بقلم: د. نرمين محمد توفيق

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

المنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

تمثل السيطرة على الممرات المائية الدولية أهمية بالغة في الاستراتيجية الأمريكية، وذلك لتأمين مسار تجارتها حول العالم، ولما لهذه الممرات من أهمية استراتيجية، وقد بات التنافس على مسارات الممرات المائية العالمية من بحار ومحيطات هدفًا محوريًّا لعدد من القوى حول العالم، بل إن الأمر قد يصل إلى نشوب صراعات عسكرية مسلحة إذا ما تم تهديد هذه الممرات.

ويقع خليج غينيا في منطقة بالغة الأهمية على طول ساحل غرب أفريقيا، ويمتد لما يقرب من 4000 ميل، ويطل على المحيط الأطلنطي، ويشمل عددًا من أهم وأكبر الدول في غرب أفريقيا، منها (السنغال، غينيا، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، بنين، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الجابون، نيجيريا، غانا، ساو تومي وبرينسيبي، توجو، سيراليون، ليبيريا، جامبيا، ساحل العاج، الكاميرون، وأنجولا)، كما يؤثر تأثيرًا مباشرًا في مسار حركة التجارة العالمية؛ حيث يعد طريقًا بحريًا مهمًا يربط أوروبا وأمريكا بغرب ووسط وجنوب أفريقيا[1]، بالإضافة إلى أنه يزخر بموارد غنية، أبرزها النفط؛ ما جعله محط أنظار العالم والقوى الدولية التي تُوجد في أفريقيا، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

خريطة رقم (1) منطقة خليج غينيا

المصدر : خرائط جوجل بتصرف من الباحثة

أولا- اكتشاف النفط في خليج غينيا والسيطرة الأمريكية

أصبحت منطقة خليج غينيا محط اهتمام العالم بسبب اكتشاف النفط بها بعد أن كانت قبل 20 عامًا من أكثر البلدان فقرًا وتهميشًا؛ فالخليج الآن يعد واحدًا من أهم الخلجان في العالم، ويُنظر إليه على أنه منطقة واعدة في مجال النفط، إذ ينتج كميات هائلة من النفط الخام فائق الجودة وغير المكلف، بشكل يفوق بعض دول منظمة أوبك.

وسعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة على خليج غينيا منذ مطلع القرن الحالي مع اكتشاف النفط به، في ضوء سياستها الهادفة إلى السيطرة على المجاري المائية العالمية، خاصة وأن الساحل الغربي لأفريقيا يقع على مسافة قريبة نسبيًا من الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وبالتالي تكون نفقات الشحن أقل من نفقات شحن النفط من الشرق الأوسط وبحر قزوين وروسيا وغيرها من مناطق الإنتاج في العالم؛ لذا بدا الأمر مغريًا أمام صناع السياسات الاقتصادية في واشنطن التي تسعى دومًا إلى الحصول على النفط منخفض التكلفة؛ ما دفع شركات نفطية أمريكية عملاقة مثل أكسون موبيل وشيفرون لإقامة فروع ضخمة لها في الخليج.[2]

خريطة رقم (2) موقع الولايات المتحدة الأمريكية من خليج غينيا

المصدر: خرائط جوجل بتصرف من الباحثة

ثانيًا- خطر القرصنة في خليج غينيا

رغم ما تزخر به دول خليج غينيا من موارد طبيعية هائلة فإن معظم أهلها يقبعون تحت خط الفقر، بسبب الفساد السياسي والأزمات الداخلية وسيطرة القوى الكبرى على موارد بلادهم، هذه الظروف أدت إلى ظهور عصابات قرصنة مسلحة، أشار البعض إلى أنها انتقلت من القرى الفقيرة في أعماق القارة إلى تلك المنطقة التي أصبحت مليئة بناقلات النفط العملاقة، ولذلك باتت المنطقة واحدة من أخطر مناطق الملاحة عبر العالم، وفق عدد من التقارير الدولية، وقد كشف تقرير ملاحي دولي أعدته مجموعة “أوشن بيوند بيراسي” الأمريكية مفاده أن خليج غينيا هو الأخطر على مستوى العالم أمام حركة الملاحة البحرية العالمية في المحيط الأطلنطي.[3]

ثالثًا- موقف مجلس الأمن الدولي من القرصنة

تُعتبر القرصنة والسطو المسلح في البحار والمحيطات من الأعمال الإجرامية التي تُرتكب في الفضاء البحري، وعرَّفتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1082 في مادتها رقم 101 القرصنة، بأنها أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل يُرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجهًا في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة أو ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أي دولة”[4]، وبالتالي فهي جريمة عالمية لكن لا يمكن أن تحدث إلا في أعالي البحار خارج حدود 12 ميلًا بحريًا من المياه الإقليمية للدولة، ويبيح القانون الدولي لأي دولة التدخل وممارسة الولاية القضائية لمحاولة القبض على المشتبه بهم من القراصنة، أما الجرائم التي تُرتكب داخل المياه الإقليمية فتعد نوعًا من أنواع السطو المسلح، وهنا من حق الدولة الساحلية ممارسة الولاية القضائية على أعمال السطو التي تحدث داخل مياهها الإقليمية.[5]

وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر على مدار 10 سنوات أكثر من قرار يتعلق بمكافحة القرصنة في خليج غينيا، وحث فيها دوله على اتخاذ إجراءات فورية لوضع وتنفيذ استراتيجية لمكافحة القرصنة والسطو المسلح في عرض البحر، مشجعًا الشركاء الدوليين على تقديم الدعم للدول والمنظمات الإقليمية لتعزيز قدراتها لمواجهة القرصنة والسطو المسلح في عرض البحر في خليج غينيا، بما في ذلك قدرتها على تسيير دوريات إقليمية وإنشاء وصيانة مراكز تنسيقية مشتركة وغيرها من التدابير اللازمة، ما يعكس إلى أي مدى بلغت الأهمية التي يحظى بها الخليج في السياسة الدولية الراهنة.[6]

وفي فبراير 2012 قال وكيل الأمين العام للشؤون السياسية لين باسكو، إن القرصنة في خليج غينيا تواصل تقويض جهود دول المنطقة للحفاظ على السلام والأمن والاستقرار وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأضاف باسكو في إحاطته أمام مجلس الأمن أن القرصنة قد أصبحت أكثر تعقيدًا، وأن تهديد القرصنة يثير قلقًا أكبر الآن بعد أن أصبحت أكثر عنفًا.

واستطرد قائلا “بينما كانت القرصنة ظاهرة غير معروفة إلى حد بعيد في خليج غينيا قبل عشر سنوات، فإن عدد الاعتداءات والخسائر التي سببتها قد بلغت معدلات مثيرة للقلق، ففي عام 2010، تم إبلاغ المنظمة البحرية الدولية بوقوع 45 حادث قرصنة في سبع دول، وارتفع العدد إلى 64 حادثًا في تسع دول عام 2011. وفي أول شهرين فقط من عام 2012 سجلت المنظمة البحرية الدولية 10 حوادث قبالة ساحل بنين والكونغو وكوت ديفوار وغانا ونيجيريا، وأشار وكيل الأمين العام إلى أن دول خليج غينيا بحاجة إلى جبهة موحدة للاستجابة بفعالية لهذا التهديد المتزايد، مضيفًا أن الموارد المتوافرة في المتناول ليست كافية لتلبية المهام المطروحة على نحو فعال، وأكد أن هناك حاجة لدعم لوجستي كبير، وذكر باسكو أن الزيارة التي قامت بها بعثة تقييم من الأمم المتحدة للمنطقة في ذلك الوقت لتقييم خطر القرصنة، قد خلصت إلى ضرورة اتخاذ مزيد من الخطوات للقضاء على القرصنة في المنطقة.[7]

وفي 31 مايو 2022 أدان مجلس الأمن الدولي بشدة، من خلال القرار 2634 (2022)، بإجماع أعضائه الـ 15، أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحر، ولا سيما عمليات الاغتيال والاختطاف وأخذ الرهائن التي تحدث في خليج غينيا، وبينما أكد مجلس الأمن أن دول خليج غينيا تتحمل المسؤولية الأساسية عن مكافحة القرصنة والسطو المسلح في البحر، فإنه دعا جميع دول المنطقة إلى اعتبار هذه الأعمال جرائم في قوانينها المحلية والتحقيق فيها ومقاضاة وتسليم مرتكبيها، كما طالب القرار بتقديم أي شخص يشجع أو يمول أو يسهل عمدا مثل هذه الأعمال، بما في ذلك العقول المدبرة لشبكات القرصنة الإجرامية، إلى العدالة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار القرار إلى أن الدول الأعضاء في المنطقة مدعوة للعمل دون إبطاء على الصعيدين الوطني والإقليمي وبدعم من المجتمع الدولي؛ لتنفيذ استراتيجيات الأمن البحري الوطني، بما في ذلك إطار قانوني منسق يهدف إلى منع وقمع أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحر، كما حث مجلس الأمن المنظمات الإقليمية على تعزيز التعاون في مجال السلامة والأمن البحريين في خليج غينيا، ودعا الدول الأعضاء والمنظمات الدولية ذات الصلة على مساعدة الدول في المنطقة، وكذلك المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية، لضمان اتخاذ التدابير اللازمة لمنع عائدات أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحر ما يُسهم في تمويل الإرهاب في غرب ووسط أفريقيا والساحل.

وقُبيل التصويت، قدمت غانا مشروع القرار، مشيرة إلى أن الأمن البحري يقوض التنمية الساحلية في المنطقة، والتي تعاني أيضًا تصاعد الإرهاب والانقلابات العسكرية، وأشار ممثل غانا كذلك إلى أن القرار جاء نتيجة عملية مفاوضات، وقال إن التسويات جعلت من الممكن الحفاظ على الصياغة والتوصل إلى توافق، مؤكدًا أن أحكام النص “تنطبق فقط على خليج غينيا”.[8]

رابعًا- مكافحة القرصنة.. حق دولي أم ذريعة للتدخل؟

ما قام به المجتمع الدولي بخصوص إعلان أن خليج غينيا منطقة خطيرة بسبب أعمال القرصنة كان مشابهًا بشكل كبير لما حدث مع السواحل الصومالية؛ حيث أعلن مجلس الأمن عن خطورة أعمال القرصنة في الصومال والتي تقع في منطقة حيوية شرق القارة الأفريقية، على ممرات مائية بالغة الأهمية مثل مضيق باب المندب والمحيط الهندي والبحر الأحمر.

وهنا نتوقف قليلًا للنظر إلى الأمر من زاوية أخرى، أولًا لا ننكر وجود بعض أعمال اختطاف السفن في خليج غينيا أو السواحل الصومالية، لكن لا يجب إغفال أن القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تذرعت بخطر القرصنة لإضفاء شرعية دولية على وجود أساطيلها في هذه المناطق ذات الموقع الجيو استراتيجي للسيطرة على مواردها، ولتأمين مرور تجارتها، بل إنه ثبت انتهاك أساطيل الدول الكبرى للقوانين الدولية الخاصة بسيادة الدول على مجالها البحري، ففي الصومال استغلت القوى الكبرى انهيار الدولة والأزمة السياسية بها واستغلت شواطئها في الصيد الجائر وفي المرور بها دون دفع الرسوم، بل إنها قامت بإلقاء نفاياتها في المياه الإقليمية للصومال، وهذا في حد ذاته يعد انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي، خصوصًا وأن أعمال اختطاف السفن قبالة السواحل الصومالية تقع داخل المياه الإقليمية للدولة، ومن ثم فإنها وفقًا للقانون الدولي لا تعد أعمال قرصنة وإنما سطو مسلح؛ ما يعني أن القوى الدولية لا يحق لها التدخل دون إذن من الدولة نفسها، لكن هذا لم يحدث وتذرعت القوى الدولية بتلك الأعمال للوجود في سواحل الصومال، ذات الموقع الهام.

وبالتبعية عندما يُحمِّل مجلس الأمن دول خليج غينيا مسؤولية مكافحة أعمال القرصنة في الخليج وملاحقتهم وتقديمهم للعدالة، مع أنه من المعلوم أن معظم جيوش دول هذه المنطقة وقواتها الأمنية تعاني الضعف، فإنها بمثابة دعوة مبطنة لأساطيل القوى الكبرى للوجود بها بذريعة حماية المجرى الملاحي وحماية تجارتها الدولية من خطر القرصنة بسبب فشل قوات الأمن المحلية لدول الخليج في مكافحة القرصنة، وتدفع دول خليج غينيا إلى دعوة القوى الدولية للتدخل، ومن ثم فإن قرارات مجلس الأمن الدولي تعطي شرعية للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في الوجود في خليح غينيا، والاستفادة بموارده وبتسهيل مرور سفنها فيه، كما حدث مع سواحل الصومال.

وقد فند الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية الأفريقية في مقاله “اختطاف السفن قبالة السواحل الصومالية” مزاعم القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، حول إثارة قضية القرصنة في سواحل الصومال، موضحًا أن القانون الدولي يشير إلى أنه كي نعتبر أن هناك جريمة قرصنة فإنها يجب أن تحدث خارج نظاق المياه الإقليمية للدولة، وما حدث مع الصومال ينفي ذلك بل ويدين السفن الدولية التي انتهكت سيادة الدولة بالدخول إلى مياهها الإقليمية دون إذن، وأن أمريكا تسعى لتقويض أركان ومبادئ القانون الدولي تمهيدًا لفرض مشروعها في الهيمنة على العالم وعلى الممرات المائية في كل أنحاء العالم، للسيطرة والتحكم في طريق التجارة الدولية، وكل ذلك بهدف التمهيد لتحقيق المشروع الإمبراطوري للولايات المتحدة الأمريكية الذي يقوم في جانب منه على السيطرة على المضايق والممرات البحرية العالمية.[9]

ويؤكد هذا الطرح مقال للقائد الأمريكي جيمس ستافريدس، وهو أميرال متقاعد في البحرية الأميركية وقائد أعلى سابق لحلف شمال الأطلسي، تم نشره في أكثر من صحيفة أمريكية شهيرة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»[10] حول الاستراتيجية الأمريكية في خليج غينيا، والوجود الأمريكي الفعلي من خلال السفينة الحربية الضخمة «هيرشيل وودي ويليامز»، قبالة الساحل الغربي لأفريقيا كجزء من تدريب متعدد الجنسيات لمكافحة القرصنة، والتي تصفها البحرية الأمريكية بأنها «قاعدة بحرية استكشافية ضخمة»، ويبلغ طولها 800 قدم يعلوها منصة لطائرات الهليكوبتر، توفر دعمًا لوجستيًا هائلًا، بينما هي باقية في البحر إلى أجل غير مسمى تقريبًا.

وأضاف  أن نشر قاعدة متنقلة يمثل بيانًا مهمًا لالتزام الولايات المتحدة في أفريقيا، ونظرًا لآفة القرصنة الأفريقية، فإن الأمر يبدو منطقيًا للتواجد بهذه المنطقة مع عمليات متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة، والتي تضم ممرات شحن مهمة لأوروبا واحتياطيات نفطية هائلة، ففي العام 2020 وقع 46 حادث قرصنة ومحاولات قرصنة ناجحة قبالة نيجيريا وبينين وحدهما أي ما يقرب من ربع الهجمات في العالم، وذلك وفقًا لمركز الإبلاغ عن القرصنة العالمي التابع للمكتب البحري الدولي. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن منطقة غرب أفريقيا تخسر أكثر من 750 مليون دولار سنويًا بسبب جرائم القرصنة البحرية.

وتابع جيمس ستافريدس قائلا: كنت قائدًا للقوات المسلحة لحلف شمال الأطلسي في عام 2009، بدأنا مهمة واسعة النظاق لمكافحة القرصنة قبالة الصومال، بعنوان «عملية درع المحيط»، لكنها تحولت لتشمل جميع أنحاء القارة. وبينما نفذ القراصنة الصوماليون عددًا صغيرًا من الاعتداءات الجريئة على السفن الكبيرة، كانت المشكلة في خليج غينيا أكثر تعقيدًا وانتشارًا.[11]

وأشار إلى أن معظم الهجمات تحدث بالقرب من الشاطئ، حيث تكون ناقلات البضائع وسفن الحاويات والناقلات الصغيرة التي تحمل المنتجات البترولية المكررة هي الأهداف الرئيسية، وتشمل الهجمات الأخرى أخذ رهائن من قوارب تحمل العمال إلى منصات التنقيب عن النفط البحرية؛ حيث يتم أخذ الأسرى إلى أدغال المستنقعات على الساحل واحتجازهم حتى يدفع أرباب العمل الفدية، وفي بعض الحالات يكون هناك تعاون بين أفراد الطاقم والرهائن المفترضين أنفسهم، الذين يحصلون على جزء من الفدية بعد أن تدفعها شركات النفط.

وتحدث عن «عملية جينيكس» التي تقودها القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)،  وهو تدريب وتجمع للقوات البحرية من جانبي المحيط الأطلسي، بما في ذلك 10 دول أفريقية، وبالإضافة إلى المناورات البحرية، وأن هناك تركيزًا على تدريب القوات الخاصة المحلية، على غرار فرق البحرية الأمريكية، وتهدف «عملية جينيكس» أيضًا إلى تحسين إمكانية التشغيل البيني بين المنصات البحرية الأمريكية والشركاء المحليين، بما في ذلك الإرسال اللاسلكي الآمن من نقطة إلى نقطة، وروابط البيانات مع معلومات التتبع على الشحن التجاري، والوصول إلى بث الأقمار الصناعية غير السرية.[12]

وأوضح أنه لعقود من الزمن، استخدمت الولايات المتحدة نهج بناء قوة بحرية جماعية مع شركاء إقليميين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ ما يعزز الأمن دون التكاليف والتحديات السياسية للبصمة اللوجيستية الثقيلة، ويمكن أن يوفر تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أفضل معلومات مفيدة من الناحية التكتيكية للجيوش الأفريقية ويساعد الولايات المتحدة على اكتساب نظرة ثاقبة حول التهديدات الإرهابية، خاصة وأن هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن بعض القراصنة وصلوا إلى جماعة بوكو حرام الإرهابية، وأقسموا بالولاء لما يعرف بتنظيم داعش.

وأضاف الأميرال ستافريدس أن التعاون مع دول «خليج غينيا» سيكون شاملًا؛ حيث سيضم فرقًا من إدارة مكافحة المخدرات، والمكتب الدولي لمكافحة المخدرات التابع لوزارة الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الداخلي والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وكما تعلّم حلف شمال الأطلسي قبل عقد من الزمان في الصومال، فإن هزيمة القرصنة لا يمكن أن تتم في البحر وحده؛ حيث إن هذا البلاء مدفوع بالظروف القاسية على الشاطئ، بالنسبة للولايات المتحدة، سيكون تحسين العلاقات العسكرية وإنفاذ القانون والعلاقات الدبلوماسية في أفريقيا أمرًا حيويًا بشكل متزايد.

واختتم مقاله بأن هناك سببًا يدعو للتفاؤل من وجهة نظره؛ فلطالما كانت الدول الأفريقية حذرة من السماح بوجود عسكري أمريكي دائم، مثل توفير الموانئ المحلية لسفن البحرية، لكن مؤخرًا حثت الحكومة النيجيرية، بشكل مفاجئ، البنتاجون على نقل مقر القيادة الأمريكية في أفريقيا من هامبورج بألمانيا إلى موقع في القارة، موضحًا أنه من الممكن أن يصل عدد سكان أفريقيا إلى 2.5 مليار بحلول منتصف القرن الحالي، أي ربع سكان العالم، ويؤدي الفقر المدقع والجفاف وضعف البنية التحتية والخلافات الدينية والقوى الخارجية المتطفلة إلى خلق ظروف تزدهر فيها الصراعات الأهلية والقرصنة والإرهاب، فإن السفينة ويليامز تقوم بأكثر من محاربة القراصنة المعاصرين، فهي تثبت أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في الحفاظ على الاستقرار والأمن في أسرع قارات العالم نمواً.[13]

وختامًا:

يتضح من العرض السابق ومن تحليل مقال الأميرال جيمس ستافريدس، وهو عسكري أمريكي مخضرم في مجال البحار، وضوح الرغبة الأمريكية في السيطرة على منطقة خليج غينيا بحرًا وبرًا، واستغلالها للاضطرابات الأمنية وضعف جيوش هذه المنطقة من أجل الوجود، مرة بحجة مكافحة القرصنة ومرة بحجة مكافحة الإرهاب.

 وهذا يستدعي من الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية، سواء الاتحاد الأفريقي أو الإيكواس أو غيرها ضرورة التعاون والتنسيق الأمني بينها، بدلًا من استدعاء القوى الأجنبية للوجود، وهو ما دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في الحاجة إلى إنشاء قوة أفريقية – أفريقية مشتركة، ويجب على الأطراف الأفريقية ذات الخبرة مساعدة دول خليج غينيا على بناء جيوش قوية تستطيع حماية شواطئها لغلق الباب أمام التدخلات الأجنبية، خصوصًا وأن الموقف الدولي ممثلا في مجلس الأمن يتماشى مع الرؤية الأمريكية في تمكين القوى الكبرى من الوجود في الممرات المائية في البحار والمحيطات حول العالم.

 (المراجع):


[1] Aluseyi Adejuyigbe, Adejuyigbe & Co ,” Piracy in the Gulf of Guinea: an unending menace” in International Bar Association the global voice of the legal profession, published on 1 December 2021, https://www.ibanet.org/piracy-gulf-of-guinea

[2] اليوم السابع،  رائحة النفط تفوح في أفريقيا.. خليج غينيا يدخل بؤرة اهتمام العالم.. المنطقة تنتج 5.5 مليون برميل من البترول الخام بما يتجاوز أهم الدول الأعضاء فى أوبك.. والقرصنة تهدد حركة الملاحة بالمنطقة، تاريخ النشر23 سبتمبر 2017.. الرابط:

https://bit.ly/3BeWmeN

[3] المرجع السابق.

[4] القانون الدولي وجريمة القرصنة البحرية، في موقع مقاتل من الصحراء، الرابط:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/QrsnaBhria/mol01.doc_cvt.htm

[5] Aluseyi Adejuyigbe, Op.cit.

[6] اليوم السابع، مرجع سبق ذكره.

[7] الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، مجلس الأمن يبحث القرصنة في خليج غينيا، تاريخ النشر 27 فبراير 2012 ، الرابط: https://news.un.org/ar/story/2012/02/155042

[8] الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي، قرار رقم 2634 ، في جلسته رقم 9050 المعقودة في 31 مايو 2022.

انظر أيضًا: الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، مجلس الأمن يبحث جهود مكافحة القرصنة في خليج غينيا، تاريخ النشر 31 مايو 2022، الرابط:

https://news.un.org/ar/story/2022/05/1103382

[9] د. إبراهيم نصر الدين، مقال: اختطاف السفن قبالة السواحل الصومالية.

[10] James Stavridis, “Why the U.S. Navy Is Hunting Pirates Off of Africa”, in Bloomberg, published on 13 Sep. 2021

https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2021-09-13/why-the-u-s-navy-is-hunting-pirates-off-the-coast-of-nigeria

انظر أيضًا: جيميس ستافريدس: “خليج غينيا.. وكر قراصنة أفريقيا”، في صحيفة الاتحاد الإماراتية، نشره بتاريخ 16 سبتمبر 2021، الرابط   https://bit.ly/3zakc96

[11] James Stavridis, Op.cit.

[12] جيميس ستافريدس، مرجع سبق ذكره.

[13] المرجع السابق.