إعداد د. جيهان عبد السلام عباس

مدرس الاقتصاد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة

خلال 67 عامًا من حكم السودان كدولة مستقلة، تعرض السودان لتوترات سياسية وأمنية عديدة فاقت المراحل التي عرفها من السلام والاستقرار، وأدى الصراع إلى تضرر كبير في الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية بالسودان وعطل مسيرته التنموية لأوقات طويلة، وفي منتصف أبريل 2023 اندلع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسرعان ما أعقبه تحركات دولية سريعة لإجلاء الرعايا الأجانب من البلاد. وبدأت تظهر العديد من الانعكاسات االسلبية على الاقتصاد السوداني الذي تُقدر خسائره اليومية بنحو نصف مليار دولار. وجاء هذا الوضع المتدهور بعد بداية النهوض التي كانت تلوح في الأفق في عام 2022 في محاولة لتحييد آثار انقلاب 25 أكتوبر 2021؛ حيث اتخذ السودان إجراءات عديدة لدعم الاقتصاد في عام 2022، وكان عام 2023 سيشهد أكبر تعافٍ لاقتصاد البلاد في ست سنوات. وكان يُتوقع أن ينمو الاقتصاد خلال خمس سنوات مقبلة بنسبة 3%، بحسب صندوق النقد الدولي. خاصة مع تراجع التضخم إلى 87 % في عام 2022، بعدما سجَّل 318 % في عام 2021، وكان من المتوقَّع أن يستمر النمو الاقتصادي ليتراجع التضخم إلى 65 % بنهاية عام 2023. وجاءت الحرب في السودان لتضع مزيدًا من التشاؤم بشأن أي توقعات إيجابية للاقتصاد السوداني.

 ومن هذا المنطلق، تتعرض تلك الدراسة إلى تحليل الانعكاسات الحالية والمحتملة على الاقتصاد السوداني، كذلك على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية للبلاد، كما تسلط الضوء على الآثار المتوقعة على اقتصادات دول الجوار في ظل وجود علاقات اقتصادية وحدود مشتركة بينهم وبين السودان تمثل قنوات لانتقال تلك الأزمة إليهم.

أولاً- صورة عامة للوضع الاقتصادي قبل الحرب:

في أواخر التسعينيات، ووسط حرب أهلية مدمرة، أعلن نظام الرئيس عمر البشير الإسلامي العسكري أن الطاقة ستساعد في بناء اقتصاد جديد. وأقام النظام شراكات مع شركات النفط الوطنية والأجنبية (الصينية والهندية والماليزية… وغيرها)، وظهر السودان كواحد من أكبر منتجي النفط. وفي عام 2011، انفصل جنوب السودان – الذي يضم ثلاثة أرباع احتياطيات النفط في السودان، وانكمش الاقتصاد في ذلك الوقت بنسبة 10٪. ومع الوقت وتضرر الوضع الاقتصادي والاجتماعي في السودان، غذت هذه الأزمة الاقتصادية انتفاضة شعبية أدت إلى الإطاحة بالبشير في ثورة 2018-2019. وساءت الضغوط التضخمية في السودان مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. كما عززت السوق السوداء الإقليمية المتنامية التي يتم فيها الإتجار غير المشروع بالعديد من السلع عبر الحدود. في الوقت نفسه، نمت الانقسامات في المؤسسة السياسية. وعندما رفعت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، استمر تعليق قروض ومساعدات بمليارات الدولارات بعد الانقلاب العسكري عام أكتوبر 2021 ضد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. هذا بالإضافة إلى تداعيات جائجة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود والأغذية والأسمدة بأكثر من 400٪، وتراجع الدولة عن دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعي، وقيام المزارعين بتقليص زراعتهم بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم أزمة إنتاج الغذاء والقدرة على تحمل التكاليف[1].

 وخلاصة ذلك، أن الاقتصاد السوداني يعاني منذ سنوات مشكلات هيكلية، وضعفًا في الإنتاج، وجرائم التهرب من الجمارك والضرائب، والتلاعب في الأسعار؛ ما تسبب في خسارة السودان حوالي 5.4 مليار دولار بشكل سنوي. كما تجاوزت خسائر العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من الولايات المتحدة 40 مليار دولار، ولم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 0.3 % في نهاية 2022، وفق إحصاءات البنك المركزي بالسودان.

ثانيًا- أوجه التكاليف الاقتصادية التي يتحملها الاقتصاد السوداني:

  • تضرر حركة التجارة الدولية: بحسب بيانات البنك المركزي السوداني، فإن السودان قد صدَّر في يناير 2023 ما قيمته 43.5 مليون دولار فقط من السلع، بانخفاض حاد عن 293 مليون دولار في ديسمبر من العام الماضي 2022، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية[2]. وتتمثل أهم صادرات السودان في الذهب، الذي حقق ما مجموعه 2.85 مليار دولار أمريكي في عام 2021، والفول السوداني (488 مليون دولار أمريكي)، والنفط الخام (385 مليون دولار أمريكي)، والماشية والأغنام (239 مليون دولار أمريكي)، ومعظم تلك الصادرات تتجه إلى: الإمارات والصين والمملكة العربية السعودية والهند وإيطاليا. كما تصدّر السودان (وجنوب السودان) حوالي 132 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام في عام 2021، كما أن السودان هو أيضًا أكبر مصدر للصمغ العربي في العالم، وتشكل الإمدادات منه نحو 70% من إجمالي الإنتاج العالمي وهو مكون رئيس للعديد من الصناعات الغذائية. وبعد الأحداث السياسية الأخيرة في السودان، توقف حصاد هذا المنتج. أما الواردات الرئيسة للسودان هي السكر الخام والبترول المكرر والقمح والأدوية المعبأة والسيارات، بشكل رئيس تأتي من الصين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والهند ومصر. ويمكن للصراع الحالي أن يخرج عن مسار هذه التجارة ويخلق مشكلات اقتصادية للسودان وشركائه التجاريين. خاصة مع كون السودان يقع على البحر الأحمر، ويمكن أن يتعارض عدم الاستقرار مع التدفقات التجارية عبر قناة السويس، ما يحد من قدرة هذه الدولة على التجارة مع بقية العالم. بالإضافة إلى ذلك نحو 90٪ من التجارة الخارجية للسودان تمر عبر بورتسودان، حيث يعتبر الميناء أيضًا بوابة بحرية تجارية مهمة للدول المجاورة غير الساحلية، وقد يؤدي انقطاع الميناء نتيجة للحرب القائمة إلى تراجع حجم التجارة الدولية، و تفاقم النقص الحاد بالفعل في السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء على وجه الخصوص[3].

   يضاف إلى ذلك، أنه مع بداية المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أخرجت مطار الخرطوم من الخدمة، وهو ما حرم البلاد من 5 % من إجمالي صادراتها ووارداتها البالغة في مجملها 15 مليار دولار، وأفقد الخزينة السودانية عائدات صادرات الذهب التي تعادل 50 % من الصادرات بقيمة ملياري دولار، ويشكل الذهب أهم موارد السودان من العملة الصعبة بعد خروج 75 % من موارد النفط بعد انفصال جنوب السودان عن السودان الأم، وتوقف صادرات المعدن الأصفر سينعكس بشكل سلبي كبير على موازنة الدولة التي بالفعل عجز مزمن.[4]

– تضرر الإنتاج الزراعي والحيواني: يمتلك السودان نحو 200 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، ويتوافر به المناخ المناسب المياه الصالحة للشرب ومصادر الطاقة التقليدية والمتجددة النظيفة،  كما يعيش نحو70٪ من سكان السودان على الزراعة بالزراعة التي تمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ذلك بالإضافة إلى المحاصيل المهمة التي ينتجها السودان، منها: القمح، والقطن، والفول، والذرة، والسمسم. ويعد السودان كذلك من أغنى البلاد العربية والأفريقية بالثروة الحيوانية؛ فيحتل المرتبة الأولى على المستوى العربي والأفريقي والسادسة على مستوى العالم، وذلك بثروة قوامها 103 ملايين رأس، تتوزع بين: 30 مليون رأس أبقار، و37 مليون رأس أغنام، و33 مليون رأس ماعز، و3 ملايين رأس من الأبل، إضافة إلى 45 مليون من الدواجن، وثروة سمكية تقدر بحوالي 100 ألف طن[5]. ويأتي الصراع الحالي ليعمق مشكلات القطاع الزراعي والحيواني في السودان، خاصة مع تراجع الدولة عن دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعي، مثل الديزل والأسمدة، وقيام المزارعين بتقليص زراعتهم بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم أزمة إنتاج الغذاء والقدرة على تحمل التكاليف.[6]

  • اضطرابات سعر الصرف وقطاع البنوك: الحرب الدائرة بين طرفي النزاع تسببت أيضًا في تعطيل قسري لقطاع البنوك، وهو ما تسبب في عدم السيطرة على سعر الصرف، ليبقى الأثر الرسمي على العملة غير واضح؛ حيث انخفضت قيمة العملة السودانية مقابل الدولار من نحو 450 في شهر مايو من عام 2022، إلى 559 جنيهًا مقابل الدولار في 25 من أبريل 2023، وتستمر قيمة العملة السودانية في الانخفاض. وظهر نتيجة لذلك تصريحات عدة من مؤسسات مالية دولية منها تحذير وكالة موديز للتصنيف الائتماني “من أن تصاعد النزاع في السودان سيترك آثارًا سلبية على التصنيفات الائتمانية لها وللدول المجاورة، وكذلك على بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تقرض السودان والدول المجاورة”. وأكدت الوكالة أنه إذا انحدر الصراع إلى حرب أهلية طويلة الأمد، سيؤدي لتدمير البنية التحتية الاجتماعية والمادية وسيكون له عواقب اقتصادية دائمة، مما يؤثر على جودة أصول البنوك الإقليمية التي تمول السودان، إلى جانب ارتفاع نسبة القروض المتعثرة، وتأثر معدلات السيولة في بنوك البلاد.[7] ومنها بنك التجارة والتنمية الذي يفوق إجمالي حجم قروضه للبلاد 930 مليون دولار، أو ما يمثل 14% من إجمالي محفظة الإقراض لديه، وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي «Afrexim Bank» الذي نحو 31% من قروضه موزعة على السودان ودول مجاورة، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص لأن 3.1% من أصولها مرتكزة في الخرطوم[8]. كما أضافت وكالة «موديز» أن الصراع إذا امتد لمناطق أخرى، ستمتد المخاطر المالية معها مثل: تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر[9].
  • تراجع عملية الإنتاج والاستثمار: تعطلت حركة الإنتاج في السودان، وقامت العديد من المشروعات الخاصة بتحجيم عمليات إنتاجها. الأمر الذي سيؤثر في مدى توافر السلع الأساسية بالأسواق السودانية ما سينعكس سلبًا على كل جوانب الحياة ولا سيما جانب الأمن الغذائي. هذا بالإضافة إلى مخاطر خروج المستثمرين من الدولة نتيجة حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في حال استمرار الصراع على السلطة؛ حيث تكون الأجواء غير مؤهلة بالمرة لأعمال الاستثمار، وحتى الوقت الراهن لم تقدر الاستثمارات الخارجة من السودان.
  • تراجع وضعف تحقيق الأمن الغذائي: قبل تصاعد النزاع الأخير في السودان، كان هناك أكثر من 11.7 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد أو غير قادرين على الحصول على ما يكفي من الغذاء، إذ كان السودان يحتل المرتبة 110 من بين 113 دولة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، وهي مرتبة متأخرة للغاية كما هو موضح في الشكل رقم (1). ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل، أضاف الاضطراب في السودان عبئًا جديدًا على الأمن الغذائي؛ إذ تضاعفت أسعار المواد الغذائية، وتزايدت القيود المفروضة على حركة الأشخاص والإمدادات، مما زاد من صعوبة حصول الناس على الغذاء والماء خاصة مع توقعات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان وتزايد معدلات التضخم من جديد، هذا في ظل احتياج الخرطوم إلى استيراد 5.3 مليون طن من القمح تحت وطأة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد، ما ينذر بتفاقم الجوع. ومن المقدر أن يصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستوى جديد وهو رقم قياسي في السودان، مع وجود 2-2.5 مليون آخرين يقدر أن يعانوا الجوع في الأشهر المقبلة، مع رفع مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 19 مليون شخص، أي خمسي سكان البلاد.[10]

ترتيب لبعض الدول المحملة بالصراعات بناءً على مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021

الدولة \ المؤشرالترتيب العالمى من بين 113 دولةقيمة المؤشر(يتراوح ما بين صفر إلى 100)عدد من يعانون  انعداما شديدا في أمنهم الغذائي كمتوسط للفترة 2018-2020
ليبيا911.473.1
سوريا1068.37غير متاح
السودان1101.372.7
اليمن1127.3516
  • المصدر : منظمة الأغذية والزراعة الأمم المتحدة، برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية : تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، 2021.

ثالثاً- تضرر الأوضاع الإنسانية والاجتماعية في السودان:

     في دولة يعتمد حوالي ثلث السكان نحو (15.8 مليون شخص البالغ) على المساعدات الإنسانية، يزداد الأمر سوءًا مع توتر الأوضاع في السودان، وتضعف قدرة المجتمع السوداني على الصمود بسبب تفشي الأمراض والجفاف والأزمة الاقتصادية في البلاد. كما أثرت معدلات التضخم العالية على قدرة  السكان الشرائية  للحصول إلى السلع الأساسية والخدمات، وهو ما أكده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ حيث إن هناك نقصًا حادًّا في الغذاء والماء والأدوية والوقود في السودان، خاصة في العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها. فضلاً عن محدودية الوصول إلى وسائل الاتصالات والتكنولوجيا، مع تعرض البلاد لنهب الإمدادات الإنسانية والمستودعات، فضلًا عن أكثر من 843 ألف حالة نزوح داخلي عبر الشهر الأول من الصراع، مع تسجيل الأغلبية في النيل الأبيض (25٪) وغرب دارفور (19٪). وهذا يشمل حوالي 450 ألف طفل اضطروا للفرار من ديارهم وتشردوا داخليًّا وذلك وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وتقدر المنظمة الدولية للهجرة  أنه خلال الأشهر الستة المقبلة، من المتوقع أن يصبح ما مجموعه 1.8 مليون شخص نازحين حديثًا إذا استمر القتال في أنحاء العاصمة[11].

    إضافة إلى ذلك، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرًا من ضعف شديد بالمنظومة الصحية السودانية، مع توقف أكثر من 60% من المستشفيات عن العمل. وكانت الأمم المتحدة قد نبهت من التهديدات الأمنية للعمليات الإنسانية في السودان، فضلا عن نهب إمدادات برنامج الأغذية العالمي من المستودعات وسرقة المركبات المستخدمة في نقل المساعدات؛ وبالتالي تحرم الفئات الأكثر ضعفًا من أي سبل للمساعدة.[12] في الوقت الذي يحتاج فيه برنامج الأغذية العالمي إلى 728 مليون دولار أمريكي لضمان وصول المساعدات المنقذة للحياة بشكل فوري إلى الأشخاص الذين انقلبت حياتهم بسبب الصراع المستمر.[13]

    وإذا طال أمد الحرب، فسيتم ضمان كارثة إنسانية وتنموية أخرى في منطقة من العالم تعاني بالفعل الجفاف وعدم الاستقرار المزمن، ما يؤدي إلى إجهاد ميزانيات المساعدة الدولية وزيادة نقاط الضعف في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي بأكملها. إذ يقدر عدد المشردين داخليًّا بـ 3.7 مليون سوداني يعتمدون إلى حد كبير على المساعدات الإنسانية. واعتبارًا من 1 مايو، عبر ما يقدر بـ 114 ألف شخص الحدود البرية للسودان، ودخلوا ست ولايات مجاورة للسودان، كما تخطط الأمم المتحدة لمغادرة أكثر من 800 ألف سوداني البلاد. من بين أكثر من 40 مليون نسمة، هذا عدد قليل نسبيًّا، لكن آثار الهجرة القسرية قد تستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم، بما يلازمها من أوضاع اجتماعية وإنسانية سيئة للغاية.[14]

رابعًا – تداعيات الحرب السودانية على اقتصادات دول الجوار:

  تشترك السودان في الحدود مع عدد من الدول في منطقة غير مستقرة بالفعل، واقتصادات هشة إلى حد كبير مثل الصومال وتشاد أفريقيا الوسطى. وبحسب مفوضية الحدود السودانية فإن السودان يشترك في 47 معبرًا حدوديًّا مع دول مجاورة تمتد عبر حدود تزيد عن ثمانية آلاف كيلومتر[15]، وهذا يعني أن الصراع الحالي قد ينشأ عنه مخاوف عديدة أهمها مشكلة اللاجئين، والتهريب غير المشروع، وانتشار الفصائل المسلحة الإجرامية أو المتطرفة. مما سيكون له آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية في دول الجوار للسودان [16]. وقد أعلنت الأمم المتحدة أن أعداد الفارين من المعارك في السودان إلى دول الجوار تخطت عتبة الـ100 ألف شخص. وكانت المفوضية السامية للاجئين قد حذرت من أن تؤدي المعارك المسلحة إلى فرار أكثر من 800 ألف شخص آخرين إلى الدول المجاورة، وتزيد مشكلة اللاجئين العبء على الدول المستقبلة لهم خاصة إذا كانت بالفعل تعاني اقتصاديًّا واجتماعيًّا. ومن أهم الدول المجاورة التي قد تطولها انعكاسات الحرب ما يلي :-

  • جنوب السودان: في حالة استمرار الحرب، من المرجح أن تستهدف قوات الدعم السريع البنية التحتية النفطية التي تربط جنوب السودان بالخرطوم، وكذلك محطة التصدير في بورتسودا، وهذا من شأنه أن يحرم القوات المسلحة السودانية من الإيرادات التي تجنيها من رسوم عبور خطوط الأنابيب، ولكن أيضًا يعطل صادرات النفط لمشغلين ماليزيين وصينيين وهنود في جنوب السودان يعتمدون بنسبة 100٪ على الوصول إلى السوق العالمية عبر السودان. وكل ذلك يضر باقتصاد جنوب السودان التي تعتمد 90٪ من اقتصادها على صادرات النفط ويشكل 70 % من الناتج المحلي الإجمالي.[17]
  • أفريقيا الوسطى: تعاني العديد من المشكلات الداخلية خاصة على الجانب الأمني والاقتصادي بعد ما شهدته من انقلاب عام 2022، ومع الاضطرابات الحالية في السودان هناك صعوبة في الحصول على العديد من السلع الغذائية التي يعتمد عليها السكان في أفريقيا الوسطى بنسبة تصل إلى 70%، مثل السكر والطحين ومعجون الطماطم وزيوت الطعام وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع مبالغ فيه في أسعارها  [18].
  • تشاد: تعتبر تشاد هذا البلد الساحلي المهم استراتيجيًّا والذي يربط بين غرب وشمال وشرق ووسط أفريقيا، يعاني بشكل خاص من مشكلة اللاجئين السودانيين؛ حيث صرحت الفرق التابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين بأنه فرّ ما بين 10-20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثًا عن ملاذ في تشاد المجاورة، وتستضيف تشاد بالفعل ما يقرب من 600 ألف لاجئ، 400 ألف منهم من منطقة دارفور في السودان [19]. ولكن القلق الرئيس لتشاد هو احتمال تسلل فئات مسلحة إلى البلاد لذلك أغلقت تشاد الحدود بينها وبين السودان. وتُصنف تشاد حاليًّا على أنها متوسطة الخطورة من الناحية الأمنية، لكن التخوف أن تنزلق نحو فئة المخاطر العالية في 2023[20].
  • ليبيا: كانت ليبيا دولة عبور رئيسة للمهاجرين واللاجئين الفارين من النزاعات والقمع من منطقة الساحل الغربي وأجزاء أخرى من أفريقيا، ويُعتقد أن ليبيا ستحصل على الأرجح على حصة من موجات اللاجئين المحتملة من السودان؛ حيث تمكن أكثر من 1000 شخص من عبور الحدود الليبية النائية.[21].
  • إثيوبيا: تستضيف إثيوبيا ثالث أكبر عدد من اللاجئين في المنطقة (بعد أوغندا والسودان) بحوالي 900 ألف  منذ عام 2020، وهي متورطة في صراع داخلي يشمل بشكل أساسي منطقة تيجراي المتاخمة للسودان. ويبلغ عدد النازحين داخليًّا في إثيوبيا حوالي 3 ملايين، على الرغم من عدم توافر أرقام دقيقة (خاصة لمنطقة تيغراي). ويواجه ما يقدر بنحو 20 مليون إثيوبي انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويبلغ عدد اللاجئين الإثيوبيين في البلدان المجاورة ما يقرب من145 ألفًا. ويشمل ذلك العديد من سكان  تيجراي الذين فروا إلى السودان عندما بدأ الصراع الإثيوبي في نوفمبر 2020، ومنذ تصاعد الاشتباكات في السودان، عبر 26500 شخص  معظمهم من الإثيوبيين إلى إثيوبيا مرة أخرى.
  • مصر: تعتمد الأسواق المصرية على السودان لتغطية ما يتراوح ما بين 30-35 % من احتياجاتها من السمسم والبقوليات وبعض المنتجات الزراعية. ويقدر حجم صادرات اللحوم السودانية الحمراء الحية إلى مصر بنحو 200 ألف رأس سنويًّا، إضافة إلى 4 آلاف طن من اللحوم المذبوحة، وبالتأكيد سيؤثر الصراع القائم على التجارة بين الدولتين، وكذلك التجارة بين مصر والدول الأفريقية التي لها طريق في السودان. وسوف تتأثر الأعمال الاستثمارية المشتركة بين الدولتين نتيجة عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن الصراع؛[22] حيث تمتلك مصر الكثير من الاستثمارات الكبرى في السودان؛ حيث وصلت قيمة الاستثمارات إلى نحو 2.7 مليار دولار، بعدد مشروعات يقدر بنحو 273 مشروعًا، في مجال: الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والحديد والصناعات الغذائية، ونحو 90 مشروعًا خدميًّا.

خاتمة:

       مع دخول الأزمة شهرها الثاني دون أي بوادر توقف، لا يزال مستقبل الدولة السودانية غير مؤكد إلى حد كبير، وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية والبشرية المدمرة التي قد يتسبب بها الصراع، يبدو أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مصممان على مواصلة معركتهما، وفي دولة مثل السودان التي تقع في منطقة شديدة التعقيد، لم يتأثر اقتصادها وشعبها فحسب، بل خلقت الأزمة تأثير الدومينو الإقليمي؛ حيث تخشى الدول المجاورة من العواقب الوخيمة التي قد تواجهها إذا لم يتم حل النزاع بسرعة وفعالية. وتأسيسًا على ما سبق، يبقى حل النزاع الحالى في السودان أملًا ليس فقط للشعب السوداني، ولكن لكل الشعوب الأفريقية التي تأمل أن تعيش في دول مستقرة سياسيًّا، وبالتالي تستطيع أن تحقق لهم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

قائمة مراجع الدراسة


[1]) World Food Programme , Sudan emergency, May.2023 , Available at :
https://www.wfp.org/emergencies/sudan-emergency?utm_source=google&utm_medium=cpc&utm_campaign=20182123353&utm_adgroup=149521415236&utm_term=sudan%20war&utm_content=659638765863&utm_id=&utm_matchtype=p&gclid=CjwKCAjwscGjBhAXEiwAswQqNMg72I7e3tzQNzIyc940vpBmtHbbTHJDIpeo6RVwxEbYt3KZdFSmfBoCBiIQAvD_BwE
[2]) ALY VERJEE , ” Five potential global consequences of Sudan’s escalating conflict”  , The Interpreter News , 4 May 2023  ,Available at :
 https://www.lowyinstitute.org/the-interpreter/five-potential-global-consequences-sudan-s-escalating-conflict

 


[3])ABC News , ” Why Sudan’s conflict matters to the rest of the world ” , April 20, 2023, Available at :
https://abcnews.go.com/International/wireStory/sudans-conflict-matters-rest-world-98736366

[4] ) سهير الشربيني, “التداعيات الاقتصادية للصراع في السودان“، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين،  28 ابريل 2023، متاح على الرابط التالي:-

https://apa-inter.com/post.php?id=6095#
[5](   John Mukum Mbaku , “Sudan’s conflict will have a ripple effect in an unstable region – and across the world”   , The Conversation Journal , May 5, 2023, Available at :
https://theconversation.com/sudans-conflict-will-have-a-ripple-effect-in-an-unstable-region-and-across-the-world-204858

[6] ) محمد حمدي، “خسائر خيالية ينتظرها السودان في حال استمرت الحرب “، 24 ابريل 2023،  موقع سكاي نيوز الإخباري، متاح على الرابط التالي:

https://www.skynewsarabia.com/business/1615299-%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D9%8A%D9%94%D8%B1-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8

[7] ) محمد صبري، كيف تأثر الأمن الغذائي بالصراع الدائر في السودان، المرصد المصري،  29 ابريل 2023، متاح على الرابط التالي:-

[8]) Harry Verhoeven , ” Sudan’s conflict has its roots in three decades of elites fighting over oil and energy” , The Conversation Journal April 26, 2023 Available at :
https://theconversation.com/sudans-conflict-has-its-roots-in-three-decades-of-elites-fighting-over-oil-and-energy-204389

[9] ) سكاي نيوز الإخبارية، ” كيف تؤثر الأوضاع في السودان على دول الجوار اقتصاديًّا ؟”، 26 أبريل 2023 ، متاح على الرابط التالي:

https://www.skynewsarabia.com/business/1615812-%D8%AA%D9%88%D9%94%D8%AB%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%8B%D8%9F

[10]) Jack Dutton , ” Sudan conflict poses credit risk to economies in region: Moody’s” , Al-Monitor, April 24, 2023 , Available at :

https://www.al-monitor.com/originals/2023/04/sudan-conflict-poses-credit-risk-economies-region-moodys

[11] ) CNN الاقتصادية، ” موديز “، شظايا الصراع في السودان قد تصيب اقتصادات دول الجوار “،  أبريل 2023، متاح على الرابط التالي:-

https://cnnbusinessarabic.com/banking-finance/20742/%d9%85%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%b2-%d8%b4%d8%b8%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d9%82%d8%af-%d8%aa%d8%b5%d9%8a

[12]) United Nations  , International Organization For Migration “IOM”  , IOM RESPONSE OVERVIEW SUDAN CRISIS AND NEIGHBOURING COUNTRIES , (Saconnex: IOM  , 17 May 2023) , P.3.

[13]) United Nations  , International Organization For Migration “IOM”  , Op.cit , PP.5-6.

[14] ) شريف بيبي، ” معارك السودان.. عشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين ودول الجوار تستعد للأسوأ“، فرانس 24، 2 مايو 2023، متاح على الرابط التالي:

https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/20230502-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A3

[15]) Khaled Mahmoud, ” The Sudanese Crisis’ Impact on Neighbouring Countries”  , May 18, 2023  , Available at :

[16] ) John Mukum Mbaku , Op.cit,

[17] ) ABC News , ” Why Sudan’s conflict matters to the rest of the world ” , Op.cit.
–       And :
–       The East African , “Juba fears oil exports will halt as fighting in Sudan goes on”  , MAY 07 2023, Available at :
https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/sudan-war-juba-fears-oil-exports-will-halt-4225002

[18])World Food Programme , Sudan emergency, Op.cit.

  • د. شيماء فاروق، تصاعد الحرب في السودات 2023، الأسباب والتداعيات، ( برلين:  المركز الديمقراطي العربي،  2023)، متاح على الرابط التالي:-
[19]) the Africa Center for Strategic Studies  , Sudan Conflict Straining Fragility of Its Neighbors  , May 24, 2023  ,Available at :

 

https://africacenter.org/spotlight/sudan-conflict-straining-fragility-of-its-neighbors-displacement-refugees/

20)  John Mukum Mbaku , Op.cit.  

[21]) the Africa Center for Strategic Studies  , Op.cit.

[22]) Egypt Business Directory , 5 Ways the Conflict in Sudan Can Affect Egypt Economy  , 24.04.2023  ,Available at :
https://www.egypt-business.com/news/details/2316-5-ways-the-conflict-in-sudan-can-affect-egypt-economy/427518