أماني ربيع
تعاني النساء بعد وفاة أزواجهن، حيث يفقدن الأمان والدعم، ولهذا خصصت الأمم المتحدة يوم 23 يونيو من كل عام للنظر في المشكلات التي تواجهها الأرامل، وحقوقهن والقضايا التي تمسهن.
وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، ذكرت أنه بصرف النظر عن الشعور بالصدمة أو الحزن أو الخسارة بعد وفاة أزواجهن، غالبًا ما تواجه الأرامل التمييز وانعدام الأمن الاقتصادي، والوصم والممارسات التقليدية الضارة، وقد يُطردن من من منازلهن أو يتم فصلهن عن أطفالهن. وفي دول عديدة، لا تتمتع الأرامل بحقوق متساوية في الميراث وقد يتم تجريدهن من أرضهن، ونتيجة لخروجهن من الهياكل الأسرية والاجتماعية يصبحن فريسة للفقر والعزلة والعنف.
جحيم الأرامل في نيجيريا
وفي نيجيريا تعيش الأرامل في جحيم من أجل إعالة أنفسهن وأطفالهن، ويضطررن للجمع بين واجبات الزوج الراحل كأب ومصدر للدخل، وبين دورهن كأمهات في تربية ورعاية الأطفال، وللأسف ليس لديهن رفاهية الانهيار؛ لأن هناك أعباء أخرى عليهن يحملنها، من بينها تعرضهن للاحتقار والاعتداء من قبل أولئك الذين كان ينبغي عليهم حمايتهن، ليعشن بلا مأوى أو أمل.
يزيد المجتمع من تعقيد مشكلة الأرامل في نيجيريا، خاصة أن النظام هناك لا يساعد كثيرًا في تخفيف محنتهن، ويُخضعهن المجتمع لطقوس غير إنسانية وممارسات ضارة، كما يعد الترمل في بلد متنوع عرقيًّا ودينيًّا مثل نيجيريا، مع ثلاث مجموعات عرقية رئيسية وأكثر من 250 أقلية، أمرًا معقدًا، بحسب موقع ” the conversation”.


التقاليد عبء على الأرملة بنيجيريا
تشكل التقاليد الثقافية عبئًا على الأرامل في نيجيريا، حيث يواجهن ممارسات تشمل: سوء المعاملة والتمييز والوصم، وفي كثير من الأحيان، يلوم الأقارب المرأة على وفاة زوجها وقد تُتهم بقتله، وبعد الدفن، تبدأ محاكمة هؤلاء النساء التعيسات.
وباسم التقاليد يُمنعن من وراثة الأرض والممتلكات، ويتم تجريدهن تقليديًّا من إنسانيتهن من خلال طقوس الحداد الإجبارية، أو تزويجهن طوعًا أو قسرًا من شقيق الزوج الراحل أو قريبه، دون الأخذ في الاعتبار تأثير ذلك على الأطفال وصحة الأرملة النفسية والجسدية.
في بعض الثقافات النيجيرية، يجعل الترمل المرأة تلقائيًّا “نجسة” وتتطلب “تطهيرًا طقسيًّا”، ويتم حبسها لمدة 41 يومًا تبقى خلالها وحيدة تمامًا، وتُجبر على تناول الطعام من الأطباق المكسورة والنوم على الأرض العارية، ولا يسمح لها بالاستحمام، ويتم منعها من تغيير ملابسها ومن الزراعة والقيام بالأعمال المنزلية والذهاب إلى السوق خلال فترة الحداد.
عزلة وحداد قسري
تُجبر الأرامل، في بعض المجتمعات النيجيرية بالجنوب، على شرب الماء المستخدم لغسل جثة الزوج اعتقادًا بأن هذا سوف يقتلها إذا كانت تسببت في وفاته، وبهذه الممارسة تُعلن براءتها أمام المجتمع، كما تطالب الأرملة في جميع أنحاء البلاد تقريبًا بارتداء الملابس الداكنة وقص شعرها طوال فترة الحداد.
ورغم اعتراف القانون التشريعي في نيجيريا بحق الأرملة في أن ترث من زوجها، يستحوذ أهل الزوج على ممتلكاته وممتلكات زوجته بعد الوفاة، والعديد من النساء يضطررن للإذعان لهذه الممارسات التقليدية، لذا فإن مصير الأرملة بنيجيريا يعتمد كليًّا على النيات الحسنة لأسرة زوجها الراحل.
الأرملة ضحية للخرافات
والغالبية في المجتمع لا ترى في إساءة معاملة الأرامل انتهاكًا لحقوق الإنسان؛ لأنها ممارسات متجذرة في الثقافة، وبموجبها تفرض أسرة الزوج وأقاربه والمجتمع النسائي المحلي ممارسات ضارة على الأرملة، التي تعاني نتيجة رفض المجتمع لها واعتزال النساء لها بسبب الخرافات، خوفًا من فقدان أزواجهن إذا صادقن أرملة، بينما يخشى الرجال الزواج منهن حتى لا يموتوا هم أيضا.
على العكس، يتم التعامل مع الأرامل الرجال بشكل مختلف عن الأرامل النساء، فالرجال متحررون من التوقعات الاجتماعية المهينة. مثلًا في شرق نيجيريا، ينعي بعض الأرامل طواعية زوجاتهم الراحلات، لكن هذا ليس إلزاميًّا، وليس عليهم ارتداء ملابس الحداد، كما أنهم لا يخضعون للمراقبة وبإمكانهم الزواج مرة أخرى على الفور، بعضهم يحزنون لفترات قصيرة فقط، بينما تحزن النساء قسريًّا لفترات أطول تحت مراقبة صارمة.
ممارسات الوصم مستمرة رغم أنف القانون!
في عام 2015، حظرت نيجيريا ممارسات الوصم هذه بموجب قانون حظر العنف ضد الأشخاص وتخضع لغرامة قدرها 500 ألف نايرا (1220 دولارًا أمريكيًّا) أو السجن لمدة عامين، ولكن حتى الآن 23 ولاية فقط من أصل 36 ولاية في نيجيريا اعتمدت هذه القوانين رسميًّا في قوانينهم الخاصة، كما أن الممارسات الثقافية تستمر بغض النظر عن القوانين.
ولاحظ تقرير للبنك الدولي لعام 2018، بعنوان “الدين والأرامل في نيجيريا”، أنه من بين المناطق التي يسيطر عليها المسيحيون في نيجيريا، كانت الأرملة أكثر ضعفًا مما كانت عليه في المناطق التي يسيطر عليها المسلمون حيث يقدم الناس الصدقات.
وذكر التقرير أن قانون الميراث الإسلامي ينص على معاملة أفضل للأرامل، مما ينص عليه قانون الأسرة العرفي الذي ينطبق في كثير من الأحيان على المسيحيين، كما أن الإسلام كما يُمارس في غرب أفريقيا، يوفر ما يشبه شبكة أمان للنساء اللواتي عانين من الطلاق أو الترمل، وأن بإمكانهن الزواج بسهولة مرة أخرى.


الصراعات تزيد مأساة الأرامل
تتسبب الصراعات أيضًا في تفاقم الواقع المأساوي للأرملة في نيجيريا، ففي مدينة مايدوجوري؛ حيث الإسلام هو الدين الرئيس، يُتوقع من الرجال إعالة زوجاتهم، لذا فإن فقدان الزوج يعني عدم وجود دخل، وهو ما يشكل أزمة حقيقية في هذه المدينة التي فقدت فيها آلاف النساء أزواجهن خلال الصراع بين بوكو حرام والجيش النيجيري.
وفي حديث لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قالت عائشة ماجي، سكرتيرة جمعية الأرامل المسلمات في ولاية بورنو، إن معظم الأرامل يكافحن لتوفير ولو وجبة واحدة في اليوم لعائلاتهن، ومن الصعب عليهن العثور على عمل، لأن معظمهن لا يتلقين سوى القليل من التعليم الرسمي.
محاولات لتحسين أوضاع الأرامل
وفي هذا الواقع المعقد، تحاول منظمة Adorable Foundation International (AFI) مد يد المساعدة لهؤلاء النساء، بحسب تصريحات آدا أوكيكي إمام مؤسسة المنظمة التي أوضحت أن منظمتها بذلت كل ما في وسعها خلال السنوات الماضية لتحسين نمط حياة الأرامل وأطفالهن، بحسب موقع “صن نيوز أونلاين”.
تقدم منظمة (AFI) أشكالاً مختلفة من الدعم للنساء والأطفال، وللأرامل؛ فتوفر لهن الفرصة لتعلم بعض المهارات، كما تقدم لهن المشورة حول كيفية الحصول على الاستقلال الذاتي، وأوضحت “إمام” أن إحدى أنشطة المؤسسة لعام 2020 كانت حصرية للأرامل، وفي هذا الوقت، عادت نحو 400 من المستفيدات إلى منازلهن بأدوات منزلية ومواد غذائية مختلفة.
رجاء وخيبة أمل
وقالت راشيل إيفيوما، إحدى الكوادر الطبية المشاركة في الحدث، إنه من بين نحو 200 أرملة تم فحصهن، تم اكتشاف أن العديد منهن يعانين من ارتفاع نسبة السكر في الدم وارتفاع ضغط الدم، موضحة أن معظم المريضات لم يكن على دراية بأوضاعهن حتى وقت إجراء الاختبارات، وتمت إحالة المريضات المصابات بأمراض خطيرة لتلقي العلاج في المستشفى، وتم تثقيف الحاضرات حول كيفية العيش وفقًا لنمط حياة صحي.
السيدة كاثرين أودوكا كانت إحدى المستفيدات من حملة التوعية للأرامل في AFI في 11 ديسمبر 2020، تقول إنه بعد وفاة زوجها مرت بفترة صعبة، ووعدها أقاربه بالرعاية والاهتمام، ولكن بعد مرور 15 عامًا، لم يفِ أحد منهم بتلك الوعود، وعلمتها خيبة الأمل هذه درسًا هو ألا تعلق رجاءها بأي شخص إلا الله.
بعدما أفاقت من الصدمة، جمعت أودوكا بعض المال لاستئجار متجر لبدء عمل تجاري صغير الحجم، لم يكن الأمر سهلاً أيضًا نظرًا للربح الضئيل الذي كانت تحققه والذي كان يستهلك أغليه لإعالة أطفالها الثلاثة ودفع إيجار منزلها.
أما السيدة أجاجون، كان زوجها يرفض عملها تمامًا، وكل ما أراده ان تعتني بطفليهما، لكن كل شيء انتهى فجأة بوفاته ولم يعد بإمكانها دفع إيجار المنزل الذي تعيش فيه إلا لعام واحد، واضطرت لتغيير مدرسة أطفالها لأنها لم تتمكن من دفع المصاريف، لهذا تنصح أجاجون النساء بعدم الاعتماد فقط على أزواجهن؛ لأنه إذا حدثت أزمة، ستكون الظروف صعبة للغاية.