كتب – حسام عيد
سيكتسب أفق زنجبار إضافة جديدة مثيرة خلال السنوات القليلة المقبلة، مع الافتتاح المخطط لـ “برج زنجبار” الذي يبلغ ارتفاعه 96 مترًا، ومكون من 28 طابقًا تم تصميمة بتقنية الأخشاب الهجينة وهي السمة الرئيسة التي تميز المبنى.
ويُطلق على البرج اسم “القرية الخضراء العمودية”، والذي سيكون معلمًا بارزًا ليس فقط للجزيرة، بل لأفريقيا بأكملها وسيكون أيضا معلمًا بيئيًا عالميًا، كونه أول مبنى خشبي في جميع أنحاء العالم يتم إنشائه بهذه النسب.
ويهدف “المشروع التاريخي” إلى “إظهار فوائد استخدام الأخشاب كمواد بناء للعالم”، كما يقول ميلان هيلمان، مدير المشروع في شركة CPS Zanzibar، الشركة التي تقف وراء أعمال وتشييد البرج. في حين أن عناصر الأساسات وجوهر المبنى سوف تستخدم الخرسانة، سيتم بناء بقية الهيكل بالخشب.
ويقع البرج السكني الذي يضم 266 وحدة سكنية في مدينة فومبا، والتي تعد المدينة البيئية الرائدة في شرق إفريقيا والتي طورتها شركة سي بي إس الهندسية التي يديرها ألمان. وتصنف هذه المدينة كاستثمار استراتيجي وتدعمه حكومة زنجبار بشكل كامل، كما أن هذه المدينة النامية التي تقع بالقرب من العاصمة، التي يُسمح للأجانب بالشراء فيها، تمتد على شاطئ البحر بطول 1,5 كيلومتر على الساحل الجنوبي الغربي.
ومن المخطط أن يكون برج زنجبار أطول مبنى خشبي في العالم (على الرغم من أنه قد يتفوق على هذا اللقب من خلال مشاريع أخرى قيد التنفيذ حاليًا). ومن المقرر أن يبدأ البناء في العام المقبل، وسيستغرق استكماله من ثلاث إلى أربع سنوات.
ويأمل هيلمان أن تكون ناطحة السحاب الخشبية الجديدة في زنجبار هي الأولى من بين العديد من المشاريع المماثلة في أفريقيا. والواقع أن زيادة استخدام الأخشاب في صناعة البناء والتشييد يُنظر إليها من قبل المناصرين باعتبارها خطوة رئيسية نحو مكافحة أزمة الإسكان في أفريقيا، فضلًا عن الحد من البصمة الكربونية الهائلة لصناعة البناء والتشييد، كما أوردت مجلة “أفريكان بيزنس”.


مراعاة الاعتبارات المناخية
يشهد الخشب، الذي ربما كان المادة الأكثر استخدامًا في بناء المنازل عبر تاريخ البشرية، نهضة. ويُعد برج زنجبار واحدًا من عدة مشاريع رفيعة المستوى حول العالم تم التخطيط لها أو تم الانتهاء منها بالفعل.
وتشمل المشاريع الكبرى الأخرى في أفريقيا برج الثروة السيادية المخطط له في الجابون، والذي سيوفر مساحة أرضية تبلغ 9000 متر مربع في ليبرفيل.
وتستخدم المباني الحديثة القائمة على الخشب عادةً المنتجات الخشبية الهندسية المعروفة باسم “الأخشاب الجماعية”؛ حيث يتم ربط طبقات متعددة من الخشب معًا لتوفير القوة. أحد منتجات الأخشاب الجماعية الأكثر شيوعًا هو الخشب ذات الطبقات المتقاطعة؛ حيث يتم لصق طبقات من الخشب معًا، مع وضع الألواح في كل طبقة بشكل عمودي على الألواح في الطبقات العلوية والسفلية.
ويعكس تجدد الاهتمام بالأخشاب الأضرار البيئية التي تسببها مواد مثل الفولاذ والخرسانة. ويرتبط ما يقدر بنحو 11% من انبعاثات الكربون العالمية بمواد البناء.
وقد جدت الأبحاث التي نشرها المعهد الدولي للبيئة والتنمية العام الماضي أن استخدام الخشب في 50% من المباني الجديدة في أفريقيا من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق قطاع البناء في القارة صافي انبعاثات كربونية سلبية بحلول عام 2050.
ومن الناحية النظرية، فإن إحدى فوائد زيادة استخدام الأخشاب هي أنها ستشجع على زراعة غابات جديدة، والتي تمتص بعد ذلك الكربون وتوفر موطنًا للتنوع البيولوجي. من جانبها، جوديث سيوكاو، كبيرة مسؤولي برامج الغابات التجارية في غاتسبي أفريقيا، وهي مؤسسة خيرية، ترى أنه يمكن للغابات التجارية أن تساهم في الواقع في المزيد من الحفاظ على الغابات وزيادة الغطاء الحرجي إذا تم تنفيذها بشكل مستدام.
وتعد الأخشاب أقدم مادة بناء في العالم. وتشهد تكنولوجيا الأخشاب حاليًا نهضة بسبب فوائدها البيئية وطول عمرها. وتعتبر منتجات الأخشاب الجديدة مثل الخشب الرقائقي المتقاطع وخشب الطبقات المصمغ بمثابة مواد البناء في المستقبل. ومن الجدير بالذكر أن متر مكعب واحد من الخشب يقوم بجمع نصف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء، في حين يكون البناء الخرساني التقليدي مسؤولاً عن 25٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
والخبر السار، وخاصة في شرق أفريقيا، هو أنه لا يوجد حاليًا نقص في الأخشاب الموردة من الغابات المعتمدة من قبل مجلس رعاية الغابات، الذي يدير نظام إصدار الشهادات الأكثر شهرة في هذا القطاع.
فيما أفادت كارولين راي، المديرة الإقليمية لشرق أفريقيا في شركة Arup، وهي شركة تصمم وتخطط لمشاريع البنية التحتية والبناء، بأن هناك وفرة من الأخشاب الحاصلة على شهادة مجلس رعاية الغابات (FSC) في المنطقة، مشيرة إلى أن أوغندا وتنزانيا توفران “مزارع قوية ومستدامة”، يمكن من خلالها تصدير الأخشاب إلى كينيا وغيرها من البلدان المجاورة.


ضمان سلاسل قيمة مستدامة
من المؤكد أن أفريقيا لديها القدرة على تلبية طلبها على الأخشاب من موارد القارة الخاصة، خاصة وأن دورة نمو الأشجار في المناطق الاستوائية من أفريقيا هي من بين الأسرع في العالم. لكن العناصر الأخرى لسلسلة قيمة الأخشاب أقل تطورًا بكثير في القارة.
يجب أن تمر الأخشاب بعدة مراحل من المعالجة قبل أن يتم استخدامها في البناء؛ حيث أن الانتقال من الشجرة إلى شيء جاهز للاستخدام في البناء، ربما يستغرق أربع أو خمس خطوات. كما أن إحدى “النقاط الصعبة” الرئيسية في أفريقيا هي الافتقار إلى القدرة المحلية على التجفيف في الأفران المحلية “القمائن”. هناك حاجة إلى التجفيف في الفرن لإزالة الرطوبة من الخشب لمنع تزييف المنتج.
في الواقع، تستورد الشركة المطورة لبرج زنجبار، حاليًا، منتجات خشبية بكميات كبيرة، والتي تستخدم في العناصر الهيكلية الحاملة للبناء، من أوروبا. لذلك؛ تعد زيادة القدرة المحلية على معالجة الأخشاب أمرًا أساسيًا لتمكين استخدام الأخشاب على نطاق أوسع في البناء في أفريقيا.
ومع ذلك، فالأخشاب قادرة بالفعل على المنافسة من حيث التكلفة مقارنة بالمواد التقليدية. وفي حين أن الخرسانة والصلب أرخص إلى حد ما من الأخشاب الكبيرة في الوقت الحاضر، فإن استخدام الأخشاب الجاهزة يمكن أن يسرع عملية البناء بشكل كبير وبالتالي يخفض التكاليف.
إن إحدى المزايا الرئيسية للبناء الخشبي هي أن العناصر تكون جاهزة مسبقًا في المصنع، فاستخدام الأخشاب الجاهزة يمكن أن يسمح للمطور بتقليل وقت البناء في مبنى مكون من ثلاثة إلى أربعة طوابق بمقدار ستة إلى 12 شهرًا.


مواد حديثة
على الرغم من بعض المزايا الجذابة لاستخدام الأخشاب، إلا أن العديد من المراقبين يتوخون الحذر بشأن توقع انتشار الأخشاب.
إن توسيع نطاق استخدام الأخشاب في قطاع البناء في القارة “قد يستغرق بعض الوقت”. لذلك؛ يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه التبني الجماعي في الإدراك.
تدور بعض علامات الاستفهام الرئيسية حول قدرة الأخشاب على مقاومة الحرائق والمخاطر الأخرى. إن فكرة أن الخشب يمكن أن يتناسب حقًا مع قوة ومتانة الفولاذ والخرسانة ليس من السهل على العديد من أصحاب المنازل المحتملين تصديقها.
في الواقع، هناك أدلة كثيرة على أن الهياكل الخشبية جيدة البناء يمكن أن تكون مرنة بشكل استثنائي. يُعتقد أن أجزاء من معبد هوريو-جي في اليابان هي أقدم مبنى خشبي في العالم، وقد ظل قائماً منذ حوالي 1300 عام.
يمكن للأخشاب أن توفر الحماية ضد الحرائق؛ حيث إن الطبقات الخارجية تصبح متفحمة عند حرقها، ويمكن بعد ذلك توفير العزل لتأخير حرق الطبقات الداخلية. في حين أن الهيئات التنظيمية تتخذ أساليب مختلفة لتنظيم السلامة من الحرائق في ولايات قضائية مختلفة، يتفق الخبراء على أن ضمان السلامة يتطلب التطبيق الصارم لمعايير البناء.
إن السلطات في أفريقيا بحاجة إلى تحسين الفهم لكتلة الأخشاب من أجل تمكين الاستخدام الآمن للمنتج في القارة. لذلك؛ يجب أن يكون هناك استعداد من جانب الحكومات لتكون قادرة على التعمق في التفاصيل ووضع اللوائح المناسبة لمحاولة التأكد من أنها قوية وآمنة.
وفي الوقت نفسه، من الضروري على الحكومة تنمية الوعي بأن الأخشاب ليست مادة من عصر ما قبل الحداثة التي لا تزال مرتبطة بالفقر في أذهان الكثير من الناس، ونشر فكر أن الخشب هو في الواقع “مادة فاخرة”، وعلى السوق الشامل سرعة إدراك الفوائد التنافسية للأخشاب.

وختامًا، يمكن القول إنه في زنجبار على الأقل، سيكون من الصعب تجاهل الأخشاب بمجرد أن ترتفع ناطحة السحاب الخشبية الجديدة في القارة على الواجهة البحرية، فكلما زاد عدد المنازل والمنازل التي يتم بناؤها بالأخشاب، كلما زاد فهم الناس لجمالها.