كتب – حسام عيد

مع نهاية 2021، أعلنت الحكومة الناميبية اختيارها للكونسورتيوم الألماني بقيادة شركة “هايفين هيدروجين إنرجي” من خلال مناقصة تنافسية مفضلة لمشروع الهيدروجين الأخضر في منتزه تساو خيب الوطني، المعروف سابقًا باسم سبيرجبيت، وهو منطقة لاستخراج الماس في جنوب غرب ناميبيا، في صحراء ناميبيا.

وجاء اختيار الشركة الألمانية، كونها أفضل مترشح من بين مقدمي العطاءات لتطوير أول مشروع هيدروجين في البلاد، وستحصل الشركة على الحق بإنشاء المشروع وتشغيله لمدة 40 عامًا، بحسب موقع “إنرجي كابيتال آند باور”.

وشركة “هايفن” هي مشروع مشترك بين شركتي “نيكولاس هولدينجز” البريطانية، و”إنرتراج” الألمانية المطورة لمصادر الطاقة المتجددة.

ويعتبر مشروع الهيدروجين الأخضر الواسع النطاق هو أبرز مشروع في مبادرة الحكومة لتطوير الممر الجنوبي (SCDI) في خاراس، المنطقة الواقعة في أقصى جنوب البلاد.

وقد أشار جيمس منيوبي، المستشار الاقتصادي الرئاسي ومفوض الهيدروجين في الحكومة، إلى أن المنطقة مناسبة بشكل خاص بسبب مواردها الشمسية وطاقة الرياح الكبيرة وقربها من الساحل. فيما وصفت “هايفين” المنتزه بأنه أحد أفضل خمسة مواقع في العالم لإنتاج الهيدروجين منخفض التكلفة.

قوة رائدة بطاقة الهيدروجين الأخضر

بموجب الاتفاقية، سيدشن الكونسورتيوم الألماني العمليات في عام 2026، وسيصل حجم الإنتاج المقدر إلى نحو 300 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا. ومع حجم مشروع نهائي يبلغ 9.4 مليار دولار، تريد ناميبيا ترسيخ مكانتها كقوة رئيسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ويكاد يكون هذا الاستثمار مساويًا للناتج الإجمالي المحلي للدولة البالغ 10.7 مليار دولار في عام 2020، وفقًا للبنك الدولي.

وتستهدف ناميبيا تصدير الهيدروجين الأخضر سنويًا للأسواق الإقليمية والعالمية، إما في صورة هيدروجين أخضر نقي وإما في شكل مشتقات أخرى مثل الأمونيا الخضراء.

ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى الإنتاج في عام 2026، وستوفر نحو 2 جيجاواط من قدرة توليد الكهرباء المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لتحويله إلى أمونيا خضراء، بتكلفة رأسمالية تقديرية تبلغ 4.4 مليار دولار.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة هايفن، ماركو رافينيتي: إن الشركة تأمل الحصول على 5 جيجاواط من قدرة توليد الكهرباء، و3 جيجاواط من قدرة التحليل الكهربائي بحلول عام 2030.

وبمجرد تطوير المشروع بالكامل، سيوفر قرابة 15 ألف فرصة عمل خلال 4 سنوات التشييد، وتوفير 3 آلاف فرصة عمل أخرى خلال مرحلة التشغيل. ومن المتوقع أن يشغل الناميبيون أكثر من 90% من هذه الوظائف.

ورغم أن قطاع الهيدروجين الأخضر يمثل حاليًّا أقل من 1% من إنتاج الهيدروجين العالمي، إلا أن البلدان الأفريقية بما في ذلك مصر والمغرب وجنوب أفريقيا تنجذب جميعها إلى إمكاناتها في عالم يتحول نحو الطاقات المتجددة.

ويقدر مجلس استثمارات البلاتين العالمي أن تبلغ قيمة القطاع نحو 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2050، ويدعم 30 مليون وظيفة. تخطط اليابان وحدها لاستيراد ما يصل إلى 800 ألف طن من المنتج سنويًا اعتبارًا من عام 2030.

في الوقت الحاضر، يعتمد إنتاج الهيدروجين العالمي على تجريد الهيدروجين من الوقود الأحفوري مثل الميثان أو الغاز الطبيعي أو الفحم. في المقابل، يتم إنتاج طاقة الهيدروجين الخضراء باستخدام التحليل الكهربائي، وهي عملية تفصل جزيئات الهيدروجين عن المياه المحلاة باستخدام توربينات الرياح أو الطاقة الشمسية.

وتعمل هذه العملية على تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية بدون انبعاثات كربونية. ويتيح الهيدروجين المستعاد الحصول على الطاقة بطريقتين: من خلال احتراقه المباشر بالأكسجين أو في شكل كهرباء عبر خلية وقود.

ويمكن استخدام الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من القطاعات التي يصعب استخدام التحليل الكهربائي بها، مثل إنتاج الصلب والأسمنت ولها تطبيقات محتملة واسعة الانتشار في قطاع النقل، مما يساعد على الحد من تغير المناخ.

ولكن مع التكنولوجيا التي تتطلب استثمارات جديدة واسعة النطاق في البنية التحتية، فإن ناميبيا وشركائها قادرون على إنجاح المشروع.

إمكانات هائلة.. وفرص واعدة

تعرضت ناميبيا مؤخرًا لجفاف شديد بسبب كونها معرضة لتأثيرات تغير المناخ واعتمادها الكبير على القطاع الزراعي. ولمواجهة تغير المناخ، تعهدت ناميبيا بتخفيض انبعاثاتها بنسبة 91٪ على مدى السنوات الخمس المقبلة والوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.

ناميبيا هي أول دولة في أفريقيا تُدرج حماية البيئة في دستورها والطاقة الخضراء هي ركيزة أساسية لخطة الإنعاش الاقتصادي التي تم إطلاقها في مارس 2021، وهي خطة “هارامبي” للازدهار الثانية.

وتخطط ناميبيا لاستغلال إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة لتقليل اعتماد المنطقة على الوقود القائم على الكربون. ومن خلال مكافحة تغير المناخ والاستفادة من مواردها الطبيعية، تقول ناميبيا إنها تأمل في جذب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة إلى قطاع الطاقة الخضراء.

ويتوقع أحد خبراء الحكومة الألمانية أن يكلف كيلوجرام واحد من الهيدروجين من البلاد حوالي 2 دولار، وهو سعر تنافسي من شأنه أن يضع ناميبيا بين منتجي الهيدروجين الأخضر ذوي الإمكانات العالية ويضعها كمنتج ومصدر محلي رئيسي. وتمتلك ناميبيا احتياطيات وفيرة من البلاتين والإيريديوم، وهما معدنان يستخدمان لفصل الهيدروجين عن الماء.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مساحات شاسعة من الأراضي غير المستغلة في ناميبيا، وتتمتع البلاد بأكثر من 3500 ساعة من أشعة الشمس وسرعات الرياح المثالية. هذه العوامل تسمح لها باستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتلبية احتياجاتها.

وتُركز خطط ناميبيا للعام الجديد على تعزيز صناعة الهيدروجين الأخضر وفتح المجال لمزيد من الاستثمارات بها، مستفيدة من إمكاناتها الهائلة التي جرى الترويج لها خلال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي “كوب 26”.

التحديات والعقبات

على الرغم من تفاؤل الحكومة الناميبية، إلا أن البلاد تواجه العديد من التحديات في سعيها لأن تصبح منتجًا رئيسيًا للهيدروجين الأخضر. تشكل كمية المياه اللازمة لإنتاج الهيدروجين تحديًا في بلد متصحر إلى حد كبير يتميز بندرة المياه حيث يمكن أن تكون تحلية المياه باهظة الثمن.

تكلفة التحليل الكهربائي المستخدم في عملية تصنيع الهيدروجين مرتفعة أيضًا. تعتمد ناميبيا على التكلفة المنخفضة للهيدروجين الأخضر لتصبح واحدة من أكبر المصدرين في العالم، ولكن القدرة التنافسية للهيدروجين الأخضر الناميبي غير مضمونة.

بدون ميزة صافية من حيث السعر، قد تجد ناميبيا صعوبة في التنافس مع المنتجين الأكثر خبرة مثل أستراليا وتشيلي والمغرب، والتي تتمتع آخرها بروابط قوية مع السوق الأوروبية.

السياسات واللوائح ضرورية للحكومة لجذب الاستثمار في الطاقة المستدامة وتزويد المستثمرين ببيئة مستقرة.

المنافع الاقتصادية

ومع ذلك، إذا بدأ المشروع بالفعل، فيمكنه وضع البلاد كموزع لجنوب أفريقيا وأوروبا، وسيمكن من جمع حقوق الامتياز، والمساهمة في الصندوق السيادي والضرائب. يمكن إنشاء ما لا يقل عن 18 ألف فرصة عمل مباشرة، بما في ذلك 3000 وظيفة دائمة، وستستفيد المجتمعات المحيطة من فائض المياه المحلاة بواسطة المحطة.

لا تهدف المبادرة إلى إدخال ناميبيا إلى سوق الطاقة العالمي فحسب، بل تهدف أيضًا إلى إزالة الكربون من جميع قطاعات البلاد وتقوية سوق العمل الناميبي.

ومع تأثر اقتصاد البلاد بتداعيات الجائحة الوبائية “كوفيد-19″، تهدف خطة الازدهار إلى بدء الانتعاش الاقتصادي والنمو في ناميبيا، وخلق وظائف مجدية وصناعات جديدة. من المتوقع نمو نحو 3.6٪ هذا العام بعد 1.3٪ في عام 2021، لكن الاقتصاد انكمش بنسبة -8% مع تفشي الوباء في عام 2020.

ومن المتوقع أن تساهم خبرة الكونسورتيوم المشارك عبر سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر بأكملها، في تطوير وجمع الأموال وتنفيذ مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، وجعلها أمرًا حاسمًا في تقديم مشروع بهذا الحجم والتعقيد بنجاح، ومن ثم فتح فرص الاستثمار التي تدفع الاقتصاد إلى الأمام، والأهم من ذلك، تحسين نوعية الحياة لمعظم الناميبيين.