كتبت – أسماء حمدي
غالبًا ما يساء فهم الأمراض النفسية والعقلية في الكاميرون ووصمها، ويُلقى اللوم على السحر عندما يصاب بها شخص ما، وهناك القليل من البيانات حول حجم هذه الأمراض في البلاد، كما أن النقص في الأطباء والمتخصصين المعنيين يترك العديد من الأشخاص دون تشخيص وبدون علاج.
وفي عام 2020 لم يكن في الكاميرون سوى 12 طبيبا نفسيا و300 من المتخصصين النفسيين و150 ممرضة للصحة النفسية والعقلية في البلد البالغ عدد سكانه 28 مليون نسمة، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
العلاج والأمل
ينتشر العديد من المشردين في العاصمة ياوندي، ومن بينهم عددا كبيرا من المرضى النفسيين والعقليين الذين رفضتهم أسرهم، لكن قرية الحب (Le Village de L’amour ) تقدم لهم العلاج والأمل.
وحسب صحيفة الجارديان البريطانية، كانت إلويزا بينتيكوتيسا من بين المتسولين في شوارع ياوندي، وكانت تتناول طعامها من صناديق القمامة، عندما صادفها فريق من العاملين في مجال الصحة واقترحوا عليها أن تذهب معهم، إذ لم يكن لدى الفتاة البالغة من العمر (28 عامًا) أي فكرة عن المدة التي قضتها في النوم في شوارع الكاميرون.
ومع المشاكل النفسية الشديدة وعدم وجود عائلة مباشرة تستقبلها، تلقت الفتاة تهديدات وسوء معاملة وتعرضت لخطر الإصابة بأمراض مثل الكوليرا، إذ غالبًا ما يتم رفض الأشخاص المصابين بأمراض عقلية حادة مثل بينتيكوتيسا من قبل عائلاتهم، وتتفاقم ظروفهم بسبب تركهم يتجولون في الشوارع بمفردهم.
وبعد مرور 8 أشهر على تدخل الفريق الصحي، تقيم بنتيكوتيسا في “قرية الحب” حيث تتلقى العلاج والأدوية المجانية لمرض انفصام الشخصية.
الحب هو دواؤنا الأول
تأسست “قرية الحب” في مايو 2021، وتقع في أراضي مستشفى جاموت في ياوندي، وهي عبارة عن مشروع مشترك بين وزارة الصحة العامة ومجلس مدينة ياوندي.
تقول الطبيبة النفسية في مستشفى جاموت ورئيسة القرية، الدكتورة جوستين لور مينجوين: “هدفنا الرئيسي هنا هو علاج المرضى النفسيين والعقليين الذين يعيشون بلا مأوى في شوارع ياوندي، إنه مركز الرعاية المجاني الأول والوحيد المخصص للمرضى المشردين في الكاميرون.”
ويجوب الفريق الذي يتكون من أكثر من 100 متطوع، من بينهم ممرضون وعلماء نفس وأخصائيو صحة وأطباء، شوارع المدينة بانتظام، مع توفير الأمن من قبل مجلس المدينة، بحثًا عن المشردين الذين يحتاجون إلى المساعدة، وهم عادة أفراد يعيشون في ظروف قاسية وقد طردتهم عائلاتهم أو رفضتهم بسبب وصمة العار أو الخوف بشأن مرضهم.

عندما يحدد الفريق شخصًا يحتاج إلى المساعدة، يحاولون أولا البحث عن عائلته لسؤالهم عما إذا كانوا سيسمحون لهم بالعودة إلى المنزل وتلاقي العلاج فيه، أما المرضى الذين لا لم يعثروا على أسرهم أو ترفض عائلاتهم مساعدتهم يتم نقلهم إلى المركز.
تقول مينجويني: “ليس جميع المرضى مدركون أو على استعداد لتلقي العلاج، لذلك نستخدم القوة أحيانًا، إنهم مرضى وبعضهم عراة ويأكلون القمامة ومعظمهم مصابون بالفصام، ولا يمكنهم فهم ما يحدث”.
تقول عالمة النفس، أودري بوكام، إن اسم المركز يعكس روحه: “الحب هو دواؤنا الأول، وهنا عندما يصل المرضى، نعاملهم بالحب، نظهر لهم أنهم مهمون، بعد أن تم رفض العديد منهم من قبل عائلاتهم”.
الكثير من الأحلام
من بين أكثر من 100 مريض في القرية، 95% مصابون بالفصام، ويصل البعض أيضًا بحالات أخرى التقطوها من خلال وحشية العيش في الشوارع، بما في ذلك السل والجروح التي قد تتطلب بتر الأطراف والكوليرا وغيرها من الأمراض المرتبطة بسوء الظروف المعيشية.
بالنسبة للكثيرين، بما في ذلك بينتيكوتيسا، ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم تشخيصهم فيها، وبمجرد استقرار المرضى طبيًا، يتم إعطاؤهم العلاج وتعليمهم المهارات الحياتية.
استغرق الأمر أشهرًا من العلاج قبل أن تبدأ بنتكوتيسا في التعافي، وتبدأ قصتها في الظهور تقول إنها أرادت دائمًا أن تكون محبوبة، لقد فقدت أمي عندما كنت صغيرة جدا، مضيفة: “لقد نشأت مع عمي، وأعتقد أن والدي قد تخلى عني، وعندما عثرت عليه أخيرًا، التقيت به عدة مرات لكنه توفي أيضًا، وذهبت للعيش مع أختي الكبرى ثم طردتني فيما بعد، وأردت أن أموت لأنه لم يحبني أحد”.
تضيف: “في الشارع، وصفني الناس بالجنون، لكن هنا يرونني كإنسان، أساعد في الأعمال المنزلية، والغسيل، وغسل الأطباق، كما أتحدث مع مرضى آخرين”، وبعد 10 أشهر من العلاج، أصبح لدى بنتيكوتيسا الآن الكثير من الأحلام، تقول: “أود أن أصبح معلمة، وأن أتزوج وأنجب أطفالا”.
صبر ومحبة
أوضحت الممرضة في مجال الصحة العقلية والمنسقة الميدانية في المركز، كارولين مارتين إيبي نجاندو، وهي تعلم المرضى كيفية ارتداء الملابس والاغتسال وتناول الطعام باستخدام أدوات المائدة، إذ أن بعض المرضى عاش في الشارع طوال حياتهم، ونسوا كل شيء، مضيفة: “نحن نعلمهم كل شيء كما نفعل مع الطفل”.
تشير إلى أن المركز عالج أكثر من 630 مريضًا، ويعتني حاليًا بـ 114 شخصًا داخل المستشفى و350 مريضًا خارجيًا.
ذكرت نجاندو أن معظم العائلات عندما يصاب أحد أفرادها تذهب عادة لرؤية الساحر، مضيفة: “في بعض الأحيان، يتهم الساحر المريض بأنه السبب في مرضه، ما يدفع العائلات إلى رفض المريض، ولهذا السبب نجد معظمهم في الشارع”.
يمكن للوالدين أن يجدوا صعوبة في فهم سلوك أطفالهم عندما يمرضون، وتصف فلور (45 عامًا)، التي جاءت لزيارة ابنها جوردان أرميل تشومتتشوا (24 عامًا)، بأنه “متلاعب”، مضيفا: “لقد أصبح مدمنا على المخدرات، وكان يسير في الشارع ويتصرف بشكل غريب”.
من جانبها تتوسط الممرضة إيفلين إيسيان، الحوار بين الأم والابن، قائلة: “هناك الكثير من الغضب، وهنا، نحن لا نعالج مرضانا فقط، نقوم بإجراء عدة جلسات علاجية مع العائلات التي توافق على إعادة الإدماج، قبل كل شيء، نحن ندعو إلى الصبر والمحبة، ويتم إعادة دمج 80٪ من المرضى مع أسرهم مرة أخرى.
تتمثل رؤية مينجوين في مستقبل لا تعود فيه الكاميرون بحاجة إلى قرية الحب، قائلة: “المركز موجود لأن المجتمع يرفض هؤلاء المرضى، لا توجد قرية حب لمرضى السرطان أو المصابين بفشل الكلى أو القلب، وهدفنا هو أن تدعم العائلات الأشخاص بنفس الطريقة التي يفعلون بها عندما يصابون بأمراض أخرى، فالمجتمع لا يتخلى عن هؤلاء المرضى ونحن نريد حقًا أن يكون لدينا نفس الشيء مع المرضى الذين يعانون من الفصام في إفريقيا”.