كتبت – إيمان عبدالعظيم سيد
مدرس العلوم السياسية المساعد – جامعة القاهرة

تواجه السلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية DRC العديد من التحديات؛ من أبرزها فيروس كورونا وانعدام الأمن، مع وجود 31 حالة وفاة بفيروس كورونا حتى الأول من مايو2020، تعد DRC واحدة من أعلى معدلات الوفيات بالنسبة للإصابات في أفريقيا جنوب الصحراء، أعلنت كينشاسا أن لديها 572 حالة إصابة مؤكدة من بينهم كبار المسئولين الحكوميين المقربين من الرئيس تشيسكيدي، فبمجرد تفشي فيروس كورونا في DRC في 10 مارس 2020، واجهت كينشاسا أيضًا أعمال عنف ناشئة في ثمانية أماكن، بالإضافة إلى تلك المناطق التي تعد غير آمنة بشكل دائم في شمال كيفو وإيتوري، وهنا تجلت مشكلة انتشار فيروس كورونا وانعدام الأمن في البلاد.

أولًا: تطورات انتشار فيروس كورونا في جمهورية الكونغو الديمقراطية

ما إن بدأت الأوضاع الصحية تدخل في مرحلة التحسن بعد تفشي وباء الإيبولا، وجدت كينشاسا نفسها تواجه معركة أخرى مع فيروس كورونا، أُبلغ عن أول حالة مصابة بفيروس كورونا في DRC 10 مارس 2020، وبعدها انعقد مجلس استثنائي للوزراء وقام الرئيس تشيسكيدي بتعيين عالم الفيروسات جان جاك موييمبي المعروف بمكافحته فيروس الإيبولا، وجاءت نتائج اختبار عدد من الوزراء بعد هذا الاجتماع إيجابية.

وأعلن تشيسكيدي تعليق جميع الرحلات الجوية من الدول المعرضة للخطر وإغلاق جميع المدارس والجامعات في البلاد، وإعلان حالة الطوارئ، وعزل العاصمة كينشاسا حتى 26 مارس 2020، أخذت الأوضاع منحى أكثر خطورة، حيث كان الفيروس منتشرًا فقط في وسط البلاد في العاصمة كينشاسا، إلى أن أعلن موييمبي عن أول حالة في مقاطعة شمال كيفو وإيتوري بؤر الصراع والعنف، وهو ما يعني خطر انعدام الأمن.

ثانيًا: فيروس كورونا والتحديات الأمنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية

بمجرد تفشي فيروس كورونا في DRC، واجهت حكومة الرئيس تشيسكيدي أعمال عنف، تجلت مشكلة انتشار فيروس كورونا وانعدام الأمن بوضوح في آخر أسبوع من شهر مارس 2020، حيث شهدت ست مدن في كاتنجا قتالًا بعد اشتباك مجموعة مسلحة مع الشرطة، اشتبك مقاتلون موالون لـGideon kyungu وهو أمير حرب كونجولي مخضرم وزعيم ميلشيا باكاتا كاتانجا مع الشرطة والجيش في أكثر من موضع، وأسفرت الاشتباكات بينهما عن مقتل مدنين و48 فردًا في صفوف ميلشيا Gideon Kyungu.

ولم تقتصر هذه الاشتباكات على الميلشيات والجماعات المسلحة فحسب، بل تصادم رجال من الحركة السياسية الدينية Bundu Dia Mayala by Zacharie Badiengila والمعروفة على نطاق واسع باسم NE Mwanda Nsemi مع رجال الشرطة في 30 مارس في كينشاسا، وجاءت هذه الصدامات إثر رفض الأخيرة الاستجابة لتعليمات الحكومة الكونجولية وقيامها بأداء طقوس لإنهاء فيروس كورونا، حيث ترى هذه الحركة الدينية أن ذلك المرض صُنع من قبل الرجل الأبيض، وهو ما يعقد من مشكلة فيروس كورونا ويزيد التحديات الأمنية، حيث لم يتحول الخطاب الديني إلى أداة من أدوات السلطة لمجابهة تفشي الفيروس.

وفي هذا الصدد، تواجه الحكومة الكونغولية تحديًا أمنيًّا صعبًا يرتبط برجال الدين، فضلًا عن التحديات الأمنية الناجمة عن التوترات في كاتنجا وشرق البلاد، لاسيما في ظل تعرض مقاطعات شمال وجنوب كيفو وإيتوري لوباء الإيبولا في مايو 2018، وأسفر عن مقتل 2264 شخصًا.

تعيد تلك المخاطر المنطقة إلى أزمة جديدة، لا يتم الوصول إلى المصابين في وجود العنف، فحينما فُرض حظر تجول مشدد على منطقة بيني في شمال كيفو لاحتواء فيروس كورونا، أبلغت السلطات المحلية عن قتل ستة أشخاص إثر الهجوم على كمين من قبل جبهة التحالف الديمقراطي المسلحةADF . ورغم كل محاولات كينشاسا لتحقيق الاستقرار في شرق البلاد، ما تزال المعادلة شديدة الصعوبة بين التحديات الأمنية وانتشار فيروس كورونا.

على عكس الإيبولا، التي أثرت بشكل رئيسي على المقاطعات الشرقية، فإن مركز انتشار فيروس كورونا في كينشاسا، بما لديها من روابط مباشرة مع كل المراكز الإقليمية الأخرى، مما يعني انتشار فيروس كورونا بسرعة في المقاطعات الأخرى من البلاد. ومنذ بدء تفشي فيروس كورونا في شرق البلاد، ظهرت تقارير عن أعمال عنف تراوحت بين تدمير مرافق رعاية فيروس كورونا وجرح وقتل من يعملون في الرعاية الصحية، تبع العديد من أحداث العنف، تعطيل أنشطة الاستجابة لفيروس كورونا، ازداد عدد حالات الإصابة بالفيروس في مناطق الصراع، ووصول عدد أقل من الحالات إلى مراكز العلاج وانهيار منظومة تتبع الاتصال بالمصابين، وزيادة انتقال المرض في المجتمع.

وختامًا، تظل مشكلة فيروس كورونا والتحديات الأمنية في DRC مرتبطة بقدرة الدولة على الاستجابة للحالات المصابة بفيروس كورونا والتي تعتمد على مؤشرين، يتمثل المؤشر الأول في التأهب باستخدام تعليمات منظمة الصحة العالمية، والمؤشر الثاني هو الضعف والاستعداد طبقًا لمؤشر الاستعداد للأمراض المعدية.

فيما يتعلق بمؤشر الضعف والاستعداد للخطر: فبعد انتشار فيروس كورونا في أفريقيا، كان هناك تقييم لمدى استعداد الدول الأفريقية وهشاشتها في مواجهة مخاطر كورونا، وجاءت DRC من بين الدول التي لديها أقل استعداد لمواجهة خطر تفشي كورونا، حيث لديها قدرة متغيرة واستعداد عالٍ للخطر، بخلاف دول مثل (مصر والجزائر وجنوب أفريقيا) التي تتمتع باستعداد أعلى لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا، في حين توجد دول لديها قدرة متوسطة على الاستجابة لتفشي المرض (نيجيريا وإثيوبيا وأنجولا وتنزانيا وغانا وكينيا). في ظل وجود أزمات إنسانية معقدة في البلاد، فإن DRC هي أكثر عرضة للخطر.

وفيما يتعلق بمؤشر التأهب باستخدام تعليمات منظمة الصحة العالمية: يعد التباعد الاجتماعي أحد الاستراتيجيات الموصى بها للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وهو أمر ليس بالسهولة بالنسبة لملايين الناس الذين يعيشون في مجتمعات فقيرة كثيفة السكان عديمة الأمن تعاني من أمراض مثل الإيبولا، حيث أسفرت الاستجابة لفيروس الإيبولا في DRC إلى عودة ظهور الحصبة. ومن ثم، قد تكون الاستجابة لفيروس كورونا على حساب علاج الإيبولا، وهو ما حدث بالفعل بعد تسجيل وفيات إيبولا في شرق البلاد في 10 أبريل 2020 ودعوة منظمة الصحة العالمية لاجتماع للجنة الطوارئ بشأن فيروس الإيبولا لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان الوباء ظهر مجددًا في البلاد وما يزال يشكل حالة طوارئ دولية، ولم تعلن منظمة الصحة العالمية نهاية الإيبولا، وانتكس ثانية في أبريل 2020، وهو ما يعني استيطان الإيبولا في هذه المنطقة.

 يجب على واضعي السياسات الصحية للاستجابة لكوفيد 19 النظر في مخاطر مدى عمق التفاوتات الصحية والدول الأكثر عرضة للخطر، إن لم يتم تحديد الدول الأكثر تأثرًا بشكل صحيح فستكون عواقب هذه الجائحة أكثر تدميرًا، ورغم ضرورة اتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية إلا أن هذه الإرشادات لن تكون نموذج مقاس واحد يناسب الجميع، يجب الانتباه باستمرار إلى تقييم أي الدول الأكثر عرضة للمرض والأعلى خطرًا.

يبقي السؤال: كيف يمكن لجمهورية الكونغو الديمقراطية مواجهة تلك الإشكالية المتمثلة في وجود فيروس كورونا والتحديات الأمنية في ظل وجود صراع مستمر في البلاد؟