كتبت – أماني ربيع

رغم الآثار السلبية المستمرة لتداعيات التغيرات المناخية، إلا أن استمرار نمو الشعاب المرجانية قبالة سواحل كينيا وتنزانيا، أثبت أنه لايزال هناك أملا للتقليل من حدة أزمة المناخ في تلك المنطقة، خاصة مع تسبب الاحترار العالمي في قتل الكثير من الحياة تحت الماء

وتلك المحمية المرجانية، تعبتر عنصرا هاما في الحياة البرية بتلك المنطقة، فهي تعج بالدلافين والأنواع المائية النادرة، بما في ذلك أبقار البحر وأنواع من الأسماك يعود ظهورها إلى ما قبل التاريخ، ويعتقد الباحثون أن موقع المحممية في بقعة باردة من المحيط الهندي، ساعد في حمياتها وحماية الحياة البحرية فيها من الآثار الضارة لأزمة المناخ.

وفي دراسة للباحث تيم مكلاناهان، نشرت هذا الشهر في مجلة « Advances in Marine Biology»، أكد أن هذه المحمية تعطي للعلماء شيئا يأملون فيه، وبعض الأخبار السرة في أوقات عصيبة.

يجوب علماء الأحياء البحرية، ومنهم مكلاناهان، المحيط بحثًا عن ملاجئ مرجانية وحمايتها، وهي مناطق تتمتع فيها الشعاب المرجانية بأفضل فرصة للنجاة من أزمة المناخ، وفقا لموقع « earth.org»

ملاذ في المحيط

وأثار ثراء محمية الشعاب المرجانية تلك بالحياة البرية، واحتوائها على أعلى كثافة من الدلافين في شرق أفريقيا، وكذلك وجود أسماك السليكانث التي كان يعتقد سابقا أنها انقرضت، تساؤلات مكلاناهان، العالم الرئيسي في «جمعية الحفاظ على الحياة البرية»، والذي يعيش ويعمل في مومباسا بكينيا، وجعلته يفكر في سبب تواجدها في هذه المنطقة.

واكتشف أن ملجأ الشعاب الذي يمتد من شيموني ، على بعد 50 ميلاً جنوب مومباسا ، في كينيا إلى دار السلام في تنزانيا ، يتغذى بمياه باردة من قنوات عميقة تشكلت منذ آلاف السنين بسبب الجريان الجليدي من جبل كليمنجارو وجبال أوسامبارا، ويبدو بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، أن الماء البارد يحمي الشعاب المرجانية من تداعيات الاحتباس الحراري العرضية مثل ظاهرة النينيو.

ووضع مكلاناهان مقاييس لدرجة الحرارة على طول الساحل واستخدم بيانات الأقمار الصناعية لمراقبتها، وعندما كان يحدث ارتفاع في درجات الحرارة، وهو أمر يحدث كل بضع سنوات فقط، كان ينزل إلى الماء ليرى آثاره بنفسه.

وقال مكلاناهان، الذي ظل يجوب المحيط لعقد من الزمان، إنه وجد ثلاثة محميات مرجانية محتملة في غرب المحيط الهندي ، لكن الدليل العلمي المتوفر “قوي جدًا” في هذه المنطقة فقط.

وكان جزء من بحث مكلاناهان، هو دراسة ما إذا كان – إذا تمت إدارة مصايد الأسماك بشكل أفضل – يمكن تخفيف آثار الاحتباس الحراري في المحيط.

وعن ذلك قال: “تظهر دراستنا أنه في حين أن ارتفاع درجة حرارة المياه قد يدمر الشعاب المرجانية المحيطة، فإن هذه المنطقة يمكن أن تصبح ملاذًا مهمًا للغاية للحياة البرية، حيث تتدفق الأنواع البحرية الكبيرة والصغيرة بحثًا عن ملجأ من تغير المناخ”.

وأضاف: “إذا تمت حماية هذا النظام البيئي البحري العابر للحدود بشكل جيد، فسيظل جوهرة للتنوع البيولوجي لساحل شرق إفريقيا بأكمله.”

لكن لسوء الحظ، ليست أزمة المناخ التهديد الوحيد للتنوع البيولوجي في المنطقة والملاذ المكتشف حديثًا، فهناك أيضا الصيد غير المستدام وخطط التنمية الساحلية المستقبلية، بما في ذلك تطوير ميماء بشمال تنزانيا، وعلى المسؤولون الحكوميين بدول المنطقة أن يدرسوا تلك الخطط جيدا قبل القيام بأي عملية تنمية قد تؤدي لعواقب غير محسوبة.

بين أزمة المناخ وأزمة التنمية

ومخطئ من يظن أن الاهتمام بالمشكلات البيئية أمرا نخبويا قاصر على العلماء، وأنها مجرد رفاهية بعيدة عن شؤون الشعوب الملحة، فكثير من أزمات الغذاء، وانتشار الأمراض، يعود سببه لأزمة المناخ، التي تسببت في جفاف مياه الأنهار والمحيطات، وتناقص الغطاء الجليدي، والتصحر، وحرائق الغابات، وغيرها من التداعيات التي باتت تمس الشعوب بشكل ملموس.

وبدء بعض العلماء في إطلاق دعوات إلى تبني نظم غذائية خالية من اللحوم للحد من أزمة المناخ، لكن شكك البعض في جدوى ذلك، خاصة مع نقص البيانات والتحليلات الواردة من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وأن اتباع نظام غذائي خالٍ من اللحوم قد يكون مفيدًا في الدول الصناعية، إلا أنه قد يكون ضارًا بالرفاهية الاقتصادية والبيئية لأفريقيا، وفقا لموقع « inquirer ».

كان إنتاج اللحوم موضوع اهتمامات الباحثين في السنوات القليلة الماضية، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة  بسبب تأثيره السلبي على البيئة، وقام علماء من المركز الدولي للزراعة الإستوائية (ICTA) بدراسة هذه القضية ورفضوا اعتبارها المشكلة الرئيسية الوحيدة، ووجدو أن النظام الغذائي الخالي من اللحوم ليس حلاً عالميًا لأزمة المناخ ، وأنه قد يضر دولًا معينة.

مكن اكتشاف موارد الطاقة الغير متجددة من اندلاع موجة ثورية من الابتكارات حول العالم، مع بداية القرن العشرين، لكن كانت هناك تكلفة على المجتمعات دفعها مقابل التقدم والابتكار.

ومنذ أن أنشأ العالم السويدي سفانتي أرينيوس، وحدد مساهمة ثاني أكسيد الكربون (CO2) في احترار الأرض عام 1896، أدت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الناتجة بشكل أساسي عن حرق الوقود الأحفوري إلى تسخين نظام الغلاف الجوي الأرضي بدرجة 1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، ما ساهم في تغيير الظروف المناخية اللازمة للبقاء على كوكب الأرض.

وتغير المناخ هو تغيير طويل الأجل في الخصائص الإحصائية لأنماط الطقس التي تحدد مناخات الأرض المحلية والإقليمية والعالمية، وعندما يتراكم ثاني أكسيد الكربون المحبوس للحرارة في الغلاف الجوي، فإنه يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المناخ ما يؤدي إلى حدوث تغييرات عالمية بالغلاف الجوي والأرض والمحيطات.

وبالرغم من أن أفريقيا، موطن معظم أقل الدول نمواً (LDCs)، تساهم بشكل ضئيل في الاحترار الكوكبي ، فإن القارة معرضة بشكل غير متناسب لتأثيرات تغير المناخ، ورصد تقرير حالة المناخ في أفريقيا لعام 2019 سلسلة متصلة من الظواهر المناخية المتطرفة المتزايدة بسرعة والمخاطر المرتبطة بالمناخ على المدى الطويل المرتبطة بالاحترار العالمي، ومنها: ” زيادة درجة الحرارة، تغيير أنماط هطول الأمطار، ارتفاع منسوب مياه البحر، كثرة الظواهر المناخية المتطرفة، بحسب مقال للباحث البيئي أولسون إجناتيوس بموقع « theafricareport»

وتتفاقم قابلية التعرض لهذه المخاطر من خلال تفاعل الكثير من العوامل السياسية والاقتصادية والبيئية، التي تقيد أيضًا قدرة أفريقيا على التكيف عبر تصميم وتنفيذ استراتيجيات تكيف فعالة، أو الاستجابة للأخطار والضغوط المتطورة لتقليل احتمالية حدوث أو حجم النتائج الضارة الناتجة عن الأخطار المرتبطة بالمناخ.

وترتبط القوى الدافعة وراء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمسار التنمية الأساسي الذي يغذيه الكربون، فتغير المناخ يتحدى أسس النمو الاقتصادي المعتمد على الوقود الأحفوري والذي لا يتوافق مع فكرة التنمية المستدامة.

 ويفرض تغير المناخ بدوره مآزق اقتصادية واجتماعية وسياسية تعوق الجهود المبذولة نحو التنمية المستدامة – والتي بدورها تحد من قدرات القارة وفرصها للتكيف مع تغير المناخ.

ويمثل تغير المناخ تحديًا للتنفيذ الناجح لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 ، المعروفة شعبياً بأهداف التنمية المستدامة (SDGs) ، وجدول الأعمال 2063. يعترف كلا جدولي أعمال 2030 و 2063 بتغير المناخ باعتباره تحديًا رئيسيًا للتنمية المستدامة.

وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ، يؤثر تغير المناخ سلبًا على قدرة العديد من البلدان الأفريقية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وجدول أعمال 2063 من خلال التأثير على الناتج المحلي الإجمالي والميزانيات الوطنية وسبل العيش والمجتمعات والبنية التحتية والتمويل وتكاليف التكيف.

لذا فهناك تحديا حقيقيا يواجه القادة الأفارقة وصناع السياسات في تصميم وتنفيذ السياسات التي تعزز الحد من تغير المناخ، التنمية المستدامة كأولوية لأفريقيا.