كتب – حسام عيد

تحتاج البلدان الأفريقية إلى اتخاذ خطوات لوقف تغير المناخ، لكن القارة لا يمكنها أن تسلك نفس المسار إلى صافي “صفر انبعاثات” مثل دول العالم الأغنى.

ومع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي “كوب 26 – COP26” للمناخ، تركز أذهان أذكى العقول في العالم على هدف عاجل واحد، وهو؛ “الوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصفرية على مستوى العالم”. وتعرض أفريقيا خلال مؤتمر المناخ “كوب 26” أمام واضعي السياسات وصناع القرار الدوليين مُعضلة مُعقدة بشكل خاص.

أهمية أفريقيا “الحيوية” لمناخ العالم

في حين أن بلدان القارة قد قدمت مساهمة ضئيلة في أزمات التغير المناخي بالعالم، يتوقع المجتمع الدولي إلى حد كبير من أفريقيا أن تستجيب بنفس الطريقة التي تستجيب بها بقية دول العالم. في الواقع، من أجل الحد من متوسط ​​زيادة درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2050، ومن الأهمية بمكان أن تلعب أفريقيا دورها الحيوي والاستراتيجي لكوكب الأرض والبشرية.

ورغم أن معظم القارة لا تتمتع بأي من مزايا الأنظمة كثيفة الكربون التي تم اختبارها في أماكن أخرى، تواجه الحكومات الأفريقية التحدي الأصعب في كبح استخدام الطاقة المنخفض جدًا في دولهم بنحو 180 كيلو وات في الساعة للفرد مقارنة بـ6500 كيلووات في الساعة في أوروبا، و13 ألف كيلو واط ساعة في الولايات المتحدة؛ وفق ما أفادت مجلة “أفريكان بيزنس”.

وتتمثل أحكام اتفاقية باريس بمسارات متعددة ذات مسؤوليات مشتركة ولكن متباينة للاعتراف بأن الدول التي أصبحت غنية من حرق الوقود الأحفوري يجب أن تخفض انبعاثاتها بشكل أسرع للسماح للدول الفقيرة بالتطور. وتحتاج أفريقيا إلى خارطة طريق واقعية تتخذ نهجًا مختلفًا ولكنه فعَّال.

وفي حين أنها تساهم بنسبة 2-3% فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن القارة تعاني بشكل غير متناسب من آثار تغير المناخ، حيث وقعت أربعة من أسوأ 10 كوارث حددتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 2021 في أفريقيا. في الوقت نفسه، وباعتبارها موطنًا لـ14% من الغطاء الحرجي في العالم الذي يخدم مصارف الكربون، تلعب أفريقيا أيضًا دورًا حيويًا في تحقيق صافي الصفر العالمي.

تعتمد الدول الأفريقية مثل نيجيريا والجزائر وأنجولا وليبيا بشكل كبير على صادرات النفط للحصول على عائدات. بشكل عام، حوالي 70% من الصادرات الأفريقية مستمدة من النفط والغاز والتعدين كثيف الكربون. وتمثل هذه القطاعات حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وهي مكون أساسي للدخل الحكومي.

وفي الوقت نفسه، لا يزال غالبية سكان أفريقيا يفتقرون إلى الكهرباء والطاقة الأساسية اللازمة للطهي. ونتيجة لذلك، تعتمد أفريقيا في الغالب على الوقود الخشبي والفحم النباتي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، مما يعرض الغطاء الحرجي القيّم للخطر.

المفارقة اليائسة هنا هي أن أفريقيا لديها الموارد بوفرة لتوفير كل الطاقة اللازمة للتنمية. لا معنى لهجر وتجميد مثل هذه الموارد، خاصة إذا كان من الممكن استغلالها بطريقة أنظف.

كيفية الوصول لصافي “صفر انبعاثات”

من الأهمية بمكان أن تتخذ البلدان الأفريقية، إلى جانب بقية العالم، خطوات مدروسة وواقعية لوقف تغير المناخ. الشرط الأساسي هو أن يتم الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة البديلة بطريقة لا تعاقب اقتصادات المنطقة المتعثرة وتؤدي إلى المزيد من الفقر.

وسيكون لسحب الاستثمار العالمي المفاجئ من هذا القطاع آثار إنمائية كارثية. العديد من البلدان الأفريقية -وخاصة كبار منتجي النفط- مع الاعتراف بالحاجة إلى الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، تفتقر إلى أي وسيلة للتحول بالجملة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

وبدلًا من إيقاف تشغيل مصادر الطاقة الحالية، تكمن الطريقة المستدامة للمضي قدمًا في إضافة طاقة بديلة للحصول على حصة متزايدة من إمدادات الطاقة في الفترة التي تسبق عام 2050.

الطاقة المتجددة هي الهدف النهائي. هذا يعتمد على التمويل الكافي لزيادة إمدادات الطاقة المتجددة بشكل كافٍ. وهناك أيضًا مسألة الأحمال الأساسية التي يجب مراعاتها؛ فالشمس لا تشرق دائمًا ولا تهب الرياح دائمًا. سيحتاج ضمان مصدر موثوق للطاقة إلى مزيج من بعض أنواع الوقود الأحفوري، حتى مع تقليل الاعتماد عليه بمرور الوقت.

ويعد استغلال احتياطيات الغاز الطبيعي أمرًا أساسيًا كمصدر انتقالي أنظف للوقود. وتمتلك أفريقيا إمدادات وفيرة من الغاز الطبيعي التي يمكن الوصول إليها بثمن بخس نسبيًا. ويمكن أن يوفر الغاز الطبيعي وقود طهي بديل أكثر استدامة وأقل تكلفة لملايين الأشخاص، وبالتالي يدعم الحفاظ على الغطاء الحرجي للقارة، والذي يلعب دورًا حيويًا في امتصاص الكربون للتخفيف العالمي.

في بعض البلدان المنتجة للنفط، مثل نيجيريا، يعد تسخير الغاز الطبيعي أمرًا بالغ الأهمية أيضًا للحد من الانبعاثات الخطيرة مثل غاز الميثان من الأجزاء غير المحترقة من المشاعل. وعلى الرغم من الانخفاض بنسبة 70% في العقدين الماضيين، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن حرق الغاز لشركات الوقود الأحفوري لا يزال مسؤولاً عن انبعاثات أكثر من جميع وسائل النقل أو الكهرباء التي يستخدمها 200 مليون نيجيري.

سلاسل التوريد

يتطلب تحقيق صافي الصفر أكثر من طاقة أنظف. يعتمد بشكل كبير على التخلص من الشحن غير الضروري وتوطين التصنيع. عادة ما يتم شحن المواد الخام الأفريقية إلى الشركات المصنعة الآسيوية ثم إرسالها إلى الأسواق الأوروبية حيث يتم استهلاكها كسلع تامة الصنع. وهذا يهدر كميات هائلة من الطاقة.

ويكمن أحد الحلول المهمة في زيادة قدرات التصنيع، مع وجود مرافق إنتاج قريبة قدر الإمكان من المواد الخام. هناك مجمعات “أرايز” الصناعية المتكاملة في الجابون وتوجو والبناء الجاري في بنين، بتمويل من 290 مليون دولار من مؤسسة أفريقيا المالية (AFC).

ومن خلال العمل مع شركة أولام Olam الدولية الرائدة بمجال الأغذية والزراعة، وحكومة الجابون، تم اعتماد مجمع مدينة “نكوك Nkok” الصناعي في الجابون كأول منطقة خالية من الكربون في أفريقيا، ويمكن القول في العالم بأسره من قبل شركة “سوسيتيه جنرال” السويسرية المتعددة الجنسيات لخدمات الفحص والمراقبة وإصدار الشهادات، والتي تعرض القدرة على التنمية الحساسة للمناخ بالنظر إلى المزيج الصحيح من الشركاء المسؤولين والتمويل الكافي.

لقد حوّل المشروع صادرات الجابون من الأخشاب الخام إلى القشرة والأثاث المصقول عالي القيمة من خلال اتباع نهج مشترك في التنمية، والجمع بين حوافز الأعمال والميناء والطرق والبنية التحتية المادية الأخرى.

إن عددًا كبيرًا جدًا من الطرق والمباني وغيرها من البنى التحتية في أفريقيا سيئة البناء ومعرضة بشدة لأنماط الطقس المتغيرة. البنية التحتية المادية الأساسية مطلوبة للتوصيل، التغذية، والتصنيع بالقارة، حتى يتمكن الأفارقة من الحصول على حصة أكثر إنصافًا من قيمة موارد القارة.

اعتبارات التمويل

يكمن الجزء الأخير من لغز تحقيق التحول المناخي في تعبئة التدفقات المالية المحلية والدولية الكبيرة.

وتلعب مؤسسات تمويل التنمية ورأس المال الخاص أدوارًا رئيسية في إنشاء أدوات استثمارية مبتكرة ونشر نماذج التمويل المختلط التحفيزي للتخلص من الاستثمارات المناخية وزيادة المعروض من المشاريع القابلة للتمويل.

وتُظهر الزيادة الكبيرة في الطلب على السندات الخضراء والاستثمارات الصديقة للبيئة والحوكمة مجالًا لإطلاق تريليونات الدولارات التي تحتفظ بها صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد وشركات التأمين والمستثمرين المؤسسيين الآخرين.

ومع ذلك، في الوقت نفسه، تخاطر أفريقيا بالاستبعاد من الهيكل المالي العالمي المتطور، والذي يتم إعادة تشكيله نحو أهداف انبعاثات البلدان الأكثر ثراءً. وتعد “مؤسسة أفريقيا المالية AFC” واحدة من المؤسسات القليلة في أفريقيا التي تصدر سندات خضراء، حيث تُمثل القارة أقل من نصف في المائة من المبلغ الصادر عالميًا، وفقًا لبيانات من مركز ستوكهولم للتمويل المستدام.

وختامًا، وبينما يتصارع صناع القرار والقادة في مؤتمر المناخ “كوب 26” مع التحديات المتعددة لصافي الصفر العالمي، فإن التفويض لأفريقيا واضح. يجب ألا يضع العمل المناخي الدولي عمليات ومراحل التنمية في أفريقيا في وضع غير مؤات. كضحية لظروف لم تخلقها المنطقة، تحتاج إلى الوصول إلى مبادرات تمويل إبداعية وبأسعار معقولة من المجتمع العالمي للتكيف مع آثار تغير المناخ.

في الوقت نفسه، يجب أن يوسع مسار أفريقيا إلى صافي الصفر؛ مصادر الطاقة، ويدفع كفاءة استهلاك الوقود، ويقلل الشحن غير الضروري من خلال التصنيع المحلي.في نهاية المطاف، ومع السياسات المناسبة لدعم التوسع القوي في التقنيات النظيفة والتركيز الكافي على تحسينات كفاءة الطاقة، يمكن لأفريقيا أن تمضي قدما نحو تحقيق إنجاز ملحوظ، وهو؛ أن تصبح أول قارة تصل إلى مستوى كبير من النمو الاقتصادي والصناعي باستخدام مصادر طاقة