كتب – محمد الدابولي

تعد مسألة التداول السلمي للسلطة من أبرز ركائز دعم الاستقرار السياسي في أي مجتمع، فمضامينه تنطوي على تحقيق العدالة السياسية والاجتماعية بين الجماعات الحزبية والعرقية والإثنية والحد من القدرات الاستبدادية للأنظمة الحاكمة، فضلًا عن تعزيز قدرات الحكم الرشيد والحد من الفساد السياسي في الدولة.

تأثرت تجربة التداول السلمي للسلطة في أفريقيا بالعديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والشخصية، مما أكسبها العديد من الصور والأنماط المختلفة بعضها مثل تطبيقًا فعليًّا لمبادئ التداول السلمي للسلطة والبعض الآخر حاد عن تلك المبادئ.

فعلى سبيل المثال نجحت دول مثل غانا وجنوب أفريقيا خلال العقدين الأخيرين في تحقيق التداول السلمي للسطلة بنجاح وفعالية جعلهما في مصافّ الدول التي حققت تقدمًا نوعيًّا في مسألة التحول الديمقراطي، أما باقي الدول الأفريقية فقد عانت من ويلات الاضطرابات السياسية الداخلية الناجمة عن فشل تطبيق المبدأ حتى باتت الانتخابات في دول أفريقيا موسمًا دوريًّا للعنف والاقتتال الأهلي بين الجماعات الإثنية المختلفة.

تتعدد المتغيرات المؤثرة على عملية تداول السلمي للسلطة في الدول الأفريقية منها، الطبيعة التكوينية للدولة الأفريقية الموروثة عن الحقب الاستعمارية، حيث أفرخت دولة متعددة إثنية وهشة اجتماعيًّا ينخر فيها الفساد المؤسسي، فضلًا عن أن التجارب الحزبية في أفريقيا ما زالت في طور النشأة والتكوين ولم تصل إلى درجة الممارسة الراسخة في العمل السياسي.

لعبت المتغيرات السابقة مجتمعة في تعثر عملية التحول الديمقراطي في العديد من دول القارة منذ بداية التسعينيات؛ لذا سنركز في تحليلنا على إحدى تلك المتغيرات وهو أزمة الخلافات السياسية داخل النظام الحاكم أو بالأحرى داخل النخبة الحاكمة وتحديدًا بين رأس النظام السياسي ونائبه.

منذ التسعينيات عرفت أفريقيا صراعًا سياسيًّا بين مكونات النظام الحاكم خاصة بين الرئيس ونائبه ففي حالات عدة شهدنها تنافس سياسي بين الرئيس ونائبه وصل إلى حالة الاحتراب الأهلي وتدخل فاعلون دوليون من أجل ترتيب مصالحة بينهما كما في حالة جنوب السودان بين الرئيس سيلفا كير ميرياديت ونائبه رياك مشار.

وبعيدًا عن حالة جنوب السودان ومآلاتها، يظهر لنا حالتان جديدتان في أفريقيا خلال العام الجاري، أولهما تأزم العلاقات الواضح للعيان بين الرئيس الكيني «أوهور كينياتا» ونائبه «وليام روتو»، والحالة الأخرى بين الرئيس الإيفواري حسن وتارا ونائب الرئيس الأسبق ورئيس الوزراء الأسبق ورئيس الجمعية التشريعية السابق «غيوم سورو» الذي اتهم مؤخرًا في قضايا سياسية وفساد مالي نال جزاءها بالسجن عشرين عامًا.

أولًا- لماذا تجربتي كينيا وكوت ديفوار؟

رغم التباعد الجغرافي بين البلدين، إلا أن تجربتهما السياسية تكاد تكون متقاربة إلى نحو كبير  في العديد من النواحي، منها انغلاق المجال السياسي في البلدين في مرحلة ما قبل التسعينيات، فكوت ديفوار التي حققت استقلالها السياسي عن فرنسا في عام 1960، نجح مؤسس الحزب الديمقراطي الإيفواري «فيليكس هوافيت بواني» في السيطرة على الحكم منذ عام 1960 وحتى وفاته في عام 1993 وخلفه نائبه هنري كونان بيديه في رئاسة البلاد([i]).

أما كينيا فقد حققت استقلالها عن بريطانيا في ديسمبر 1963 تحت قيادة جومو كينياتا وبعد وفاته في عام 1978 تولى نائبه دانيال أراب موي الحكم خلال الفترة الممتدة من عام 1978 وحتى عام 2002، حيث خلفه نائبه الأسبق «مواي كيباكي» في رئاسة البلاد.

ومما يزيد التقارب السياسي بين البلدين حالة العنف الانتخابي التي شهدتهما الدولتين خلال العقد الأول من القرن الجديد، ففي ديسمبر 2007 شهدت كينيا انتخابات رئاسية تباري فيها الرئيس الكيني السابق «مواي كيباكي» وزعيم المعارضة الحالي «رايلا أودينحا» أسفرت عن تقدم «كيباكي» بفارق طفيف على «أودينجا» الأمر الذي أشعل حالة احتراب أهلي بين أنصار الطرفين خاصة مع إعلان كيباكي فوزه بالانتخابات واستمرت الأزمة من شهرين إلى ثلاثة شهور تقريبًا([ii]).

وعلى الجانب الآخر شهدت كوت ديفوار في عام 2010 انتخابات رئاسية بين الرئيس الحالي الحسن وتارا والرئيس السابق للبلاد لوران جباجبو، واختلف الطرفان حول نتيجة الانتخابات؛ إذ أعلن جباجبو فوزه في الانتخابات في حين أصر  واتارا على فوزه في الانتخابات، الأمر الذي أدخل البلاد في حالة احتراب أهلي استمرت قرابة أربعة شهور([iii]).

تدخلت قوى أفريقية وأممية في الصراع الدائر في البلدين، ونجحت تلك القوى (الاتحاد الأفريقي – الأمم المتحدة) في الوصول إلى صيغة توافقية في الأزمة الكينية اقتضت بإعلان فوز كيباكي برئاسة البلاد مع تعيين منافسه رايلا أودينجا رئيسًا للوزراء في فبراير 2008، وحاولت القوى الأفريقية التي تدخلت في الأزمة الإيفوارية (2010 – 2011)  أن تعيد تجربة الكينية على الواقع الإيفواري من خلال اتفاق مصالحة بين الخصمين جباجبو  واتارا يسمح في النهاية بتولي واتارا منصب رئاسة الوزراء في المقابل تولى جباجبو منصب الرئيس، إلا أن تعنت جباجبو والانشقاقات التي ضربت معسكره عجلت بالتدخل الفرنسي في ساحل العاج في إبريل 2011 وعزله من الحكم وتولية الحسن واتارا رئيسًا للبلاد([iv]).

ومؤخرًا يبدو أن الدولتين على ميعاد جديد من النزاع السياسي بين أروقة النظام الحاكم في كلا البلدين خاصة مع اقتراب كوت ديفوار من تنظيم انتخابات رئاسية بها في أكتوبر 2020، في حين بدأت الترتيبات الانتخابية في كينيا مبكرًا، ومن المقرر إجراء الانتخابات في عام 2022.

كلا البلدين شهد مؤخرًا تنازع أقطاب النزاع الحاكم، فكوت ديفوار شهدت تصعيدًا سياسيًّا بين الرئيس الحالي الحسن وتارا، ورئيس مجلس الوزراء غيوم سورو المستقيل في فبراير 2019 أدى في النهاية إلى إصدار حكم بسجن الأخير عشرين عامًا، ومن المحتمل أن تشهد البلاد عنفًا واقتتالًا على غرار ما حدث في مرحلة سابقة في انتخابات 2010، وما قلبها فترة الحرب الأهلية، وفي كينيا حدث تقارب بين الرئيس أوهور كينياتا ورئيس المعارضة رايلا أودينجا، حيث بات الكثير يفسر هذا التقارب على أنه محاولة من كينياتا إزاحة وليام روتو من منصب نائب رئيس البلاد تمهيدًا لمنعه من الترشح في الانتخابات المقبلة 2022، وفيما يلي سيتم استعراض حالتي كينيا وكوت ديفوار للوقوف على مدى عمق الأزمة السياسية بين قطبي النظام الحاكم في كلا البلدين.

ثانيًا- أزمة خلافة كينياتا والحملات الانتخابية المبكرة

حددت المادة (142) من الدستور الكيني الصادر في عام 2010 مدة ولاية رئيس الجمهورية بفترتين انتخابيتين([v])، في محاولة لتحقيق التداول السلمي للسلطة في كينيا، وتعزيز الديمقراطية بعدما شهدت البلاد أحداث عنف أهلية منذ عام 1992 على خلفية تعثر عملية التحول الديمقراطي في البلاد.

وضعتنا المادة 142 من الدستور أمام قضية سياسية تشغل بال النخبة السياسية الكينية، ألا وهي مسألة خلافة أوهور كينياتا في الحكم، فدستوريًّا سوف تنتهي فترة حكم كينياتا في عام 2022، وبناء على ذلك تشهد كينيا خلال الفترة الأخيرة ترتيبات سياسية في محاولة لصياغة الموقف الكيني في مرحلة ما بعد كينياتا.

تصعيد مبكر

يتصدر المشهد السياسي الكيني كل من نائب الرئيس وليام روتو وزعيم المعارضة رايلا أودينجا، حيث يسعى الطرفان إلى ترتيب خلافة الرئيس كينياتا، فوليام روتو بدأ حملاته الانتخابية المبكرة في منطقة الوادي المتصدع الأمر الذي استفز أنصار الرئيس كينياتا والمعارضة الكينية، وفي المقابل يسعى زعيم المعارضة رايلا أودينجا إلى هندسة المشهد السياسي في مرحلة ما بعد كينياتا تضمن له المشاركة في الحكم على غرار الفترة التي سبقت تولي كينياتا الحكم في عام 2013، ويمكن إيجاز أبرز ملامح المشهد السياسي الكيني في النقاط التالية:

  • توتر العلاقات بين كينياتا وروتو:

شكّل الثنائي أوهور كينياتا ووليام روتو تحالفًا ثنائيًّا قويًّا في السياسة الكينية، حيث تمكن الطرفان من خلال ائتلافهما الحاكم «ائتلاف اليوبيل» في الظفر بالانتخابات الرئاسية الكينية مرتين متتاليتين في عام 2013 و2017، رغم اتهامات المعارضة المتكررة بتزوير تلك الانتخابات.

سرعان ما دبّ الجفاء السياسي بين الطرفين بعد انتخابات 2017، ففي مارس 2018 دخل الرئيس أوهور كينياتا في مبادرة سياسية للصلح مع قوى المعارضة بقيادة رايلا أودينجا أسفرت عن توقيع مبادرة بناء الجسور Building Bridges Initiative في نوفمبر 2018([vi]).

تقوم المبادرة على إيجاد صيغة سياسية للمعارضة في البرلمان مع تعيين زعيمها في البرلمان وإمكان المعارضة، ويسمح لها بتشكيل حكومة الظل لمراقبة أعمال الحكومة فضلًا عن ذلك إمكانية قيام الحزب الحائز على أغلبية مقاعد البرلمان في ترشيح عضو منه لرئاسة الوزراء التي ستكون مسئوليتها محدودة.

ساهمت مبادرة بناء الجسور التي أبرمت في أكتوبر/ نوفمبر 2018، وما سبقها من اتفاق سلام بين كينياتا وأودينجا في مارس 2018 والتي عرفت إعلاميًّا باسم المصافحة في ازدياد الارتياب في معسكر نائب الرئيس وليام رتو، إذ يرى أنصار روتو أن تحالف كينياتا – أودينجا من شأنه إبعاد روتو عن سباق الرئاسة في عام 2022([vii]).

  • حرب تكسير العظام:

بدا من الواضح أن  ثمة حرب تكسير عظام يشنها الرئيس أوهور كينيات ضد نائبة وليام روتو، وأدوات تلك الحرب تتمثل في فتح ملفات فساد تورط فيها معاونو روتو، ففي 22 يوليو 2019 تم اعتقال سكرتير مجلس الوزراء للخزانة الوطنية وزير المالية «هنري روتيتش» بتهم فساد واختلاس 21 مليار شلن كيني (2.3 مليون دولار) تم تخصيصها لمشاريع بناء سدود وهمية في منطقة الوادي المتصدع ويعد «روتيتش» من أبرز المقربين لروتو حيث عيّنه كينياتا في عام 2013 بناء على توصية «روتو»([viii]).

وفي فبراير 2020 تم فتح قضية أخرى لأحد معاوني وليام روتو وهو وزير الرياضة السابق «رشيد إيتشا» والمقرب من روتو، حيث تم توقيفه على خلفية اتهامات بالاحتيال وتلقي رشاوى وعمولات مخالفة للقانون، حيث استغل «إيتشا» علاقته الوطيدة بروتو حيث دخل مكتبه رفقة مسئولين من شركة Echo Advanced Technologies الأمريكية حيث تم عقد صفقة سلاح باسم روتو تقدر قيمتها بـــــ336 مليون دولار  (40 مليار شلن كيني) وتلقى الوزير السابق عمولة قدرها 11 مليون شلن كيني، ويحاول روتو ادعاء أن الوزير السابق اقتحم مكتبه في غيابه واستغل توقيعه (ختمه) في تمرير الصفقة، فيما تم توجيه تهم فساد آخر إلى محافظ مقاطعة كيامبو «فرديناند وايتيتيو» وعضو الجمعية الوطنية نديندي نيور.

  • تصعيد أنصار روتو:

 شهدت الفترة الماضية تصعيدًا مستمرًّا من أنصار روتو سواء ضد مبادرة بناء الجسور والتقارب بين كينياتا وأودينجا أو ضد تهم الفساد التي تلاحق أنصار روتو، فعلى سبيل المثال أشار عضو الجمعية الوطنية نديندي نيور أن تهم الفساد التي تلاحقه جاءت ردًّا على تأييده لترشيح روتو في انتخابات 2022، فيما أكد السيناتور آروت شيرويوت أن ما تشهده كينيا حاليًا هو محاولة إبعاد روتو عن سباق الانتخابات المقبلة، كما سيّر أنصار روتو العديد من التظاهرات المؤيدة في العديد من المقاطعات، ومن أبرزها المسيرة التي شهدتها مقاطعة بارينغو في 12 مارس 2020 والتي تم تفريقها بواسطة رجال الشرطة،رغم تصعيد أنصاره، إلا أن روتو آثر الصمت والدفاع عن نفسه تاركًا المجال لأنصاره لمهاجمة الرئيس والمعارضة على حد سواء، نظرًا لكونه من الناحية الدستورية والقانونية نائب لرئيس البلاد.

  • تضييق الخناق على روتو:

يبدو أن محاولات تضييق الخناق على روتو بدأت تأخذ خطوات فعلية ففي 13 مارس الماضي تعهد ما يقارب من 70 نائبًا في البرلمان منهم منتمون للمعارضة بمطالبة نائب الرئيس بالاستقالة واشترك في البيان عدد من أعضاء ائتلاف اليوبيل الحاكم – جناح كينياتا، متعهدين بعزل روتو.

  • تشققات حزبية

من أبرز التداعيات التي شهدتها الساحة السياسية حدوث انقسامات في الائتلاف الحاكم بين أنصار روتو وأنصار كينياتا، فمعسكر روتو يطلق عليه جماعة Tangatanga أما معسكر كينيات فيطلق عليه جماعةKielewekwe ، ومؤخرًا بات الرئيس الكيني أوهور كينياتا يحظى بدعم واسع من أنصار الحركة البرتقالية الديمقراطية المعارضة والتي يتزعمها حليفه الجديد «رايلا أودينجا».

  • توافق مبدئي على خليفة كينياتا

مؤشرات عديدة تشير إلى توافق أودينجا وكينياتا على دعم Fred Matiang’I وزير التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا الحالي كمرشح توافقي بين الطرفين، حيث يعد من أبرز الداعمين لمبادرة بناء الجسور.

ثالثًا- الصدام السياسي في كوت ديفوار

حققت كوت ديفوار خلال العقد الماضي استقرارًا سياسيًّا واقتصاديًّا ملموسًا على يد رئيسها الحالي «الحسن وتارا»، إلا أن ثمة معطيات بدأت تطفو على الساحة الإيفوارية منذ عام باتت تنذر باحتمالية انتكاس تجربة الاستقرار السياسي والاقتصادي والعودة مرة أخرى إلى الاقتتال الأهلي، كما حدث خلال العقد الأول من الألفية الجديدة([ix]).

تعود نذر الأزمة السياسية في كوت ديفوار إلى عام 2016 حيث تم التصويت على الدستور الإيفواري الجديد الذي عالج أزمة الهوية الإيفوارية، وعزز من قيم المواطنة خاصة لدى سكان المناطق الشمالية الذين عانوا خلال عقود ما قبل تولية «الحسن وتارا» من معاملة الدولة لهم كرعايا أجانب وليس مواطنين محليين، وجدير بالذكر أن الحسن وتارا الرئيس الإيفواري عانى هو الآخر من ذلك التمييز، حيث منع مرات عديدة من المشاركة في الانتخابات بحجة أن أبويه كانوا من بوركينافاسو وليس من كوت ديفوار.

من المؤكد أن القوى السياسية التقليدية والنخب القديمة المتمثلة في لوران جباجبو وهنري كونان وغيوم سورو لم ترق لهم محاولات «وتارا» الإصلاحية، ومما زاد الطين بلة إقدام «وتارا» على ترشيح نفسه في الانتخابات المزمع إقامتها في نهاية 2020، حيث إن الدستور الجديد حدد مدة ولاية الرئيس بفترتين تبدأ من انتخابات 2020، وادعى وتارا أن المدتين السابقتين كانا وفق الدستور القديم الذي تم إلغاؤه، وفيما يلي أبرز تطورات الأحداث التي أدت إلى توتير الأوضاع بين قطبي الحكم في كوت ديفوار «الحسن وتارا وغيوم سورو»:

  • شبهة تمرد عسكري:

مثلما كان التحالف بين أوهور كينياتا ووليام رتو سببا في احتفاظ كينياتا بالحكم منذ 2013، كان أيضًا التحالف بين الحسن وتارا وغيوم سورو سببًا في وصول وتارا إلى منصب الرئاسة، ففي عام 2010 وأثناء اشتعال أزمة نتائج الانتخابات الرئاسية بين جباجبوا ووتارا أعلن رئيس الوزراء حينها غيوم سورو تمرده على الرئيس +جباجبو وانحيازه إلى وتارا الأمر الذي أضعف جبهة +جباجبوا وسهلت من وصول وتارا إلى السلطة.

بيد أن العلاقة الجيدة بين الطرفين بدأت في التحول في أعقاب الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد في عام 2016، حيث لاحت في الأفق مسألة خلافة وتارا وانتخابات 2020، فسورو أعلن عن نيته الترشح في الانتخابات المقبلة.

تصاعد التوتر في 9 أكتوبر 2017 حين تم إلقاء القبض على مدير المراسم «سليمان كاماراتي كوني» بتهمة تدبير مؤامرة ضد الرئيس، وجدت جهات التحقيق نحو 6 أطنان أسلحة مكدسة في مقر إقامته، ويعد «كوني» من أبرز المقربين لرئيس الجمعية الوطنية «غيوم سورو».

وإزاء توتر الأوضاع بين الجانبين حرصت دول غرب أفريقيا على وأد الخلافات المتصاعدة بين الجانبين من خلال الوساطة، حيث قام الرئيس النيجيري السابق أوباسونجو والرئيس الغيني ألفا كوندي بالوساطة بين الجانبين التي أسفرت عن لقاء بين الغريمين في القصر الجمهوري في نوفمبر 2017، إلا أن اللقاء لم يحل دون تصاعد التوتر.

  • فشل عملية الاحتواء

في فبراير 2019 حين قدم رئيس الجمعية الوطنية الإيفوارية «غيوم سورو» استقالته، كاشفًا عن تعرضه لضغوط سياسية من الرئيس «وتارا» من أجل الانضمام إلى حزبه الجديد «Rally of Houphouëtists for Democracy and Peace» وذلك من أجل احتواء «سورو» وفي المقابل أبدى سورو رغبته في التحالف مع الحزب الديمقراطي الإيفواري بقيادة الرئيس الأسبق هنري كونان بيديه الذي توترت علاقته هو الآخر مع وتارا بسبب انتخابات 2020([x]).

  • ملاحقات قضائية

 تأزمت العلاقات بين الطرفين بصورة كبيرة في 29 إبريل 2020 حين صدر حكم غيابي بسجن غيوم سورو بالسجن بتهم متعلقة بغسيل أموال واختلاس أموال عامة (1.5 مليار فرنك عاجي)، وسبق أن صدر قرار بالقبض عليه في ديسمبر 2019 على خلفية تورطه في مؤامرة انقلابية مما دفعه إلى إلغاء عودته للبلاد.

  • تعديل مرتقب للدستور:

 مما يزيد الأزمة السياسية في كوت ديفوار هو التلويح المتكرر من الرئيس الإيفواري بإمكانية تعديل الدستور قبيل الانتخابات، ومن المرجح أن تدخل التعديلات بندًا خاصًّا بالحد الأقصى لسنّ الترشح، حيث سيتم تحديده بـ75 عامًا، ويأتي هذا الاقتراح في محاولة لمنع رشح كل من لوران جباجبو (78 عامًا) وهنري كونان (85 عامًا) من الترشح في الانتخابات، ومن المحتمل أن يتم الدفع بهذا التعديل في حال تأكيد الرئيس الحسن وتارا عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، وسبق أن صرح وتارا في 5 مارس الماضي عدم نيته الترشح.

رابعًا- محاولة للتفسير

تكاد تكون أزمة الرجل الثاني منتشرة في معظم الدول الأفريقية وليس في حالتي كينيا وكوت ديفوار اللتين تمت الإشارة إليهما في الدراسة، رغم ذلك نجد أن بعض الدول الأفريقية نجحت في تجاوز تلك الأزمة مثل غانا وجنوب أفريقيا اللتين تشهدان توترًا في الانتخابات بصفة منتظمة مع تحقيق تداول سلمي للسلطة وانخفاض معدلات العنف المصاحبة للانتخابات.

وفيما يخص باقي الدول الأفريقية تتشابك عوامل عديدة في تأزيم العلاقة بين الرئيس ونائبه أو بالأحرى الرجل الثاني في السلطة، معظم تلك العوامل يعود إلى الطبيعة التكوينية للدولة الأفريقية التي نشأت في رحم الاستعمار الغربي، ومن أبرز تلك العوامل:

  • الوراثة: في الماضي شكّلت وفاة الرئيس أزمة كبرى في الدول الأفريقية بوفاة الرئيس تثور المنافسة بين رجاله حول أحقية وراثته في السلطة، فعندما توفي جومو كينياتا في عام 1978 تولى الحكم نائبه دانيال أراب موي السلطة، إلا أن هذا التصرف لم يلق تأييدًا من أعضاء حزب كانو، خاصة المنتمين إلى جماعة الكيكويو.
  • فشل التوافقية الأفريقية: عادة ما يكون منصب الرئيس أو رئيس الوزراء أو رئيس السلطة التشريعية في أفريقيا محط توافق سياسي بين الجماعات الإثنية المختلفة في إطار المحاصصة الطائفية بين الجماعات المختلفة، كما هو الحال في كينيا على سبيل المثال، وبروندي التي تشهد توزيع المنصبين الهامين بين جماعتي الهوتو والتوتسي، وأيضًا تجربة جنوب السودان التي تعد الحالة الأبرز للمحاصصة الطائفية بين جماعتي الدينكا والنوير، لذا تنعكس الخلافات بين الجماعات الإثنية على العلاقة بين الرئيس والرجل الثاني في الحكم.
  • التوريث العائلي: من أبرز دواعي الخلافات بين الرئيس ونائبه هي رغبة الرئيس الحاكم في توريث السلطة لنجله على حساب نائب الرئيس؛ ففي مالاوي عام 2012 توفي رئيسها الأسبق موثاريكا مما دفع بأعضاء الحكومة إلى محاولة تعيين شقيقه الأصغر بيتر موثاريكا وزير الخارجية الأسبق كرئيس للبلاد بدلًا من نائبة الرئيس جويس باندا.

[i]. سيلا علاسان، ساحل العاج تطورات أزمة ما بعد الانتخابات وانعكاساتها على المسلمين، قراءات أفريقية، 9 يناير 2012، متاح على الرابط التالي:

http://qaindex.com/Content/%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%AC-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%B9%D9%83%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86?CtID=3&CID=1279&TId=20&PN=0&PS=0&Dir=0

[ii]. Jeffrey Gettleman, Disputed Vote Plunges Kenya Into Bloodshed, The newyork Times, 31 DEC 2007, AT:

[iii]. سيلا علاسان، مرجع سبق ذكره.

[iv]. المرجع السابق.

[v]. المادة 142 من الدستور الكيني.

[vi]. BBC NEWS, Letter from Africa: Is Kenya building bridges to nowhere?, 2 December 2019, AT: https://www.bbc.com/news/world-africa-50603137

[vii]. Macharia Gaitho, All you need to know about the clash between Kenyatta and Ruto, Aljazeera, 18 Aug 2019, At:

https://www.aljazeera.com/indepth/features/clash-kenyatta-ruto-190815111239221.html

[viii]. IBID

[ix]. شهدت كوت ديفوار منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 تقلبات سياسية حادة بدأ من حالة الاستقرار والازدهار الاقتصادي الذي واكب فترة حكم رئيسها الراحل فيليكس هوافيت بوني، الذي نجح خلال عقد السبعينيات وبداية الثمانينات في خلق تجربة رائدة في النمو الاقتصادي في غرب أفريقيا قائمة على تجارة الكاكاو الخام، وما لبثت أن دخلت البلاد في فترة انتقالية حرجة (1994 – 2002 ) عقب وفاة هوافيت، ثم عصفت الحرب الأهلية بالبلاد مرتين الأولى من عام 2002 وحتى 2007 والثانية خلال عامي 2010 و 2011.

[x]. André Silver Konan, Cote d’Ivoire: The divorce chronicles of Ouattara & Soro, THE AFRICAN REPORT, 2 January 2020, AT:

https://www.theafricareport.com/21731/cote-divoire-the-divorce-chronicles-of-ouattara-soro/