كتبت د. سالي محمد فريد محمود

أستاذ الاقتصاد المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة

تسعى غالبية دول غرب أفريقيا لتكون من الدول متوسطة الدخل، وقد تم تعظيم ذلك الهدف والمحافظة عليه في خطط التنمية الحالية والسياسات الاقتصادية لكل من كوت ديفوار، جامبيا، غانا، ليبيريا، مالي، السنغال، توجو. وتتجه خطط التنمية الخاصة ببلدان غرب أفريقيا نحو ثلاثة محاور رئيسية: تكوين الثروة، والمساواة والعدالة الاجتماعية بصورة أكبر، وتحقيق التنمية المستدامة، ويمنحون الأولوية لتحسين الممارسات الإدارية، وخلق مناخ أكثر مواءمة للأعمال التجارية، ووضع نظم صحية وزراعية أكثر قوة، وبنية تحتية حديثة، وقوى عاملة ماهرة، وتعكس تلك الخطط رغبةً في استغلال الموارد التي تشكل العمود الفقري لاقتصاداتها بطريقة أكثر استدامة، كما تعكس التصميم على تنويع الاقتصاد وتحديثه، ولن يتأتى ذلك دون قوى عاملة تتسم بالمهارة واللجوء للعلم والتكنولوجيا والابتكار.

يهدف هذا البحث إلى التعرف على الأهمية الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وما به من تكتلات اقتصادية مثلا الإيكواس والايموا، حيث يعتبران من أنجح التكتلات الاقتصادية الأفريقية مقارنة بالتكتلات الأخرى، من حيث التنظيم والكفاءة وتسوية المدفوعات، وذلك لوجوــد عمــــلة موحــــدة بين الدول الأعضاء (هي الفرانك سيفا) وأيضًـــا لوجود اتحاد نقدي ومالي يدير عملية التسويات والمدفوعات النقدية بين الدولالأعضاء.

أولًا: الأهمية الاقتصادية لمنطقة غرب أفريقيا

 تبلغ مساحة دول غرب أفريقيا خمسة ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا، وتسعى هذه الدول إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وتسهيل المبادلات التجارية، وتعزيز الاندماج في مجالات الزراعة والصناعة والنقل والاتصالات والطاقة.

نجحت دول غرب أفريقيا في جذب استثمارات خارجية بقيمة 15 بليون دولار بسبب الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها، مما جعلها سوقًا استهلاكية للمستثمرين في القطاعين الخاص والعام، وتضم تلك المنطقة ثلث أراضي العالم المتاحة للاستثمار إلى جانب الطاقة الكهرومائية، وامتلاكها لموارد بحرية ومعدنية مثل الماس، والذهب والأسماك واحتياطيات من النفط والغاز، حيث يتركز 70% من مخزون أفريقيا النفطي في الساحل الأفريقي الغربي، ويُتوقع أن يتخطى الناتجُ النفطي العام لدول غرب أفريقيا المطلة على خليج غينيا الناتج النفطي لدول الخليج العربي بحلول عام 2025 بمعدل 25% مقابل 22% لدول الخليج، وانضمت ليبيريا وغانا وسيراليون مؤخرًا لمنظمة الدول المنتجة للنفط في غرب أفريقيا ويقدر مخزونها بــــ 200 مليون برميل، وهذا ما يدعم أن تتحول دول غرب أفريقيا إلى مورد أساسي للاقتصاد العالمي، ويتميز النفط الأفريقي بميزات معينة مثل انخفاض الكبريت وقربه من الأسواق الأوروبية والأمريكية وكلها عوامل عززت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة غرب أفريقيا[1].

وتشهد دول غرب أفريقيا تنافسًا دوليًّا للحصول على النفط والموارد الطبيعية، ويتم عرض ذلك على النحو التالي:

1- الولايات المتحدة: انفردت واشنطن بدول غرب أفريقيا سياسيًّا وعسكريًّا وقامت بتعزيز ذلك بمجموعة من المبادرات أهمها مبادرة الطاقة لأفريقيا، وقامت بـتأسيس مجموعة من القواعد العسكرية والمبادرات الخاصة بمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا، مثل مبادرة محطة الشراكة الأفريقية المنبثقة عن قيادة الجيش الأمريكي في أفريقيا (الأفريكوم)، وتغطي دول غرب أفريقيا 15% من الواردات الأمريكية من النفط الخام، ويمكن أن ترتفع النسبة لحدود 25% في السنوات القليلة القادمة، تهدف واشنطن إلى التقليل من اعتمادها على نفط الشرق الأوسط واستبداله بالنفط الأفريقي بسبب قرب المسافة بين مناطق النفط في غرب أفريقيا ومصافي البترول على الساحل الشرقي للولايات المتحدة مما يوفر نفقات الشحن، كما أن غرب أفريقيا تعتبر منطقة حيوية للنقل البحري، ويشكل النمو المضطرد للاستثمارات في تلك المنطقة خاصة في مجال البني التحتية مؤشرًا على زيادة التبادل التجاري وحركة النقل البحري[2].


2- الصين: تتحرك لتطوير وتأمين مواردها النفطية في غرب أفريقيا، حيث أنشأت الصين منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) وصندوق التنمية الصيني الأفريقي كآلية لتشجيع الاستثمارات الصينية في أفريقيا. وتستورد الصين كميات من النفط والنحاس والماغنسيوم من غرب أفريقيا، كما تقوم بإرسال أهم الشركات النفطية الصينية للعمل في غرب أفريقيا، مثل مؤسسة النفط البحري الوطنية الصينية CNOOC وشركة الصين للبترول CNPC وهي أكبر مصفاة نفط في الصين. وتتمثل أهم المشاريع الصينية في غرب أفريقيا National Petroleum في نيجيريا، كما قامت شركة النفط الوطنية الصينية بتطوير حقل Agadem في النيجر[3].

3- فرنسا: تتمثل أهم الاستثمارات الفرنسية في غرب أفريقيا في شركة (AREVA) العاملة على إدارة مناجم اليورانيوم واستخراجه من النيجر، وشركة بولورا أفريقيا لوجيستكس التابعة لمجموعة بولور الفرنسية القابضة، حيث قامت بتدشين خط سكة حديد بطول 2500 كيلومتر يربط بين النيجر وبوركينافاسو وصولًا إلى ميناء أبيدجان، كما منحت شركة بويغ الفرنسية مهمة بناء جسر يعتبر من أبرز المشاريع الريادية في ساحل العاج[4]

4- روسيا: تعد المعدات العسكرية هي واحدة من المزايا التنافسية لروسيا في غرب أفريقيا، وتعتبر تجارة الأسلحة مع دول غرب أفريقيا هي جزء من إستراتيجية أوسع للحصول على الروابط الاقتصادية وبسط النفوذ في المنطقة، فتجارة الأسلحة في حد ذاتها مزدهرة لكنها يمكن أن تكون سببًا لترتيبات خارجية تسعى موسكو إلى فرضها. وقد وقعت مجموعة الغاز الروسية Gazprom مع شركة Nigerian National Petroleum Company، اتفاقا لاستخدام الغاز النيجيري، وأنشئت الشركتان مؤسسة مشتركة بالمناصفة أطلق عليها اسم نيجاز Nigaz لاستخراج وإنتاج وتحويل وتسويق الغاز، وتم إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز بتعاون نيجيري روسي[5].

4- دول الخليج: تكثف استثماراتها في غرب أفريقيا، ومنها الإمارات العربية المتحدة، وتشمل الاستثمارات الخليجية مختلف القطاعات بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والمطارات والطاقة والأمن الغذائي والمياه، وهو ما يمثل أكبر استثمار خليجي في أفريقيا بما يعادل 16 مليار دولار، والتي تعهدت به شركة المقاولات العامة «طروادة» في الإمارات، كما أن شركة إماراتية تابعة لمجموعة «إيسار» الهندية للصناعة، أعلنت عن استثمار بقيمة 1.89 مليار دولار في مشاريع الطرق والجسور، والمطارات، ومحطات كهروحرارية في بنين وغينيا بيساو والنيجر، وتعهدت شركة باكر للتجارة والمقاولات العمانية بالاستثمار بقيمة 700 مليون دولار لتطوير “ميناء جاف” في كوت ديفوار.[6]

5- تركيا: تعتبر أن دول غرب أفريقيا قاعدة للطاقة التركية ومن هنا قامت بتأسيس القمة التركية الأفريقية. وقامت بتأسيس منطقة تجارة حرة مع دول غرب أفريقيا، ونالت أنقره عضوية بنك التنمية الأفريقي وصندوق التنمية الأفريقي، وبذلك أصبحت تركيا العضو الخامس والعشرين في بنك التنمية الأفريقي من خارج أفريقيا.

ثانيًا: تطور المؤشرات الاقتصادية لدول غرب أفريقيا

تنمو دول غرب أفريقيا بسرعة وتسعى للحفاظ على ظروف الاقتصاد الكلي مستقرة، وخاصة على مستوى المؤشرات الرئيسية، مثل التضخم وسعر الفائدة وسعر الصرف، حيث تسعى غرب أفريقيا لتعميق الإصلاحات الهيكلية وتنويع القاعدة الاقتصادية.

بلغ عدد السكان في دول غرب فريقيا 401862 ألف نسمة عام 2020 وحوالي 43% من السكان في الفئة العمرية أقل من 15 سنة أي خارج قوة العمل، وأن 34% من السكان في الفئة العمرية من 15- 34 سنة، و23% من السكان في الفئة العمرية أكبر من 35 سنة.

شكل رقم (1): معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة (2011 – 2021) %

Source:African Development Bank Group:West African Economic Outlook 2020 Coping with the COVID-19 Pandemic, 2020

يتضح من الشكل رقم (1) أن إقليم غرب أفريقيا حقق معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي بلغ 4% خلال الفترة (2011-2017) وانخفض إلى 3.8% عامي 2018 و2019 وإن كان من المتوقع أن يرجع إلى 4% عام 2021.

شكل رقم (2): مساهمة القطاعات الرئيسية في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غرب أفريقيا خلال الفترة (2015 – 2019) %

Source:African Development Bank Group:West African Economic Outlook 2020 Coping with the COVID-19 Pandemic, 2020

يشير الشكل رقم (2) إلى مساهمة القطاعات الرئيسية في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غرب أفريقيا، حيث يساهم قطاع الخدمات بما يقرب من 55% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2019 ويسهم بحوالي 2.1% في معدل النمو في غرب أفريقيا، يليه القطاع الزراعي يساهم بما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ويسهم بحوالي 1.1% من معدل النمو، يليه القطاع الصناعي يسهم بما يقرب من 15% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ويسهم بحوالي 0.5% في معدل النمو في غرب أفريقيا عام 2019.

وتعد التجارة من أبرز قنوات التكامل وقد زاد نصيب الصادرات الإقليمية من الصادرات الكلية بأكثر من ثلاثة أضعاف. لقد بلغت إجمالي الواردات في غرب أفريقيا 82875 مليون يورو عام 2019، وإجمالي الصادرات بلغت 93645 مليون يورو، لذا بلغت تجارة غرب أفريقيا 176520 مليون يورو، وبلغ الميزان التجاري 10771 مليون يورو عام 2019.

جدول رقم (1): أهم الشركاء التجاريين لدول غرب أفريقيا عام 2019

Source:United Nations Conference on Trade and Development UNCTAD:Illicit Financial Flows for Sustainable Development in Africa, Economic Development in Africa report 2020

يشير جدول (1) إلى أهم الشركاء التجاريين لدول غرب أفريقيا عام 2019، حيث يتمثل أهم الشركاء على مستوى الواردات في الاتحاد الأوروبي بنسبة 25.4% من إجمالي واردات غرب أفريقيا ثم الصين بنسبة 19.7% ثم أمريكا 7.8% ثم الهند ثم كوريا الجنوبية ثم المملكة المتحدة ثم تركيا ثم الإمارات ثم روسيا وأخيرًا النرويج، ويتمثل أهم الشركاء على مستوى الصادرات عام 2019 في الهند بنسبة 25.5% من إجمالي صادرات غرب أفريقيا ثم الاتحاد الأوروبي 24.2% ثم الصين 10.9% ثم سوازيلاند 6.5% ثم جنوب أفريقيا 6% ثم أمريكا 5.5% ثم إندونيسيا ثم المملكة المتحدة ثم الإمارات ثم كندا.

شكل رقم (3): تدفقات الاستثمار والتحويلات لغرب أفريقيا خلال الفترة (2010 – 2018) بالمليون دولار

Source:African Development Bank Group:West African Economic Outlook 2020 Coping with the COVID-19 Pandemic, 2020

يتضح من شكل (3) أن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض خلال الفترة (2011 – 2018) في غرب أفريقيا حيث انخفض من 18 مليار دولار عام 2011 إلى 10 مليارات دولار عام 2018، وارتفعت التحويلات من 24 مليار دولار عام 2010 الــ34 مليار دولار عام 2018.

شكل رقم (4): نصيب الشركاء التجاريين في تجارة دول غرب أفريقيا عام 2018

Source:African Development Bank Group:West African Economic Outlook 2020 Coping with the COVID-19 Pandemic, 2020

يشير شكل (4) لمساهمة الشركاء التجاريين على مستوى الصادرات والواردات في تجارة الدول بغرب أفريقيا عام 2018.

استندت اقتصادات غرب أفريقيا في الغالب على عائدات السلع الخام، حيث إن ما يقرب من95 % من عائدات التصدير في نيجيريا تستمد من النفط الخام والغاز الطبيعي، كما أن الذهب والكاكاو يشكلان بمفردهما53 % تقريبًا من صادرات غانا، ويتأتىّ ما يقارب من ثلاث أرباع دخل مالي من القطن، حيث يتم استخراج المواد الخام أو زراعتها في غرب أفريقيا، وتتم معالجتها على أراضي قارات أخرى، فإن ذلك يحرم هذا المنطقة من الصناعات وفرص العمل. وعلى الرغم من هذه البديهية، فإن بلدان غرب أفريقيا فشلت إلى حد بعيد في تنويع اقتصاداتها، والاستفادة من عائدات التصدير للمنتجات المصنعة وذات القيمة المضافة. [7]

وحقيقة الأمر أن بعض البلدان قد بدأت، على سبيل المثال كوت ديفوار وغانا وغينيا ونيجيريا والسنغال، صار لديها صناعات تنتج سلعًا ذات قيمة مضافة، ومن أجل تعزيز إضافة القيمة وتدعيم قاعدة المواد الخام للصناعات، أسّست تلك البلدان معاهد بحثية بغرض تحويل المنتجات الخام إلى سلع نصف مصنعة أو سلع مجهزة. كما أسّست كل من غانا ونيجيريا معاهد متخصصة في مجال الطيران، والطاقة النووية، والكيمياء، والمعادن.[8]

ويعاني قطاع الزراعة في غرب أفريقيا من التدني المزمن لمستوى الاستثمار به، فقد استطاعت بوركينافاسو، ومالي، والنيجر، والسنغال زيادة الإنفاق العام إلى10 % من الناتج المحلّي الإجمالي، وقد خصصت نيجيريا6 % من الناتج المحلي الإجمالي لديها للزراعة، أما باقي بلدان غرب أفريقيا خصصوا لها أقل من ذلك. أما المجالات الأخرى فهي قطاعات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وهي القطاعات التي تحتمل حدوث شراكات بين القطاعين العام والخاص. ونجد الوضع الأكثر إلحاحًا في بنين، وغانا، وغينيا، والنيجر، حيث يتمتع أقل من10 % من السكان بخدمات الصرف الصحي المحسنة. وعلى الرغم من زيادة فرص السكان في الحصول على المياه النظيفة أكثر من خدمات الصرف الصحي، إلا أن أساسيات المعيشة تلك ما تزال بعيدة عن أيدي ما يتعدّى نصف السكان في معظم الدول. وتختلف فرص الحصول على الكهرباء بشكل كبير من 13% في بوركينافاسو إلى72 % في غانا[9].

ويمكن للتكامل الإقليمي أن يساعد في الإسراع بالتنمية في غرب أفريقيا، فوثيقة رؤية 2020 المعتمدة من قبل الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تتسق مع هدف القارة طويل الأجل في تكوين المجموعة الاقتصادية الأفريقية وتطمح رؤية 2020 إلى منطقة مزدهرة متماسكة بلا حدود، مبنية على الحكم الرشيد، حيث يكون لدى الأفراد بها القدرة على الوصول إلى مواردهم الضخمة وتسخيرها من خلال خلق الفرص لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.

إن رؤية 2020 تطرح خارطة طريق من أجل تحسين الإدارة، والإسراع في تحقيق التكامل الاقتصادي والنقدي، وتعزيز الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص. كما أنها تقر التنسيق المخطط له بشأن قوانين الاستثمار في غرب أفريقيا، وتقترح السعي وبقوة نحو تأسيس هيئة إقليمية لتشجيع الاستثمار، ويتم حث البلدان على تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة المتنوعة من ذوى الكفاءة، والتخلي عن الزراعات التقليدية، وإتباع التكنولوجيا الحديثة، والعمل الحر، والابتكار من أجل تحسين الإنتاجية.[10]

ثالثًا: أداء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)

تأسست “إيكواس” عام 1975 بموجب اتفاقية لاجوس التي وقعتها خمس عشرة دولة من دول المنطقة بعد جهود ومساع وتجارب كثيرة بذلتها هذه الدول للوصول إلي تكتل يجمع بينها ويوحد قدراتها الاقتصادية ومواقفها السياسية ويضمن لها الاستقرار الأمني. وعلى الرغم من أن طبيعة منظمة الإيكواس هي طبيعة اقتصادية، إلا أن قادة ورؤساء الدول الأعضاء أدركوا بعد ظهور بعض المستجدات والمشكلات في المنطقة أنه من الضرورة أن يكون للقضايا السياسية والأمنية مكان في اختصاصات هده المنظمة، فما كان منهم إلا أن اتفقوا على وضع ميثاق للدفاع المشترك بين بلدانهم ليكون أول خطوة تتخذ من نوعها في إطار الأمن الجماعي الأفريقي للتجمعات الإقليمية في القارة[11].

  وقّعت الدول الأعضاء التي تقع جميعا في منطقة غرب أفريقيا في يوليو 1993 على المعاهدة المعدلة للمنظمة لدفع عملية التكامل الاقتصادي عن طريق الاندماج في جميع مجالات النشاط الاقتصادي الصناعي والنقل والاتصالات والطاقة والموارد الطبيعية والتجارة والمسائل المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى تعظيم التعاون السياسي بين الدول الأعضاء.

وتضم الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كوت ديفوار، وبنين، ومالي، وبوركينافاسو، والسنغال، وتوجو، وغينيا بيساو، والنيجر، ونيجيريا، وليبيريا، وسيراليون، وغامبيا، وغانا، والرأس الأخضر. وتمتلك بلدان المنطقة إمكانيات وثروات طبيعية واقتصادية وحيوانية ضخمة وموارد مائية هائلة، وهي بذلك تشكل أحد أهم الأركان والدعائم الأساسية للاتحاد الأفريقي[12]

الأهداف:

– إنشاء سوق مشتركة من خلال تحرير التجارة وإلغاء القيود الجمركية فيما بين الدول الأعضاء، وإنشاء منطقة للتجارة الحرة.

– اعتماد تعريفة خارجية مشتركة ووضع سياسة تجارية مشتركة.

– إزالة العقبات التي تعترض حرية تنقل الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال، والحق في الإقامة والتأسيس.

– إنشاء وحدة اقتصادية من خلال اعتماد سياسات مشتركة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، وإنشاء اتحاد نقدي.

– تشجيع المشاريع المشتركة بين القطاع الخاص وباقي الفاعلين في المجال الاقتصادي، من خلال اعتماد اتفاق إقليمي بشأن الاستثمارات عبر الحدود، واتخاذ تدابير لإدماج القطاع الخاص، وتهيئة بيئة مواتية لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومواءمة قوانين الاستثمار الوطنية وتوحيدها بين جميع دول الجماعة[13].

 وتتمثل أجهزة الإيكواس في: هيئة رؤساء الدول والحكومات، ومجلس الوزراء، وبرلمان ال “إيكواس”، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومحكمة العدل، والسكرتارية التنفيذية، وصندوق التعاون والتنمية. وبالإضافة إلى تلك الأجهزة ولاستكمال البناء التنظيمي للجماعة، تم إنشاء عدد من الوكالات المتخصصة لتنمية مجالات الصحة والمرأة والسياسة النقدية. وتعتبر هيئة رؤساء الدول والحكومات السلطة العليا في الجماعة حيث تضع وتنسق السياسات العامة لها، وتضع الإجراءات اللازمة لتحقيق أهدافها، وتحيل إلى محكمة العدل المنازعات التي لم تتمكن مؤسسات الجماعة من التعامل معها. وتجتمع الهيئة في دورة سنوية عادية وبصورة استثنائية بناء على طلب أحد الدول الأعضاء المعزز بأغلبية بسيطة.

 ويعتبر التكامل الاقتصادي الإقليمي لدول المجموعة خطوة في طريق الوحدة الاقتصادية الكاملة التي تتميز بتحرير التجارة البينية والتي تتحقق بإلغاء جميع العوائق الجمركية وغير الجمركية، وإلغاء العوائق أمام انتقال عوامل الإنتاج بين الدول الأعضاء، والتنسيق بين السياسات الداخلية للدول الأعضاء، بالإضافة إلى الالتزام بسياسة تجارية مشتركة تجاه الدول غير الأعضاء. وقد قامت ثمانية دول فقط بإلغاء العوائق الجمركية على السلع المصنعة، بالإضافة إلى اثنتي عشرة دولة قامت بإلغاء العوائق غير الجمركية. وفي مجال إلغاء العوائق على تدفق عوامل الإنتاج بين حدود الدول الأعضاء، تم اتخاذ إجراءات تنفيذية هامة مثل إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني الدول الأعضاء[14].

جدول رقم (2): حجم التجارة البينية في الإيكواس خلال الفترة (2011 – 2017)

Source: International Monetary Fund Regional Economic Outlook 2020, – A Difficult Road to Recovery, October 2020.

وفقًا لجدول 2 بلغ حجم التجارة البينية في الإيكواس 21.8 بليون دولار في المتوسط خلال الفترة (2011-2017)، وبلغت التجارة البينية 10.6% من إجمالي تجارة الإيكواس، وبلغت صادرات الإيكواس البينية 10.5% من إجمالي صادرات الإيكواس، وواردات الإيكواس البينية بلغت 10.6% من إجمالي واردات الإيكواس في المتوسط خلال الفترة (2011-2017).

ولعبت الجماعة دورا محوريا في العديد من القضايا الإقليمية خاصة في مجال الأمن والسلم في تلك المنطقة المشتعلة بالحروب الأهلية بأن نجحت في إخماد الحروب الأهلية في “سيراليون” و”ليبريا” واستعادة الديمقراطية فيهما، ولكن تعاني الجماعة من العديد من المشكلات التي تعوق الاندماج الإقليمي منها: عدم الاستقرار السياسي الناتج عن ضعف نظم الحكم وضعف المجتمع المدني، والفساد المؤسسي في المؤسسات الوطنية، وتقلب الإرادة السياسية[15].

قامت الجماعة بإنشاء هيئة لتنظيم الطاقة الكهربائية في غرب أفريقيا ووكالة إقليمية تابعة للجماعة للحصول على الطاقة، فضلا عن اعتماد خطة أمن الإمداد بالطاقة الكهربائية في حالات الطوارئ، كما قامت الدول الأعضاء بتنفيذ السياسة الزراعية المشتركة للجماعة من خلال البرامج الاستثمارية الوطنية الجارية بوجه خاص، لتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة، وفي هذا الصدد، عبرت الجماعة عن الحاجة إلى إدارة فعالة لموارد المياه في المنطقة، وذلك لإيجاد قطاع زراعي تنافسي، وللحد من الفقر ومكافحة التصحر، وتسعى الجماعة إلى تعزيز إطار التعاون مع الفاعلين الاقتصاديين وتعبئة القطاع الخاص للمشاركة في عملية التكامل الإقليمي[16].

شكل رقم (5) تجارة التكتلات الاقتصادية في أفريقيا

 المصدر: مركز التجارة الدولية: ديمومة أثر التجارة، التقرير السنوي لعام 2018

إن «إيكواس» تتألف من مجموعتين من الدول؛ الأولى تضم 8 دول ناطقة بالفرنسية هي: بنين وبوركينافاسو وغينيا بيساو وكوت ديفوار ومالي والنيجر والسنغال وتوجو، والتي شكلت فيما بينها «الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA)»، وهو منظمة إقليمية مهمتها تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول الأعضاء، من خلال تعزيز القدرة التنافسية للأنشطة الاقتصادية في إطار سوق مفتوحة وتنافسية ومناخ قانوني رشيد وموائم. وتتداول هذه البلدان عملة «سيفا» أو ما يعرف باسم “الفرنك الأفريقي”، بينما تضم المجموعة الثانية دولًا ناطقة بالإنجليزية والفرنسية، وهي: جامبيا وغانا وغينيا ونيجيريا وسيراليون وليبيريا والرأس الأخضر، ولدى كل واحدة عملتها الخاصة.

وفي أبريل (نيسان) 2000، قامت 5 دول من المجموعة الثانية، هي: غامبيا وغانا وغينيا ونيجيريا وسيراليون، بتأسيس المنطقة النقدية لغرب أفريقيا بهدف تأسيس العملة المشتركة في منطقة غرب أفريقيا على غرار نموذج اليورو في الاتحاد الأوروبي، وهو نظير الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. وكان من شأن هاتين المنظمتين أن تندمجا في نهاية المطاف داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وكان من الواجب أن تدخل العملة الجديدة في عام 2015؛ ولكن المشروع توقف منذ عام 2014.[17]

رابعًا: المكاسب التي حققتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا

أشارت بعض الدراسات الاقتصادية والتي تناولت موضوع التكامل النقدي القائم والمحتمل بين الدول في أفريقيا، إلى أن التكتلات الاقتصادية في أفريقيا قادرة على تحقيق مكاسب ومنافع اقتصادية ونقدية في المدى المتوسط، وتضم تلك المجموعات المناطق الأكثر احتياجًا للتمويل بالنسبة لناتجها المحلي الإجمالي، فالعجز في جانب التمويل يتم القضاء عليه من خلال إنشاء الاتحاد النقدي والعملة الموحدة. أما بالنسبة للمناطق التي تتبع سياسات مالية أكثر انضباطا مثل دول الاتحاد النقدي الأفريقي وجماعة التنمية للجنوب الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول أفريقيا الوسطى، فعلى العكس من ذلك فهي لن تحقق أية مكاسب اقتصادية أو نقدية في المدى المتوسط. ويمكن القول: إن السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ستكسبان من إنشاء عملة أفريقية موحدة، بينما قد تواجه الجماعات الاقتصادية الإقليمية التي تتبع سياسات مالية أكثر انضباطا خسائر في المدى المتوسط[18]، ويوضح الجدول التالي هذه النتائج:

جدول رقم (3): مكاسب الجماعات الإقليمية في أفريقيا

Source:Akpan H. Ekpo:Economic Integration in West Africa:A Reconsideration of the Evidence, African Finances Economic, Association (AFEA) and the National Economic Association (NEA), Atlanta, Georgia, January 1–4, 2018

* متوسط صافي مكاسب الرفاهة: كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

** نسبة الدول الرابحة في الجماعات الاقتصادية الإقليمية: إجمالي المكاسب الإقليمية الصافية مرجحة بالناتج المحلي الإجمالي كنسبة مئوية من مجموع الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأفريقي

يتضح من خلال جدول (3) أن مكاسب الرفاهة التي من الممكن تحقيقها في تكتل دول غرب أفريقيا تعتبر أكبر المكاسب المحققة على مستوى التجمعات الأفريقية، حيث أن متوسط صافي مكاسب الرفاهة قد يبلغ %11.25 من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تحقق السوق المشتًركة للشرق والجنوب الأفريقي مكاسب بنسبة %3.9 من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تحقق في نفس الوقت باقي التجمعات الأخرى خسائر في المدى المتوسط، كما يظهر الجدول أن مكاسب الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تبلغ 3 أضعاف المكاسب الاقتصادية والنقدية المحققة في ثاني أحسن اتحاد في المنطقة، وبالنسبة لعدد البلدان الرابحة في كل مجموعة اقتصادية، نجد أن عدد البلدان الرابحة في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هو 13 بلد من إجمالي 13، كما أن عدد البلدان الرابحة أيضا في منطقة السوق المشتًركة للشرق والجنوب الأفريقي هو 7 من 7 بلدان.

خامسًا: التحديات التي تواجه الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وسبل مواجهتها

وتتمثل أهم التحديات فيما يلي:

  1. إلغاء كافة القيود الجمركية وغير الجمركية المفروضة على التجارة البينية لدول المجموعة؛ ويعتمد عليها توزيع حصيلة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الدول الأعضاء من العالم الخارجي حسب معادلة يتم الاتفاق عليها داخل المجموعة.
  2. رغم التقدُّم الذي أحرزته المجموعة على صعيد النمو الاقتصادي والحد من الفقر، فإن المنطقة تواجه تحديات جسيمة تعزى بالأساس إلى المخاطر الأمنية المرتبطة تحديدًا بالمنطقة.
  3. تسعى دول إيكواس إلى التخلص من القيود الفرنسية المفروضة على عملتها، والعملة الموحدة والسياسات النقدية المشتركة تعضدان من إمكانية قيام سوق إقليمية، حيث تتمتع عمليات تدفق السلع والبضائع والمشاركة في الأعمال التجارية بهامش كبير من الحرية والفاعلية عبر دول إقليم غرب أفريقيا .
  4. رغم الآمال العريضة التي تحدو إصدار العملة الموحدة الإيكواس إلا أن هناك عقبات عديدة قد تعرقل سريان العملة، وتأتي المخاوف من السياسات النقدية المرتبطة بالعملة “إيكو” في صدارة المشهد، إذ يمثل الناتج المحلي الإجمالي GDP لنيجيريا قرابة ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للإيكواس .[19]

وعلى صانعي القرار الاهتمام بمواجهة التحديات التي تعوق الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من خلال النظر إلى النقاط التالية:-

  1. تأهيل البنية الأساسية لمتطلبات التجارة البينية والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، حيث إن استكمال المشروعات المتعلقة بها سيسهم في خفض تكلفة الاستثمار بين الدول الأعضاء.
  2. حل المشكلات التي تتعلق بنقص الطاقة والمياه ومعوقات التمويل الاستثماري وندرة النقد الأجنبي، نظرًا لتخلف القطاع المصرفي في العديد من دول غرب أفريقيا، مما قد يعرقل عمليات التصدير والاستيراد.
  3. صياغة نموذج لسياسة تنافسية تهدف إلى خلق المناخ الذي يسمح لتنافسية الأسواق لصالح المستهلكين والشركات، ومثل هذه السياسة تضمن المنافسة غير المشوهة، ولا سيما عن طريق منع أو إزالة الحواجز أمام القطاعين العام والخاص.
  4. تقدم تجربة منطقة اليورو والاتحادات النقدية الأخرى العديد من الدروس لدول غرب أفريقيا، وتحتاج خارطة الطريق نحو عملة موحدة لتنسيق الإطار التنظيمي المالي، والمواءمة بين السياسات النقدية والمالية، وإدارة تدفقات رأس المال.

الهوامش


[1] African Studies Centre Leiden (ASCL) Improving the Perspective for Regional Trade and Investment in West Africa: the Key to Food Security, Economic Development and Stability in the Region, July 2016.

[2] Ibid

[3] Idem

[4] http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Article/tmpArticles.aspx?ArtID=466

[5] Ibid

[6] Ibid

[7] مفوضية الاتحاد الأفريقي، جودة البنية التحتية للبلدان الأفريقية الحواجز التقنية المعوقة للتجارة، أديس أبابا، إثيوبيا، أكتوبر 2017.

[8]  المرجع السابق مباشرة.

[9]  مركز التجارة الدولية: ديمومة اثر التجارة، التقرير السنوي لعام 2018

[10]  مفوضية الاتحاد الأفريقي، مرجع سبق ذكره.

[11] http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Article/tmpArticles.aspx?ArtID=466

[12] African Development Bank Group: West African Economic Outlook 2020 Coping with the COVID-19 Pandemic, 2020

[13] Ibid

[14] United Nations Conference on Trade and Development UNCTAD: Illicit Financial Flows for Sustainable Development in Africa, Economic Development in Africa report 2020

[15] http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?ArtID=465

[16]   نصير أحمد، زين يونس، بن موسى بشير:الملتقى الدولي: الاتجاهات الحديثة للتجارة الدولية وتحديات التنمية المستدامة نحو رؤى مستقبلية واعدة للدول النامية 2 – 3 ديسمبر  2019إمكانات التكامل الاقتصادي النقدي في دول غرب القارة الأفريقية “الواقع والتحديات”

[17] Akpan H. Ekpo: Economic Integration in West Africa: A Reconsideration of the Evidence, African Finances Economic, Association (AFEA) and the National Economic Association (NEA), Atlanta, Georgia, January 1–4, 2018

[18] Akpan H. Ekpo: Op.cit.

[19]  نصير أحمد، زين يونس  بن موسى بشير: مرجع سبق ذكره.