كتب – كرم سعيد

باحث متخصص في الشؤون الإقليمية بموسسة الأهرام

تتصاعد حدة الأزمة في السودان، بعد أن وصل الصراع الذي اندلع في منتصف أبريل الماضي إلى مستوى غير مسبوق، بين قوات الجيش السوداني الذي يمثل المؤسسة النظامية والشرعية في البلاد، وقوات الدعم السريع، وذلك بعد فشل الهدنة السادسة التي وافق عليها الطرفان مطلع مايو الجاري؛ حيث سُجلت اشتباكات متقطعة بين الطرفين المتصارعين. وأسفر الصراع وفق بيانات الأمم المتحدة في 3 مايو الجاري عن سقوط نحو 550 قتيلا بالإضافة إلى الآف الجرحى. كما أجبرت المعارك أكثر من 335 ألف شخص على النزوح مقابل لجوء نحو 115 ألفًا آخرين إلى دول الجوار.

وتتجه الأزمة السودانية نحو مزيد من التعقيد، في ظل استمرار الاصطفافات والتجاذبات الخارجية والمحلية تجاه طرفي الأزمة، وسعي قوات الدعم إلى تطوير ارتباطاتها العسكرية مع ميلشيا فاغنر الروسية. وكانت مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز، قد أشارت في 4 مايو الحالي إلى أن الصراع “سيطول على الأرجح”؛ لأن كل طرف  يعتقد بأنه قادر على تحقيق الانتصار عسكريًّا.[1] كما حذرت الأمم المتحدة  في 3 مايو الجاري على لسان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، من احتمال تفاقم المخاطر في السودان بسبب الفشل في تأمين ممر آمن لتوصيل المساعدات الإنسانية بعد تعرض ست شاحنات محملة بالإمدادات الإنسانية للنهب.[2]

وجاءت الأزمة السودانية في ظل عدم القدرة على الانتقال السياسي في البلاد، وتجاوز مرحلة ما بعد إقصاء البشير عن السلطة في العام 2019، وفشل القوى السودانية في 6 أبريل الماضي في التوقيع على الاتفاق النهائي لتسوية الأزمة السياسية فضلًا عن تراجع مؤشرات الاقتصاد، وتفاقم الاحتقانات العرقية.[3]

أولًا: دوافع متنوعة

يرتبط انفجار الصراع في السودان بأسباب مغايرة، وتحديات جمة وفرت بيئة خصبة لتسخين الأزمة، وزيادة وتيرتها، وهو ما يمكن بيانه كالتالي:

تصاعد الخلاف بشأن إصلاح القطاع الأمني: ترتبط المواجهات العسكرية الراهنة في السودان في جانب معتبر منها بتباين الرؤى بين جناحي المكون العسكري “الجيش وقوات الدعم السريع” بشأن إصلاح الهياكل الأمنية في البلاد؛ فأحد الأسباب المركزية للتوتر العنيف الحالي هو رفض قوات الدعم السريع الانخراط ضمن الهياكل المؤسسية للجيش النظامي، وإصرار حميدتي أن يكون “الدعم السريع” قوات رديفة للجيش.

لي عنق بنود الاتفاق الإطاري: منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022، والخلافات بين المكونات السياسية والعسكرية في السودان تتصاعد؛ إذ أعلنت مجموعات ضمت أحزابًا من أقصى اليسار كالحزب الشيوعي وأخرى من أقصى اليمين مثل حزب المؤتمر الوطني المنحل والأحزاب الصغيرة المتحالفة معه، رفضها لتلك الوثيقة[4].  كما تباين تفسير بنود الاتفاق الإطاري بين جناحي المكون العسكري “قوات الدعم السريع والجيش”؛ حيث اعتبر الأول أن الاتفاق يعزز استقلاليته أو يكرس انضواء قواته تحت قيادة مدنية، فيما اعتبر الجيش السوداني أن الاتفاق الإطاري يشير إلى هيمنته على كافة الهياكل الأمنية. وقد خلق هذا الخلاف عقبة كبيرة أمام تنفيذ الاتفاق الإطاري المنوط به تسهيل انتقال السلطة عبر الانتخابات، وهو ما أدى في النهاية إلى فشل الاتفاق السياسي النهائي الذي كان من المقرر توقيعه في 6 أبريل الماضي.

هندسة العملية السياسية: ترتبط المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جانب معتبر منها، بإصرار قيادة الدعم السريع على صياغة العملية السياسية في البلاد وفق مصالح آنية وأجندة ضيقة تستهدف ترسيخ حضوره في صدارة المشهد السوداني، أو على الأقل يكون حميدتي أحد أهم مكوناته. وفي هذا السياق، يمكن فهم إصرار قائد “الدعم السريع” على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية بقوى حزبية وسياسية محدودة، بينما يتمسك الجيش بحكومة ذات قاعدة عريضة وتوافق وطني واسع؛ لأن تشكيل حكومة ضعيفة وهشة ستكون مهددة للأمن القومي.

الندية في إدارة العلاقات الخارجية: يمثل ملف إدارة العلاقات الخارجية أحد المحفزات التي عجلت بانتقال الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع من وراء الكواليس والاجتماعات المغلقة إلى العلن، وفي ظل استمرار عدم وجود حكومة انتقالية توافقية في السودان بعد الإجراءات التي أعلنها “السيادة” السوداني في أكتوبر 2021، تصاعد الخلاف بين الطرفين بشأن إدارة علاقات السودان الخارجية، وظهر ذلك في سعي حميدتي للإمساك بمفاصل علاقات السودان مع القوى الإقليمية والدولية، وبخاصة موسكو وواشنطن وتل أبيب بالإضافة إلى الدول المجاورة للسودان. ويُشار إلى أن الجيش السوداني وجه انتقادات حادة لقائد قوات الدعم السريع، واتهمه بالسعي لخلق علاقات دبلوماسية موازية للدولة، في إشارة واضحة إلى إقامة حميدتي علاقات وثيقة مع روسيا وأطراف إقليمية أخرى من بينها إثيوبيا وإرتيريا وإسرائيل.

الهيمنة على مكامن الثروة: لا تنفصل المواجهات العسكرية الحالية في السودان بحسب مراقبين، عن سعي بعض الأطراف السودانية للإمساك بمكامن الثروة والقوة في الداخل السوداني، فعلى سبيل المثال أبدى الجيش السوداني قلقًا من سيطرة قوات الدعم السريع على مناجم الذهب في منطقة جبل عامر، ومناجم أخرى في جنوب كردفان وغيرها، ما يجعل حميدتي وقواته لاعبين رئيسيين في الصناعة الأكثر ربحًا بالسودان. ويُشار إلى تصاعد مخاوف البرهان من سيطرة “الدعم السريع” على المناطق الحدودية، وتعزيز ارتباطاتها بعناصر خارجية، لتهريب الذهب السوداني للخارج، ومنها عناصر فاغنر الروسية.

وثمة تقارير غربية تشير إلى أن فاغنر ارتبط وجودها في السودان بحماية مناجم الذهب في مناطق إنتاجه، وهو ما سمح لها بإقامة روابط قوية بقوات الدعم السريع، لا سيما مساعدتها في التدريب والتجهيزات العسكرية. كما اتهمت تقارير غربية مجموعة “فاجنر” بالتورط في تزويد قوات الدعم السريع بصواريخ من نوع “أرض–جو”.[5]

تراجع مؤشرات الاقتصاد: يمثل التراجع الحادث في مؤشرات الاقتصاد، والتدهور اللافت في الأوضاع المعيشية لدى قطاعات واسعة من السودانيين أحد التحديات الرئيسة أمام تطور الأحداث. ويعاني الاقتصاد من العديد من جوانب الضعف، وظهرت بشكل أكثر قسوة في الشهور التي خلت، مع التراجع الحاد في قيمة الجنيه السوداني بالإضافة إلى تصاعد حدة الأزمة خلال العامين الماضيين، بعد تجميد الولايات المتحدة في أكتوبر 2021 مساعداتها المالية لحكومة الخرطوم.[6]

ثانيًا: الارتداد للداخل: تداعيات الأزمة

يحمل الصراع الراهن العديد من التداعيات على الداخل السوداني، لما قد ترتب عليها من استمرارية تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأوضاع المعيشية. وظهر ذلك من خلال عدد من المؤشرات، أولها: التأثير على فرص الإصلاح السياسي، فقد صارت الأبعاد المرتبطة بغياب القدرة على إنتاج قواعد دستورية جديدة أحد المحددات الرئيسة التي تؤثر في الانتقال السياسي المرن في البلاد. وثانيها: زيادة الضغوط على الاقتصاد؛ حيث يثير الصراع الدائر الذي تعيشه السودان أزمة كبيرة للاقتصاد الذي يعاني تراجعًا حادًا، فقد بلغ معدل البطالة العامة في البلاد 19.8 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري فضلاً عن انهيار سعر صرف الجنيه السوداني، حيث فقد أكثر من 40 بالمئة من قيمته أمام الدولار.

يتوقع، أيضًا أن يسفر الصراع الراهن عن إحداث نقص في سلاسل توريد الخدمات الأساسية والغذاء، وظهر ذلك في توقف سلاسل الإمداد الداخلية، كخدمات الكهرباء والطاقة والغذاء والصحة داخل العاصمة السودانية الخرطوم. كما تسبَّبت المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في إلحاق أضرار جسيمة للبنية التحتية الرئيسية كالمطار الدولي في الخرطوم فضلاً عن توقف المستشفيات والمدارس.

وثالثها: تفاقم الأزمة الإنسانية؛ حيث أدى الصراع الدائر إلى نزوح ملايين الأشخاص من ديارهم،  وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 10 ملايين شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ويرتبط رابعها: باحتمال تصاعد التوتر في العلاقات المدنية – المدنية، خاصة مع سعي مكونات مدنية لتوظيف الصراع الراهن سواءً لتعزيز قوتها في مواجهة بعضها البعض، أو محاولة محاصرة دور الجيش السوداني في العملية السياسية. ويشار إلى أن ثمة قوى مدنية سودانية، وبخاصة جبهة الحرية والتغيير، تتخذ موقفًا عدائيًّا من رئيس مجلس السيادة السوداني بسبب الإجراءات التي اتخذها في أكتوبر 2021، وأدت إلى إقصاء حكومة حمدوك.

بالتوازي، ساهم الصراع الراهن في خلق تباين في وجهات النظر بين المكونات المدنية حيال الأزمة الراهنة، كما تعززت حالة الاستقطاب، التي باتت تنذر بتهديد عملية التوافق السياسي بين عناصر المكون المدني.[7]

على صعيد ذي شأن، تبدو العلاقات المدنية – المدنية في السودان مرشحة لمزيد من التعقيد خلال المرحلة المقبلة، بعد دخول جماعة الإخوان المسلمين السودانية على خط الصراع بين “الجيش والدعم السريع؛ فقد أبدى تنظيم “الإخوان” في السودان انحيازاً واضحاً لأحد طرفي الأزمة،  إذ أعرب التنظيم في بيان له في منتصف أبريل الماضي، صادر عن المراقب العام عادل علي الله إبراهيم، تأييده للجيش السوداني. كما أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، والجناح السياسي للإخوان في السودان تأييده أيضاً للجيش السوداني في المواجهات مع الدعم السريع.[8]

ثالثًا:  المسارات المحتملة للصراع السوداني

شكل الصراع المسلح بين طرفي المكون العسكري تطورًا خطرًا على المستويين الداخلي والخارجي، وهو متغير يعطي مؤشرات سالبة تنذر بإمكانية انزلاق السودان إلى حرب أهلية مفتوحة. بيد أن الانخراط الدولي والإقليمي المكثف على خط الأزمة، وسعي دول الجوار، وبخاصة القاهرة نحو ضبط بوصلة الصراع، واستعادة التهدئة، ربما يدفع نحو سيناريو آخر، يرتبط باحتمال تجاوز حالة التوتر الراهنة.

وانطلاقًا من التطورات الراهنة على الساحة السودانية، يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوات المحتملة للصراع الراهن، وذلك على النحو التالي:

المسار الأول – تكريس حالة الفوضي: مع تعثر الوصول إلى الحوار، وفشل محاولات وقف إطلاق النار، وإصرار الدعم السريع على مواصلة القتال ضد الجيش النظامي بالإضافة إلى التصريحات والتصريحات المضادة بين البرهان وحميدتي، واتهام كل منهما للآخر بالخيانة، فإن مسار إطالة أمد الأزمة، واحتمال تكريس حالة الفوضي يبقى خيارًا محتملًا لعدة اعتبارات أولها: امتلاك طرفي الصراع قدرات عسكرية هائلة. وثانيها: تحول الاشتباكات إلى حرب مدن مفتوحة؛ حيث يتم الاشتباك العسكري داخل ما يقرب من 10 مدن مكتظة بالسكان، وهو ما أدى إلى تحول المعركة إلى حرب الشوارع ناهيك عن تصاعد حدة الاشتباك حول المقرات والمواقع الاستراتيجية في العاصمة.  كما اتجهت قوات الدعم السريع مؤخرًا نحو استهداف منازل ومقرات القيادات العسكرية، ومقار إقامة بعض الرموز السياسية، وتجلى ذلك مثلاً في الاعتداء على منزل عضو المجلس السيادي، والقيادي في القوات المسلحة السودانية شمس الدين الكباشي.[9] وثالثها: تصاعد الحديث عن دعم إقليمي ودولي مستتر لأحد طرفي الصراع، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن قوى إقليمية وبعض دول الجوار السوداني، برغم بيانتها الرسمية الداعمة لأهمية استقرار السودان إلا أنها تعمل على تقديم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع التي ترتبط معها بمصالح اقتصادية، خاصة قي قطاع الذهب أو بمصالح عسكرية؛ حيث يشار إلى أن ميلشيا الدعم السريع لعبت دوراً معتبراً في عدد من الصراعات الإقليمية والأفريقية لصالح دول بعينها، خاصة أن قائد قوات الدعم السريع يمتلك ما يقرب من 100 ألف مقاتل، وعتادًا عسكرية قادرة على إحداث تغيير نوعي في مسار بعض الصراعات العسكرية. ورابعها: تصاعد حدة الانقسام السياسي داخل السودان عشية المواجهات المسلحة؛ ففي الوقت الذي أعلنت فيه جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وحزب الرئيس المعزول عمر البشير الانحياز للجيش السوداني، اتجهت بعض القوى السياسية المحسوبة على جبهة الحرية والتغيير نحو الصمت على تحركات “قوات الدعم السريع”. وخامسها: يرتبط برؤية المؤسسة العسكرية السودانية لقوات الدعم السريع وقائده، إذ إن ثمة قناعة راسخة لدى الجيش السوداني بأن حميدتي ليس أكثر من “زعيم تمرد”. وهنا، يمكن تفسير وصف حميدتي للجيش السوداني بالخائن، ومحاولة تشويه الصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية الرسمية في الوعي الجمعي السوداني.

المسار الثاني: الوصول للتهدئة وبدء الحوار: على الرغم من اشتداد المعارك، ووصول المشهد في السوداني إلى حافة الهاوية إلا أن ثمة سيناريو محتمل بوصول الطرفين إلى وقف أعمال العنف، والانخراط في حوار مباشر؛ حيث كشف رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، في مطلع مايو الجاري عن أن طرفي النزاع في السودان وافقا على إرسال ممثلين من أجل محادثات محتملة في السعودية، من أجل وقف لإطلاق النار.[10]

بالتوازي، لا تزال تتوالى مبادرات إقليمية ودولية لتطويق الأزمة السودانية ووقف المواجهات المستمرة بين طرفي الصراع، وسط مخاوف من تمدد الصراع إلى الإقليم، وانعكاساته السلبية على مصالح القوى الدولية والإقليمية في السودان. فعلى سبيل المثال دخلت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، على خط الأزمة السودانية، وطرحت في 27 أبريل الماضي مبادرة تشمل تمديد الهدنة وعقد لقاء يجمع ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع في جوبا عاصمة جنوب السودان.  كما عززت الصين التي تمتلك مصالح اقتصادية هائلة في السودان من جهودها لتعزيز حالة الاستقرار؛ حيث دعت الخارجية الصينية في بيان لها في 16 أبريل الماضي الأطرافَ السودانية المتصارعة إلى  الحوار، وأكدت على أهمية تحركها بشكل مشترك تُجاه عملية الانتقال السياسي. وأعرب البيان كذلك عن قلق الصين البالغ بشأن تطورات الأوضاع في السودان، كما حثَّ طرفي الأزمة على وقف إطلاق النار لمنع تصعيد الموقف.[11]

على صعيد متصل، ومع فشل الهُدَن التي تُعلن بين الحين والآخر بين طرفي الصراع في السودان، طرحت القاهرة عشية استقبالها في 27 أبريل الماضي السفير دفع الله الحاج علي، مبعوث الفريق عبد الفتاح البرهان، عن مبادرة تضمنت 3 شروط، أهمها ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، والتشديد على أهمية التزام جميع الأطراف بتثبيت الهدنة وعدم خرقها من أجل إتاحة الفرصة لعمليات الإغاثة الإنسانية،  وكذلك بدء حوار جاد يستهدف حل الخلافات القائمة.[12]

غير أن هذا السيناريو ليس مرجحًا في التوقيت الحالي، بسبب إصرار الطرفين على المواجهة العسكرية، ناهيك عن حدود تجاوب قوات الدعم السريع مع المبادرات التي تدعو للحفاظ على وحدة الدولة السودانية، وحفظ هيبة سيادتها العسكرية. قبول أطراف الصرع جهود الوساطات من جانب الأطراف الإقليمية والدولية والأفريقية.

المسار الثالث – حسم الجيش الصراع مع ميلشيا الدعم السريع: يستند هذا السيناريو إلى القدرات العسكرية التي يتمتع بها الجيش السوداني مقارنة بالإمكانيات المحدودة لقوات الدعم السريع، وهو ما يعني احتمال ميل ميزان القوى لصالح الجيش السوداني. ويمتلك الجيش السوداني نحو 205 آلاف جندي وفق تقارير عسكرية نشرها موقع “غلوبال فاير” مقابل 100 لقوات الدعم السريع. كما يمتلك الجيش عددًا معتبرًا من الطائرات والمركبات العسكرية والمدافع والأسلحة الثقيلة، بينما تعتمد قوات الدعم السريع على العربات المدرعة، والتسليح الخفيف.

بيد أن هذا السيناريو يظل مستبعدًا؛ حيث يمكن لقوات الدعم السريع، أن تخوض حرب شوارع، واستحداث مواجهات داخل المدن وعلى الأطراف، وهو ما يشكل تحديًا للجيش السوداني النظامي.

المسار الرابع: إعادة تشكيل خارطة النظام السياسي، وإصلاح المؤسسة الأمنية: تتراكم جملة مؤشرات توحي بأنّ الأزمة السياسية التي تمر بها السودان قد تكون لها انعكاساتها على طبيعة وشكل النظام السياسي المقبل في البلاد، وفي الصدارة استجابة طرفي المكون العسكري للوصول إلى تفاهمات بشأن عملية إصلاح المنظومة الأمنية في البلاد.

والأرجح أن ثمة بيئة خصبة، تدفع نحو هذا السناريو، منها تصاعد حالة الاستقطاب في البلاد، وتراجع الصورة الذهنية للمكون العسكري في الشارع السوداني. وكذلك حدة الارتدادات السلبية التي أفرزتها المواجهات الراهنة على طرفي الصراع، فثمة قناعة لدى الطرفين، بأن أيًّا منها قادر على حسم المواجهة مع الطرف الآخر، ولكن بتكلفة عالية، وهنا، قد يتعرض الطرفان لخسائر فادحة تجعلهما أضعف مكونات المشهد السوداني مستقبلاً.

لذلك، ربما من المحتمل أن يتجه الطرفان خلال المرحلة المقبلة، نحو تعزيز مساحات التفاهم والتنسيق لتمرير عملية الإصلاح الأمني، والتوافق على حل القضايا الخلافية، بما يضمن سيطرة الجيش المنظومة الرسمية على الهياكل الأمنية مقابل إعطاء نفوذ منضبط ومحكوم بأطر قانونية لقوات الدعم السريع.

ختاماً: يمكن القول إن الصراع الراهن بين الجيش السوداني وميلشيا الدعم السريع بالإضافة إلى   الفشل في توقيع الاتفاق النهائي للتسوية السياسية، واستمرار غياب عدم المصداقية بين مكونات المشهد السياسي في السودان، سوف يزيد من تعقيد عملية الانتقال السياسي في البلاد. ورغم قناعة المؤسسة العسكرية بأهمية حسم المواجهة مع العناصر الميلشياوية إلا أنها تحت وطأة تفاقم الأزمات المحلية، وعودة الاحتقانات العرقية للواجهة مجددًا بالإضافة إلى التدهور الحادث في الأوضاع المعيشية قد تتجه نحو الاستجابة للمبادرات المطروحة، والوصول إلى صيغة تضمن مصالح الأطراف من دون التخلي عن هيبة الدولة وهياكلها الرسمية؛ لأن التمادي في حالة الاستقطاب قد تخلق فوضى داخلية ربما يصعب السيطرة عليها.


[1] – مديرة المخابرات الأمريكية: الصراع السوداني سيطول على الأرجح، القدس العربي، 4 مايو 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3LVbz9S

[2] – غريفيت يريد ضمانات لممرات إنسانية وحميدتي يبدي تعاونًا، العرب، 4 مايو 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3LVMITq

[3] – السودان.. تدهور أمني مريع في دارفور وإعلان حالة الطوارئ، سكاي نيوز عربية، 11 أبريل، متاح على الرابط: https://bit.ly/43tmtup

[4] – الحزب الشيوعي السوداني: الاتفاق الإطاري “اتفاق إذعان” للالتفاف على مطالب الثورة، الجزيرة، 22 نوفمبر 2022، متاح على الرابط: https://1-a1072.azureedge.net/news/2022/12/11/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-41

[5] – أحمد عسكر: ارتكاز إقليمي.. أبعاد الموقف الروسي من الصراع فى السودان، 26 أبريل 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/42bNfGI

[6] – سهام عطالله، نجميد المساعدات المالية الأميركية للسودان، العربي الجديد، 29 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://bit.ly/408oCbT

[7] – صلاح خليل، الجهود الدولية والإقليمية ومستقبل الانتقال السياسي في السودان، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 14 مارس 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3GOunF0

[8] – محمد الفقي: نافذة فرصة.. كيف يتعامل الإخوان مع الاشتباكات المسلحة في السودان؟، 26 أبريل 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3p1lFNo

[9] – أماني الطويل..  أي مستقبل ينتظر السودان على وقع المعارك؟ 18 أبريل 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3nyxkmI

[10] –  السيادي السوداني يكشف تفاصيل  عن اللقاء المحتمل بالسعودية لبحث الهدنة، 2 مايو 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3LWTlou

[11] – الصين: نحث أطراف الصراع المسلح في السودان على تجنب المزيد من التصعيد، 16 أبريل 2023، سبوتنيك عربي، متاح على الرابط/ https://bit.ly/3nn7MsI

[12] – مصر لمبعوث البرهان: 3 بنود لحل الأزمة.. موقع العربية، 27 أبريل 2023، متاح على الرابط: https://bit.ly/3NGpqCi