كتب – د. محمد جلال حسين
مدرس الأنثروبولوجيا – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
عادة ما تولي المجتمعات الأفريقية أهمية كبيرة للأسماء؛ لأنه بشكل عام يتم ترسيخ نظام معتقدات الشعوب الأفريقية في اسم معين يحدد شخصية الفرد؛ فالمعنى المرتبط بالاسم لا يخدم فقط الهُوية الاجتماعية؛ ولكنه يؤثر على جوانب الحياة البشرية ككل. فعملية التسمية في العديد من المجتمعات الأفريقية تعد ممارسة ثقافية واجتماعية تعكس الواقع الاجتماعي للحياة اليومية، فالاسم الذي يحمله الشخص يعكس خصائصه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وخلفية أسرته ومهنتها، بل وقد يعكس خصائصها السياسية والدينية، وقد يعكس أيضًا بعض الأحداث الحرجة التي تعرض لها الطفل أو أسرته ([1]).
وتعد أسماء الشعوب الأصلية النيجيرية، مثل معظم الأسماء الأفريقية الأخرى، لها محتوى ثقافي عالٍ؛ فهي ليست مجرد ملصقات تُستخدم لأغراض التعريف فقط، ولكنها تجسد شخصية الفرد، تحكي قصة ما عن عائلته، وتشير إلى قيم المجتمع الذي وُلد فيه([2]).
وهناك العديد من المجتمعات الأفريقية التي تولي قدرًا من الاهتمام والأهمية بعمليات التسمية؛ بل ويعقدون لها احتفالاتها الخاصة التي قد تفوق غالبية الاحتفالات الأخرى في دورة حياة الفرد.
ويعد حفل التسمية أحد طقوس الميلاد التي أشار إليها “فان جنب”، وله نفس الأهمية التي تحظى بها طقوس الميلاد الأخرى؛ فالغرض منها – كما أشار – ليس فقط جلب الطهارة والحماية من السحر والضرر؛ بل هي بمثابة جسور وسلاسل وروابط فعلية تسهل عملية العبور والانتقال دون حدوث اضطراب اجتماعي أو توقف مفاجئ لحياة الفرد والجماعة([3]).
وفي متن هذا المقال، سنتطرق بالحديث عن احتفالات التسمية لدى شعبي اليوروبا والإيبو، واللذان يعدان من الشعوب النيجيرية الأفريقية؛ حيث يعيش شعب اليوروبا Yoruba في جنوب غرب نيجيريا في معظم مناطق أويو Oyo، أوجن Ogun، أوندو Ondo أوصن Osun، لاجوس Lagos وكوارا Kwara، ويتحدثون جميعًا لغة اليوروبا مع اختلافات قليلة في اللهجة. ويشترك شعب اليوروبا في تاريخ طويل من التقاليد الثقافية، ويجمع بينهم الاعتقاد بأن “أودودوا” Oduduwa هو الأب المؤسس للقبيلة([4]). ويمتهن شعب اليوروبا مهنة الزراعة، ويتخذ نظام تعدد الزوجات الأبوي نظامًا للزواج لديهم، والذي بمقتضاه يمكن للرجل أن يتزوج أكثر من زوجة؛ حيث حتم عليهم الأمر الحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة للعمل بالزراعة، ولذلك تنجب الزوجات الكثير من الأطفال([5]). بينما يقطن شعب الإيبو في الركن الجنوبي الشرقي لنيجيريا بجوار نهر النيجر، وهي واحدة من أكبر القبائل النيجيرية وتتمركز في ولاية أبيا وأنامبرا وإيبوني وإيمو وإينوجو، ويمتهن غالبيتهم مهنة الزراعة بجانب التجارة([6]).
وسنتناول في متن هذا المقال الحديث عن موعد انعقاد الحفل والمشاركين به، ومكان انعقاده، فضلاً عن الإشارة إلى طبيعة الأسماء التي يتم منحها للطفل وعددها، ومراسم الحفل والمواد المستخدمة به، وذلك لإبراز أوجه التشابه والاختلاف بين الشعبين في احتفالات التسمية الخاصة بهم.
وفيما يلي استعراض لأهم عناصر احتفال التسمية لدى الشعبين:
(1) حفل التسمية لدى اليوروبا
يحتل الأطفال أهمية كبرى في حياة شعب اليوروبا؛ حيث يعتقدون أن إنجاب الأطفال هو أحد أهم الأشياء التي يعيشون من أجلها، ويرون أن الأطفال هم تراث وإرث يجب تركه بعد وفاتهم. هذا بالإضافة إلى أن استمرار العشيرة وزيادة عددها يتوقف على إنجاب الأطفال؛ لذلك نجد اليوروبا يلتمسون مساعدة رجال الدين والطوائف الدينية حتى يتمكنوا من الإنجاب وحماية أطفالهم([7]).
كما يولي اليوروبا اهتمامًا كبيرًا بالاحتفال بميلاد الطفل ووصوله إلى الأسرة؛ فبمجرد ولادة الطفل، يبلغ والده الرجال في عائلته الممتدة وأصدقائه وجيرانه الذكور بميلاد طفله، وفي مساء يوم الولادة يتم إقامة حفل يُسمى “احتفال الفرح”، ويُعرف بلغتهم “إيداو إديونيو” Idawo Idunnu، ويحضره الرجال فقط ويستمر طوال الليل. بينما تجتمع نساء الأسرة في المنزل منتظرين قدوم الأم والطفل الجديد، ويعقبه حفل التسمية الذي يُطلق عليه بلغتهم “إيسومولوروكو” Isomoloruko.
فالتسمية تعد جانبًا ثقافيًّا واجتماعيًّا هامًّا في ثقافة اليوروبا، وعادة ما تكون مصحوبة بالأنشطة الاحتفالية، فهي بمثابة حدث رمزي يتم إنشاؤه تاريخيًّا والمحافظة عليه اجتماعيًّا، كما أنها بمثابة تقاليد تاريخية متوارثة من جيل إلى جيل([8]).
موعد عقد حفل التسمية
قديمًا، كانت مدة الاحتفال بقدوم الطفل الجديد تتوقف على جنس المولود؛ فإذا كان المولود أنثى استمرت مدة الاحتفال سبعة أيام وتقام مراسم التسمية في اليوم السابع، أما إذا كان المولود ذكرًا استمر الاحتفال تسعة أيام وتقام مراسم التسمية في اليوم التاسع، أما في حالة الأطفال التوأم تتم عملية التسمية في اليوم الثامن. وترجع تلك الاختلافات في مواعيد تسمية الطفل إلى الاعتقاد بأن الطفل الذكر لديه تسعة ضلوع بينما الأنثى لديها سبعة ضلوع فقط([9]). ولكن في الآونة الأخيرة، يتم تسمية معظم الأطفال في اليوم الثامن بغض النظر عن الجنس، ويطلق على يوم حفل التسمية اسم “يوم تقديم الطفل للجمهور” ويعرف بلغتهم “إيجو- إيكومو- جادي” ijo-ikomo-jade ([10]).
مكان انعقاد حفل التسمية والمشاركون به
عادة ما يتم إجراء حفل التسمية في منزل أهل والد الطفل في وقت مبكر قبل شروق الشمس، حيث يجتمع جميع كبار السن في أسرة والد الطفل، وفي بعض الأحيان يحضر هذا الاحتفال أفراد عائلة الأم أيضًا وبعض الأصدقاء والجيران، وتتوقف طبيعة الحضور على تقاليد العائلة، فهناك عائلات تسمح بحضور الأصدقاء والجيران، وبعضها تقتصر على ذويها فقط.
طبيعة الأسماء الخاصة بالطفل وعددها
تولي ثقافة اليوروبا قدرًا من الاهتمام بعملية اختيار أسماء الطفل يعادل الاهتمام الذي توليه لعملية ولادته، كما تقر الثقافة على ضرورة عدم إعطاء مسميات للأطفال بشكل تعسفي؛ بل لا بد من الأخذ في الاعتبار تقاليد وتاريخ عائلة الطفل والأحداث التي مرت بها عملية الولادة ومدى تأثير الاسم على مسار حياة الطفل([11]).
لا توجد حدود لعدد الأسماء التي تطلق على الطفل؛ فهناك بعض الأطفال يطلق عليهم ما يصل إلى عشرة أسماء، والبعض الآخر لديه أقل من ثلاثة. ولكن مهما كان عدد الأسماء التي تطلق على الطفل، قليلًا أو كثيرًا، يتوجب إعطاء كل طفل اسم دائم يختاره والد الطفل أو جده أو جده الأكبر؛ فالأسماء لدى اليوروبا عادة ما تشتمل على نوعين من الأسماء؛ أحدهما يتعلق بالأحداث الواقعة قبل الولادة وبعدها مباشرة، والآخر يتعلق بالنذر المستقبلي لحياة الطفل أو بإنجازات عشيرته([12]). فعلى سبيل المثال، إذا ولد طفل بعد وفاة أحد أجداده بفترة قصيرة، يطلقون عليه اسم “باباتوندي” Babatunde وتعني “عاد الأب”، لاعتقادهم بأن الجد المتوفى عاد من جديد وتجسد في هذا المولود. بينما يطلقون على الطفلة التي وُلدت عقب وفاة جدتها اسم “أيابودي” Iyabode أو “يتوندي” Yetunde وتعني “عادت الأم”. أما في حالة وفاة والد الطفل قبل ميلاد الطفل بوقت قصير يطلق على الطفل اسم “باباريندي” بمعنى “عاد الأب مباشرة”. بينما يطلق اسم “يواندي” Yewande على الطفلة المولودة لرجل ماتت والدته عندما كان لا يزال طفلاً. بينما لا يحدث ذلك في حالة وفاة أحد أفراد عائلة أم الطفل لأن الأطفال ينتمون إلى أبيهم وليس لأمهم. كما تتضمن الأسماء الأخرى التي يتم إطلاقها على الطفل ألقاب الزعامة في الأسرة والديانات التقليدية السائدة، ولكن مع انتشار الإسلام والمسيحية أصبحت الأسماء تتأثر بإيمان الوالدين([13]).
وفي بعض الأحيان، يتم تسمية الطفل بمجرد ولادته من قبل أي شخص شاهد عملية الولادة دون الالتزام بالمدة الزمنية المقررة للتسمية، وهذا لا يحدث إلا مع الأطفال الذين ولدوا في ظروف غير عادية، كالأطفال الذين ولدوا بخروج ساقيهم قبل رؤوسهم. هؤلاء الأطفال ينظرون إليهم بأنهم قادمون وهم حاملون أسماءهم من الجنة ويطلقون عليهم مسمى إيجي”Ige”.
المواد المستخدمة في حفل التسمية
لكي تتم طقوس التسمية لا بد من توافر بعض العناصر والمنتجات اللازمة لإجراء الطقوس؛ منها: وعاء من الماء البارد، العسل، الملح، قصب السكر أو السكر، والكولانوت، الكولا المرة([14]) bitter kola، فلفل التمساح alligator pepper “الفلفل الأسود، وزيت النخيل([15]). ولكل من هذه المنتجات وظيفة محددة؛ فالعسل وقصب السكر حلو المذاق، يتم وضع قطرة منهما على لسان المولود الجديد أثناء الصلاة المصاحبة للطقس آملين أن تمتلئ حياة الطفل بهذه السعادة، أما الكولا المرة لها طعم مر للغاية، والغرض منها أن يدرك الطفل أن الحياة ليست دائمًا سهلة وهينة، بجانب اعتقادهم بأن الكولا المرة تمنح الطفل العمر الطويل، أما زيت النخيل والملح، فالغرض من استخدامهما أن تكون حياة الطفل طيبة وهادئة، أما الكولانوت فيتم استخدامها لمحاربة الشر الذي قد يلحق بالطفل، بينما يرمز استخدام الماء إلى البقاء؛ لذلك يتم وضع قطرة من الماء على لسان الطفل([16]).
مراسم حفل التسمية
بعد إعلان والد الطفل عن مجيئه وولادته، وبعد انقضاء المدة الزمنية المحددة لتسمية الطفل، تبدأ الاحتفالات الفعلية للتسمية؛ حيث يخرج الطفل ويشاهده الجميع لأول مرة، ويتم استخدام المواد التي تم تجهيزها للحفل؛ حيث يضع رب الأسرة القليل من الكولانوت المُرة في فم الطفل ويقول للطفل “هذه الكولا ذات المرارة القوية، لذلك يجب أن تكون قويًّا في الحياة”، ثم يأخذ السكر ويضعه في فم الطفل ويقول “هذا السكر الحلو، لذلك يجب أن تكون حياتك حلوة، ولأن الحياة حلوة مثل السكر، يجب أن تبقى معنا وتأكل السكر”. كما يضع قطرات من المياه في فم الطفل ويقول “هذا الماء الباقي، لذلك نرجو أن تبقى معنا طويلًا ولا تتلاشى”. ثم يضع إحدى بذور فلفل التمساح على شفاه الطفل كي يكبر الطفل ويتكاثر مثل بذور الفلفل. بينما يتناول الوالدان والأشخاص المهمين لحوم الأسماك كي يكبر الطفل ويصبح شخصية هامة في المجتمع([17]). وفي بعض الأحيان تتناول الأم تلك المواد اعتقادًا بأن الطفل سوف يمتصها منها من خلال الرضاعة([18]).
ثم يبدأ الجميع في الصلاة، يتم إدخال الطفل منزل الأسرة ويسكبون المياه على السطح العلوي للمنزل حتى يتساقط على الطفل اعتقادًا منهم بأن ذلك الفعل يؤكد على أن الطفل أصبح جزءًا من المنزل والأسرة، وعقب ذلك يضع كبار السن بعض النقود في الماء واختيار الأسماء التي يتم إطلاقها على الطفل. وعادة ما يتم ربط الأسماء التي يطلقوها على الطفل بالظروف المحيطة بميلاده كما سبق وأشرنا([19]).
وبعد انتهاء طقس التسمية في الصباح يتم تقديم الطعام للمدعوين ويتمثل هذا الطعام في الفطائر المصنوعة من الفول أو الفاصوليا ويطلقون عليها بلغتهم “أكارا” Akara. بينما في مساء يوم حفل التسمية، يجتمع أفراد الأسرة والضيوف في فناء منزل العائلة للاحتفال والرقص معًا ويقدم لهم المشروبات والأطعمة، ويستمر هذا الاحتفال حتى الساعة الرابعة صباحًا تقريبًا، ويتم فيه دعوة والدة الطفل للرقص في الساحة، ويعطيها الرجال المال ويغادرون على الفور بعد ذلك، وعقب الانتهاء من الحفل تبقى الأم في منزلها مع طفلها لرعايته ولا يسمح لها بالخروج من المنزل إلا بعد مرور أربعين يومًا([20]).
(2) حفل التسمية لدى قبائل الإيبو
يعد حفل التسمية لدى الإيبو بمثابة خروج الطفل للهواء الطلق وتقديمه للمجتمع، كما أنه بمثابة الوفاء بالالتزام الديني والاجتماعي لأفراد مجتمع الإيبو للآلهة والأسلاف على هدية الطفل وطلب البركات نيابة عنه، ويحظى هذا الحفل بأهمية دينية كبيرة لدى الإيبو مقارنة ببقية طقوس الطفولة، ويطلق على هذا الحفل مسمى “إيبا نوي أفا ” Iba Nwa Afa ([21]).
ويستمد السبب الوحيد للقيام بهذا الحفل من أسطورة الإيبو القائلة بأن الطفل المولود حديثًا لديه جمهور مزدوج يشمل أعضاء من أقرانه في عالم الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وأعضاء المجتمع البشري الذي ولد به، وأنه يظل في هذه العلاقة الثنائية حتى يتم تسميته؛ حيث يظل يتواصل مع عالم الأطفال الذين لم يولدوا بعد وقد يغرونه بالعودة إليهم، بينما يتواصل مع أعضاء المجتمع البشري من خلال البكاء، وبمجرد تسميته يصبح ذلك إعلانًا رسميًّا عن انتمائه لأعضاء المجتمع البشري وانقطاع علاقته مع أقرانه الذين لم يولدوا بعد ([22]).
موعد عقد حفل التسمية
كما هو الحال لدى اليوروبا، لا يتم تسمية أطفال الإيبو فور ولادتهم؛ بل يتم تسميتهم في أوقات لاحقة للولادة؛ حيث يتم تسمية الطفل بعد مرور اثني عشر يومًا على الولادة، ويرجع السبب وراء منح الطفل التسمية بعد هذه الفترة إلى الأسطورة القائلة بأن كل طفل يجب أن يتم إعطاؤه الفرصة لاختيار ما إذا كان يرغب في البقاء في المجتمع البشري أو العودة إلى حيث أتى. وبالتالي، فإن أي طفل يموت قبل مرور اثنى عشر يومًا قد قرر عدم البقاء بالمجتمع البشري، بينما إذا استمر دل ذلك على رغبه في البقاء، وهنا يتم منحه الاسم. كما يعزو ترك الطفل تلك الفترة دون منحه اسم إلى الرغبة في إتاحة الفرصة للطفل لإظهار بعض العلامات المميزة لبعض الكائنات المحيطة به حتى يحصل على اسمها. كما يُترك الطفل دون تسمية خلال تلك الفترة لإتاحة الفرصة للأم كي تستعيد قوتها عقب الولادة حتى تتمكن من المشاركة في حفل التسمية ([23]).
مكان انعقاد حفل التسمية والمشاركون به
كما هو الحال لدى اليوروبا، عادة ما يتم إجراء حفل التسمية في منزل أهل والد الطفل؛ حيث يجتمع جميع كبار السن في أسرة والد الطفل، وفي بعض الأحيان يحضر هذا الاحتفال أفراد عائلة الأم أيضًا وبعض الأصدقاء والجيران، وتتوقف طبيعة الحضور على تقاليد العائلة، فهناك عائلات تسمح بحضور الأصدقاء والجيران، وبعضها تقتصر على ذويها فقط.
طبيعة الأسماء الخاصة بالطفل وعددها
تتشابه الإيبو مع اليوروبا في وجود عدة أسماء للطفل وليس اسمًا واحدًا. كما تتشابه أيضًا في تأثر أسماء الأطفال بالظروف المحيطة بعملية الولادة وبالأحداث المختلفة لأسرة الطفل؛ حيث يمنح الطفل لدى الإيبو أسماء تتعلق بأيام الأسبوع مثلًا كتخليد لذكرى يوم مولده، أو تسميته باسم أحد الأماكن التي وُلد بها، وقد يتم تسميته أيضًا ببعض الأسماء التي يتضمنها نظامهم الديني التقليدي كأسماء الآلهة لضمان استمرارية حمايتهم للطفل.
وعادة ما يكون الأب هو المسؤول عن تسمية الطفل، وفي بعض الأحيان يختار الاسم أحد كبار أسرة والده كالجد أو جد الأب إذا ما كان على قيد الحياة، وذلك في حالة وفاة والد الطفل قبل ولادته، ويمكن أن يكون للأم دور في تسمية الطفل أحد الأسماء التي يتم منحه إياها باستثناء الاسم الرئيسي له، والذي يقع على عاتق والده اختياره.
المواد المستخدمة في حفل التسمية
على الرغم من تشابه الإيبو مع اليوروبا في المواد المستخدمة في حفل التسمية؛ إلا أن هناك بعض المواد التي يتميز الإيبو باستخدامها، والتي تعد عناصر هامة وضرورية لإتمام حفل التسمية، ومن أهم تلك العناصر والمواد: الكولانوت، فلفل التمساح، الديك، نبيذ النخيل، والجن المحلي، وهو أحد المشروبات الكحولية المحلية التي يتم صنعها من بعض الأعشاب من قبل رجال الدين، وعادة ما تستخدم كعلاجات طبية، ويتوقف عدد الديوك التي يتم استخدامها على المستوى الاقتصادي للأسرة ومقدار ثروتهم، كما أن الديك له دلالة رمزية في تلك الاحتفالات؛ حيث يشير إلى الفرحة العارمة التي انتابت أسرة الطفل لمجيئه وولادته ويرمز إلى بزوغ فجر أمل جديد ناتج عن ولادة الطفل. بينما ترمز الكولانوت إلى استمرارية نمو الطفل وبقائه وحمايته من الانحراف، كما أن أعداد الكولانوت المستخدمة لا بد أن تكون زوجية وليست فردية، كلما زاد عددها كلما ضمنت الأسرة لطفلها الكثير من الفوائد؛ فالثلاث أزواج من الكولا تضمن “القوة البدنية”، والأربعة أزواج تضمن “السلام” والخمسة أزواج تضمن “الثروة والإنجاب”. أما فلفل التمساح، فإنه يرمز إلى تذكير الوالدين بأن الأبوة والأمومة قد تكون فرحًا وألماً، بينما يرمز النبيذ إلى الروح الاحتفالية بقدوم المولود([24]).
مراسم حفل التسمية
يعلن الإيبو عن ولادة الطفل فور ولادته، ثم يجهزون المواد اللازمة لإجراء حفل التسمية باعتباره حدثًا هامًّا لديهم، وعقب الانتهاء من الاستقبال والترحيب بالقادمين لتقديم التهاني والهدايا، تبدأ طقوس التسمية في موعدها المحدد؛ حيث يبدأ الاحتفال بخروج جدة الطفل لأبيه حاملة الطفل، ولأول مرة تاركًا منزل والدته ليتم تقديمه للجميع، ثم يحمله الأب ويحمل في يده الأخرى نبيذ النخيل، ويبدأ بقول إنه يريد أن يسمي الطفل “فلان”.
وقد يرسم أحد كبار السن دائرة على الأرض باستخدام الطباشير وتوضع أرجل الطفل داخل الدائرة كرمز لدخوله إلى العالم البشري، ثم يبدأ الحضور في القيام بصلاة بركة الطفل، وخلال جلسة الصلاة يضرب الحاضرون من كبار السن قبضة أيديهم المغلقة على الأرض مرددين “حقًا هكذا نقول”، وذلك بعد كل مقطع من مقاطع الصلاة. وعقب الانتهاء من الصلاة، يتم كسر الكولانوت وتقديمها لاسترضاء الآلهة والأسلاف للحصول على بركتهم ولضمان حماية الطفل، ثم يأكلونها بعد ذلك.
وعقب الانتهاء من أداء الصلوات، يتم ذبح الديك وتقديمه كقربان للأسلاف، ثم يتم طبخه وتقديمه ضمن الوجبة التي يتم تقديمها للمشاركين بالحفل ويتناولها الجميع حتى يكون قد تشارك بها الأحياء والأموات، وعقب الانتهاء من تناول الطعام والنبيذ الذي يحرصون على سكب جزء منه على الأرض قبل أن يشرع الحاضرون في تناوله، ثم يبدأ المشاركون بالحفل في تبادل التحية ومغادرة المحفل([25]).
– خاتمة
استعرضنا في متن هذا المقال حفلات التسمية لدى شعبي الإيبو واليوروبا، وقد تبين لنا مقدار الأهمية التي يوليها الشعبان لتلك للأطفال بوجه عام ولاحتفالات التسمية بوجه خاص. كما تبين لنا وجود العناصر المتشابهة بين الشعبين في الاحتفالات الخاصة بالتسمية كالإعلان عن ميلاد الطفل وتأثر عملية تسميته بالظروف المحيطة بولادته والأحداث الهامة التي شهدتها الأسرة، وكذلك فيما يتعلق بوجود العديد من الأسماء للطفل الواحد، وربما يُعزى ذلك التشابه إلى عامل التجاور المكاني وما ترتب عليه من حدوث احتكاك ثقافي ترتب على أثره انتقال العديد من الملامح الثقافية من ثقافة لأخرى من ناحية، واعتبارهم ثقافات فرعية نابعة من الثقافة النيجيرية الأم من ناحية أخرى. ولكن كان ثمة اختلافات قائمة بين الشعبين فيما يتعلق باحتفالات التسمية، وقد تجلت تلك الاختلافات في بعض المواد المستخدمة في احتفال التسمية، والتي تميز بها الإيبو عن اليوروبا كاستخدام الديك للتضحية، وكذلك الدلالات الرمزية لتلك المواد المستخدمة؛ فبالرغم من تشابه بعض المواد كالنبيذ وفلفل التمساح وغيرها إلا أن دلالاتها الرمزية تختلف بين الشعبين. كما طال الاختلاف أيضًا مراسم الاحتفال والمدة الزمنية للتسمية ومبرراتها والتي كانت تقوم على أساس من المعتقدات والأساطير الجلية بوضوح لدى الإيبو.
وخلاصة القول، إن كلا الشعبين يبديان قدرًا لا يُستهان به من الاهتمام بالتسمية باعتبارها أحد طقوس الميلاد يفوق الاهتمام بكافة طقوس دورة الحياة الأخرى التي يمر بها الفرد.
[1] ( Olatunji, C. & et al. (2015).Personal Name as a Reality of Everyday Life: Naming Dynamics in Select African Societies. The Journal of Pan African Studies, 8(3).
[2] ( Ubahakwe, E. (2007). Culture Content of Igbo Personal Names: Nsukka, Nigeria.
[3] (Gennep, V. (1969). The Rites of Passage. Routledge & Kegan Paul. London.
[4] ( Akinjogbin, O. (1980).”The Concept of Origin in Yoruba History”. University of Ife Department of History Seminar Series: Unpublished.
[5] ( Ademuwagun, Z. A. (1965). An Investigation of the Relationship BetweenYoruba Culture and Formal Education in Nigeria. Ph.D. dissertation, Boston University School of Education
[6] (Nwabude, A. (2022). Traditional African (the Igbo) Marriage Customs & the Influence of the Western Culture: Marxist Approach. Open Journal of Social Sciences, 10, 224-239.
[7] ( Aládésanmí, O.A. & Ògúnjìnmí, I. (2019). Yorùbá Thoughts and Beliefs in Child Birth and Child Moral Upbringing: A Cultural Perspective. Advances in Applied Sociology, 9, 569-585.
[8] ( Ehineni, T. (2019). The ethnopragmatics of Yoruba personal names: Language in the context of culture, Studies in African Languages and Cultures, No 53.
[9] (Aládésanmí, O.A. & Ògúnjìnmí, I. (2019). Yorùbá Thoughts and Beliefs in Child Birth and Child Moral Upbringing: A Cultural Perspective. Advances in Applied Sociology, 9, 569-585.
[10] ( Fakuade, G. & et al. (2019). Yoruba personal naming system: Traditions, patterns and practices. Sociolinguistic Studies. Vol. 13.2-4
[11] ( Akinola, A. (2014). Communicative Role of Yoruba Names Oladipupo. International Journal on Studies in English Language and Literature (IJSELL). 2(9), 65-72.
[12] (Bamidele, R. (2010). NAMING CEREMONY: COMPARATIVE ANALYSIS OF THE IGBO AND YORUBA CULTURE IN NIGERIA. Continental J. Arts and Humanities 2: 7 – 16.
[13] (Aknspe, F. A. (2018). Dance in The Yorb Family Rites of Birth, Marriage and Death. JOURNAL OF INTEGRATIVE HUMANISM GHANA Vol 9. No 1., 117.
[14] ) الكولا المرة، والمعروفة أيضًا باسم Garcinia cola، وهي نبات موجود في وسط وغرب أفريقيا ويتم استخدام أوراقه وجذوره وبذوره في العلاجات التقليدية، وتستخدم بذوره أيضًا للأكل.
[15] (Adeoye, C. (1992). Oruko Yoruba: Ibadan Oxford University Press.
[16] ( Akinola, A. (2014). Communicative Role of Yoruba Names Oladipupo. International Journal on Studies in English Language and Literature (IJSELL). 2(9), 65-72.
[17] (Bamidele, R. (2010). NAMING CEREMONY: COMPARATIVE ANALYSIS OF THE IGBO AND YORUBA CULTURE IN NIGERIA. Continental J. Arts and Humanities 2: 7 – 16.
[18] ( Aládésanmí, O.A. & Ògúnjìnmí, I. (2019). Yorùbá Thoughts and Beliefs in Child Birth and Child Moral Upbringing: A Cultural Perspective. Advances in Applied Sociology, 9, 569-585.
[19] ( Aládésanmí, O.A. & Ògúnjìnmí, I. (2019). Ipid.
[20] ( Aknspe, F. A. (2018). Dance in The Yorb Family Rites of Birth, Marriage and Death. JOURNAL OF INTEGRATIVE HUMANISM GHANA Vol 9. No 1., 117
[21] ( Uchegbue, C. O. (2010). Infancy rites among the Igbo of Nigeria. Journal of International Studies 17:157.
[22]( Nwoye, C. M. A. (2014). An Ethnographic Study of Igbo Naming Cermony.International Journa of Sociology and Anthropology. 6:10, 276-295.
[23]( Nwoye, C. M. A. (2014). Ipid.
[24] ( Nwoye, C. M. A. (2014). Ibid.
[25] (Nwoye, C. M. A. (2014). Ibid.