كتبت – أسماء حمدي
بعد موجة الفيضانات غير المسبوقة التي ضربت جنوب أفريقيا، الشهر الماضي، والتي جرفت منازل بأكملها وجسورًا وطرقًا وقتلت حوالي 450 شخصًا وشردت الآلاف، يلقي خبراء الأرصاد الجوية باللوم على تغير المناخ.
كارثة
فاجأت العاصفة، التي تسببت في هطول ما يقرب من عام كامل من الأمطار المعتادة في غضون 48 ساعة، خبراء الأرصاد الجوية، وقالوا إن تأثير أزمة المناخ أصبح واضحًا بشكل متزايد في جميع أنحاء أفريقيا.
تأتي الكارثة الجديدة بعد أن ضربت 3 أعاصير مدارية وعاصفتان استوائيتان جنوب شرق أفريقيا في 6 أسابيع فقط في الأشهر الأولى من هذا العام، ولم يتضح بعد المدى الكامل للدمار الذي سببته الفيضانات هذا الشهر.
ولا يزال العديد من الضحايا في عداد المفقودين وما زالت السلطات تعلم بوقوع أضرار جديدة حول مدينة ديربان الساحلية الشرقية، كذلك لا يزال عشرات الآلاف من الناس بدون ماء صالحة للشرب، وهناك مخاوف متزايدة بشأن تفشي الأمراض المعدية.
يقول عزير إسماعيل، 35 عامًا، إنه أُجبر على الفرار من منزله في وسط ديربان مع زوجته وطفل يبلغ من العمر ثماني سنوات عندما غمرت المياه والطين الأبواب والنوافذ في منتصف الليل، مضيفًا: «كنا محظوظين لأننا خرجنا أحياء، تركنا كل شيء هناك وبنينا منزل صالح للعيش به القليل من الممتلكات، لكن هناك آخرون خسروا أكثر من ذلك بكثير، نحن بأمان على الأقل»، مشيرًا إلى أنه تم القضاء على بعض العائلات بالكامل تقريبًا في الكارثة، وبينهم من فقد 8 أو 10 أفراد.
وصف رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، أثناء زيارته للمنطقة التي غمرتها الفيضانات في إيكويني، والتي تشمل ديربان، الفيضانات بـ«كارثة ذات أبعاد هائلة»، وعزا الكارثة إلى حالة الطوارئ المناخية، قائلًا: «يخبرنا هذا أن تغير المناخ خطير، ولم يعد بإمكاننا تأجيل ما نحتاج إلى القيام به، والتدابير التي يتعين علينا اتخاذها للتعامل مع تغير المناخ».
«تشعر أنك عاجز تمامًا»
يقول المدير العام للوكالة الأفريقية لاستيعاب المخاط إبراهيما شيخ ديونج، وهي وكالة أنشأها الاتحاد الأفريقي لمساعدة الحكومات على التخطيط بشكل أفضل للكوارث والتخفيف من آثارها: إن «الفقراء الذين يعيشون في مستوطنات مؤقتة مبنية على وديان شديدة الانحدار حول ديربان هم الأكثر تضررا من الفيضانات، معظمها بها أنظمة صرف غير كافية أو لا توجد بها أنظمة صرف صحي، والمنازل في بعض الأحيان أكواخ واهية لا توفر سوى القليل من الحماية من العوامل الجوية».
من جانبها، قالت منسقة وكالة الإغاثة الإسلامية، فرناز حسين، البالغة من العمر 35 عامًا، التي تعيش في ديربان، إنها اعتقدت في البداية أن المطر كان مجرد جزء من الطقس الاستوائي في المدينة، لكنها أصبحت قلقة عندما لم يتوقف.
تضيف فرناز حسين: «لقد كان المطر يسقط بلا هوادة، مرة تلو الأخرى ولا يمكنك رؤية أي شيء بعدها، ولم يتوقف أبدًا وأصبح الأمر أسوأ وأسوأ، لم أرَ شيئًا كهذا في حياتي، كان المطر غزيرًا والرياح قوية جدًّا نخشى أن تنكسر النوافذ، ولا يمكنك فعل أي شيء لمساعدة نفسك، تشعر أنك عاجز تمامًا، وغدًا يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى ولا يوجد شيء يمكننا القيام به».
تغير المناخ
يقول الخبراء: إن تأثير أزمة المناخ أصبح واضحًا في البلاد، إذ يعاني عشرات الملايين من الجفاف في منطقة الساحل وأجزاء من شرق أفريقيا، بينما يتعرض الساحل الجنوبي الشرقي للقارة لعواصف شديدة.
وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، قالت شبكة العلماء العالمية لإسناد الطقس (WWA)، التي ابتكرت طرقًا لفهم أسباب الظواهر الجوية المتطرفة، إن تغير المناخ جعل هطول الأمطار الغزيرة على طول الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا أكثر غزارة وأكثر احتمالا.
قال المؤسس المشارك لـ WWA فريدريك أوتو، من معهد جرانثام في إمبريال كوليدج لندن: «نرى كيف يتحمل الأشخاص الأقل مسؤولية عن تغير المناخ العبء الأكبر من التأثيرات».
بعد أن ضربت العاصفة الاستوائية آنا المنطقة في يناير، ضرب إعصار باتسيراي المداري مدغشقر في أوائل فبراير، تلاه في تتابع سريع العاصفة الاستوائية دوماكو والأعاصير المدارية إمناتي وغومبي.
وقالت WWA في تقرير عن النتائج التي توصلوا إليها: «في كلتا الحالتين، تُظهر النتائج أن هطول الأمطار المرتبط بالعواصف زاد حدة بسبب تغير المناخ وأن نوبات هطول الأمطار الغزيرة مثل هذه أصبحت أكثر تواترًا».
وتتوافق استنتاجاتهم مع أبحاث مناخية أوسع نطاقا تظهر أن الاحتباس الحراري يمكن أن يزيد من تواتر وشدة هطول الأمطار، على الرغم من صعوبة تحديد مدى تأثير تغير المناخ على الأحداث المتطرفة بسبب النقص في سجلات هطول الأمطار التاريخية عالية الجودة في المنطقة.
قالت خدمة الطقس في جنوب أفريقيا، رغم أنه كان من المستحيل عزو حدث فردي إلى أزمة المناخ، لكن على الصعيد العالمي، أصبحت جميع أشكال الطقس القاسي والمتطرف أكثر تواترًا وأكثر تطرفًا مما كانت عليه في الماضي القريب كنتيجة مباشرة للاحتباس الحراري وما يرتبط به من تغير المناخ، وبعبارة أخرى، يمكن توقع تكرار أحداث الأمطار الغزيرة مثل الحادث الحالي في المستقبل وبتواتر متزايد، وأشارت إلى أن العديد من البلدان في أفريقيا غير مستعدة لمثل هذه الكوارث.
يقول المحللون إن الأحداث المناخية المتطرفة يمكن أن تسهم في عدم الاستقرار السياسي في جميع أنحاء القارة، وفي جنوب أفريقيا، أدى الإخفاق المتكرر في تقديم الإغاثة الفعالة في الوقت المناسب للضحايا إلى تفاقم الافتقار العام للثقة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي يتولى السلطة منذ عام 1994.
الناجون من الفيضانات
كافحت جنوب أفريقيا لتقديم مساعدة فعالة وفي الوقت المناسب لضحايا الفيضانات، لكن حجم الأضرار التي لحقت بالمياه والصرف الصحي وأنظمة معالجة مياه الصرف الصحي في بلدية إيثيكويني في كوازولو ناتال أصبح واضحًا.
للتخفيف من تفشي الأمراض المنقولة بالمياه، تقوم الفرق الطبية المتنقلة التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود بتقديم الخدمات الطبية وحلول المياه والصرف الصحي لأكثر من 30 مأوى يقيم فيها آلاف الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، ولكن بالنسبة للعديد من الناس لا تزال المعاناة مستمرة.
يقول منسق فريق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، شون كريستي: «ما نراه الآن هو أزمة إمدادات المياه النظيفة إلى جانب أزمة الصرف الصحي ومعالجة المياه، مما يخلق الظروف الملائمة لأزمة طبية محتملة»، مشيرا إلى أن خطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه والجو مرتفع، كالكوليرا والتهاب الكبد وحمى التيفود والتهابات الجلد أو العينين.
تقول مستشارة منظمة أطباء بلا حدود نادية فان دير والت: «في كل مرة يبدأ هطول المطر، يكون الخوف شديدًا حقًا لدى الناجون من الفيضانات، حيث يحاول بعض الأطفال الهروب لإخفاء الخوف من أن يحدث نفس الشيء مرة أخرى».
تضيف فان دير والت: يشعر الناس بالارتباك حيال العمل الذي سيستغرقه الأمر لإعادة بناء حياتهم، ولكن لم يقل أحد ممن تحدثت إليهم أنهم يشعرون باليأس، بمعنى أنهم لم يفقدوا إرادة الحياة».
