كتبت – أماني ربيع

الآن أصبح بالإمكان اعتبار 2021، هو عام الأدب الأفريقي بامتياز، بعد الإعلان عن فوز الروائي السنغالي الشاب محمد مبوجار سار بجائزة “جونكور” الأدبية المرموقة، التي تعد أرفع جائزة أدبية في فرنسا.

وفاز مبوجار بالجائزة عن روايته “ذاكرة البشر الأكثر سرية” ” La plus secrète mémoire des hommes”، ليتوج عاما حافلا بالاحتفاء والتقدير بالأدباء الأفارقة وأعمالهم، بعد فوز الروائي السنغالي الفرنسي ديفيد ديوب بجائزة مان بوكر في يونيو الماضي عن روايته “في الليل كل الدماء سوداء”، ثم الفوز الكبير للتنزاني عبدالرزاق جرنة بجائزة نوب للأدب لعام 2021 في أكتوبر الماضي.

وبهذا يكلل الأدب الأفريقي بنجاح واعتراف عالمي كبير مع التتويج بالجوائز العالمية الكبرى في مجال الأدب.

محمد مبوجار سار.. جائزة جونكور

وانتزع مبوجار سار، رغم حداثة سنه (31 عاما)، الجائزة في الدور الأول، بأغلبية الأصوات حيث حصل على 6 أصوات دفعة واحدة، فلم تعد هناك حاجة إلى المرور إلى دور ثاني وثالث من التصويت كما هو المعتاد فيما يتعلق باختيار الفائز بالجائزة.

ورأت الصحافة الثقافية الفرنسية فوز رواية مبوجار بالجائزة، خيارا جريئا لاختيار شاب في أوائل الثلاثينيات بدلا من الأسماء المخضرمة، وبعد عامين من اختيار فائزين تعدو الستين من عمرهم.

كذلك لأن الرواية تحمل تقنية سردية معقدة، قد تجعل من النص صعبا على الكثير من القراء، ما يجعل هناك تساؤلات حول أرقام المبيعات، وبينما اعتاد القارئ الفرنكوفوني روايات فائزة متوسطة تقع ضمن حقول اهتماماته على اختلافها، تأتي هذه الرواية بدرجة عالية من السردية والأدبية والعمق الفكري، لتحصر لذة القراءة بعدد نخبوي من القراء، بحسب ما قالت الصحفية كاتيا الطويل في مقالها عن فوز الرواية بـ “إندبندنت عربية”.

وتدور رواية “ذاكرة البشر الأكثر سرية” حول يوميات شاعر أفريقي شاب ينتقل إلى فرنسا لتتبع آثار كاتب أفريقي يدعى تي سي أليمان، نال شهرة واسعة واستحق لقب «رامبو الأفريقي» رغم أنه لم ينشر قبل سوى رواية واحدة.

وقال مبوجار في مقابلة صحفية: “أردت من خلال تطرقي لموضوع الكتابة والأدب أن أركز على صنعة الكاتب، وأن أكتشف نفسي وما أقوم به في حياتي ككاتب، كما أردت أن أقدم نظرة تأملية في الكتابة ودورها وعلاقتها بالحياة والتاريخ، أردت أن أجد كاتباً من القرن العشرين ذائع الصيت وملعوناً بطريقة ما، وأن أبحث عبره عن الأسباب التي يملكها المرء ليكتب وعن التحديات التي يواجهها عند الكتابة والعواقب التي تنزل به بعد النشر.”

وأضاف: ” تناولت حياة كاتب مهمش بعد فوز لأنني وجدته شخصاً مذهلاً ومثيراً للاهتمام بغموضه وغرابة المأزق الذي وقع فيه. يضع الكاتب عمله عموماً ويقوم بالمخاطرة بنشره ثم يدفع الثمن غالياً. في هذه الحالة كان الثمن هو الصمت لخمسين عاماً”.

لكن ورغم الإشادات بروايته وفرادة تقنية الكتابة وأسلوبه السردي، يخشى مبوجار أن يكون فوزه سياسيا، لمجرد أنه أفريقي، وفي مقابلة أجريت معه بعد الإعلان عن فوزه مباشرة: “آمل ألا يكون سبب فوزي هو أنني أفريقي، وأرجو أن يكون النص هو الأساس خلف هذا الخيار، أشكر لجنة التحكيم على قرارها، وآمل أن يكون الأدب هو الدافع الأول وراء اختياري، الأدب الجميل والنبيل والخالد”.

نشأ مبوجار سار في السنغال حيث درس حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر إلى فرنسا وتابع دراسته في مدينة كامبيين ثم التحق بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.

كانت موهبة مبوجار طاغية بحيث بزغ نجمه سريعا، كما حاز على الاعتراف به كموهبة أدبية واعدة على الساحة الفرنسية

نشر روايته الأولى “أرض مقدسة” عام 2015، والتي حازت على اهتمام النقاد والصحافة الثقافية وحازت على جائزة آمادو كوروما في معرض الكتاب الدولي بجنيف.

وفي عام 2018، نشر روايته الثانية “صمت الجوقة” التي تبع حكايات مجموعة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين محتجزين في مركز للاجئين بجزيرة صقلية الإيطالية.

وتأتي أهمية هذه الجائزة في أنها أول جائزة جونكو يفوز بها أفريقي منذ 100 عام، ، بعد رينيه ماران الذي فاز بجائزة جونكور عام 1921 عن رواية “باتوالا، رواية زنجي حقيقي”.

ويعتبر البعض انه بهذا الاختيار تؤسس لجنة جونكور لبداية عهد جديد من الخيارات الأدبية الجريئة والمختلفة منذ تأسيسها عام 1903.

وفي القائمة القصيرة للجائزة التي تمنح للروايات المكتوبة بالفرنسية، تنافست 4 روايات، والروايات الثلاث الأخرى هي: “الرحلة في الشرق” لكريستين أنجو والصادرة عن دار “فلاماريون”، والتي نالت جائزة “ميديسي” قبل أيام، إحدى الجوائز المهمة للرواية الفرنسية.

ورواية “طفل اللقيط” لسورجي شالاندون والصادرة عن دار “جراسيه”، ورواية “ميلواكي بلوز” للكاتب لوي فيليب دالمبير الصادرة عن “سابين ويسبيسر” وتتحدث عن مأساة صبي نشأ في حي فقير للسود في الولايات المتحدة، يبرع في كرة القدم ويتمسك بها كفرصة للخروج من واقعه البائس ومن مصير رفاقه الواقعين في فخ المخدرات، وحين يقترب من حلمه تصطاده رصاصة في الشارع من شرطي أمريكي.

ويحصل الفائز بجائزة جونكور على صك قيمته 10 يوروات رمزية، لا غير، لكن مكافأته الحقيقة، بالإضافة إلى المكسب المعنوي، تأتي من عائدات الرواية الفائزة التي تحقق في الغالب مبيعات بمئات الآلاف من النسخ ومن الترجمات.

ديفيد ديوب.. مان بوكر

وفي يونيو الماضي، حصل الكاتب الفرنسي السنغالي ديفيد ديوب، على  جائزة مان بوكر الدولية عن روايته “في الليل كل الدماء سوداء” وهو عمل يضع فرنسا في مواجهة مع تاريخها في أفريقيا.

وفي روايته يتحدث ديوب عن الرجال الأفارقة الذين قاتلوا من أجل فرنسا في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكيف عندما بدأ في قراءة رسائل الجنود الفرنسيين، وجد أنهم تجاهلوا ذكر أي شيء عن جنود المشاة من البلدان الأفريقية المستعمرة.

شعر ديوب بالاستياء، وقال: “في السنغال نعرف كلنا ما فعلناه لفرنسا، لهذا شعرت برغبة في كتابة رسالة خيالية من جندي سنغالي.”

وأظهر نجاح الرواية وجود رغبة في مزيد من النقاش حول تاريخ فرنسا الاستعماري مع أفريقيا.

وأشار ديوب إلى أنه: “يمكن للأدب أن يكون وسيلة لتحريك الناس قبل أن يتجهوا إلى التفسيرات العقلانية للتاريخ”.

تشكل الحرب جزءاً من موروث ذاكرة ديوب عبر ما سمعه من حكايات نقلت إليه عن طريق الجد والأب، عن فرق المشاة المكونة من الجنود السنغاليين الذين شاركوا في الحربيين العالميتين.

يقوم ديوب عبر النبش في التاريخ هذه، بإنصاف هؤلاء الجنود المنسيون مستدعيا الماضي ليروي حكاياتهم، ويعقد مواجهة مع ماضي فرنسا كقوة استعمارية كبرى سيطرت على السنغال، وأخذت آلاف الجنود السنغاليين ليقاتلوا في الصفوف الأمامية، ويواجهوا الجنود الألمان، ويقوموا بكل الفظاعات خلال الحرب، ويتساءل داخل الرواية: عمن كان هؤلاء الجنود يدافعون، ومن أجل ماذا فقدوا إنسانيتهم وحياتهم؟

واستطاع ديوب احتلال مكانة مميزة في ساحة الأدب العالمي، ليتوج هذا النجاح بجائزة البوكر الأدبية الدولية لعام 2021، ونال عن نفس الرواية أيضا “في الليل كل الدماء سوداء” جائزة Goncourt des Lycéens، وهي جائزة فرنسية خاصة بطلاب المرحلة الثانوية الذين يشاركون في التصويت لاختيار اسم الفائز، وكذلك جائزة أحمدو كوروما في سويسرا، وترجمت الرواية روايته إلى اللغة الإنجليزية، وقامت بترجمتها عن الفرنسية الشاعرة البريطانية آنا موسكوفاكيس.

وتحدث ديوب -في أكثر من مناسبة- عن التوازن بين ثقافتيه المختلفتين وقال: ” كان أمرا طبيعيا، ولدت في باريس لأم فرنسيا وأب سنغالي جاء فرنسا للدراسة، ثم انتقلت العائلة فيما بعد إلى داكار.”

وأوضح: “كنت محظوظا كان هناك تقبل لكلا والديّ من الجهتين، لذا تلقيت الكثير من الحب، ولم تكن هويتي الثقافية المزدوجة مصدرا للصراع.”

وأضاف ديوب، أن التوازن بين ثقافته جاء بشكل طبيعي إلى حد ما، ولد في باريس لأم فرنسية وأب سنغالي أتى إلى فرنسا للدراسة. انتقلت العائلة لاحقًا إلى داكار ، وقال “كنت محظوظًا لأن عائلتي الفرنسية والسنغالية تصرفتا بحرارة تجاه والدي، لقد تلقيت الكثير من الحب من كلا الجانبين ولم أشعر بهويتين ثقافيتين كمصدر للصراع.

عبدالرزاق جرنة.. نوبل

وفي أكتوبر الماضي، فاز الروائي التنزاني عبدالرزاق جرنة (72 عاما) بجائزة نوبل في الأدب لعام 2021، عن أعماله التي تستكشف موروثات الاستعمار وتأثيره على المهاجرين العالقين بين الثقافات والقارات في سرد متعاطف وبدون مساومات.

وبهذا الفوز يصبح جرنة، خامس أفريقي يفوز بجائزة نوبل في الأدب، وهو أول أفريقي يفوز بالجائزة -التي تُعتبر الأكثر شهرة في الأدب العالمي- منذ ما يقرب من عقدين.

وحسبما أفادت الهيئة المانحة للجائزة فإن أدبه يتميز بـ “التغلغل الشديد والعاطفي لآثار الاستعمار لدى اللاجئين الذين فروا إلى الغرب ومصيرهم بين الثقافات المختلفة”، خاصة وهو نفسه انتقل إلى بريطانيا كلاجئ في الستينيات من القرن الماضي، بحسب وكالة رويترز.

وقال أندرس أولسون، رئيس اللجنة التي تمنح الجائزة، إن جرنة “توغل باستمرار وبكثير من التعاطف في آثار الاستعمار في شرق أفريقيا على حياة الأفراد المقتلعين والمهاجرين من أوطانهم وسط مجتمعاتهم الجديدة”.

وأضاف أولسون أن الشخصيات في رواياته “تجد نفسها في الفجوة بين الثقافات والقارات، بين الحياة التي خلفوها وراءهم والحياة الجديدة، في مواجهة العنصرية والتحيز، وكيف يجبرون أنفسهم على إسكات الحقيقة أو إعادة اختراع السيرة الذاتية لتجنب الصراع مع الواقع.”

وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، قالت الوكيل الأدبي الخاص به ألكسندرا برينجل في دار بلومزبري، إن فوز جرنة كان الأكثر استحقاقًا لكاتب لم يحصل من قبل على التقدير الواجب لعمله، إنه أحد أعظم الكتاب الأفارقة الأحياء، ولم ينتبه إليه أحد من قبل.”

وأضافت “برينجل”:  إن جرنه كان يكتب دائمًا عن التشرد “ولكن بأجمل الطرق وأكثرها حفظا للأخلاق.”

وأكدت أن إن جرنة كاتب لا يقل أهمية عن تشينوا أتشيبي، وكتاباته جميلة وخطيرة بشكل خاص، كما أنها فكاهية ولطيفة وحساسة.

وُلد جرنة في زنجبار، التي أصبحت الآن جزءًا من تنزانيا ، عام 1948 ، لكنه يعيش حاليًا في بريطانيا، وغادر زنجبار في سن 18 كلاجئ بعد انتفاضة عام 1964 العنيفة التي أطاح فيها الجنود بحكومة البلاد، ولم يتمكن من العودة إلى زنجبار إلا في عام 1984 ، مما سمح له برؤية والده قبل وقت قصير من وفاته.

ومن عام 1980 إلى عام 1982، حاضر جرنة في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1982، وهو الآن أستاذ ومدير الدراسات العليا هناك في قسم اللغة الإنجليزية، واهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو الكتابة ما بعد الاستعمار والخطابات المرتبطة بالاستعمار ، خاصة فيما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.

وهو مؤلف لعشر روايات، بما في ذلك “الجنة” أشهر أعماله، التي أدرجت في القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 1994، وتدور أحداثها في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى، وهناك روايات “عن طريق البحر” و”الهجران” و”ذكرى المغادرة” و “طريق الحجاج” و “دوتي”، وكلها تتناول تجربة الهجرة في بريطانيا.

لغة جرنة الأولى هي السواحيلية ، لكنه اعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أدبية في أعماله المختلفة.