كتبت – أسماء حمدي

تلعب الموسيقى دورا مهما في بناء الجسور بين مختلف الثقافات والشعوب والأجناس، وتعلّم الأطفال والشباب العيش في انسجام بالطريقة نفسها التي يجلسون بها في أي أوركسترا ويعزفون معا، كما أن الموسيقى أداة قوية يمكن أن تسهم إسهاما كبيرا في عملية إبراء أمة مكلومة.

وفي بنين الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، لا يفضل الناس أن تتعلم الفتيات العزف على الآلات الموسيقية أو الغناء، لكن هذه المجموعة المكونة من سبعة موسيقيين رائعين غيرت هذه العادات، بقيادة عازف البوق أندريه بالاغيمون.

في عام 2016، انتقل أندريه بالاغيمون بصحبة آلاته المتنوعة من وسط بنين إلى ناتيتينغو وهي منطقة زراعية نائية شمال غرب البلاد، وفور وصوله التقى رئيس البلدية، ليقترح عليه تنظيم ورش عمل موسيقية للفتيات، باستخدام أدواته الخاصة حتى لا يضطررن إلى شرائها.

رحب رئيس بلدية ناتيتينغو بفكرة بالاغيمون، وقدم له الدعم، موجها نداء إذاعيًا للمتطوعين، كما وفر مساحة للتمرين، بعد أن انضمت 18 فتاة للتدريب.

عندما نعزف.. يرقص الجميع

بعد أربع سنوات من إنشاء الورشىة وعددا من المتدربين، تم تشكيل مجموعة من سبع فتيات بما في ذلك ابنتا بالاغيمون، (أنجيليك على الطبول وجريس مارينا على المفاتيح)، وسجلت «فرقة النجوم النسائية» كما أطلقوا عليها ألبومها الأول، والذي تم تسجيله في غضون يومين فقط، ويرى بالاغيمون أنه عبر الحدود اللغوية والأسلوبية، مع إيقاعات Waama المحلية، والرومبا الكونغولية، وهاي لايف، وبوبو السيراليوني.

 وكانت الأغاني من تأليف وكتابة وتلحين بالاغيمون، قائلا: «الفتيات يجلبن أفكارهن، لكني أفعل كل شيء»، ويتم نشرها بلغات متعددة (Waama ، و Peul ، و Ditammari ، و Bariba ، و Fon ، والفرنسية)، ومع بدء العزف لا يمكنك الوقوف على قدميك، وكما تقول أنجيليك البالغة من العمر 10 أعوام: «عندما نعزف يرقص الجميع».

إذا كانت أنجيليك كيدجو الفائزة بأربع جوائز جرامي هي أعظم نجمة بنين حتى الآن، فإن «فرقة النجوم النسائية» هي مستقبلها المشرق، فهؤلاء المراهقون وقائد فرقتهم الذي لا يمكن إيقافه يأخذون الآلات كمنارات لتمكين المرأة والتميز الموسيقي والفرح الذي لا ينفد، بحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية.

فرقة الفتيات في بنين سياسية بطبيعتها، فمنذ ذروة فترة ما بعد الاستقلال في الستينيات من القرن الماضي، كانت الأوركسترات المحلية عنصرًا أساسيًا في المشهد الموسيقي في بنين وأشهرها جميعًا «أوركسترا كوتونو متعدد الإيقاع»، التي كانت بمثابة منصة انطلاق.

 يقول بالاغيمون: « لكن الناس لا يحبون أن تعزف الفتيات على الآلات هنا، لم ير بعض من الفتيات آلات موسيقية أو مجموعة طبول قبل الالتحاق بالورشة».

وأمضى بالاغيمون أول أسبوعين يعلمهم التصفيق مع الإيقاع، كما علمهم أيضا الانضباط، يضيف: «إذا كنت لا تستطيع أن تكون دقيقًا، لن تستطيع المشاركة، وقد يصل الأمر إلى أن يتم طردك من الفريق، الآن يدرسون في الورشة ثلاث أمسيات في الأسبوع، بالإضافة إلى كل يوم من التاسعة إلى الخامسة خلال الإجازات».

 تصف جريس مارينا البالغة من العمر 13 عامًا، التدريبات بابتسامة تعلو وجهها، قائلة:«انها رائعة، فالموسيقى والغناء يجعلني سعيدة».

وتحكي عازفة الباس جوليان ساي، عن تجربة الغناء على المسرح، تقول جوليان: «لا أشعر بالخوف من المسرح، ربما كنت متوترة قليلاً، لكن الخوف يختفي بسرعة».

أما ساندرين أوي تقول إنها تحب التواجد هناك، وتنسى كل شئ فالغناء يساعدها في التعبير عن مشاعرها مضيفا «أنسى الماضي وأتوجه بفكري نحو المستقبل»، فيما تعبر أوريس بوريكابي عن شعورها بعد الانضمام للفرقة، إن الغناء يجعلها تشعر بالقوة، وهما يعزفون على طبول تقليدية، حيث تتحول الساحات والشوارع إلى مسرح  عرض مرتجل.

وخلال الورشة الفنية، يقوم كل سبعة منهم بالغناء والعزف، ويغيرون الأنماط الإيقاعية في كل مرة.

حقوق مهدورة

بالنسبة لـ«بالاغيمون»، فإن فكرة البدء بإقامة ورش فنية وتكوين فرقة يتعلق بمعالجة «الطريقة التي يسيء بها الرجال معاملة النساء»، فمنذ أن رأى رجلاً يضرب زوجته وهو طفل صغير، كان عدم المساواة بين الجنسين والظلم يجعله يشعر بالغضب.

 يضيف «بالاغيمون»: «إن المرأة في مجتمعنا لا تقدر وحقوقها مهدورة ومحدودة؛ وفي أذهان الرجال حقوق النساء محدودة»،  ولذلك فعلاقته مع والدته جيدة ومميزة جدا، قائلا: «أمي هي كل شيء بالنسبة لي، وهي تحب هذا المشروع، وكذلك زوجتي».

لا يقتصر برنامج بالاغيمون على تقديم دروس موسيقية مجانية فحسب، بل يقدم ورش أيضا عن الاستقلال، فهو يعتبر حمل المراهقات من القضايا الساخنة في هذه المنطقة، وعادة ما يكون تعليم الفتاة هو أول ما يفسح المجال؛ لآفاق النساء وتطلعاتهم، لذلك وضع عقودًا لكل عضو يوقعها أحد الوالدين وشاهد، تنص على أنه على الفتاة أن تواصل دراستها وألا تُجبر على الزواج.

وأكد أن الورش الفنية والفرقة لن تتوقف عند التخرج، قائلا : «فرقة النجوم النسائية ستستمر إلى الأبد».

تأمل جريس مارينا أن يكتبوا أغانٍ عن حقوق الأطفال فيما بعد، فكلمات الأغاني أصبحت إلهام ودافع لهن، تقول كلمات احدى الأغاني «افعل الشيء الصحيح، استيقظ، قف طويلًا، لا تنم، العالم بحاجة إليك».

وتضيف «إن هذه الكلمات تجعلني أشعر بالحماس، خاصة عندما نغني في انسجام تام فهي تدفعنا إلى الأمام، تجعلنا نفكر في المستقبل بشكل صحيح، ونتطلع إلى أنه من الممكن أن تصبح رئيسًا للجمهورية، أو أن تصبح رئيسًا للوزراء في البلاد»، لافتة إلى أن كامالا هاريس أصبحت أول امرأة من أصل أفريقي يتم انتخابها لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الجديد، مضيفه: «أنه شئ يدعو للفخر».