كتب – محمد الدابولي

بعد مرور عقدين على تأسيس الاتحاد الأفريقي تمكنت إسرائيل من الحصول علي عضوية مراقب فيه، وذلك بعد جهود دبلوماسية عديدة بذلتها تل أبيب من أجل العودة إلي صفة مراقب في المنظمة الأفريقية الشاملة إذ سبق لها أن حصلت على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية قبل تفككها في عام 2002 وتحويلها إلي منظمة الاتحاد الأفريقي.

على مدار العقدين الماضيين ظلت الجهود العربية والأفريقية صامدة وحائط صد أمام محاولات تل أبيب لاختراق المنظمة الأفريقية الشاملة إذ لعب الدور الرائد للدول العربية (ليبيا ـ مصر ـ الجزائر) في تأسيس الاتحاد في منع حصول إسرائيل على تلك الصفة، لكن القرارات الأخيرة التي اتخذها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه بقبول طلب إسرائيل الذي تقدمت به في 22 يوليو  2021 أثار استياء كل الدول العربية في الاتحاد الأفريقي وكذلك الدول الأفريقية الكبرى كجنوب أفريقيا ونيجيريا الذين يمتلكون سجلا حافلا في نصرة القضية الفلسطينية والتنديد بالجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو  قطاع غزة.

امتزاج الغضب العربي بالأفريقي

وكردة فعل على قرارات المفوضية الأخيرة تقدمت كل من مصر والجزائر وجزر القمر وجيبوتي وليبيا وموريتانيا بمذكرات احتجاج علي القرار الأخير  أكدت فيها انتهاك موسى فقيه لسياسات الاتحاد الأفريقي العليا وموقفه الثابت من دعم القضية الفلسطينية، كما تم التأكيد على أن الطلب الإسرائيلي منافٍ تماما للأهداف والمبادئ الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد ومعايير اعتماد صفة المراقب التي اعتمدها الاتحاد في يوليو 2005 الأمر الذي يمثل تجاوزا إداريا وسياسيا غير مقبولا من المفوضية ورئيسها، إذ كان يجب إدراج هذه المسألة على جدول أعمال الجلسة اللاحقة للمجلس التنفيذي للاتحاد وذلك وفقا لما تطالب به الفقرة 5 من القسم الثاني من الجزء الثاني المتعلق بمنح صفة مراقب في الاتحاد.

لم يقتصر الغضب الأفريقي على الدول الأفريقية شمال الصحراء بل امتدت أيضا إلي دول جنوب الصحراء إذ عبرت بيانات جنوب أفريقيا وإريتريا والسنغال وتنزانيا والجابون ونيجيريا وزيمبابوي وليبريا وسيشل والنيجر عن نفس الغضب الذي أبدته بيانات الدول العربية.

صدمة للنضال العربي الأفريقي

شكلت استجابة المفوضية للطلب الإسرائيلي صدمة كبرى لحالة النضال المشترك العربي الأفريقي إزاء القضية الفلسطينية فمنذ القمة العربية الأفريقية 1977 امتزجت الجهود العربية الأفريقية في دعم القضية الفلسطينية سياسيا ودبلوماسيا وكثيرا ما كان للمواقف الأفريقية عامل دعم قوي لنصرة القضية الفلسطينية، ففي منتصف السبعينيات على سبيل المثال تم تصنيف الصهيونية كأيديولوجية عنصرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك بفضل التكتل التصويتي الأفريقي الداعم للقضية الفلسطينية.

ومنذ نشأته عام 2002 كان للاتحاد الأفريقي مواقف ناصعة من دعم القضية الفلسطينية تكشف عن عمق الترابط العربي الأفريقي، ففي قمة غانا 2007 قررت مخرجات القمة دعم جهود مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية ببيروت عام 2002، زفي عام 2013 تم منح دولة فلسطين صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي.

ومما يثير الحيرة والدهشة موقف رئيس المفوضية ذاته، إذ كان لا يفوت أية مناسبة دون التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية الممارسة في حق الشعب الفلسطيني، ففي مايو 2021 أثناء غمار الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أدان موسى فقيه الاعتداءات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى والفلسطينيين وفي القمة الأفريقية عام 2020 أدان فقيه بسياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الخاصة بالسلام في منطقة الشرق الأوسط معتبرا أنها داست على حقوق الشعب الفلسطيني، لذا تحول موقف فقيه يدعو للريبة ويثير تساؤلات حول دوافع تبدل موقفه السياسي.

أبعاد القرار

يمثل قرار المفوضية الأخير بعودة إسرائيل إلي صفة مراقب في المنظمة الأفريقية الأشمل خطوة ذات أبعاد محورية بعضها سيؤثر على العلاقات الأفريقية العربية والبعض الأخر متعلق بحجم التمدد الإسرائيلي في أفريقيا وكاشف له وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:

  • توسيع المجال الحيوي الإسرائيلي: منذ نشأتها في عام 1948 ولدت إسرائيل محبوسة إقليميا بفضل المقاطعة العربية لها، مما دفع العديد من الساسة في تل أبيب إلى محاولة تخطى الجغرافيا الحدودية وتدشين علاقات مع الدول الأفريقية الوليدة في بداية عقد الستينيات ففي عام 1967 ارتفعت عدد البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا إلي نحو 23 بعثة بعد أن كانوا 6 بعثات فقط، ولكن ظلت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في مرحلة شد وجذب ففي عقد السبعينيات قاطعت معظم الدول الأفريقية إسرائيل على خلفية حرب أكتوبر 1973.

وفي بداية الثمانيات بدأت إسرائيل إعادة تصوراتها مرة أخرى تجاه أفريقيا باعتبارها دائرة السياسة الخارجية الأولى لها وميدانا هاما لمواجهة الدول العربية فيه خاصة مصر ودول شمال أفريقيا وتمكنت من استعادة علاقاتها مع معظم الدول الأفريقية إذ وصل عدد الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل إلي 46 دولة أفريقية والتي كان أخرها في عام 2019 حين تم افتتاح سفارة جديدة لها في روندا.

ومثل عام 2016 نقطة انطلاقة كبرى لإسرائيل تجاه أفريقيا ففي هذا العام أجرى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو  زيارات لعدة دول أفريقية، كما استضافت تل أبيب مؤتمرا زراعيا ضم مسئولين من دول غرب أفريقيا ومنظمة الإيكواس.

  • صدمة جديدة للعلاقات العربية الأفريقية: مرت العلاقات العربية الأفريقية بالعديد من الأزمات والتحديات التي تؤثر على العلاقات بين الجانبين إذ توجد العديد من الملفات المتشابكة كالإرهاب والمياه وقضايا الحدود العربية الأفريقية فضلا عن المدركات الذهنية السلبية لكل طرف عن الأخر، لكن رغم وجود تلك التحديات كانت المسألة الفلسطينية والموقف من إسرائيل أرضية مشتركة تجتمع فيها الدول العربية والأفريقية، لذا فالقرار الأخير من شأنه توسيع الهوة السياسية بين الدول العربية والأفريقية خاصة أن الأخيرة شرعت في الفترة الأخيرة إلي توطيد علاقات قوية مع إسرائيل.
  • التأثير على القضية الفلسطينية: على مدار نصف قرن تقريبا كان الدعم السياسي والدبلوماسي الأفريقي للقضية الفلسطينية عاملا مساندا وحاسما في العديد من الجولات السياسية والدبلوماسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لذا فدخول إسرائيل للاتحاد الأفريقي من شأنه تقليل الدعم الأفريقي الموجهة للقضية الفلسطينية وهو ما بدأنا نتحسسه خلال المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة إذ عزفت العديد من المواقف الرسمية الأفريقية عن دعم الموقف الفلسطيني وجاء الدعم في صورة مظاهرات شعبوية غاضبة في كينيا والسنغال وجنوب أفريقيا لكن المواقف الرسمية ظلت باهتة وأقل تأثيرا عما كانت في السابق وبعضها يحمل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مسئولية العنف متجاهلين الانتهاكات الإسرائيلية كموقف الرئيس السنغالي ماكي سال.

ومما يعزز فرضية إسقاط القضية الفلسطينية كقضية مركزية في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية هي حضور 11 دولة أفريقية (تنزانيا، أنغولا، الكاميرون، جمهورية الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساحل العاج، إثيوبيا، جنوب السودان، كينيا، رواندا، زامبيا) حفل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في 14 مايو 2018، في حين لجأت العديد من الدول الأفريقية إلي اتخاذ قرارات معادية لمناصرة القضية الفلسطينية مثل امتناع كل من أوغندا وبنين وجنوب السودان ورواندا والكاميرون وليسوتو ومالاوي، عن التصويت لصالح قرار أممي يدين نقل السفارة إلى القدس، فيما صوتت توجو ضد القرار.

  • محاصرة الدول العربية: من الثابت في السياسة الخارجية الإسرائيلية لجوؤها إلي توطيد علاقتها مع الدول الأفريقية لأجل محاصرة الدول العربية وشد أطرافها، فعلي سبيل المثال نجد أن دول منابع النيل من أكثر الدول المؤيدة لدخول إسرائيل الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب وذلك من أجل ممارسة ضغوط على مصر  التي تشتبك مع تلك الدول في أزمة مياه النيل