كتب –  محمد الدابولي

تتجدد الأزمات السياسية في الصومال مع قدوم كل موسم انتخابي، نظرا لغياب التوافق المجتمعي والسياسي حول آليات قانونية ودستورية مناسبة لإجراء الانتخابات بصفة دورية في البلاد، فالصومال عانت خلال عقدين تقريبا من تأثيرات حرب أهلية أدت إلى انهيار النظام السياسي بها وانتشار الجماعات الإرهابية كحركة الشباب فضلا عن عمليات القرصنة وانتشار المجاعات.

ويعول المجتمع السياسي الصومالي والدولي على الانتخابات المقبلة والمقرر إجراؤها في نهاية العام الحالي لكونها أول انتخابات تعددية عامة تجري في البلاد منذ أكثر من 50 عام، كما أنها قد تشكل نقطة مفصلية في مستقبل السياسية الصومالية خلال العقود القادمة، إذ قد تشكل بداية لعقود جديدة من الاستقرار السياسي الممزوج بالتحول الديقراطي السليم، أو انتكاسة ديمقراطية تعرض مستقبل البلاد للمزيد من الأخطار والويلات.

تجاذبات سياسية

مبدئيا حالة الاستقطاب والتجاذب السياسي الذي تشهده الساحة الصومالية حاليا ليس الأول من نوعه في السياسة الصومالية، فقبيل الانتخابات الماضية 2016/2017 عاشت الصومال خضم اضطراب سياسي حول قانون الانتخابات وتباينت مواقف الولايات الفيدرالية إزاء ذلك القانون، ففي الوقت الذي عبرت فيه ولايات غلمدغ وجنوب غرب الصومال تأييدهما للقانون، انبرت ولايات أخري كبونت لاند وجوبالاند في التعبير عن رفضهما لقانون الانتخابات.

وقتها جاءت اعتراضات الولايات الفيدرالية على النظام الانتخابي المتبع والمتحور حول المحاصصة القبلية في الانتخابات (نظام 4.5 الذي يضمن حصول القبائل الأربعة الرئيسية في البلاد وهم الدارود والهوية ودر والرحنوين على حصة تمثيلية متساوية في كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيما تحصل بقية القبائل الأخري على نصف حصة)، حيث كانت تفضل ولاية بونت لاند في ذلك الوقت على أن يكون النموذج المتبع في الانتخابات مبني على أسلوب المحاصصة المناطقية والإدرية بمعني أن يتم تحديد حصة معينة لكل ولاية فيدرالية وعدم التقيد بالإطار القبلي للمجتمع الصومالي.

وحينها وجهت اتهامات للنظام بأنه محاولة من الرئيس السابق «حسن شيخ محمود» لأجل ضمان بقاءه في المنصب، كما اتهم رئيس ولاية جوبالاند أحمد مدوبي المجتمع الدولي بممارسة ضغوط سياسية شديدة على الولايات الفيدرالية لأجل الموافقة على قانون الانتخابات حيث شبه المجتمع الدولي حينها بالقبيلة الخامسة في المجتمع الصومالي.

ولأجل تمرير قانون الانتخابات حينها جرت العديد من اللقاءات التشاورية بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات المعترضة في العاصمة مقديشيو  ومدينة كسمايو ومدينة غروبي لأجل اقناعهم بالنظام الانتخابي الجديد حينها والذي تم تمريره على مضض، وتم من خلاله انتخاب الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو في فبراير 2017 والذي من المفترض أن تنتهي ولايته في فبراير 2021.

ليس اليوم كالبارحة

قد يخيل لنا نظريا أن الأزمة السياسية المتفاقمة حاليا في الصومال تشبه ماحدث قبيل الانتخابات الماضية خاصة في مسألة المداولات السياسية التي جرت في عامي 2015 و2016 حول قانون الانتخابات إلا أنه في الحقيقة ما يجري حاليا في الصومال أعمق من ذي قبل وذلك للعوامل الأتية:

  • تفاقم الصراع بين فرماجو والولايات الفيدرالية: انتهج الرئيس محمد عبدالله فرماجو منذ توليه السلطة في فبراير 2017 استراتيجية جديدة مفادها تصفية والولايات الفيدرالية وتقوية شوكة الحكومة الفيدرالية وتحويلها في مرحلة لاحقة إلي حكومة مركزية تتحكم في كافة الولايات الصومالية، ولتحقيق ذلك أقدم فرماجو على قطع المخصصات المالي الشهرية للولايات الفيدرالية(جوبالاند ـ هرشبيلي ـ جنوب غرب الصومال ـ غلمدغ ـ بونت لاند)، كما أجبرت حكومة فرماجو  رئيس مجلس الشعب السابق محمد شيخ عثمان جواري على الاستقالة.

ومن ناحية أخري لجأ فرماجو إلي زعزعة استقرار الولايات الفيدرالية واضعاف سلطاتها، حيث نجح في الإطاحة بحاكم ولاية هرشبيلي السابق على عبد الله عسبلي، كما أنها أجرت العديد من المحاولات لزعزعة استقرار ولاية غلمدج والاطاحة برئيسها «أحمد دعالي حاف» وهو ما حدث في مطلع 2020 حين تم الاطاحة به عبر انتخابات مثيرة أسفرت عن فوز أحمد عبدي كاريه “قور قور” بعد انتخابات شهدت توترات أمنية وسياسية أدت إلي انقسام الولاية إلبى قسمين أحدهما مؤيد لقور قور والأخر مؤيد لزعيم جماعة أهل السنة والجماعة الشيخ محمد شاكر الذي رفض الاعتراف بفوو قورقور بالانتخابات.

خلال تلك الانتخابات لعب فرماجو دور إحكام سيطرته على ولاية غلمدج من خلال تأييد ترشيح  قورقور الذي كان يشغل منصب وزير الأشغال العمومية في الحكومة الفيدرالية قبل أن يستقيل من منصبه ويترشح على منصب رئيس الولاية، وحاليا يحاول قور قور تقريب وجهات النظر بين الحكومة الفيدرالية وبقية الولايات من خلال عقد مؤتمرات تشاورية في عاصمة الولاية دوسمريب.

  • التمديد: منذ مؤتمر عرته بجيبوتي (إبريل ـ مايو 2000) لم ينجح أي رئيس صومالي في الظفر بولاية ثانية[i]، رغم محاولات البعض لأجل التمديد والبقاء في السلطة فترة أطول، إلا أن الرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجو يبدو أنه عازم على البقاء فترة أطول في الحكم سواء كان ذلك عبر آلية التمديد القاهري أو آلية التجديد عبر الانتخابات.

يرتكن فرماجو في مسألة التمديد إلي التبريرات التي تروجها رئيسة المفوضية المستقلة للانتخابات «حليمة إسماعيل إبراهيم» بأن ظروف جائحة كورونا والفيضانات التي تشهدها البلاد تعوض دون ا1جراء الانتخابات في موعدها، وأضافت إلي أن اللجنة بحاجة إلي الوقت الكافي لتسجيل الناخبين وتجهيز اللوجستيات اللازمة لعملية الانتخابا وتأمين المقرات الانتخابية وتسجيل الأحزاب السياسية وغيرها، وفي المقابل أعلنت الولايات المجتمعة في مدينة دوسمريب في 11 و 12 يوليو الماضي عن رفضهم لمحاولات تأجيل الانتخابات.

  • التجديد وإعادة الانتخاب:

نقطة أخرى كانت محل خلاف بين الرئيس فرماجو والولايات الفيدرالية هي مسألة قانون الانتخابات الذي مازال قائما على أساس المحاصصة القبلية وليس الإدارية (نظام 4.5) والذي يضمن إعادة انتخاب نفس الأعضاء في البرلمان بغرفتيه الشعب والشيوخ، الأمر الذي يسهل اعادة انتخاب الرئيس فرماجو مرة أخرى، فطبقا للمادة 89 من الدستور تتم انتخابات رئيس الجمهورية من خلال جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والشعب برئاسة رئيس مجلس الشعب، ويجب حضور ما لايقل عن ثلثي الأعضاء مجتمعين، ويكون الفائز بمنصب الرئاسة المرشح الحائز على أغلبية الثلثين من الأصوات.

لذا وفقا للنظام الانتخابي المعمول به من المتوقع أن تكون حظوظ فرماجو مرتفعة للغاية في التجديد لولاية أخري، وهو ما ترفضه الولايات الفيدرالية التي تطالب بتعديل قانون الانتخابات وتقليل الاعتماد على المحاصصة القبلية لصالح المحاصصة الإدارية والتي تضمن استقلالا فيدراليا لحكومات الولايات.

وثمة خطوات أخرى اتخذها فرماجو لتعزيز مسألة التجديد منها تعيين مستشار خاص به لشئون الانتخابات وهو عبدي على راغي ، فضلا عن تخصيص 13 مقعد لسكان العاصمة مقديشيو تحت دعوى تمثيل العاصمة، إلا أن البعض يري أن مسألة تمثيل العاصمة محاولة من الرئيس لضمان أكبر قدر  من الأصوات المؤيدة له في البرلمان الفيدرالي.

  • الحضور الإقليمي

بالإضافة إلي الأزمة الداخلية وزيادة حدة الصراع بين مكونات المجتمع الصومال، تعاني مقديشيو من ثمة تدخلات اقليمية واسعة في شئونها الداخلية، بدأ من جارتها إثيوبيا التي تدعم الحكومة الفيدرالية على حساب الولايات نظرا لترابطهما في العديد من المفات أبرزها الدعم الصومالي لأديس أبابا في أزمة سد النهضة، والتنسيق الأمني بين الجانبين خاصة في ملاحقة عناصر جبهة تحرير الأوجادين الفارين إلي الأراضي الصومالية.

كما تعاني الصومال من تدخلات قطرية وتركية تمثلت في تعيين مراسل قناة الجزيرة السابق فهد الياسين رئيسا للاستخبارات الصومالية وتذليله لكافة العقبات التي تواجه النفوذ القطري في البلاد، فضلا عن العلاقات الممتدة بين الرئيس فرماجو وأمير قطر تميم بن حمد، إلي الحد الذي دفع رئيس حزب ودجر المعارض إلي اتهام قطر بزعزعة الاستقرار الداخلي في البلاد، واتهام الرئيس فرماجو بالعمالة لقطر.

  • الإطاحة بالحكومة

خطوة أخرى تشير إلي أن الأزمة الصومالية باتت أكثر تعقيدا من ذي قبل، ألا وهي مسألة حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء حسن علي خيري في جلسة مفاجئة يوم 25 يوليو الماضي، وجاءت مسألة الحجب في ظل ظروف غامضة للغاية، حيث لم يكن موضوع حجب الثقة مدرجا على أجندة اجتماعات المجلس حيث كان من المفترض أن يتم مناقشة عملية اجراء الانتخابات، إلا أنه تم تقديم طلب سحب الثقة من الحكومة في نفس الجلسة وتم التصويت عليه إذ وافق 170 عضو على طلب سحب الثقة فيما اعترض 8 فقط، وهو ما آثار الريبة في ذلك التحرك نظرا لفجائية موضوع سحب الثقة، كما أنه تم في غياب نواب البرلمان المؤيدين لرئيس الوزراء، ويعود التحرك المفاجئ لرئيس مجلس الشعب في سحب الثقة إلي أمرين وهما، إصرار رئيس الوزراء على اجراء الانتخابات في موعدها على عكس رغبة الرئيس فرماجو الذي يرغب في التمديد، نقثطة أخرى توضح وجود عداء خفي بين طرفي السلطة التنفيذية الصومالية هو  تزايد الطموح السياسي لرئيس الوزراء واتخاذه العديد من الترتيبات في الفترة الأخيرة ليكون مرشحا في الانتخابات المقبلة، فوفقا لتقرير نشره موقع راديو دالسان الصومالي في 28 يونيو الماضي أي قبل حجب الثقة بشهر تقريبا، أشار إلي أن رئيس الوزراء حسن خيري بدأ في تسويق نفسه كخليفة محتمل للرئيس فرماجو، خاصة بعد زيارة خيري المفاجئة إلي قطر في يونيو 2020 والتي استمرت خمس أيام ورافقه في الرحلة محافظ البنك المركزي الصومالي عبدالرحمن محمد عبد الله، ويشير  الموقع إلى أن خيري نجح في إقامة علاقات طيبة مع بعض المسئولين في الدوحة والمختصين بالشأن الصومالي وطرح نفسه كخليفة محتمل للرئيس فرماجو.

  • انحياز لجنة الانتخابات

باتت لجنة الانتخابات المستقلة في الصومال تثير الريبة السياسية في المجتمع السياسي الصومالي خاصة مع إصرار لجنة الانتخابات حليمة إبراهيم في العديد من المواقف على عدم قدرة اللجنة من النواحي اللوجستية على إجراء الانتخابات ورفضها لقرارات مؤتمر رؤساء الولايات دوسمريب في 11 و 12 يوليو الماضي والتي أكدت على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها.

ماذا بعد؟

من المؤكد أن الأيام المقبلة ستشكل مستقبل الانتخابات في الصومال خاصة مع اقتراب موعد مؤتمر  روساء الولايات الفيدرالية الثالث في مدينة دوسمريب في 15 أغسطس القادم، حيث يأتي المؤتمر بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء حسن خيري، والمشاورات المكثفة التي يجريها الرئيس فرماجو لأجل تأجيل الانتخابات خلال الفترة المقبلة تحت دعوى انعدام التجهيزات اللوجستية للانتخابات وعدم اكتمال عملية تسجيل الناخبين، وهل سينجح حكام الولايات الفيدرالية في تأكيد مطالبهم السابقة في مؤتمري دوسمريب الأول (12 يوليو) ومؤتمر دوسمريب الثاني (19-22 يوليو) في ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها المحدد في نهاية العام الجاري مع ضرورة تغيير النموذج الانتخابي المتبع.


[i] . منذ انهيار نظام محمد سياد بري عام 1990 ومؤتمر عرته في جيبوتي عام 2000 والذي أسس للمرحلة الانتقالية في الصومال لم ينجح أي أي رئيس صومالي في تجاوز مدة ولاية حاجز الخمس سنوات فعبد القاسم صلاد تولي رئاسة البلاد في أغسطس 2000 وحتي أكتوبر 2004 وتبعه عبد الله يوسف أحمد من  أكتوبر 2004 وحتي ديسمبر 2008، ثم تولي عدن محمد نور مادوبي كرئيس مؤقت للبلاد من ديسمبر 2008 وحتي يناير 2009، حيث تولي شيخ شريف شيخ أحمد رسائة البلاد منذ 2009 وحتي 2012 ثم  حسن شيخ محمود من 2012 وحتي 2017 وأخيرا محمد عبد الله فرماجو من 2017 وإلي الآن.