كتب – حسام عيد
وسط عصر الغليان العالمي الذي كشفت عنه الأمم المتحدة مع تسجيل معدلات احترار هي الأعلى على الإطلاق خلال شهر يوليو 2023، اجتاحت موجة مناخية قاسية من الطقس الحار، الشمال الأفريقي، لتشتعل معها حرائق الغابات في تونس والجزائر.
وتسبب تطرف المناخ في يوليو 2023 في اضطرابات في جميع أنحاء الكوكب؛ حيث أفادت دراسة، أجراها فريق علماء (وورلد ويزر أتربيوشن) العالمي الذي يدرس الدور الذي يلعبه تغير المناخ في النوبات المناخية المتطرفة، بأنه لولا تغير المناخ الناجم عن النشاط الإنساني، لكانت أحداث هذا الشهر “شديدة الندرة”.
لقد أصبحت الخسائر أكثر وضوحًا الآن بعد أن تمت السيطرة على الحرائق التي اندلعت في الجزائر وشمال غرب تونس. فقد البعض منازلهم، وخسر البعض الآخر أعمالهم مع استمرار المخاوف من عودة الحرائق في الجزائر. فيما قالت السلطات إنها لا تزال في حالة تأهب تحسبًا.


50 درجة مئوية في تونس.. و16 حريقًا
عرفت تونس، خلال الأيام القليلة الماضية، ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة التي قاربت، يومي 24 و25 يوليو 2023، نحو 50 درجة مئوية في شمال البلاد، بزيادة تراوح بين ستّ وعشر درجات عن المعدل الموسمي.
وأعلنت السلطات التونسية عن تسجيل اندلاع 16 حريقًا بشكل متزامن في المناطق الغابية بـ8 ولايات على غرار بنزرت وجندوبة وسليانة ونابل وباجة والقصرين، حتى 26 يوليو 2023.
وجرى إجلاء مئات السكان، بالقرب من طبرقة وبنزرت وسليانة وباجة وسماما، بسبب الحرائق.
وتسبّبت الحرائق المندلعة في ولايتي جندوبة وباجة في إتلاف ما لا يقل عن 600 هكتار من الغابات، وفق حصيلة أولية وغير محيّنة، بحسب ما نقلته صحيفة “بوابة تونس”.
ووفق المعطيات الأولية ذاتها، تسببت الحرائق بأربع ولايات (جندوبة وسليانة والقيروان وباجة) في إتلاف أكثر من 750 هكتارًا من الغابات.
وكشفت السلطات التونسية في 27 يوليو 2023، أن الحرائق التي عرفتها البلاد خلال السنة الجارية، تسببت في “خسائر كبيرة” على مستوى المساحات الخضراء المدمّرة.
وبحسب الحماية المدنية، تفوق المساحات المحترقة بالغابات التونسية، بكثير، تلك التي احترقت خلال العام الماضي، ما نجم عنها خسائر كبرى فيما يتعلق بـ”الغطاء النباتي”.


140 حريقًا في الجزائر
كل صيف يشهد شمال الجزائر وشرقها حرائق تكتسح الغابات والأراضي الزراعية، وهي ظاهرة تتفاقم من سنة إلى أخرى بتأثير تغير المناخ الذي يؤدي إلى الجفاف وموجات الحر.
وقد اندلعت حرائق أشبه بتلك التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، فيما نأت السلطات هذه المرة بنفسها عن اتهام أي طرف بالتورط في هذه الكوارث الطبيعية التي قادت إلى مصرع 34 شخصاً في الأقل بينهم 10 جنود منذ 23 يوليو 2023. وعلى الرغم من ذلك فتحت السلطات القضائية تحقيقات في ملابسات الحرائق.


وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت عن 140 حريقًا، في 17 محافظة، بعد أن اجتاحت النيران شمال شرق البلاد، وأدت إلى مصرع نحو 40 شخصًا.
فيما استدعى الوضع إجلاء أكثر من 1500 شخص من بعض القرى مع اقتراب الحرائق من منازلهم، كما دمرت النيران منتجعات ساحلية تعد مقاصد سياحية في الصيف.
والقرى المتضررة يقع كثير منها في منطقة القبائل الجبلية، وتحيط بها غابات كثيفة، وتتعرض لموجة حر شديد منذ أسابيع.
وتتفاقم ظاهرة اشتعال الحرائق في الجزائر في السنوات القليلة الماضية في فصل الصيف؛ حيث شهد شمال الجزائر وشرقها خصوصًا حرائق اكتسحت الغابات والأراضي الزراعية، بسبب تأثير التغير المناخي الذي يؤدي إلى الجفاف وموجات الحر الشديدة.
ففي شهر أغسطس 2022، قضى 37 شخصا في حرائق هائلة بولاية الطارف شمال شرق الجزائر. وكان صيف عام 2021 الأكثر فتكا منذ عقود، إذ قضى خلاله أكثر من 90 شخصًا في حرائق واسعة النطاق في الشمال الجزائري، ولا سيما في منطقة القبائل.


ما علاقة التغير المناخي؟
قبل أن تجتاح النيران عشرات الكيلومترات في تونس، كانت البلاد شهدت انقطاعات متكررة للمياه والكهرباء جراء الحرارة المرتفعة التي بلغت ذروتها، 24 يوليو 2023 بنحو 50 درجة مئوية وهو ما جعل أوساطاً تونسية ترجح أن الأسباب التي قادت إلى الحرائق طبيعية، من دون استبعاد فرضية أن تكون بفعل فاعل خصوصاً أنها باتت متواترة منذ 2011.
وحرائق هذا العام شبيهة بشكل كبير بالحرائق التي عرفتها البلاد في 2022 و2021 من حيث إنها طالت مرافق سياحية ومناطق غابات شاسعة، ولم تنجح السلطات في وقف زحف النيران إلا بمساعدة عناصر عسكرية جزائرية وتدخل إسباني بعد أن طلبت البلاد دعماً أوروبياً.


وزير الفلاحة السابق سعد الصديق، اعتبر أن “الأسباب متعددة مثل ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال الأسبوعين الأخيرين، وعدم الانتباه واللامبالاة من الأشخاص الذين يمرون بجانب الغابات بهدف أي نشاط”، مشيراً إلى أن هناك أسباباً أخرى مثل العمليات المفتعلة ربما لأغراض شخصية، لأن بعض مساحات الغابات في حال احتراقها تصبح مجالاً للاستغلال الزراعي أو البناء أو غيرهما، بخاصة أن القانون التونسي يمنع اقتلاع أو قص الأشجار الخاضعة لنطاق الغابات أو حمايتها، كما أورد موقع “إندبندنت عربية”.
ولفت الصديق إلى أن “الحرائق المفتعلة التي شهدتها تونس في 2011 أو 2012 أو التي كانت بفعل فاعل وتم القبض عن مرتكبيها”، مؤكداً أن الوقاية خير من العلاج في مثل هذه المسائل من خلال الحراسة المشددة على الغابات لضمان تفادي هذه المشكلات.
وتسببت موجة الحر بجفاف الغطاء النباتي وجعلته أكثر عرضة لاندلاع الحرائق التي اشتعلت بفعل الرياح العاتية.
وتشهد منطقة شمال أفريقيا، وبخاصة في الجزائر وتونس، تغيرات مناخية ألقت بظلال كثيفة على الثروة الحيوانية والبيئية، وهو ما جعل كثيرين لا يستبعدون أن تكون هذه الحرائق ناجمة عن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة في كلا البلدين، خصوصاً أن دولاً أخرى في حوض المتوسط مثل اليونان وإسبانيا شهدت هي الأخرى حرائق مماثلة في الأيام الماضية.


مخاطر وخسائر باهظة
إن العالم يقترب شيئا فشيئا من نقطة تحوّل في المناخ؛ حيث يؤدّي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيّراتٍ لا رجعة فيها. لم تعد تُجدي التحذيرات من السيناريوهات الكارثية التي تجعل الاقتصاد العالمي يدفع ثمنا باهظا.
يدرك كل سكان الأرض، اليوم، المسارالموجع لظاهرة التغيّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة، وسط معضلة الانبعاثات الكربونية. تجتاح الحرائق العنيفة مئات آلاف الهكتارات، والرياح التي تنقل الغازات والدخان تتسبّب في إجلاء عشرات الآلاف من السكان.
وتقدّر مراكز أبحاث ومؤسّسات مالية عديدة أن يتكبّد الاقتصاد العالمي نحو 23 تريليون دولار بحلول 2050 جرّاء الاحتباس الحراري، وسيؤدّي ذلك إلى تدهور المحاصيل الزراعية وارتفاع أكثر لأسعار الغذاء، وموجات من ملايين اللاجئين.

وختامًا، العالم مطالب اليوم بتسريع وتيرة العمل والعدالة المناخيين في مجالات ثلاثة، وهي الحد من الانبعاثات، عبر الالتزام بوضع أهداف وطنية جديدة طموحة للحد من الانبعاثات، وإحداث طفرة عالمية في استثمارات التكيف، وأخيرًا؛ توفير التمويل اللازم، لتسريع وتيرة مواجهة التغير المناخي؛ وذلك لتفادي الانزلاق في عصر الغليان العالمي والتحول من سنة حرارية محرقة إلى عام طموح متقد للبشرية.