كتب – حسام عيد
في وقت يتسم بأزمات متعددة الأوجه، شهدت القارة السمراء، وتحديدًا في العاصمة الكينية “نيروبي” في 29 أبريل 2024، قمة رؤساء الدول الأفريقية والمؤسسة الدولية للتنمية في دورتها الـ21؛ حيث اجتمع القادة حول أجندة طموحة تهدف إلى تحسين الحياة وخلق فرص جديدة، مع اعتبار المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي حجر الزاوية للنجاح.
وقد شهدت القمة إطلاق تحالف يضم المجتمع المدني والمؤسسات والقطاع الخاص والشباب لدعم عملية تجديد قوية لموارد المؤسسة الدولية للتنمية، كما أوردت مجموعة البنك الدولي على موقعها الإلكتروني.
واشتركت حكومة كينيا ومجموعة البنك الدولي في استضافة القمة، وشدد كل منهما على الدور الحيوي للمؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق مجموعة البنك الدولي الذي يقدم يد العون والمساعدة للبلدان الأشد احتياجاً، فضلاً عن دور المجتمع الدولي في دعم تطلعات وآمال وطموحات أفريقيا.


إصلاحات اقتصادية طموحة
في احتفال تاريخي بالوحدة الأفريقية، اجتمع 19 رئيساً من رؤساء الدول الأفريقية في قمة كبرى التزموا فيها بالتركيز على تحقيق الآمال والطموحات الإنمائية في جميع أنحاء القارة. وستكون المؤسسة الدولية للتنمية ركيزة نجاح هذه الأجندة الطموحة، التي تستهدف تحسين الأحوال المعيشية للشعوب الأفريقية على نحو كبير وخلق فرص جديدة.
قمة رؤساء دول أفريقيا التي انعقدت بكينيا على هامش برنامج المؤسسة الدولية للتنمية IDA من أجل أفريقيا، لمناقشة طموحات قارة أفريقيا في إطار التعاون مع المؤسسة الدولية للتنمية IDA التابعة لمجموعة البنك الدولي والتجديد الحادي والعشرين لموارد المؤسسة، والتي تعد أكبر مؤسسة في العالم تُقدم التمويلات والمنح منخفضة الفائدة لمساعدة البلدان عىل الاستثمار في المستقبل وتحسين مستوى المعيشة، تعتبر بمثابة تذكير بالمصير المشترك لقارة أفريقيا، كما أنها تعمل على رسم مسار جديد للتنمية من خلال الاستفادة من الإمكانات غير المحدودة شعوب أفريقيا ومواردها.
بدورها، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، الوزيرة المصرية للتعاون الدولي، في كلمة ألقتها نيابة عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على هامش فعاليات القمة، أن المضي قدماً في هذا مسار التنمية يتطلب جهدًا متضافرًا لمواجهة التحديات المتشابكة التي تواجه القارة لا سيما تلك التي تواجهها دول جنوب الصحراء الكبرى، مضيفة أن الأزمات المتعددة التي تواجه القارة لاسيما على مستوى التغيرات المناخية، وانتشار الأوبئة والصراعات، عرقلت جهود التنمية، وقوضت مسار النمو الاقتصادي، كما ساهمت أيضًا في ارتفاع مستويات الديون.
وذكرت أنه في ظل عالم يواجه تحديات وصدمات مستمرة حتى أصبحت هي الوضع الطبيعي الجديد، فإنه يجب على الدول أن تكون جاهزة للتصدي لتلك التحديات، مشيرة إلى الأزمات التي تواجهها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي لديها نحو 462 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، وتتفاقم تلك الأزمات بسبب تقلص الحيز المالي، ومشكلات الديون وانخفاض السيولة، التي يعاني منها نصف بلدان القارة.
وأشارت كلمة الرئيس المصري إلى أنه على الرغم من هذه التحديات، إلا أن الأمل موجود، حيث تمتلك أفريقيا ثروة من الموارد الطبيعية التي تنتظر استغلالها، مما يبشر بالتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل والاستقرار المالي. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق النمو الشامل إلا من خلال الاستثمار في شعوبنا وخلق فرص عمل نوعية.
وسلطت الكلمة الضوء على أن أعظم أصول القارة يكمن في تعداد الشباب المتزايد، خاصة وأن حصة أفريقيا من القوى العاملة العالمية من المتوقع أن تصبح الأكبر في العالم؛ حيث ترتفع من 16% في عام 2025 إلى أكثر من 41% بحلول عام 2100.


مواجهة التغيرات المناخية.. والقضاء على الفقر والجوع
ومن جانبه، أكد الرئيس الموريتاني ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي محمد ولد الشيخ الغزواني، أن البنك الأفريقي للتنمية يقدر احتياجات التمويل الإضافية للبنية التحتية التنموية في أفريقيا بما يتراوح بين 68 و100 مليار دولار سنويًا، في حين تقدر احتياجات التمويل الإضافية اللازمة لأفريقيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بنحو 190 مليار دولار سنويًا، ومثل هذه الظروف، تتطلب الحاجة الملحة إلى تجديد طموح وقوي للموارد التمويلية للمؤسسة الدولية للتنمية، في دورتها الحادية والعشرين.
ومن أجل تحقيق التنمية، ستحتاج أفريقيا إلى موارد هائلة من التمويل الخاص والتمويل الأجنبي المباشر لتسريع مسار الإصلاحات التنموية والتحول الطاقوي الأخضر.
تحالف جديد قوي لدعم قاطرة النمو والتنمية بأفريقيا
وإلى جانب التصريحات الصادرة عن قادة أفريقيا، شهدت القمة ميلاد شراكة مهمة تمثل تحالفًا يضم ممثلي المجتمع المدني والمؤسسات الخيرة والقطاع الخاص والشباب. وسيساند التحالف الجديد الجهود القوية والطموحة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية دعماً لقاطرة التنمية في أفريقيا.
وتضمن بيان صدر بعد القمة تفاصيل التزام القادة الجاد بتعزيز الحوكمة، وإطلاق إمكانات القطاع الخاص لخلق فرص العمل، وتعبئة الموارد المحلية، والوفاء بالوعود المتعلقة بمكافحة تغير المناخ. وبالإضافة إلى ذلك، أولى هؤلاء القادة أولوية لزيادة الحصول على الطاقة وتوفير الخدمات الرقمية، إلى جانب تعزيز القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ والصراعات.

وأكد ويليام روتو رئيس كينيا على حاجة القارة الملحة للتغيير ورغبتها في الاستفادة من هذه الفرصة السانحة. وأشاد الرئيس روتو بحماس بزيادة مساهمات المانحين في العملية الحادية والعشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، مؤكداً على دورها في دفع عجلة التغيير لإحداث التحولات المرجوة ليس في أفريقيا فحسب، بل أيضا في مختلف أنحاء العالم.


ومن جانبه، أقر أجاي بانغا رئيس مجموعة البنك الدولي هذه المشاعر الطموحة، مشدداً على ضرورة وجود دعم عالمي جاد، وخاصة من المؤسسة الدولية للتنمية، لمسيرة أفريقيا نحو الازدهار والتقدم في المستقبل.
وأعلن قائلاً: “ثمة رؤية مشتركة تجمع رايتنا ونعتصم بها من أجل مستقبل أفريقيا الغنية بالتنوع والثرية بالثقافة والقوية بالإمكانات، لا سيما شبابها ومواردها الطبيعية، وهذه المقومات هي زادنا من أجل المستقبل، ولقد كانت المؤسسة الدولية للتنمية شريكاً ثابتاً على العهد لدعم مسيرة التنمية في أفريقيا، وهذه القمة هي تجسيد لالتزامنا جميعاً بتسريع وتيرة التقدم المنشود. وسيتطلب ذلك المزيد من الجهود من جانب المؤسسة الدولية للتنمية، ومجموعة البنك الدولي، والحكومات، والقطاع الخاص”.

World Bank Group President Ajay Banga addresses delegates during the IDA for Africa Heads of State Summit at the Kenyatta International Conference Centre (KICC) in Nairobi, Kenya April 29, 2024. REUTERS/Monicah Mwangi/File Photo


وما تزال المؤسسة الدولية للتنمية على مدى عقود محركاً قوياً للنمو الاقتصادي في جميع أنحاء أفريقيا. كما أنها تدعم تحقيق التقدم من خلال المنح والقروض الميسرة للغاية، فضلاً عن الاستثمارات الإستراتيجية لبناء قوة عاملة ماهرة تتمتع بصحة جيدة، وتعزيز القطاعات التي توفر فرص العمل، لا سيما، الزراعة. وأدت الجهود التي بذلت مؤخراً لتبسيط الحصول على موارد المؤسسة إلى زيادة تعزيز فعاليتها.
وتساند المؤسسة حالياً 75 بلداً، 39 منها في أفريقيا. ويتم توجيه أكثر من 70% من مواردها إلى القارة، وهذا دور محوري في تحقيق هدف مجموعة البنك الدولي المتمثل في توفير الكهرباء لنحو 250 مليون أفريقي بحلول عام 2030.


ومما لا شك فيه أن توحيد جهود الدعم والمساندة وتعظيم الاستفادة منها من أجل تحقيق رؤية أفريقيا الجريئة والاستفادة من قوة التحالف المنشأ حديثاً يمكن أن يساعد في ضمان مستقبل مشرق.
وشدد القادة الذين يمثلون تحالفاً من الشباب والقطاع الخاص والمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم على ضرورة أن تكون العملية الحادية والعشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية قوية، وتعهدوا بالعمل وتضافر الجهود في إطار شراكة تجمع رايتهم.

وختامًا، من المتوقع أن يكون لدى أفريقيا أكبر قوة عاملة على مدى السنوات الـ10 القادمة، وبحلول عام 2075، سيكون ثلث سكان العالم من الأفارقة.
أفريقيا ستمثل أكبر فرصة إنمائية في العالم خلال الثلاثين عاماً القادمة، لكن هذا يتوقف على ضخ التمويل والاستثمارات اللازمة لمعالجة فقر الطاقة. ومن خلال المشروعات التي تمولها بالكامل المؤسسة الدولية للتنمية ومواردها وأنشطتها، فإن شباب القارة قادرون على تحقيق كامل إمكاناتهم.