كتبت – إيمان الشعراوي

باحثة في الشؤون الأفريقية

تُمثل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أفريقيا عام 2024 نقطة مهمة في مسار التحول الديمقراطي، فعلى الرغم من أن الانتخابات وسيلة متفق عليها لضمان العملية المنظمة لخلافة القيادة وتغييرها، وأداة للسلطة السياسية لإضفاء الشرعية على وجودها، وأن تكرارها حتى لو لم تكن حرة ونزيهة، من شأنه أن يعزز الصفات الديمقراطية على المدى الطويل، وفقًا للمفكر السياسي ليندبرج Lindeberg .

 غير أنه – وبعد مرور أكثر من 30 عامًا على تبني التعددية الحزبية في التسعينيات في أفريقياٍ – نجد عددًا من الدول الأفريقية لم تتحرك بشكل واضح نحو تطبيق الديمقراطية، وذلك على الرغم من أن أغلبيتها قد أدخلت إصلاحات وأجرت انتخابات متعددة الأحزاب؛ إلا أن عددًا قليلًا منها هو الذي انتقل إلى تعزيز الديمقراطية الليبرالية، فضلًا عن استمرار سيطرة أحزاب تاريخية على الحكم، واستمرار رؤساء في السلطة لأكثر من ولاية رئاسية.

ومن هذه الدول التي ستُجرى فيها انتخابات هذا العام: رواندا وموزمبيق وجنوب السودان، وعلى الرغم من اختلاف طبيعة النظام السياسي في الدول الثلاث؛ إلا أن هناك تساؤلًا رئيسيًا  عن مدى قدرة الانتخابات في هذه الدول هذا العام في إحداث التداول السلمي للسلطة، وإزاحة الرؤساء الذي تخطت حدود ولايتهم ما يقرب من ثلاثة عقود، فضلًا عن إزاحة أحزاب الأغلبية المهيمنة التي سيطرت على الحكم منذ الاستقلال، في ظل انخفاض قاعدة دعمها وتراجع شعبيتها.

 الانتخابات الرئاسية في رواندا: “كاجامي” الديكتاتور  يترشح لولاية رابعة

يترشح الرئيس بول كاجامي الذي يحكم رواندا منذ عام 2000 لولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 15 يوليو عام  2024؛ حيث فاز في  الانتخابات الرئاسية الثلاثة التي تم إجراؤها خلال فترة حكمه بنسب تتخطى الـ90% .[1]

 كما أنه قام بتعديل الدستور والاستفتاء عليه مرتين لتمديد ولايته الرئاسية، حيث منح دستور رواندا لعام 2003 صلاحيات واسعة له، من التمتع بسلطة تعيين رئيس الوزراء وحل البرلمان المكون من مجلسين، كما أبقت التعديلات التي تم إقرارها في عام 2015 على حد أقصى لفترتين للرئاسة وخفضت الفترات من سبع إلى خمس سنوات، ومع ذلك، نصت التغييرات أيضًا على أن الرئيس الحالي بول كاجامي مؤهلاً لولاية إضافية مدتها سبع سنوات، وبعد ذلك يمكنه الترشح لفترتين مدة كل منهما خمس سنوات، وهذا من شأنه أن يمدد حكم كاجامي حتى عام 2034.[2]

وقد وُصفت الانتخابات التي أجريت في عهد بول كاجامي، بأنها غير حرة ونزيهة، بسبب ما شابها من التزوير، ومخالفات من التسجيل القسري للناخبين والترهيب، واغتيال المعارضين السياسيين ومنع ترشحهم في الانتخابات.[3]

جدول رقم (1) يوضح نسبة فوز الرئيس بول كاجامي في الانتخابات الرئاسية في رواندا منذ عام 2000

تاريخ الانتخابات الرئاسيةنسبة فوز بول كاجامي
200095.1%
201093.08%
201798.66 %

الجدول من إعداد الباحث

موزمبيق: “فريليمو” تهيمن على الحكم منذ خمسين عامًا

وفي موزمبيق هيمنت جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) التي تحكم البلاد منذ الاستقلال عام 1975، على السلطة منذ عودة الانتخابات التعددية في عام 1994، في أعقاب الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا مع حركة رينامو، والتي أسفرت عن مقتل ما يُقدر بنحو مليون شخص. وقد تحولت جبهة تحرير موزمبيق لحزب سياسي، والذي يعد أحد الأحزاب القليلة في أفريقيا الذي تمكن من البقاء في السلطة منذ الاستقلال وحتى الآن، لا سيما في ظل الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه موزمبيق .[4]

وعلى الرغم من أن الرئيس الموزمبيقي الحالي فيليبي نيوسي الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، غير مسموح له الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إجراؤها في 9 أكتوبر القادم بعد انتهاء فترتين رئاسيتين؛ إلا أن الفترة الماضية قد شهدت محاولات من الرئيس وحزبه الحاكم لتعديل الدستور للسماح له بالترشح لولاية ثالثة، وفي حالة حدوث ذلك، فإنه سيسمح هذا التعديل لنيوسي بتمديد حكمه، بعد الفترتين الحاليتين المسموح بهما دستوريًا، حتى عام 2030.[5]

وقد اتسمت الانتخابات التي أجريت في موزمبيق بالتزوير والترهيب، إذ يعد عمل وتكوين اللجنة الانتخابية الوطنية عنصرًا أساسيًا في هيمنة فريليمو على السياسة الموزمبيقية؛ والتي تتكون من أعضاء الأحزاب السياسية وعناصر من المجتمع المدني، يعملون لتحقيق مصالح فريليمو، ولا تقتصر الهيمنة السياسية على المؤسسات الانتخابية بحسب، بل تمتد إلى الهيئات القانونية التي يتمثل دورها في ضمان نزاهة التصويت، حيث يقوم رئيس الجمهورية، وهو أيضًا رئيس حزب فريليمو، بتعيين رؤساء أعلى المحاكم في البلاد: المحكمة العليا والمجلس الدستوري والمحكمة الإدارية (تعمل هذه المحكمة أيضًا كمحكمة تدقيق)؛ حيث يدينون بالولاء لفريليمو، وهو ما ظهر من خلال ممارسات هذه المحاكم، مثل رفض المجلس الدستوري طلبات النظر في المخالفات التي لوحظت خلال الانتخابات، والطعن على النتائج.[6]

جدول رقم (2) يوضح نسب فوز مرشحي حزب فريليمو في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1994

تاريخ الانتخابات الرئاسيةالفائز من الحزب الحاكم فريليمو
1994يواكيم تشيسانو بنسبة 53٪ من الأصوات
1999يواكيم تشيسانو بنسبة 52.29%
2004أرماندو جويبوزا بنسبة 63.74%
2009أرماندو جويبوزا بنسبة 75.01%
2014فيليبي نيوسي بنسبة 57%
2019فيليبي نيوسي بنسبة 73.46% 

الجدول من إعداد الباحث

يوضح الشكل رقم (1) هيمنة حزب فريليمو على الانتخابات مقارنة بالأحزاب الموزمبيقية الأخرى

Source: Régio Conrado, Le Frelimo, trente ans après les « réformes démocratiques » Une domination hégémonique(PARIS: Institut français des relations internationals,2022),P.6.

جنوب السوادن: أول انتخابات رئاسية بين التأجيل وتمديد ولاية سلفا كير

على الرغم من الكثير من التفاوتات بين دولة جنوب السودانمن جهة، ورواندا وموزمبيق من جهة ثانية، سواء ما يتعلق باستقلالها الحديث عن السودان، أو ما يتعلق بأن الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تُجرى هذا العام هي الانتخابات الأولى من نوعها في الدولة الحديثة، إلا أن هناك نوع من التشابه مع رواندا في سيطرة الرجل الواحد؛ حيث إن الرئيس سلفا كير يحكمها منذ استقلالها لما يقرب من 15 عامًا.

وقد بدأ رئيس جنوب السودان سلفا كير مسيرته السياسية بتأجيل الانتخابات، مما مكَّنه من البقاء رئيسًا فعليًّا منذ عام 2005، على الرغم من أنه لم يُسمح له إلا بفترة ولاية واحدة مدتها 4 سنوات بعد تصويت جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، وكان من المقرر إجراء الانتخابات في البداية في عام 2015، ولكن تم تأجيلها تدريجيًا حتى عام 2024، وذلك في ظل عدم تحديد موعد محدد لها في هذا العام. وقد استمر  سلفا كير في السلطة عن طريق اتفاقات السلام بعد الحرب مع المعارضة، وتمديد فترة تنفيذ هذه الاتفاقات (اتفاق السلام في أغسطس ٢٠١٥م، واتفاق السلام المنشط في سبتمبر ٢٠١٨، وحاليًا خارطة الطريق منذ عام 2022 التي  مدت فترته حتى إجراء الانتخابات بنهاية عام ٢٠٢٤م)[7].

وتُوجه لسلفا كير الاتهامات بأنه يشعل الحروب داخل جنوب السودان، من أجل البقاء في السلطة وتأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية بشكل مستمر، كما يتم اتهامه بارتكاب عدد كبير من الجرائم الغير إنسانية، وتشمل هذه الجرائم مقتل أكثر من 400 ألف شخص، في الحرب الأهلية في جنوب السودان.[8]

ويمكن القول إن جنوب السودان تمثل البيئة الانتخابية الأكثر تحديًا التي واجهتها أفريقيا في السنوات الأخيرة، إذ تحتل البلاد المرتبة الأدنى عالميًا أو بالقرب من ذلك في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة، ومؤشر الحرية العالمي التابع لمؤسسة فريدوم هاوس، ومؤشر تصورات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية.[9]

الملامح العامة لانتخابات عام 2024 في الدول الثلاث

توفر التطورات الأخيرة التي تشهدها الدول الثلاث عدد من المؤشرات من المتوقع أن تشهدها الانتخابات الرئاسية القادمة 2024 أبرزها:

غياب مؤشرات نزاهة الانتخابات

تتفق الدول الثلاث في عدم وجود أي مؤشرات على نزاهة الانتخابات؛ بسبب ضعف المؤسسات القضائية التي تُشرف على الانتخابات، وتبعيتها للحزب والرئيس الحاكم، بل متوقع أن يكون هناك تزوير قبل إعلان النتائج، ففي رواندا يتضح رغبة الرئيس بول كاجامي في الفوز في الانتخابات القادمة، عن طريق استخدام كافة الأدوات التي تمكنه من ذلك، سواء ما يتعلق بسجن عدد كبير من المعارضين البارزين، وعرقلة ترشح مرشحي المعارضة، والسيطرة على وسائل الإعلام واستخدامها في الترويج لإنجازاته وكيفية نجاحه في مواجهة الحرب الأهلية.[10]

وفي موزمبيق تعكس نتائج الانتخابات البلدية التي تم إجراؤها في أكتوبر 2023  وفاز فيها حزب “فريليمو” الحاكم في 64 بلدية من أصل 65 بلدية، المؤشرات بأنه سوف يتم تزوير الانتخابات لصالح فريليمو؛ لا سيما أن هناك العديد من الاتهامات بأنه تم تزوير النتائج لصالحه في المدن التي فازت فيها المعارضة، وفي إحدى القضايا، أعلنت إحدى محاكم مابوتو أن لجنة الانتخابات المحلية قامت بتزوير أوراق النتائج لصالح فريليمو، وتم الحكم بإعادة فرز الأصوات في 64 مركز اقتراع. ومع ذلك، فقد أبطل المجلس الدستوري جميع قرارات المحاكم المحلية بإعادة الانتخابات وفرز الأصوات على أساس أن المجلس وحده هو الذي يمكنه إلغاء الانتخابات أو الأمر بإعادة فرز الأصوات، وهو ما يشير إلى أن الهيئات الانتخابية تقود عملية التزوير لصالح الحزب الحاكم.[11]

أما جنوب السودان، فهناك تشكيك في نزاهة الانتخابات المقبلة لضعف التجربة الديمقراطية، كما أنه من المحتمل أن يكون هناك عدم احترام للقواعد المنظمة للانتخابات سواء ما يتعلق بالحياد والنزاهة وعدم تزوير الأصوات وعدم استخدام المال السياسي لتوجيه الناخبين، في ظل التخوفات من السيطرة بالمال على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة”.[12]

عدم وجود تداول للسلطة

تمثل الإشكالية الحقيقية للانتخابات في الدول الثلاث، في عدم وجود إمكانية للتداول السلمي للسلطة، وإحداث التحولات الانتخابية عن طريق إزاحة الحزب والرئيس الحاكم، واستبداله بحزب أو مرشح آخر لا ينتمي لنفس الحزب.[13] ففي رواندا لم يتم السماح لمرشحين المعارضة الأكثر شعبية بالترشح للانتخابات، وإلى الآن لم يعلن سوى مرشح واحد وهو زعيم حزب الخضر المعارض، فرانك هابينيزا، ترشحه لعام 2024؛ حيث  تقع السلطة في أيدي الرئيس ودائرة من النخب العسكرية والاقتصادية العليا، ومن غير المرجح أن يشكل المنشقون الروانديون المنفيون تحديًا خطيرًا لكاجامي في الانتخابات القادمة.[14]

وفي موزمبيق، على الرغم من  عدم إعلان جبهة فريليمو حتى الآن عن مرشحها للرئاسة، بعد انتهاء فترة الرئيس نيوسي، والتوقعات بأن يكون كارلوس إسماعيل كوريا هو المرشح الأقرب لفريليمو، في الوقت الذي تعتزم فيه حركة رينامو خوض هذه الانتخابات، في ظل التوقعات أن يكون مرشحها هو أوسوفو مومادي الذي تولي قيادة الحزب في عام 2018، بعد وفاة زعيم رينامو منذ فترة طويلة، أفونسو دلاكاما، ومع ذلك، قد يختار الحزب عمدة كيليماني، مانويل دي أراوجو، أو مرشح عمدة مابوتو فينسينو موندلين (الذي فاز وفقًا لنتائج جدولة الأصوات الموازية) – وكلاهما مرشح له شعبية – لجذب المزيد من الدعم للحزب، غير أنه بغض النظر عن هوية مرشح فريليمو، أو قوة مرشح رينامو، فمن المرجح أن يفوز مرشح فريليمو ليستمر الحزب في حكمه للبلاد.[15]

أما جنوب السودان، فإن  الرئيس سلفا كير متوقع أن يستمر في السلطة، وفقًا لمعظم السيناريوهات، سواء ما يتعلق بسيناريو تأجيل الانتخابات وما قد يترتب عنها من استمرار الصراع مع المعارضة بقيادة رياك مشار، أو ما يتعلق بسيناريو إجرائها وتزويرها من قبل سلفا كير الذي أعلن حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان ترشيحه لتمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية؛ لا سيما أن هناك عدد من المسائل الهامة في هذه الانتخابات لم تُحسم بعد، مثل مسألة التعداد السكاني في ظل إصرار بعض الأحزاب على إجراء التعداد بعد التغيير الكبير في الخريطة الديموجرافية، منذ آخر تعداد سكاني قبل انتخابات عام 2010 في ظل السودان الموحد، وهو ما قد يتيح التلاعب في كشوف الناخبين وأعدادهم، لضمان بقاء سلفا كير في السلطة واستخدام  الانتخابات كفرصة لإضفاء الشرعية والاستئثار بأكبر عدد من المناصب، وعدم تداول السلطة.[16]

اندلاع العنف الانتخابي

تعد ظاهرة العنف الانتخابي التي قد تصاحب العملية الانتخابية في إحدى مراحلها أو جميعها، من الظواهر المتوقع حدوثها في الانتخابات الرئاسية في الدول الثلاث، وإن تفاوتت نسبة حدوثها من انتخابات لأخرى، وذلك بسبب عدم ضمان نزاهة الانتخابات، والتشكيك في النتائج، ورفضها من قبل الطرف الخاسر، وتعامل قوات الأمن بعنف مع المتظاهرين والمعترضين على النتائج، وقد شهدت موزمبيق انتشار لأعمال العنف في معظم الانتخابات التي أجرتها، وآخرها الانتخابات البلدية عام 2023، كما صاحب تأجيل الانتخابات المستمر في جنوب السودان، اندلاع العنف بين أنصار الرئيس سلفا كير وأنصار رياك مشار.

هل أثرت هيمنة “كاجامي وسلفا كير وفريليمو” على التنمية الاقتصادية؟

في الوقت الذي تتعدد فيه الكثير من الأدبيات، التي تدرس العلاقة بين استمرار الرئيس أو الحزب الحاكم لسنوات طويلة في السلطة والتنمية الاقتصادية؛ إلا أن معظم هذه الأدبيات تؤكد أن الحكام الذين يظلون في مناصبهم لفترة طويلة يصبحون أكثر فسادًا، وأن حكمهم غير الديمقراطي، يؤثر سلبًا في النمو الاقتصادي، وهذا التأثير يظهر بشكل أكبر في دول القارة الأفريقية، بخلاف النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته دول شرق آسيا في النصف الأخير من القرن الماضي في ظل الحكم الدكتاتوري.[17]

يوضح الجدول رقم (3) أفقر 6 دول أفريقية في عام 2023

Source: Luca Ventura, Poorest Countries in the World 2024, January 1, 2024, available at

https://bitly.ws/3dBzk

وبالتطبيق على دول الدراسة فنجد أن جنوب السودان من خلال الجدول السابق احتلت مرتبة أفقر دولة على مستوى القارة الأفريقية في عام 2023، حيث تعادل القوة الشرائية للفرد من الدولار 476، وذلك في الوقت الذي يقدر احتياطي جنوب السودان من النفط بنحو 3.5 مليار برميل، مما يجعله ثالث أكبر احتياطي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بعد نيجيريا وأنجولا، ولكن ما يقرب من 90٪ من احتياطيات النفط والغاز في جنوب السودان لا تزال غير مستغلة، هذا بالإضافة للكثير من الموارد الطبيعية وعلى رأسها الموارد المائية.[18]

بينما موزمبيق احتلت مرتبة سادس دولة أكثر فقرًا في أفريقيا؛ إذ تعادل القوة الشرائية للفرد من الدولار 1584، وذلك على الرغم مما تتمتع به من موارد طبيعية كبيرة، بما في ذلك الأراضي الصالحة للزراعة، ومصادر المياه الوفيرة، والطاقة، والموارد المعدنية، بالإضافة إلى رواسب الغاز الطبيعي المكتشفة حديثًا قبالة سواحلها، كما تمتلك البلاد ثلاثة موانئ بحرية عميقة وتتمتع بموقع استراتيجي: فأربعة من الدول الستة التي تجاورها هي دول غير ساحلية وبالتالي تعتمد على موزمبيق كبوابة للأسواق العالمية.[19]

وبالرغم من أن مستوى النمو الاقتصادي في رواندا أكثر تقدمًا مقارنة بموزمبيق وجنوب السودان، حيث تعادل القوة الشرائية للفرد من الدولار 3,137 ، إلا أنه ومع ذلك لا يزال نصف سكان رواندا يعيشون في فقر، مع ارتفاع مستويات التضخم والبطالة.[20]

ورغم أنه من الصعب تحديد سبب واحد لتراجع التنمية الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر على المدى الطويل؛ إلا أنه بحكم التجربة الأفريقية، فقد ثبت أن معظم الأنظمة السياسية التي تستمر لسنوات طويلة يمكنها أن تحول الدول الغنية بالموارد الطبيعية والثروات إلى دول يواجه شعوبها الأزمات الاقتصادية، وتقع في قائمة أكثر الدول فقرًا على مستوى العالم.

يتضح من العرض السابق أنه من المتوقع أن تسفر الانتخابات الرئاسية القادمة في الدول الثلاث على عدد من السيناريوهات يمكن إجمالها..

السيناريو الأول: حدوث انقلابات عسكرية

يفترض هذا السيناريو حدوث تحركات من المجلس العسكري في هذه الدول والقيام بانقلاب عسكري، وذلك لإزاحة الرئيس والاستحواذ على السلطة، على غرار ما حدث في الجابون من الإطاحة بالرئيس علي بونغو الذي فاز بولاية رئاسية ثالثة بعد تعديله للدستور لضمان بقائه في السلطة، وعلى الرغم من تشابه وضع بونغو وكاجامي في رواندا، غير أنه ليس متوقعًا حدوث انقلابات عسكرية في الدول الثلاث في ضوء الانتخابات القادمة؛ نظرًا لطبيعة هذه الدول التي لم تشهد انقلابات عسكرية من قبل، والسيطرة الكبيرة من قبل كاجامي وجبهة تحرير موزمبيق وسلفا كير على المؤسسة العسكرية.

السيناريو الثاني: تأجيل الانتخابات

يفترض هذا السيناريو اتخاذ رئيس الدولة قرار بتأجيل الانتخابات الرئاسية، على غرار ما حدث في السنغال من إعلان الرئيس ماكي سال تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في فبراير 2024؛ إلا أن هذا السيناريو من الممكن أن يحدث في جنوب السودان؛ بسبب عدم إجراء تعداد سكاني حتى الآن، أو مراجعة قانون الانتخابات،  هذا إن لم يتفق الحزبان الكبيران، الحركة الشعبية جناح كير ميارديت والحركة جناح رياك مشار على تمديد الفترة الانتقالية”. ومع ذلك مستبعد حدوث هذا السيناريو في  رواندا وموزمبيق، الذي من المتوقع أن يتم إجراء الانتخابات في موعدها دون تأجيل.

السيناريو الثالث: فوز المعارضة

أي أن تفوز المعارضة في هذه الانتخابات ويحدث التداول السلمي للسلطة؛ إلا أن هذا السيناريو مستبعد حدوثه في الدول الثلاث، نظرًا للأسباب السالف ذكرها سواء ما يتعلق بعدم نزاهة الانتخابات من جهة، وإصرار السلطة الحاكمة على البقاء في السلطة وعدم التنازل عنها من جهة ثانية.

السيناريو الرابع: استخدام الانتخابات لإضفاء الشرعية

يفترض هذا السيناريو إجراء السلطة الحاكمة الانتخابات برغم ما ستشوبها من مخالفات في موعدها دون تأجيل، وذلك لاستخدامها كأداة لإضفاء الشرعية على وجودها، والاستمرار فيما بعد في استخدام التعديلات الدستورية كسلاح للتغلب على حدود الولاية وتجاهل الضمانات الديمقراطية.

ويُعد هذا السيناريو الأقرب حدوثًا في رواندا وموزمبيق، التي مثَّلت الانتخابات فيها أداة لإضفاء الشرعية للرئيس بول كاجامي وحزب فريليمو، وليست أداة للتداول السلمي للسلطة أو لتحقيق الديمقراطية.

وختامًا يمكن القول بأن تجارب الدول الثلاث ومستقبل الانتخابات الرئاسية القادمة 2024  فيهم، تسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة النظر في اعتبار الانتخابات الوسيلة الوحيدة لتحقيق التداول السلمي للسلطة وإضفاء الشرعية، وذلك أنه على الرغم من إجراء الانتخابات الرئاسية بانتظام في رواندا وموزمبيق، إلا أنه لم تسفر عن تعزيز الديمقراطية، وتحقيق التداول السلمي للسلطة، بل استخدمتها النظم الديكتاتورية من أجل إضفاء الشرعية على وجودها، في ظل التعددية الحزبية الشكلية ونظام الحزب المهيمن.


[1]President Paul Kagame Announces Fourth Term Run In Upcoming Elections, monitor, 20 Oct 2023, available at

https://bitly.ws/3dDBA

[2]Rwanda, freedomhouse, Dec 2022, available at

https://bitly.ws/3dBkm

[3] AJ Gleason, Democracy – The Cost of Rwanda’s Recovery?, Democratic Erosion Consortium, March 11, 2022, available at

https://bitly.ws/3dBkr

[4]Régio Conrado, Le Frelimo, trente ans après les « réformes démocratiques » Une domination hégémonique(PARIS: Institut français des relations internationals,2022),P.4.

[5] The Political Power Grab And Democratic Backsliding In Mozambique, Vanguard Africa Foundtion , April 25, 2023, available at

https://bitly.ws/3dDDa

[6] Joseph Hanlon, Collapsing Electoral Integrity In Mozambique, Journal of African Elections(Johannesburg: Electoral Institute For Sustainable Democracy In Africa, Vol. 20 ,No .1, 2021), PP52-53.

[7]South Sudan : December, Africa Center for Strategic Studie, January 17, 2024, available at

https://bitly.ws/3dDK6

[8] Mateo Gomez, Une année record d’élections vidées de leur sens en Afrique en 2024, 23 janvier 2024, available at

https://bitly.ws/3dDKe

[9] South Sudan : December, Africa Center for Strategic Studie, Internet Source.

[10]Rwanda, freedomhouse, Internet Source.

[11] Borges Nhamirre, Fraudulent municipal elections cripple democracy in Mozambique, Institute for Security Studies, 7 NOV 2023 , available At

https://bitly.ws/3dE2R-

[12][12]منى عبدالفتاح، انتخابات جنوب السودان استحقاق شعبي حائر بين زعيمين، اندبندت عربية، 6 يوليو 2023، متاح على رابط

https://bitly.ws/3dBjb

[13] Mike Cohen And Saul, Paul Kagame set to maintain grip on Rwanda after elections, businesslive, 4 AUGUST 2017, available at

https://bitly.ws/3dBjq/

[14] Moses K. Gahigi, Four small parties back Kagame’s 2024 presidential bid, Theeast African, July 31, 2017, available at

https://bitly.ws/3dBjR

[15] Joseph Siegle and Candace Cook, Africa’s 2024 Elections: Challenges and Opportunities to Regain Democratic Momentum, Africa Center For Strategic Studies (Washington: Africa Center, 2024), PP22-23.

[16] South Sudan: No basis for free and fair 2024 elections, warns Haysom, United Nations, 14 December 2023, available at

https://bitly.ws/3dDMX

[17]Jason Papaioannou and Jan Luiten van Zanden, The Dictator Effect: How Long Years in Office Affects Economic Development in Africa and the Near East , Journal of Institutional Economics (Cambridge: Cambridge University Press India Private, 2012),PP1-2.

[18] Alex Irwin-Hunt and Munyaradzi Makoni, The promise of oil and gas in South Sudan, fdiintelligence, October 31, 2022, available at

https://bitly.ws/3dBDH

[19] The World Bank in Mozambique, World Bank, Sep 25, 2023, available at

https://bitly.ws/3dBBa

[20] Where We Work RWANDA, opportunity Inernational,9 April 2023, available at

https://bitly.ws/3dBIX