كتبت – أسماء حمدي
رحلة طويلة بدأها عداء أوغندي شاب، من مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا، حيث انطلق من نصب الحرية الذي يحيي ذكرى النضال ضد الفصل العنصري، متجها إلى العاصمة البريطانية لندن ليروي خلالها قصة الهجرة البشرية.
في 24 يوليو من العام الماضي، بدأ العداء الأوغندي “ديو كاتو”، والبالغ من العمر 36 عامًا والمقيم في لندن رحلته الطويلة، ليسلط الضوء على أوجه التشابه بين ملايين الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم اليوم بحثًا عن حياة أفضل أو هربا من الصراعات والحروب وبين الحركة المبكرة للبشر من إفريقيا.


قصة الهجرة البشرية
كان “ديو كاتو” يأمل في إكمال التحدي في 381 يومًا، وهو نفس عدد الأيام التي نظم فيها الأمريكيون من أصل إفريقي في ولاية ألاباما مقاطعة لحافلات مونتجمري عام 1955، لكن عددًا من النكسات جعلته يتأخر عن الجدول الزمني.
وحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، أكمل ديو كاتو بالفعل ما يعادل 180 ماراثونًا تقريبًا في رحلته التي يبلغ طولها 9000 ميل لتسليط الضوء على قصة الهجرة البشرية.
وتبدو سباقات الماراثون الـ 12 التي أكملها ديو كاتو في السنوات الأخيرة، متواضعة مقارنة بالتحدي الحالي الذي يواجهه، وهو الجري من كيب تاون إلى لندن، في رحلته الملحمية التي تحكي عن أصول الهجرة، حيث يأمل في تحدي الفكرة العنصرية القائلة بأن الناس يجب أن “يعودوا إلى حيث أتوا”.
يقول العداء الشاب: “على سبيل المثال، يتحرك شعب الخويسان في جنوب إفريقيا، بناءً على المناخ، إنهم يهاجرون للعثور على بيئة أفضل يمكنهم العيش فيها، لذلك نحن ننتقل لنفس الأسباب التي يعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن البشر الأوائل كانوا ينتقلون من أجلها”.
“لم أكن أعرف ما هي العنصرية”
“أعلم أن إفريقيا هي أصل البشرية، وإذا أخبرت شخصًا ما أنه يجب عليه العودة من حيث أتى، فهذا يعني أنه يتعين علينا جميعًا العودة إلى حيث أتينا، لكن هدفي العام هو في الأساس العمل على إنهاء العنصرية”، بحسب كاتوا.
كان كاتو في الـ10 من عمره عندما انتقل إلى لندن ليجتمع شمله مع والدته التي كانت تعيش في المملكة المتحدة، ثم سافر إلى أستراليا بعد التخرج من الجامعة لمدة عام قبل أن ينتقل إلى نيوزيلندا، وبمجرد عودته إلى لندن، بدأ العمل في مجال اللياقة البدنية قبل أن يصبح مدربًا للجري.
يحكي العداء لشاب عن تجربته الأولى مع العنصرية، والتي جاءت بعد وقت قصير من انتقاله إلى لندن، عندما قام بعض الأشخاص بتغيير مقاعدهم في الحافلة بعد أن جلس بجانبهم، يقول كاتو: “قبل أن أنتقل إلى لندن، لم أكن أعرف ما هي العنصرية، ولم أفهمها لأنه لم يشرحها أحد، في إفريقيا أو في أوغندا ليس لدينا مثل هذه القضايا”.


التحدي الأكبر
شارك العداء الأوغندي بالفعل في ما يقرب من 180 ماراثونًا، برفقة طاقم مكون من رجل واحد يتبعه بالسيارة، والآن ينتظر ديو كاتو على الجانب الكيني من مدينة مويالي الواقعة على الحدود مع إثيوبيا، قائلا، إن العبور إلى بلد يعاني من حرب أهلية مستمرة منذ عامين هو التحدي الأكبر حتى الآن على الطريق الذي يبلغ طوله 9053 ميلًا.
ويضيف: “لا توجد طريقة للتجول في إثيوبيا”، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يكون جنوب السودان خطيرا بنفس الدرجة، وينطبق الشيء نفسه على البلدان المحيطة.
خلال رحلته، أمضى كاتو معظم الليالي في نزل صغيرة، لكنه نام أيضًا ليالٍ كثيرة في السيارة، وقد واجه تحديات أخرى، ففي تنزانيا، كان يعاني بالفعل من الأمطار الغزيرة والطرق الموحلة، بالإضابة إلى إصابته بوعكة صحية إثر تناوله طعام من الشارع، وعندما وصل إلى مكان إقامته لم يكن به ماء ساخن.
ولكن كانت هناك أيضًا أعمال طيبة لا تُنسى، مثل الوقت الذي كان يركض فيه عبر الصحراء في شمال جنوب إفريقيا ولم يكن هناك مكان يقيم فيه، يتذكر كاتو قائلا: “لقد كان يومًا صعبًا، فقد تعطلت سيارتنا، وعلقنا في الرمال وطاردنا بعض المزارعين الذين كانوا هناك”.
يحكي كاتو: “ثم التقينا بمزارع عرض علينا مكانًا لنقيم فيه، وعندما وصلنا إلى هناك، كانوا قد طبخوا لنا الطعام، وأعدوا الشاي، كان الوقت يقترب من منتصف الليل، وقد جهزوا كل شيء، رغم أنه لم يكن لديهم مكان لننام فيه، لكنهم قالوا تعالوا فقط، وسوف نتدبر الأمور، وانتهى بنا الأمر بالنوم في السيارة، لكنه كان أفضل يوم حتى الآن.”
قارة موحدة بلا حدود
خلال رحلته الملحمية جرى كاتو بمعدل 25 ميلا في اليوم، واختار الطريق الشرقي عبر إفريقيا لأنه أراد المرور عبر أوغندا للقاء والده الذي يعيش هناك.
وبعد إثيوبيا، فإن التحدي التالي هو السودان، البلد الذي يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، يقول كاتو: “هذا أمر مقلق للغاية فيما يتعلق بالحصول على الضروريات التي أحتاجها مثل الماء، أو التمكن من دخول إلى السودان على الإطلاق، بسبب الصراع، في الحقيقة لم يتم إغلاق الحدود ولكن دخول الأجانب أمر محظور في الوقت الحالي، لكن يمكن أن يتغير الوضع عندما نصل إلى حدود السودان”.
وقد أدت العوائق اللوجستية والبيروقراطية على طول الطريق إلى إعادة الحواجز التي تفرضها الحدود أمام البلدان، مضيفا: “اليوم يطالب الكثير من الناس بأن تصبح إفريقيا قارة موحدة بلا حدود، إذ لدينا عدد قليل من البلدان التي لا توجد فيها تأشيرات، على سبيل المثال كينيا، وهذا يعني فرصًا أفضل للجميع ومزيدًا من الشمولية”.