص لقوات حميدتي للإمساك والسيطرة ببعض المناطق الاستراتيجية في البلاد. بيد أن هذا السيناريو يواجه تحديات عدة، منها قدرة الجيش السوداني على الرد عسكريًا فضلاً عن تراجع الصورة النمطية للدعم السريع في عدد من الولايات السودانية بعد اتهام عناصره بالنهب والسلب لممتلكات المواطنين وتورطه في جرائم إنسانية.

4- الدفع نحو التهدئة: على الرغم من تبادل الاتهامات، استمرار الاشتباكات بين طرفي الصراع في الأيام الأخيرة، في عدة مناطق في البلاد، إلا أن ثمة اتجاهًا يرجح تحقيق اختراق في المشهد، والوصول إلى تهدئة، ويعزز ذلك، التأكيد على أن ثمة لقاء محتمل بين حميدتي والبرهان خلال يناير الحالي بالإضافة إلى إعلان الأخير في 20 ديسمبر الماضي خلال لقائه مع عدد من الضباط والجنود في مدينة بورتسودان على أنه ذاهب للتفاوض بنفسه. وفي المقابل، فإن الانتصارات التي حققها الدعم السريع لا تسعفه لتحقيق سيطرة حقيقية على كامل السودان. كما تجدر الإشارة إلى توقيع تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية في السودان وقوات الدعم السريع، في 2 يناير الحالي، على إعلان سياسي مشترك يتضمن توافقات بينها تشكيل لجنة مشتركة لإنهاء الحرب.

على جانب آخر، فإن ما يجري من تطورات في البحر الأحمر عقب تصاعد حدة التهديدات التي يمثلها الحوثيون على حركة الملاحة في البحر على خلفية استهدافهم للسفن المتجهة لإسرائيل، وإعلان الولايات المتحدة في 19 ديسمبر 2023 عن تأسيس تحالف “حارس الازدهار”، وهو قوة بحرية متعددة الجنسيات يستهدف تأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر، فإن استقرار السودان التي تمتلك مساحة طويلة وممتدة على البحر الأحمر، قد يدفع القوى الدولية لإعادة الانخراط الفاعل في  المشهد السوداني من خلال الدفع نحو تسوية الأزمة، وتحقيق الاستقرار لضمان توظيف السودان كذراع عسكرية مهمة في تأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر. بيد أن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا في التوقيت الحالي على الأقل، بالنظر إلى إصرار كل من طرفي الصراع على شروطه، ناهيك تصاعد الشكوك حول تحالف حارس الازدهار، ورفض الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر الانخراط في التحالف بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.

ختاماً، يمكن القول إن معطيات وتطورات المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي وصلت الذروة في الأيام الأخيرة، وامتدت رقعتها الجغرافية إلى ولايات جديدة،  تنذر باحتمال استمرار حالة العنف خلال المرحلة المقبلة، ودخول السودان في متاهات التقسيم من جديد، خاصة في ظل فشل مبادرات محلية وخارجية لحسم الصراع الذى يحمل في طياته ارتدادات سلبية على كافة المستويات.

المصادر

  1. استمرار المواجهات العسكرية في ولاية الجزيرة وتزايد فرار المدنيين، سودانتربيون، 16 ديسمبر 2023، متاح على الرابط، https://sudantribune.net/article280404/
  2.  واشنطن على طرفي النزاع في السودان عدم السعي لدور سياسي بعد نهاية الصراع، موقع الشرق الأوسط، 19 ديسمبر 2023، متاح على الرابط: https://2u.pw/aHuoZN9
  3. البرهان يخسر استمالة القبائل في السودان، صحيفة العرب، 18 ديسمبر 2023، متاح على الرابط: https://2u.pw/FsIVVcq
  4. محمد محمد عثمان، هل يتمكن قادة إيغاد من إنهاء الأزمة في السودان؟، بي بي سى، 10 ديسمبر 2023، متاح على الرابط: https://is.gd/uEmw8z
  5. دقلو يقوم بجولة في شرق أفريقيا تحت عنوان: يدى ممدودة للسلام، 29 ديسمبر 2023، صحيفة العرب، متاح على الرابط: https://is.gd/MrGfVJ
  6. حميدتي يتهم البرهان بتدبير النزاعات القبلية من أجل البقاء في السلطة، راديو دنبقا، 3 نوفمبر 2023، متاح على الرابط: https://is.gd/CyusDj
  7. مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، دبلوماسية التجاهل: فرص نجاح الاتحاد الأوروبي في توسيع انخراطه في الأزمة السودانية، 2 أغسطس 2023، متاح على الرابط: https://is.gd/huYSBN
  8. حسنين توفيق إبراهيم، الحرب في السودان: سيناريوهات قاتمة وتداعيات كارثية، 13 يونيو 2023، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، متاح على الرابط: https://is.gd/Ld9Peh
  9. محمد أبو الفضل: التطورات تتحرك لصالح قوات الدعم السريع في السودان، 19 نوفمبر 2023، صحيفة العرب: متاح على الرابط: https://is.gd/HJjIl8