كتب – محمد الدابولي

باتت الحكومة الصومالية على بُعد خطوات قليلة من التخلص من الوجود القطري في بلادها، فبعد التصدي لمحاولات الرئيس “محمد عبدالله فرماجو” لتمديد فترة بقائه في السلطة دون انتخابات، نجحت الحكومة التي تم تعيينها مؤخرا بقيادة “محمد حسين روبلي” الذي تسلم مهامه في سبتمبر 2020 في تجاوز العديد من الأزمات الداخلية، أبرزها الانقسام بين القوى الوطنية وتوحيد الصف الوطني وتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد.

أقلق تزايد شعبية “روبلي” في الصومال الرئيس “فرماجو” الذي بات ينظر إليه على أنه منافسه الأبرز في الانتخابات المقبلة، وذو الحظوظ الكبرى في الفوز بمقعد الرئاسة، وعليه دارت حرب المسئوليات والقرارات والأمور التنفيذية بين الطرفين؛ إذ حاول فرماجو في البداية تقليص دور “روبلي” بمنعه من إبرام الاتفاقيات مع الأفراد والكيانات الدولية في 8 أغسطس الماضي، وهو ما تصدى له روبلي ونجح في إبطاله بزيارته للقاهرة في أغسطس الماضي بعد يومين من قرار فرماجو.

قضية “إكرام تهليل”

شهدت العاصمة الصومالية في بداية الشهر الجاري تجاذبات سياسية حادة بين معسكر الرئيس فرماجو ومعسكر رئيس الوزراء “حسين روبلي” على خلفية مقتل “إكرام تهليل” رئيس مكتب الأمن السيبراني بالمخابرات العامة الصومالية، حيث ادعى وكيل الجهاز المـُقال “فهد ياسين” اختطافها ومقتلها على يد حركة شباب المجاهدين التي سارعت بنفي تلك الأنباء وتأكيدها على أهمية استهداف عناصر الاستخبارات الصومالية والتباهي باغتيالهم لكن خبيرة الأمن السيبرانية لم يتم استهدافها من قِبَل عناصر الحركة.

إزاء حالة الغموض المحيطة بمقتل “تهليل” تحرك رئيس الوزراء “روبلي” يوم 4 سبتمبر الماضي بمنح وكيل الاستخبارات “فهد ياسين” مهلة زمنية مدتها 48 ساعة لأجل توضيح ملابسات اختطاف ومقتل “تهليل”، خاصة في ظل تصاعد الشكوك حول أن تصفيتها جاء على خلفية صراعات وأزمات داخل جهاز الاستخبارات نفسه، وتزايد الشكوك حول مساهمة “ياسين” في اختفاء “تهليل” ومقتلها; وهو ما تحاول أسرتها إبرازه، خاصة بعد محاولات الرئيس فرماجو تعطيل إجراءات التحقيقات التي تجريها الأجهزة القضائية حول مقتلها؛ إذ رفعت أسرة القتيل دعوى جنائية أمام القضاء العسكري تتهم فيها كلا من مدير الاستخبارات السابق “فهد ياسين”، والمقرب من الرئيس فرماجو، وكذلك “ياسين فري” مدير المخابرات في إقليم بنادر، والضابطين عبدالله آدم كلني وعبدالغني ديرني؛ حيث إن الأخير هو آخر شخص اصطحبها من منزلها قبل الاختفاء، وجدير بالذكر أن “فهد ياسين” هو من أقنع “تهليل” بالعودة مرة أخرى للبلاد تحت زعم توظيفها في جهاز الاستخبارات.

السيطرة على الاستخبارات وعزل فرماجو سياسيًّا

بعد فشل “ياسين” في إيجاد رواية مقبولة ومقنعة حول اختفاء ومقتل “تهليل” اضطر; رئيس الوزراء “روبلي” لإجراء تغييرات كبرى في الأجهزة الأمنية، أدت في النهاية إلى تقويض صلاحيات الرئيس فرماجو وتقريبًا تم عزله سياسيًّا؛ إذ تم تجريده من معظم أدواته السياسية والأمنية والاستخباراتية والإعلامية، حيث تم عزل وزير الأمن الداخلي “حسن حندبى جمعالي”، وكذلك مدير وكالة الاستخبارات “فهد حاج ياسين”، وتعيين اللواء “بشير محمد جامع” مديرًا لوكالة الاستخبارات.

تسببت إقالة قادة الأجهزة الأمنية إلى ازدياد غضب الرئيس فرماجو الذي ادعى أن إجراءات عزلهما تمت بطرق غير قانونية ومخالفة للمعايير الدستورية، وفي النهاية لم يجد فرماجو مفرًّا من الاعتراف بعزل ياسين، إلا أنه في نفس الوقت قام بتعيينه مستشارًا للأمن القومي الصومالي.

تجريد إعلامي

علاوة على عزل قادة الأجهزة الأمنية المقربة من فرماجو; اتخذ روبلي قرارات من شأنها التحييد التام للرئيس فرماجو، مثل إصداره يوم 8 سبتمبر الماضي قراراته إلى وسائل الإعلام الرسمية بعدم نشر القرارات الصادرة من الرئيس المنتهية ولايته “فرماجو”، كما تم إبطال قرارات لفر ماجو تضمن تعيين مسئولين في التليفزيون الوطني، وفي المقابل سرت أنباء جرى نفيها من وزارة الإعلام الصومالية تفيد بسيطرة جنود موالون لفرماجو على مبنى الإذاعة الوطنية في مقديشو.

ترحيب صومالي

في المقابل من موقف الرئيس فرماجو، لاقت قرارات وإجراءات رئيس الوزراء ترحيبًا لافتًا من ممثلي المجتمع الصومالي؛ إذ أعلنت ولايتا جوبالاند وبونت لاند من خلال بيانين عن ترحيبهما بقرارات “روبلي” الأخيرة الخاصة بالتحقيق في قضية “إكرام تهليل”، وكذلك عزل فهد ياسين مدر الاستخبارات السابق.

مآلات الوضع السياسي في الصومال

تتجه الأوضاع حاليًا في الصومال إلى احتمالية خلافة “محمد حسين روبلي” للرئيس فرماجو المنتهية ولايته، وذلك في حال إقدام الأول على الترشح في الانتخابات المقبلة، فروبلي هو رجل المهام الصعبة في مقديشو، ففي أقل من عام على توليه نجح في تسكين العنف السياسي في مقديشو بعد اتفاق مايو 2021 مع الميليشيات المسلحة الساخطة على محاولة فرماجو تمديد ولاية حكمه دون انتخابات، كما نجح حتى الآن في تهيئة الأوضاع السياسية تمهيدًا للانتخابات العامة المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي؛ لذا ستكون لقرارات روبلي مآلات متعددة أبرزها:

اشتداد الصراع الداخلي: من المؤكد أن جبهة الرئيس المنتهية ولايته “فرماجو” لن تستلم بسهولة لمحاولات عزله سياسيا وتقليص صلاحياته تمهيدًا لإسقاطه في الانتخابات المقبلة، لذا ستكثف خطواتها السياسية والعملياتية لأجل استعادة نفوذها مرة أخرى من خلال تصدر الأزمات لحكومة روبلي وإظهارها بمظهر العاجز عن إدارة الدولة وإجراء الانتخابات تعزيز فيدرالية الدولة الصومالية: تعزز إجراءات “روبلي” الأخيرة فيدرالية الدولة الصومالية التي ناصبها فرماجو العداء الشديد وحاول التدخل في شئون الولايات لجعل الحكم بصورة مركزية في الصومال مُـجَمِّعًا السلطات والصلاحيات في يده، وأتت تدخلات فرماجو من خلال تأليب الأوضاع الداخلية في الولايات مثلما حدث في ولاية جلمدغ وسط البلاد والمحاولات المتكررة لتأليب الأوضاع في ولايات جوبالاند وبونت لاند.

لذا رحبت الولايات الصومالية التي ما زالت لديها القدرة على التصدي لتدخلات فرماجو بقرارات رئيس الوزراء الأخيرة، ومن المحتمل بصورة كبيرة أن تدفع تلك الولايات إلى إنجاح مهمة روبلي المكلف بها وهي إدارة مناخ انتخابي سليم في البلاد.

تحولت الصومال في عهد الرئيس المنتهية ولايته إلى بوابة ارتكاز سياسية وأمنية للتدخلات القطرية التركية في القرن الأفريقي، تعاظمت بصورة كبيرة خلال عام 2017 حينما تم افتتاح القاعدة العسكرية التركية في مقديشو، ومنها باتت الصومال عنوانا للوجود القطري التركي ومارست العديد من السياسيات التي من شأنها المساس بمصالح الدول العربية الأخرى كمصر والإمارات؛ ففي عهد فرماجو توتر العلاقات الإماراتية الصومالية، وكذلك العلاقات المصرية الصومالية على خلفية موقف مقديشو من مسألة سد النهضة والبعثة التعليمية المصرية في الصومال، كما وجدت تركيا موطئ قدم لها جنوب البحر الأحمر لتمارس سياستها الضاغطة علي الدول العربية وفي مقدمتهم مصر والسعودية والإمارات. عودة الصومال للانفتاح علي الدول العربية: نقطة أخيرة تبرز للعيان وهي عودة الصومال للانفتاح علي الدول العربية مرة أخرى، فزيارة روبلي للقاهرة الشهر الماضي تفيد بذلك، ومن المؤكد أن الدعم العربي للصومال سيتوالى في الفترة المقبلة بعد تعهد مجلس وزراء خارجية الدول العربية في دورته رقم 156 التي انعقد في الفترة من 9- 10 سبتمبر الماضي بدعم الانتخابات الصومالية المزمع إجراؤها قبل نهاية العام الجاري