كتب – حسام عيد

بدعم من تحسن الأنشطة الزراعية وغير الزراعية عاد الزخم إلى الاقتصاد المغربي بعد نموه بنسبة 3.5% خلال الربع الأول من العام الجاري.

وكان اقتصاد المملكة قد تباطأ خلال العام الماضي بأكمله إلى 1.3% من 8% المُحقَّقة في 2021، نتيجة تراجع النشاط الزراعي بسبب موجة جفاف كانت الأقوى منذ أربعة عقود.

انتعاش يتدفق بالقطاع الزراعي

وقد نمت أنشطة القطاع الزراعي بنسبة 6.9% في الربع الأول من 2023 بعد انخفاض بنسبة 12.2% في الفترة المناظرة من العام الماضي، إذ أن موسم الجفاف الحالي أقل وطأة من العام الماضي، بحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، وهي الهيئة الحكومية المتخصصة في الإحصاءات.

إن انتعاش القطاع الفلاحي كان القاطرة الأساسية للنمو، بالنظر لكونه أقل تضرراً من الموسم الماضي الذي شهد موجة جفاف قاسية، كما أوردت منصة “اقتصاد الشرق”.

ويسهم القطاع الفلاحي بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب، ويعمل به أكثر من 40% من السكان، ولذلك يعتبر أداؤه حاسماً في النمو الاقتصادي.

وكانت الحكومة تراهن على نمو بـ4% خلال العام الجاري، لكنها خفضت التوقعات إلى 3.3% بسبب تداعيات الجفاف على الإنتاج الزراعي.

الصادرات.. قاطرة النمو

فيما أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن نمو الصادرات من السلع والخدمات شكل قاطرةً للنمو الاقتصادي، ففي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ارتفعت الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 19.8% من نمو سابق بلغ 9.8% لتساهم في النمو بنحو 7.8 نقطة عوضاً عن 3.1 نقطة خلال نفس الفترة من السنة الماضية.

وبشكل عام، سجلت المبادلات الخارجية للسلع والخدمات مساهمة إيجابية في النمو بلغت 3.6 نقطة خلال الفصل الأول من سنة 2023 عوضاً عن مساهمة قدرها 2.3 نقطة خلال السنة الماضية.

وبعدما كان استهلاك الأسر يشكل قاطرة النمو الاقتصادي في المغرب، سجل خلال الربع الأول شبه استقرار بنمو نسبته 0.1% من نمو بلغ 1.3% في الفترة المناظرة ليساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بـ0.1 نقطة.

ويكشف هذا الاستقرار مدى تضرر الاستهلاك المحلي من التضخم الذي أنهك القدرة الشرائية للمغاربة بعدما تجاوز رقمين عشريين هذا العام، مقابل 1.5% كمتوسط في العقد الماضي.

وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا بنحو 15.6% في نهاية مايو 2023 نتيجة لتضرر الإنتاج الزراعي مع توالي سنوات الجفاف بالنظر لاعتماد نسبة مهمة من المغاربة على العمل الزراعي. وذلك؛ على الرغم من استمرار التضخم في المغرب في التباطؤ للشهر الثالث على التوالي ليصل إلى 7.1% في شهر مايو، وفق بيانات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات.

وكان التضخم قد سجل 8.2% في مارس من 10.1% في فبراير، ثم انخفض إلى 7.8% خلال أبريل، بعد أن بلغ 6.6% العام الماضي، مُحققاً بذلك أعلى مستوى منذ عقود.

وفي يونيو الماضي، قرر البنك المركزي المغربي إيقاف دورة التشديد النقدي مؤقتاً بإبقاء سعر الفائدة عند 3%. وكان المغرب بدأ دورة التشديد النقدي منذ سبتمبر الماضي برفع سعر الفائدة ثلاث مرات بواقع 50 نقطة، بهدف كبح التضخم بعدما ظل تحت سقف 2% في العقد الماضي.

وقد رفع بنك المغرب توقعاته إلى 6.1% كمتوسط للعام الحالي من 5.5% المتوقع في مارس، وخفضها قليلاً بالنسبة للعام المقبل إلى 3.8%، عوض 3.9% المتوقع سابقاً.

ويطمح المغرب لتحقيق نمو اقتصادي بنحو 3.3% خلال العام الجاري منخفضاً من 4% المتوقع في ميزانية 2023.

سعر صرف مرن بالأفق

وبدورها، ترى كريستالينا جورجيفا مدير عام صندوق النقد الدولي أنه من الجيد للمغرب أن يتحول لسعر صرف مرن للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية في ضوء الظروف الاقتصادية الإيجابية المرتبطة بالصادرات واستثمارات الطاقة المتجددة.

جورجيفا قالت إن الاقتصاد المغربي سجل تقدماً ملحوظاً، وحقق نمواً في الصادرات، بما يشمل المنتجات الصناعية، كما صرحت في مقابلة مع “اقتصاد الشرق” خلال يونيو الماضي على هامش زيارتها للعاصمة الرباط.

استشهدت جورجيفا بقطاع صناعة السيارات والطاقة، قائلة، “صدّر المغرب 700 ألف سيارة، ما يُظهِر ارتقاء المغرب إلى مستويات أعلى على سلسلة القيمة، كما يصنّع هذا البلد أيضاً قطع غيار الطائرات وأصبح اليوم رائداً في مجال الطاقة المتجددة”.

وسجلت صادرات صناعة السيارات وقطاع السياحة في المغرب انتعاشًا قويًا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، ليصل مجموع الإيرادات المحققة من هذين القطاعين إلى 77 مليار درهم (7.5 مليار دولار)، بزيادة 66% على أساس سنوي.

أضافت جورجيفا، “ضمن هذه الظروف، يصبح من الجيّد للمغرب أن يفكر في الانتقال إلى سعر صرف مرن تماماً للعملة.. لدينا مطلق الثقة في محافظ البنك المركزي هنا في الرباط، وفي الحكومة المغربية، وأنا متأكدة من أنهم سيتخذون القرار المناسب في الوقت المناسب”.

ضمن هذه الظروف، ربما من الجيّد للمغرب أن يفكر في الانتقال إلى سعر صرف مرن تماماً للعملة. لكن حتى الآن، لبنك المغرب رأي آخر؛ حيث أن يرى سعر الدرهم غير مبالغ فيه أولاً، ومواكب لوضعية البلاد الاقتصادية، كما أن المملكة لديها نسيجًا اقتصاديًا يقوم على الشركات الصغرى بنسبة 90%، والمتوسطة 9%، والشركات الكبرى 1%، وبالتالي؛ فإن هذا النسيج غير مهيّأ لتحريك سعر الصرف ولا سعر الفائدة بوتيرة متسارعة.

وقد بدأ المغرب تحرير سعر صرف الدرهم عام 2018 باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5% صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3% كما في السابق. وفي 2020، تمّ توسيع النطاق إلى حدود 5% ارتباطاً بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40%.

وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قد وافق على اتفاق لمدة عامين مع المغرب للحصول على خط ائتمان مرن (FCL) بقيمة 5 مليارات دولار. وقال الصندوق، في حينه، إن “هذا الخط مُصمم لأغراض منع وقوع الأزمات، ومن شأنه تعزيز الاحتياطيات الوقائية الخارجية للبلاد ويقدم ضمانات ضد أي مخاطر متطرفة محتملة على أساس مؤقت، وذكر أن السلطات المغربية تعتزم التعامل مع الخط باعتباره تحوطيًا”.

وتوقع الصندوق في يناير الماضي أن يصل متوسط نمو الاقتصاد المغربي إلى 3.2% خلال 5 سنوات، إذ ستساهم الآثار الإيجابية الأولية للإصلاحات الهيكلية في تعويض الآثار المدمرة للوباء والحرب الروسية في أوكرانيا.

كذلك توقع أن ينمو اقتصاد المملكة المغربية بنحو 3% خلال العام الجاري، مقابل 1.2% العام الماضي عندما تضررت البلاد من الجفاف وتداعيات الحرب في أوكرانيا.