كتب – د . وائل محمد المتولي إبراهيم

مدرس جُغرافية التنمية ونظُم المعلومات الجُغرافية بكلية الدراسات الأفريقية العُليا – جامعة القاهرة

خبير نظم المعلومات الجغرافية بالهيئة العامة للتخطيط العُمراني، العاصمة الإدارية الجديدة – مصر

يُعد “التحضر Urbanization” ظاهرة عالمية، وفي عام 2007، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تجاوز حجم سُكان الحضر حجم سُكان الريف، ويعيش في المدينة على أقل تقدير في الوقت الحاضر أكثر من ساكن واحد من كل ساكنين، بينما في عام 1900 كان هناك ساكن واحد فقط من كل عشرة [1]. ولهذا الوضع عواقب اجتماعية وثقافية واقتصادية وبيئية وعُمرانية سلبية كبيرة على المُجتمعات، خاصة الهشة منها.

ووفقاً لأهمية أن التخطيط الذكي المُستند إلى آليات التحول الرقمي، مع المساحات الخضراء المفتوحة، إلى جانب التدخلات الأخرى، يخلق مدينة أكثر خُضرة، وصديقة للإنسان (فيما يُسمى بأنسنة المُدن)، من حيث تلبية أهداف: جودة المياه، والحفاظ على التنوع البيولوجي؛ وهي استراتيجية مُبررة اقتصاديًا من حيث التكاليف والفوائد الإجمالية؛ تهدف هذه الدراسة البحثية إلى مُعالجة جزء من هذا العجز المعرفي، من خلال إلقاء الضوء على أهمية التحول الأخضر بالنسبة للمُدن الأفريقية. كما أن الفهم الأفضل لتأثيرات التحضر على البيئة، والتقييم المُناسب للتكاليف والفوائد المُرتبطة بالتدخلات التي تُغير قاعدة رأس المال الطبيعي، وتوفير إمكانية الوصول لخدمات النظام البيئي، يُمكن أن يسمح لإدارات المُدن باتخاذ قرارات أكثر فعالية من حيث التكلفة في مجالات التخطيط والتنمية الحضرية، وتحقيق التوازن بين الحفاظ على رأس المال الطبيعي واستخدامات الأراضي الأخرى، وإرشاد المناهج لتطوير الأراضي الحضرية، وطبيعة الاستثمارات المُرتبطة بها [2].

ومن المُهم بشكل خاص مُعالجة الفجوات المعرفية، والقدرات التكنولوجية في هذا المجال، عاجلًا وليس آجلًا: فبمُجرد أن تتدهور النظم الإيكولوجية بشدة أو تُدمَّر، يُصبح من الصعب للغاية، أو من المُستحيل استعادتها، وقد تفقد قيمة الخدمات التي تقدمها بشكل لا رجعة فيه، وهو ما سيتم تناوله من خلال آليات التحول للمُستقبل الأخضر بالنسبة للمُدن الأفريقية.

   وقد اعتمدت هذه الدراسة لتحقيق أهدافها استخدام المنهج الوصفي التحليلي بأساليبه وأدواته الإحصائية والكارتوجرافية؛ لتحليل البيانات والتقارير الصادِرة عن الجِهات الرسمية، من الهيئات والمُنظمات المُختصة، بالإضافة لمنهج شُمولية الواقِع الجُغرافي، الذي يسمح بدراسة المُتغيرات الكُلية والجزئية، والعامة والخاصة، التي تؤثر في إحداث الظاهرات، وتطورها في إقليم ما، والكشف عن العوامل المؤثرة فيها، والتبايُنات الجُغرافية لها، بالتطبيق على نماذج أفريقية؛ بما يعين على إمكانية استخلاص النتائج، وتعميمها، والخروج بتوصيات؛ من خلال نظرة مُتكاملة؛ لدعم صناعة واتخاذ القرارات التنموية الحضرية بالقارة الأفريقية، ودولها.

أولاً- واقع التحضر في القارة الأفريقية:

إن أفريقيا، التي دخلت في مرحلة متأخرة من عملية التحضر، هي القارة الأكثر ريفية، ولكنها قارة تشهد توسعًا حضريًا سريعًا، شكل (1)؛ حيث ارتفع معدل التحضر من 14.5% عام 1950 إلى 25.7% عام 1975، ثم إلى 38.7% عام 2007 [3]. ووفقًا لـمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فبحلول عام 2050، من المتوقع أن تشهد أفريقيا أسرع معدل نمو حضري في العالم، وستصبح المدن الأفريقية موطنًا لنحو 950 مليون ساكن إضافي. وتشير التقديرات إلى أن 50% من سكان أفريقيا سيعيشون في المُدن عام 2035 و58% في العام 2050 [4]. ومع ذلك، فإن التحضر في أفريقيا ليس مُتجانسًا. ومن المُسلم به، وكما يتضح من استقراء الشكل (2)، أن جنوب أفريقيا هي المنطقة الأكثر تحضرًا في القارة بنسبة 58.9٪. وسط أفريقيا، وشمال أفريقيا أيضًا، بنسبة (58.53% و 51.5%) على التوالي. ومن ناحية أخرى، سجلت غرب أفريقيا وشرق أفريقيا أدنى المُعدلات على مستوى القارة (44.9% و21.7%) بالتوالي. وهاتان المنطقتان هما أيضًا الجزء من العالم الذي يتحضر سُكانه بشكل أسرع [5].

وهناك أيضًا اختلافات كبيرة بين الدول الأفريقية؛ ففي: بوركينا فاسو، وبوروندي، وإثيوبيا، وملاوي، ورواندا، وأوغندا، يعيش 10 إلى 20% من إجمالي السكان في المناطق الحضرية، بينما تبلغ هذه النسبة 50 إلى 60% في الجزائر، وبوتسوانا، والكونغو، والكاميرون، والمغرب، وجنوب أفريقيا وتونس. وفي ليبيا، والدول الساحلية مثل الجابون وجيبوتي، يعيش 75-80% من السكان في المدن. وتظل القاهرة (مصر) أكبر مدينة أفريقية، ولكن من الممكن أن تتفوق عليها مدينة لاجوس (بنيجيريا) وفقًا للتوقعات [6]. ويوضح الشكل (3) توزيع السكان بين الحضر والريف في بعض المُدن الأفريقية جنوب الصحراء لعام 2018.

شكل (1): تطور حجم سُكان أفريقيا (للحضر والريف)، ومُعدل نمو الحضر للفترات 1955-2025 والتوقعات حتى 2055

المصدر: بتصرف عن: [20]

شكل (2). سكان الريف والحضر على مستوى أفريقيا، وأقاليمها، مقارنةً بالأقاليم التنموية الأخرى والعالم، مُنتصف 2018

المصدر: اعتماداً على بيانات: [7]، والنسب من حساب الباحث.

شكل (3). نسبة سكان الحضر / الريف في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء 2018

         المصدر: بتصرف عن: [8]

وقد لوحظ الاتجاه نحو التحضر السريع في البلدان الأفريقية منذ الاستقلال، مع إنشاء دول جديدة؛ فقد كان من المقرر أن تنشئ مُدن وطنية، لتحل محل الإدارة الاستعمارية، بحيث تكون عمليات وأنشطة التنمية بما في ذلك التخطيط والتنمية الحضرية للمُدن، وخاصة العاصمة، هي محورها. وهناك أسباب كثيرة لهذا النمو؛ منها بشكل رئيسي النمو الطبيعي للسكان، بالإضافة لحركة الهجرة من الريف، وعدم الاستقرار السياسي. ومع ذلك، فإن حصة الهجرة الريفية في نمو سكان الحضر بدول القارة الأفريقية أصبحت ضئيلة مُقارنة بما كانت عليه في العقدين الأخيرين من القرن العشرين [6].

وإلى جانب النمو السكاني فإن مُدن هذه الدول تتميز بالتمدد المكاني. على سبيل المثال، القاهرة، وهي المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسُكان في أفريقيا، كانت في الأعوام 1999-2000 تمتد على مسافة 46 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب و35 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب، وتتجاوز مساحتها الحالية 149.200 هكتار بكثافة 108.88 نسمة/ هكتار. وتنطبق هذه المُلاحظة على مُعظم المُدن الأفريقية: الخرطوم (2,214,200 هكتار)، كينشاسا (996,500 هكتار)، الجزائر (36,300 هكتار) وكمبالا (19,200 هكتار) [9]. أما بالنسبة لمنطقة غرب أفريقيا، فإن مدينة لاجوس (33,45 هكتار) هي الأكبر من حيث المساحة. تليها أبيدجان (21,19 هكتار). وتغطي مُدن أكرا، وداكار، وواجادوجو مساحة قدرها (32,45 هكتار)، (5,5 هكتار)، و(5,18 هكتار) على التوالي [10].

ثانيًا- تداعيات التحضر بالقارة الأفريقية:

ترتبط الهجرة بشكل مُتزايد بالفقر في المناطق الريفية؛ مع الطابع غير الرسمي، والإرث الاستعماري، المُتمثل في: ضخامة الرأس (العاصمة)، واستئثارها بالأنشطة التنموية دون باقي مُدن النظام الحضري. يؤدي هذا النمو الحضري الذي لا يتم التحكم فيه بشكل جيد إلى نمو غير مُتناسب للمُدن؛ لأن الزيادة في عدد المُدن الأفريقية المليونية تثير أسئلة اجتماعية حادة بشكل مُتزايد، بشأن التخطيط والتنمية الحضرية.

ومن ثم، يفرض هذا النمو السريع للمدن الأفريقية تحديات على مُختلف الأصعدة؛ من حيث: الإدارة، وإمكانية الوصول للخدمات، وتجهيزات البنية التحتية الأساسية. ومن بين المشاكل الكامنة في النمو الديموجرافي والمكاني للمدن الأفريقية، هناك، في مجال الإسكان، على سبيل المثال، الأحياء الفقيرة الضخمة التي انتشرت في جميع أنحاء القارة. ولم يسلم أي مركز حضري من السكن غير الرسمي (حتى لو كانت تونس قد ألغت نسبيًا هذا النوع من السكن في هذه المدن [3]). أكبر الأحياء الفقيرة، وأكثرها جذباً للانتباه في أفريقيا، هو حي كيبيرا في نيروبي، والذي يسكنه ما بين 500 ألف إلى مليون شخص. ويشير التحالف الدولي للإسكان إلى أنه في العديد من المدن بأفريقيا، يعيش < 10% من السكان في أحياء بها جودة للحياة ومساكن لائقة؛ 74% من سكان المُدن يعيشون في أحياء فقيرة في زامبيا، و80% في نيجيريا، و85.7% في السودان، و92.1% في تنزانيا، و92.9% في مدغشقر، و99.4% في إثيوبيا [11]. ولا يزال هذا الوضع من السكن غير المُستقر مثيرًا للقلق، حتى لو انخفض معدل الأحياء الفقيرة نسبيًا من 20 إلى 13% في شمال أفريقيا، و5% في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى [3]. وفي معظم البلدان العربية، صاحَبَ التوسعَ الحضري انتشارٌ للمساكن غير الرسمية: 1,600,000 نسمة في القاهرة (20% من سكان العاصمة)، و346,000 في المغرب [12].

كما أصبح الافتقار إلى فهم مُناسب لمنظومة البيئة الطبيعية، ومدى تدهور البيئة الحضرية في القارة الأفريقية، وما يتعلق بتحليل التكلفة والعائد، والتفاعل المُركب بين التنمية الحضرية، وتدهور أصول البيئة الطبيعية، والقيمة المادية لتوفير إمكانية الوصول لخدمات النظام البيئي، أمرًا بالغ الأهمية؛ بل أصبحت تُمثل مُشكلة على نحو مُتزايد. هذا بالتزامن مع عدم قُدرة الحكومات الوطنية وإدارات المدن، المُتمثلة في الحُكم المحلي، على صناعة واتخاذ قرارات مُستنيرة وفعالة؛ من حيث التكلفة للتخطيط الحضري، واستخدام الأرض المُستدام، فيما يتعلق بالتنمية والاستثمار بالمناطق الحضرية، وضعف المسؤولين في توظيف الأدوات والتقنيات الحديثة؛ للتخفيف من الآثار البيئية السلبية. علاوة على ذلك، هُناك خطر كبير من أن تُصبح المُدن الأفريقية حبيسة مسار التنمية، والذي قد يكون مُكلفًا، وغير فعال، ويُقلل من الرفاه المُجتمعي [13]. وحتى الآن، مع استثناءات قليلة جدًا، لم يتم إجراء سوى القليل جدًا من العمل التحليلي المنهجي، بشأن هذه القضايا على مستوى القارة الأفريقية، ودولها، ولم يتم الاهتمام بتطوير الاستراتيجيات والآليات، التي يُمكن أن تُحسِّن من قدرات المُدن الأفريقية على صناعة واتخاذ القرار، وتمكينها من الاستجابة بفعالية وكفء لتآكل قيمة أصولها البيئية [14].

وإضافة إلى ذلك، فإن الأخطار المُناخية، التي يدعمها التوسع الحضري السريع بالقارة، تُعرِّض المُدن الأفريقية للكوارث الطبيعية، وأحياناً التكنولوجية. وفي الواقع، فإن الفقر الحضري، وانتشار الأحياء غير المستقرة (غير الرسمية)، وضعف قدرة المُجتمعات والأسر والحكومات على مواجهة أخطار الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى، يُمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع؛ حيث يتأثر أكثر من مليون ونصف المليون ساكناً كل عام في المدن الأفريقية بالفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة. في عام 2009، تأثرت كل من: السنغال، وبوركينا فاسو، وغانا، وبنين، والنيجر، وسيراليون، بشكل خطير بالفيضانات التي أودت بحياة 200 ساكن، وأثرت بشكل خطير على 770 ألف ضحية في المنطقة دون الإقليمية [15]. وتتأثر المدن الساحلية أيضًا بارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المُناخ.

وفي مجال البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الحضرية، تقع البلدان والمدن الأفريقية ضحية لافتقارها الهائل إلى شبكات البنية التحتية، وإمكانية وصولها المحدودة للغاية إلى التكنولوجيات والخدمات. وفيما يتعلق بالطاقة الكهربائية، لا تزال الصعوبات في توزيع التيار الكهربائي قائمة، مع حدوث انقطاعات مُنتظمة في ما لا يقل عن 30 دولة في القارة [5]. ففي داكار، على سبيل المثال، وبسبب عدم القدرة على تزويد المدينة بأكملها بالكهرباء، تُحرم بعض المناطق بدورها من الكهرباء لعدة ساعات مُتتالية. حوالي عشر شركات مُجهزة بالمولدات، لكن الديزل كوقود مُشغل لها باهظ الثمن [16]. كما أن إمدادات مياه الشرب غير كافية؛ حيث يستفيد أقل من 20% من الأسر في أفريقيا من شبكة المياه عبر الأنابيب، و40% فقط يحصلون على المياه ضمن دائرة نصف قطرها 200 متر [17]. في غينيا بيساو، تُعاني المراكز الحضرية، وخاصة مدينة بيساو، من انخفاض تغطية مياه الشرب. هذا بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي المُتكرر والمُستمر [18]. وفي مجال النقل، تُعاني الشبكة بشكل عام من القصور على جميع المستويات، كما أن المُدن الأفريقية مزدحمة بانتظام؛ فوسائل النقل الجماعي، العامة والخاصة، في كل مكان، غير كافية، من حيث العدد والخدمات، إضافةً إلى أن تكاليف النقل مُرتفعة للغاية [19]. كما يُشكل التخلص من النفايات الحضرية مُشكلة حقيقية، ويؤدي إلى تهديدات هائلة على الصحة والبيئة في المدن الأفريقية الكبرى.

كما أن هُناك العلاقة بين نمو المدن والبيئة الطبيعية؛ حيث يُلازم زيادة وتيرة عملية التحضر السريعة بالقارة الأفريقية، زيادة بالنمو العُمراني (تمدد الكتلة المبنية مساحيًّا)، والتركيز المكاني للسكان، والإنتاج الاقتصادي والاستهلاك. ويتضمن ذلك ثلاثة أنواع من الأنشطة، التي تؤثر في البيئة الطبيعية؛ وهي: زيادة استخدام الموارد الطبيعية، وتحويل البيئة الطبيعية إلى بيئة مبنية؛ من خلال إقامة المساكن والمؤسسات والبنية التحتية، وتوليد النفايات، بما في ذلك: الانبعاثات إلى الغلاف الجوي، والنفايات الصلبة، والسائلة. وفي أي منطقة حضرية، توجد هذه الأنشطة في تفاعل مُركب مُعقد مع بعضها البعض، ولها تأثيرات مُضاعفة. ومع ذلك، فإنها تؤثر في البيئة الطبيعية عند وصولها إلى ذروتها، كما يتضح من استقراء الشكل (4).

شكل (4): مُتلازمة التحضر وتكلفة التأثير على البيئة الطبيعية.

المصدر: بتصرف عن: [20]

ثالثًا- التخطيط والتنمية الحضرية الخضراء في القارة الأفريقية:

يُعد “الأخضر” مرادف لـ “صديق للبيئة”، ولا يشير فقط إلى مناطق الغطاء النباتي؛ سواء أكانت زراعية أو غابية، ويُقصد بالتنمية الحضرية الخضراء بأنها “نهج يهدُف إلى تقليل آثار التحضر بصفة عامة على رأس المال الطبيعي، وتعزيز القيم البيئية”. ويدعو هذا النهج إلى زيادة إمكانات التنمية في المُدن، من خلال آليات التخطيط البيئي، بدلاً من الحد منها. ويُعد ذلك أمرًا حيويًا؛ لتحقيق الرفاهية المُجتمعية؛ حيث تسير مُعظم المُدن الأفريقية على مسار التدهور البيئي، الذي أصبح يُعزز نفسه بنفسه، من خلال ردود الفعل السلبية، ومن ثم يتخذ وضعًا غير مُستدام. تبعاً لذلك؛ تحتاج المُدن بشكل عاجل إلى تغيير مسارها عن طريق إبطاء التدهور البيئي، وعكس مساره في نهاية المطاف، ومن شأن الاستثمار في الأصول البيئية، وجودة الحياة الحضرية، أن يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية إيجابية، وستكون المُدن الجديدة، والمُعاد تأهيلها، قادرة على تقديم مساهمة إيجابية، ومطلوبة بشدة في التنمية الوطنية.

وجدير بالذكر، أن عملية إعادة التأهيل عادة ما تكون أكثر تكلفة من تجنب التدهور في المقام الأول – وهو أحد الأسباب التي تجعل تعديل مسار نمو المدن الأفريقية بالمستقبل في غاية الأهمية – إلا أن هُناك حالات تكون فيها الاستثمارات في استعادة رأس المال الطبيعي جديرة بالاهتمام، مثل المناطق التراثية؛ مما يُقلل من تكاليف التشغيل ودعم التنمية الاقتصادية المحلية.

وفي حين ستتمتع المُدن في القارة الأفريقية بالفائدة المُحتملة للاستفادة من تجارب الدول السابقة، فإن مسار التنمية الخضراء سيظل يُشكل تحديات كبيرة، وبشكل خاص لمُجتمع المانحين. فكثير من الضرر الذي حدث لا يُمكن إصلاحه، أو يُعد إصلاحه باهظ التكلُفة. ويجب اتخاذ إجراءات سريعة؛ لتجنب المزيد من هذه الخسائر، والفرص الضائعة. ونظرًا للسرعة التي يحدث بها التدهور في ظل ظروف التحضر غير المُنضبط، فمن الضروري أن تُعطي المُدن الأولوية لاتخاذ خطوات حازمة؛ لضمان اتباع نهج أخضر لنمو المدينة، قبل الشروع في خطة شاملة نحو الإجراءات العلاجية اللازمة لمُعالجة المشاكل البيئية القائمة.

تتضح عناصر وفوائد التنمية الحضرية الخضراء من استقراء الشكل (5). وبناءً على ذلك، فمن المُمكن صياغة أنواع الإجراءات المطلوبة للشروع في مسار التنمية الحضرية الخضراء. ويُمكن التخفيف من حدة التحديات البيئية من خلال رؤية واستراتيجية شاملة، للتنمية الحضرية الخضراء تُعالج المشاكل بطُرق مُتعددة. ويُمكن لهذه العناصر، إذا تم تكييفها بشكل مُناسب، مُعالجة المشكلات البيئية، التي نشأت في المُدن الأفريقية؛ نتيجةً للتوسع الحضري السريع والسياسات التي أعطت الأولوية للنمو الحضري، مع القليل من الاهتمام بالبيئة الطبيعية. باختصار، تتضمن آليات التنمية الحضرية الخضراء مُعالجة المشاكل الأساسية، المُتمثلة في التلوث والنفايات، واستهلاك الموارد الطبيعية، والتي من شأنها القضاء على النظم البيئية، وتدهور التنوع البيولوجي في سياق النمو الحضري والعمراني. وبالإضافة إلى مجموعة من التدخلات الإدارية، يتضمن ذلك الاستثمار في رأس المال الطبيعي، وكذلك استخدام الهندسة الإنشائية الخضراء، والبنية التحتية الرمادية التقليدية. وينبغي التأكيد أيضًا على أن البنية التحتية الرمادية الطبيعية والخضراء والتقليدية مُتكاملة، ومن المُرجح أن تحقق أفضل النتائج عند تطبيقها معًا. يُمكن للبنية التحتية الرمادية والخضراء أن تلعب دورًا حاسمًا في حماية البنية التحتية الطبيعية، في حين أن الأخيرة يمكن أن تقلل من تكاليف البنية التحتية الرمادية [20].

شكل (5): العناصر الرئيسية لسياسات التنمية الحضرية الخضراء، وأنسنة المُدن

المصدر: بتصرف عن: [21]

رابعاً- آليات التنمية الحضرية الخضراء وأنسنة المُدن بالتطبيق على دراسة حالات من القارة الأفريقية:

يحتاج نهج التخطيط للتنمية الحضرية الخضراء إلى النظر في التأثيرات المُحتملة لنمو المدينة على النظم البيئية الطبيعية: المائية، والبرية القيمة، بالإضافة للغُلاف الجوي، ووضع آليات وقائية؛ لتجنب تدهورها وخسارتها، أو لتجنب التكاليف التي لا يُمكن التغلب عليها. ومن ثم – وفقاً لـ (Akbari et al., 2001, EPA 2014) [22] [23] – تتضمن آليات التنمية الحضرية الخضراء على ما يلي:

  • مُعالجة مشكلات تلوُّث الهواء والماء والنفايات الصلبة؛ من خلال توفير خدمات إدارة النفايات الصلبة والسائلة، وإنفاذ اللوائح والقوانين المُناسبة للسيطرة على النفايات السائلة، والانبعاثات الملوثة للغلاف الجوي، من مجموعة واسعة من المصادر. وهذا ليس ضرورة من منظور اجتماعي وصحي إنساني فحسب، بل هو أيضًا شرط أساسي لنجاح جميع تدخلات التنمية الحضرية الخضراء الأخرى.
  • استبدال الأسطح الطبيعية بأسطح مبنية بطرق صديقة للبيئة، وأكثر استدامة. ويستلزم ذلك تنفيذ أنظمة مُستدامة لإدارة المياه بصفة عامة، ومياه الأمطار بصفة خاصة، والتي تشمل تحييد تأثيرات الأسطح على تدفقات مياه الأمطار، باستخدام تدابير مثل: برك الاحتجاز، وأنفاق التجميع، والرصف المسامي، والأسطح الخضراء.
  • مُعالجة استهلاك المياه والطاقة. والهدف هنا في المقام الأول ضمان إمكانية الوصول والإمداد المُستدام بالمياه، من مناطق مصادر المياه السطحية والجوفية المُحيطة، بالإضافة إلى تأثيرات استخدام المياه من القطاعات المُختلفة داخل المدن. والتعامل مع هذه المشكلة يُساعد أيضًا في حل مُشكلة إدارة مياه الصرف الصحي، خاصةً إذا تم استخدام إعادة تدوير مياه الصرف الصحي كجزء من الحل.
  • مُعالجة استهلاك الطاقة لها مزايا مُتعددة. ويدخل ضمن ذلك ضرورة الحد من انبعاثات الكربون؛ للحد من أخطار تغيُّر المُناخ على الصعيدين العالمي والمحلي. ونظرًا لاعتماد الأسر الحضرية الكبير على الوقود الخشبي في أفريقيا، كما يتضح من استقراء الشكل (6)، فإن توقف ذلك من شأنه أيضاً أن يُعالج تلوث الهواء المحلي، فضلاً عن إزالة الغابات في المناطق الواقعة خارج المدن، وهو ما يحدث بتكلفة كبيرة على التنوع البيولوجي والمُجتمع، والذي يؤدي أيضًا إلى تفاقم المشاكل البيئية مثل الفيضانات.
  • الاستثمار في تدابير التخضير (مثل المُبادرة المصرية “اتحضر للأخضر”). ويشمل ذلك إنشاء وصيانة مناطق ترفيهية خضراء مفتوحة مثل الحدائق العامة، والاستثمار في زراعة الأشجار والحدائق الجيبية Pocket Gardens على طول شوارع المدينة؛ حيث لن توفر هذه التحسينات رؤية جمالية فحسب، بل ستُسهم في الحد من تلوث الهواء، والتخفيف من آثار الجُزر الحرارية الحضرية.
  • إضافةً إلى تأمين حماية، أو استعادة، أو إعادة تأهيل مناطق طبيعية مُختارة؛ من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي القيمة؛ حيث تُسهم النظم الطبيعية داخل المُدن في سبل العيش؛ من خلال توفير الموارد الطبيعية، والمُساهمة في تحسين صحة الإنسان ورفاهيته، وقيمة المُمتلكات والسياحة؛ من خلال توفير قيمة المرافق الجمالية والترفيهية، والمُساهمة في خدمات النظام البيئي، مثل: التحكم في الفيضانات، والاحتفاظ بتماسُك التُربة، وعدم تلوث الهواء والماء، وتحسين الجودة، وتخزين الكربون، وتلقيح المحاصيل، وتوفير مناطق حضانة لمصايد الأسماك البحرية. مع نمو المدن، تصبح المناطق الطبيعية المُتبقية داخلها ذات أهمية مُتزايدة؛ كملجأ للتنوع البيولوجي. ومع ذلك، يتم فقدان كل هذه الوظائف إذا تم تدهورها وتجزئتها بشكل مُفرط، وبالتالي تحتاج المدن إلى تخطيط وإدارة نظام من المناطق الطبيعية المفتوحة.

شكل (6). حصص وقود الطهي في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء.

المصدر: بتصرف عن: [8]

وفقاً لـ (البنك الدولي، 2017)، فعلى مستوى القارة الأفريقية:

 تقدم كمبالا – بأوغندا مثالًا واضحًا على التكاليف التي تتكبدها المدينة إذا لم تطور بنيتها، مع مراعاة الآثار على البيئة الطبيعية، وإمكانية الوصول للخدمات التي توفرها النظم البيئية. ومع نمو المناطق الحضرية، فمن المُرجح أن تزداد قيمة المناطق الطبيعية التي تحتفظ بها، مع زيادة الطلب على خدماتها، ومع اكتسابها لاستخدامات جديدة، مثل: الترفيه والسياحة. وستصبح هذه المناطق أيضًا ذات أهمية مُتزايدة كملجأ للتنوع البيولوجي. وينبغي لخُطط التنمية الاقتصادية أن تعترف بالقيم الاقتصادية والاجتماعية للنظم الطبيعية، وخاصةً في قطاعات تنموية، مثل السياحة، وأن تدرج هذه الأصول كجزء من استراتيجياتها الأساسية، وتخصص الموارد وفقاً لذلك.

في حالة ديربان – بجنوب أفريقيا، تَبيَّن أن إدراج مساحات خضراء مفتوحة كبيرة كان أمرًا أساسيًا لوجود استراتيجية فعالة من حيث التكلفة للحفاظ على مستويات مُرتفعة من الجودة البيئية وخدمات النظام البيئي؛ حيث تم استخدام نهج قائم على السيناريوهات لاستكشاف التكاليف والفوائد المُحتملة لتنفيذ نهج التنمية الحضرية الخضراء، شكل (7)؛ لمُعالجة الفيضانات، وتحسين نوعية المياه، والتغلب على فقدان التنوع البيولوجي بها، واستكشاف المُفاضلات المُحتملة بين سيناريوهات التدخلات الهندسية والحفاظ على الموارد الطبيعية المفتوحة، ومناطق الفضاء أو الفراغات الحضرية. فمثلاً لإدارة التدفقات وجودة المياه في وسط أوملاتوزانا – تم تصميم مُستجمع أومبيلو، في إطار سلسلة من السيناريوهات الافتراضية، التي شملت تطوير المنطقة في مجموعات مُختلفة، ونطاقات من تدابير GUD بما في ذلك: تحسين الصرف الصحي، وإدارة مياه الأمطار عن طريق: أنفاق تجميع المياه، والنقع تحت السطح والرصف النفاذ، والأسطح الخضراء، وأحواض الاحتجاز، والأراضي الرطبة المُعالجة، وتدابير الحفظ وحماية المناطق الطبيعية المفتوحة والحواجز النهرية. وتم تقييم السيناريوهات، من حيث آثارها على جودة النظام البيئي المائي، إضافة إلى تكاليف البنية التحتية، والخسائر في القيمة المادية، لكُل من: المُمتلكات، والسياحة، ومصايد الأسماك؛ التي كان من الممكن تجنبها في ظل هذه السيناريوهات البديلة.

حيث كان هناك تراكم قليل نسبيًا في مجال الصرف الصحي، ولكن تمت معالجة هذه المشكلة؛ من خلال إعادة تدوير مياه الصرف الصحي؛ والتي أحدثت فرقًا كبيرًا في جودة المياه بمُستجمعات المياه. مع أو بدون هذا التحسن، وجد أن تدخُلات الهندسة الخضراء لها تأثير كبير. وقد خفضت التدابير التي تم تصميمها خصيصًا لإدارة مياه الأمطار قمم الفيضانات بنحو 10% و35% على التوالي، وساهمت أيضًا في تحسين جودة المياه. وفي ظل ظروف الصرف الصحي المُحسنة، كانت معالجة الأراضي الرطبة فعالة للغاية في تحسين نوعية المياه في مُستجمعات المياه. ومع ذلك، فإن التطبيق على نطاق واسع لبعض تدابير إدارة مياه العواصف ذات التأثير المُنخفض لا يزال مُكلفًا للغاية، حتى عند مُراعاة وفورات الحجم. ومن المُمكن أن تصبح بقية المُتطلبات ميسورة التكلفة بمرور الوقت، حيث ستستمر الضرورة في دفع هذا النوع من الابتكار، كما أن تحويل هذه المُتطلبات إلى قانون في ديربان من شأنه أن يدعم هذه العملية أيضًا. وحللت الدراسة أيضًا تأثيرات المُخطط الذي يسمح بالاحتفاظ بشكل أكبر بالمساحات الخضراء الطبيعية المفتوحة في المدينة؛ لتحقيق أهداف الحفظ. وكان لهذه الاستراتيجية تأثير كبير في الفيضانات. كما كان له تأثير مُعتدل على نوعية المياه.

شكل (7): المناطق المُخطط حمايتها بديربان – جنوب أفريقيا، قبل وبعد تنفيذ إجراءات مُخطط الحماية.

المصدر: بتصرف عن: [21]

 بينما في النظم الطبيعية في دار السلام – بتنزانيا، تم تقديم أحد الخيارات القليلة المُتاحة لحل مشكلات الفيضانات في وسط المدينة، والتخفيف من حدتها. وذلك من خلال الاستثمار في إعادة تأهيل النظام البيئي؛ حيث تم دراسة الجدوى المُحتملة للاستثمار في تدخلات التنمية الحضرية الخضراء (GUD)؛ للتخفيف من مشكلات الفيضانات في مستجمع مياه مسيمبازي، من خلال تحليل مجموعة من سيناريوهات إدارة مياه الأمطار؛ كما يلي:

  • تبين أن تدابير الصرف الحضري المستدام (من خلال تطبيقات الهندسة الخضراء) مثل: أنفاق التجميع، والأرصفة المسامية، والأسطح الخضراء غير مُمكنة إلى حد كبير؛ بسبب طبيعة التربة والبيئة المبنية. ومن ثم؛ تم تحديد مجموعة مُمكنة من تدخلات GUD للحد من حجم الفيضانات، مثل: استعادة الغابات في مُستجمعات المياه العليا، وإعادة تأهيل وتعزيز مناطق ضفاف الأنهار والسهول الفيضية في مُستجمعات المياه الوسطى، وتنظيف الأنهار في مُستجمعات المياه الوسطى، وإعادة تأهيل السهول الفيضية في مُستجمعات المياه المُنخفضة. تضمنت عملية إعادة تأهيل الأنهار والسهول الفيضية استعادة المناطق المُشاطئة بالنباتات، إضافة إلى إنشاء مساحات ترفيهية وزراعية على جانبي الأنهار، يُمكن أن تتضاعف كمخزن للفيضانات. إضافة لنقل المناطق العُمرانية من المنطقة المُعرضة للخطر.
  • لم تدعم البيانات المتاحة سوى النمذجة الهيدرولوجية الأساسية، لكن البيانات الجيدة نسبيًا لمنطقة الخطر سمحت بتقدير معقول للخسائر السنوية المُتوقعة من الفيضانات. تم تقدير تأثيرات التدخلات على أساس قدرتها التخزينية المُحتملة أثناء تساقط الأمطار الغزيرة، تم تقدير التغيرات في الخسائر السنوية المُتوقعة في ظل مجموعات مُختلفة من التدخلات المذكورة، بالإضافة إلى التغير في الهياكل المُعرضة للخطر. أدت جميع السيناريوهات إلى انخفاض تكاليف الأضرار الناجمة عن الفيضانات، مع متوسط وفورات في التكاليف السنوية من 10 ملايين دولار أمريكي إلى 26 مليون دولار أمريكي، أو 21٪ إلى 54٪ من الخسائر السنوية الحالية المُتوقعة. ومن ثم، تم تصميم تدخلات GUD ليكون لها تأثير تراكمي كبير على الفيضانات. وأدى ذلك إلى انخفاض يُقدر بنحو 19.6% في عدد المباني المُعرضة للخطر، وانخفاض بنسبة 39% في الخسائر السنوية المُتوقعة. عندما تم دمج استراتيجيات GUD مع منطقة ارتداد السهول الفيضية، أدى ذلك إلى تقليل شدة الفيضان، وتقليل التعرض (بسبب نقل المباني من منطقة الارتداد داخل المنطقة المُعرضة للفيضانات).
  • وتزداد الفوائد المُطلقة كلما تم الجمع بين التدابير المطلوبة مع حساب التكاليف؛ حيث ستكون جميع التدابير باهظة التكلفة؛ بسبب استقرار السُكان بشكل غير رسمي في مناطق المحميات والغابات، ومناطق السهول الفيضية؛ حيث تصل التكلفة الإجمالية للمجموع إلى 138.5 مليون دولار أمريكي. ومن شأن تدابير إعادة تأهيل مستجمعات المياه وقيمتها (84 مليون دولار أمريكي) أن توفر فائدة صافية أكبر من نقل السُكان من المناطق المُعرضة للفيضانات قدرها (62 مليون دولار أمريكي)، كما أنها ستحقق أعلى معدلات للعائد. أضاف وجود حوض تخزين (+40 مليون دولار أمريكي) قيمة أقل، لكن هذا يرجع إلى حد كبير إلى أن الفُرص المُتاحة لموقع مثل هذا التدخل كانت مُنخفضة للغاية في مستجمع المياه، بحيث لا تكون فعالة بشكل خاص. تُشير النتائج إلى أنه ينبغي تأمين الاستثمار؛ لتنفيذ مجموعة من تدابير إعادة التأهيل في مُستجمع مياه مسيمبازي المُصممة خصيصًا لتخفيف التدفُقات وتحسين الصرف، بما في ذلك الإدارة الرسمية للنفايات الصلبة، وبرامج تنظيف مجاري الأنهار، وإعادة التشجير، وإدارة تصرُفات الأنهار والسهول الفيضية.

يُقدم تقرير مركز أبحاث الطاقة المُستدامة REN21 عن حالة مصادر الطاقة المُتجددة في مُدن العالم لعام 2021؛ حيث يُسلط الضوء على الإجراءات التي يتم اتخاذها نحو التحول إلى الطاقة الخضراء في ست مُدن بالقارة الأفريقية، ويشير إلى أن المدن سريعة النمو في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا تُدرك بشكل متزايد كيف يُمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تُساعد في مُكافحة فقر الطاقة، ومُعالجة تغير المناخ.

ويوضح الشكل (8) االتوزيع القطاعي لاستهلاك الطاقة في مُدن أفريقيا مُتفرقة جنوب الصحراء. وفيما يلي ما تفعله 6 مدن أفريقية للانتقال إلى مصادر الطاقة المُتجددة، كما هو موضح بالتقرير [24]:

شكل (8): التوزيع القطاعي لاستهلاك الطاقة في مُدن أفريقية مُتفرقة.

المصدر: بتصرف عن: [25]

  1. كيب تاون – جنوب أفريقيا

من خلال وحدة مُخصصة للطاقة وتغير المناخ، تعد كيب تاون رائدة في توفير الوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة وآمنة في بلد شكل فيه الفحم 83٪ من توليد الكهرباء عام 2016، وتُمثل مصادر الطاقة المُتجددة 8٪ فقط. ويُعد النقل هو المُحرك الرئيسي للطلب على الطاقة في المدينة، لذلك فهو يستكشف إنتاج واستخدام الوقود الحيوي في النقل، واستخدام مصادر الطاقة المُتجددة لمرافق مثل المستودعات وتقاطعات النقل، واستبدال أسطول حافلات الديزل البلدية بالحافلات الكهربائية. وتقوم المدينة أيضًا بإعداد شبكة الطاقة الخاصة بها؛ لزيادة استخدام السيارات الكهربائية، حيث من المُتوقع أن يتم توليد الطاقة إما عن طريق الطاقة الشمسية الكهروضوئية المحلية، أو شرائها.

  • كوكودي – ساحل العاج

قالت كوكودي إنها ستُخفِّض انبعاثات الكربون بنسبة 70% بحلول عام 2030؛ كجُزء من خُطة المدينة الخضراء، وهو إنجاز ليس بالسهل في مدينة سريعة النمو، وتشهد ارتفاع الطلب على الطاقة. وتشمل الخُطط تقليل انبعاثات غازات الدفيئة المحلية، لنسبة تصل إلى 90% بحلول عام 2030، مع خلق مئات الآلاف من فُرص العمل الجديدة، وتشجيع المواطنين على تبني أنماط حياة مُستدامة. وستشمل التدابير أيضًا تركيب 5000 عمود لمصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، وتزويد الأسر بـ 200000 مجموعة من مجموعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية. كما يجري توزيع نحو 300 ألف موقد طهي فعال، يعمل بالإيثانول الذي يتم شراؤه من شركات تصنيع قصب السكر المحلية، على المنازل.

  • داكار – السنغال

تطمح العاصمة السنغالية أن يأتي 15% من إنتاجها المحلي للكهرباء من مصادر الطاقة المُتجددة بحلول عام 2035، وتتطلع إلى خفض الاعتماد على توليد الطاقة بالديزل من 90% عام 2013 إلى 5% عام 2035. ويجري تطوير خطة داكار للمُناخ، كجزء من تعهدها في إطار برنامج قيادة المُدن الأربعين (C40) بأن يكون صافي الكربون صفرًا بحلول عام 2050. وكما هو الحال في أماكن أخرى، يُهيمن النقل على الطلب على الطاقة في داكار، مما يعكس تدهور الطرق، وأسطول المركبات القديم. تتمتع المدينة باستراتيجية طموحة للتنقل، والتخطيط الحضري؛ لمُعالجة هذه القضايا، والحد من تلوث الهواء.

  • كمبالا – أوغندا

 طوَّرت العاصمة الأوغندية أول خُطة عمل للطاقة وتغيُر المُناخ، في عام 2016، والتي تهدُف إلى تسريع نشر مصادر الطاقة المُتجددة، ودعم الاقتصاد الأخضر، وتعزيز وسائل النقل العام الأكثر صداقة للبيئة. وتتوافق هذه الاستراتيجية مع سياسة وطنية للحد من اعتماد أوغندا المُفرط على الطاقة الكهرومائية – والتي شكلت 90.5٪ من إمدادات الكهرباء الوطنية في عام 2018 – من خلال تنويع مزيج الطاقة لديها.

ويمثل النقل 45% من إجمالي الطلب على الطاقة في كمبالا، وتشمل التدابير الرامية إلى التخفيف من ذلك تنفيذ نظام لرصد وتقييم جودة الهواء، وتعزيز التنقل الكهربائي؛ ليحل تدريجيًا محل الدراجات النارية التجارية التقليدية – وهي مصدر للضوضاء، وتلوث الهواء، والطلب على البنزين، والاختناقات المرورية.

  • تسيفي – توغو

تنمو هذه المدينة الواقعة شمال العاصمة لومي بمُعدل 2.8% سنويًا، كما أن نشاطها الصناعي ضئيل للغاية، ويعتمد اقتصادها إلى حد كبير على الزراعة. وتُعد الكتلة الحيوية في شكل الخشب والفحم هي الوقود السائد، وهو ما يُمثل 64٪ من استهلاك الطاقة. ولتحسين الوصول إلى الطاقة وتطويرها، قدمت “تسيفي” برنامجًا للطاقة البلدية، مُدته ثلاث سنوات؛ يهدُف إلى تطوير الاستخدام المُستدام للكتلة الحيوية، ونشر الطاقة الشمسية الكهروضوئية، الموزعة على الأسطح، وتعزيز اعتماد الدراجات النارية الكهربائية، والتحول التدريجي إلى وسائل النقل العام. وقد قامت البلدية بالفعل بتوزيع 8200 موقد فعال؛ لتقليل استخدام الكتلة الحيوية في الطهي المنزلي، وتسخين المياه.

  • ياوندي – الكاميرون

ياوندي هي واحدة من سبع بلديات في العاصمة الكاميرونية، وتُشكل الطاقة الكهرومائية 73% من مزيج توليد الطاقة بها، بينما يُمثل النفط والغاز النسبة المُتبقية البالغة 27%.

تُخطط الكاميرون لخفض انبعاثات الكربون لنسبة 32% بحلول عام 2035؛ عن طريق نشر المزيد من مصادر الطاقة المُتجددة، وخاصة الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية الكهروضوئية. وفي عام 2020، اعتمدت ياوندي الرابعة خُطة عمل للطاقة والمناخ؛ تُحدد كيفية خفض انبعاثات الكربون، وتعزيز الوصول إلى الطاقة بحلول عام 2030. وتشمل المُبادرات تركيب 3000 مصباح شمسي للشوارع، وتزويد 30 مبنى بلديًا بمُعدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية المُوزعة على الأسطح، وبناء تسع محطات صغيرة للغاز الحيوي.

الخاتمة

أفريقيا تتحضر في وقت متأخر ولكن بوتيرة سريعة؛ ما يؤدي للكثير من الآثار السلبية اجتماعيًا وبيئيًا، وتزداد آثارها كونها غير خاضعه للرقابة. وتتميز المدن الأفريقية بصفة عامة، والكُبرى منها بصفة خاصة، بنموها، وضخامة حجم رأس النظام الحضري (العاصمة)، والطابع غير الرسمي، والإرث الاستعماري. إضافة إلى تركُّز الوظائف السياسية والاقتصادية في أفريقيا بمُدن العواصم. وعندما تُستبعد العواصم من النظام الحضري للدول الأفريقية، تُصبح أفريقيا قارة ريفية إلى حد ما. ولذلك فإن التحضر يتركز فقط في المُدن الكُبرى؛ ما يؤدي إلى تحديات حضرية كبيرة. وتُمثل هذه الخصائص مصدر صعوبات هائلة في إدارة هذه المدن.

وينطوي تدهور الأصول الطبيعية والنظم البيئية داخل المدن الأفريقية على تكاليف وصعوبات اقتصادية ومالية واجتماعية ملموسة. ويُعد نمو هذه المدن، سواء الديموغرافي أو المكاني، هو السمة الرئيسية والمصدر الرئيسي لهذه الصعوبات، وبالتالي يؤدي إلى غيرها.

بالرغم من ذلك فهُناك فُرص مُهمة لتغيير المسار البيئي الحالي للمُدن الأفريقية؛ بحيث تتحرك نحو علاقة أكثر انسجامًا بين بيئاتها الطبيعية والمبنية. ولكي يحدث هذا، من الضروري اتخاذ إجراءات مركزة. ومن ثم؛ هُناك حاجة ماسة إلى أن تمُر إدارة المدن الأفريقية الكبيرة بإتقان جذري للتوسع المكاني، وتخفيف الازدحام؛ من خلال إنشاء مُدن ديناميكية ذكية خضراء، وإعادة تأهيل المُدن القديمة. وهذا يتطلب لامركزية حقيقية، تتضمن التعاون والمُشاركة بين جميع الجهات الفاعلة والمُستفيدة، مع تفعيل إمكانات التحول الرقمي.

قائمة المصادر، والمراجع:

[1] Veron J. “Half the population lives in the world”, In Populations & Societies, n°435, INED– Monthly information bulletin of the National Institute for Demographic Studies, Accessible on the INED website, 2007., https ://www.ined.fr/fichier/s_rubrique/19103/435.fr.pdf, consulted on February 3rd 2022.

[2] TEEB, 2010. The Economics of Ecosystems and Biodiversity Ecological and Economic Foundations. Edited by Pushpam Kumar. Earthscan, London and Washington.

[3] UN-HABITAT. The State of African Cities 2010, Governance, Inequalities and Urban Land Markets, 2010. [Online], https://unhabitat.org/fr/node/92365, consulted consulted on January 24th 2022.

[4] Organization for Economic Co-operation and Development (OECD). Dynamics of African urbanization, 2020.

[5] UN-HABITAT. The State of African Cities 2014. Reinventing the Urban Transition. (2014), [Online], https://unhabitat.org/fr/node/94584, consulted on 01/24/2022.

[6] African development bank. Bank Group Urban Development Strategies, Transforming African Cities and Towns into Engines of Economic Growth and Social Development, Report of the African Development Bank Group, 36 pages + annexes, 2010.

[7] United Nations, (2018) Department of Economic and Social Affairs, Population Division. World Urbanization Prospects: The 2018 Revision, Online Edition., https://population.un.org/wup/

[8] IEA (International Energy Agency), (2022), World Energy Outlook 2021. www.iea.org

[9] Seré S. Migration and urban growth, Master’s thesis in Geography, University of Ouagadougou, 2010.

[10] Denis E., Moriconi-Ebrard F., Harre-Roger D., Thiam O., Séjourné M., & al. Urbanization dynamics, 1950-1920: geo-statistical approach. West Africa. Africapolis, 125 p., 2008, [Online], https://hal.archives-ouvertes.fr/hal00357271/file/Africapolis_1_Rapport.pdf, consulted on Mars 3rd 2022.

[11] Maury M. “Building housing”, In three points of view on different ways of managing (Finance and Development), Paris, 24-26 pp. 2007.

[12] Kharoufi M. Urbanization and Urban Research in the Arab World, Working Papers N011, Management of Social Transformations (MOS)-UNESCO, Paris, France, 29 pages, 1996.

[13] World Bank. 2012. Inclusive Green Growth – The Path to Sustainable Development.

[14] De Wit, M., van Zyl, H., Crookes, D., Blignaut, J., Jayiya, T., Goiset, V. & Mahumani, B. 2011. Investing in Natural Assets – A Business Case for the Environment in the City of Cape Town. Unpublished report to the City of Cape Town.

[15] Soma A. Urban vulnerability and resilience: perception and territorial management of flood risks in the city of Ouagadougou, Doctoral thesis in geography, University of Ouagadougou, 435 p. 2015.

[16] Bonkoungou RS. Social aspects of urban development, Master’s research dissertation, Department of Geography, University of Ouagadougou, 63 pages, 2008.

[17] UN-HABITAT. “Urban areas”, In State of the environment and policies followed from 1972 to 2002, 240-269 pp., 2001.

[18] Compaoré N. Urban development policies in Sub-Saharan Africa, Master’s research dissertation, Department of Geography, University of Ouagadougou, 79 p + annexes., 2010.

[19] Sow Thiam A. Transport infrastructure in Africa, Publication MC, Dakar Pointy, Senegal, 27 pages, 2009.

[20] Roland White, Jane Turpie, and Gwyneth Letley. 2017, Greening Africa’s Cities: Enhancing the relationship between urbanization, environmental assets and ecosystem services, The World Bank Group, Washington DC.

[21] Turpie, J.K., Letley, G., Chrystal, R. & Day, L. 2017. The value of Durban’s natural capital and its role in Green Urban Development. Part 2: Evaluating the potential returns to investing in Green Urban Development in Durban. World Bank Report.

[22] Akbari, H., M. Pomerantz, and H. Taha. 2001. Cool surfaces and shade trees to reduce energy use and improve air quality in urban areas. Solar Energy 70(3): 295–310.

[23] 2014 National Emission Inventory (NEI) Report | US EPA

[24] RENI21. 2022. Renewables in Cities, 2021 Global Status Report.

[25] 6 African cities leading the way to a green future | World Economic Forum (weforum.org)