كتب – محمد الدابولي

أسدلت اللجنة المستقلة للانتخابات في غينيا الستار على الصراع الانتخابي الذي دار في البلاد خلال الفترة الماضية، والتي بدأت مع التعديلات الدستورية في مارس 2020 والتي انتهت بالسماح للرئيس الحالي «ألفا كوندي» بالترشح لفترة انتخابية ثالثة، وسط رفض كبير من قوى المعارضة الغينية.

على عكس النتائج التي بثتها قوى المعارضة، والتي أكدت فوز  «سيلو دالين ديالو» مرشح حزب «القوى الديمقراطية في غينيا – UFDG» المنتمي لقوى المعارضة، خرجت اللجنة المستقلة للانتخابات في غينيا لتعلن يوم 23 أكتوبر الماضي فوز الرئيس الحالي «ألفا كوندي» ومرشح حزب «تجمع الشعب الغيني -ـ RPG» بأغلبية الأصوات بنسبة 59.5%، فيما حصل مرشح المعارضة ديالو على نسبة 3305% من الأصوات لتكون ثالث انتخابات يخسرها ديالو أمام كوندي منذ عام 2010 وإلى الآن.

ردود الأفعال

قوبلت نتائج الانتخابات الرسمية بحالة غضب شديد في أوساط المعارضة الغينية، حيث جرت اشتباكات بين الشرطة الغينية، ونقلت وكالات الأنباء العالمية -مثل رويترز- أخبارا عن سماع دوي إطلاق نار في العاصمة كوناكري، خاصة في حي سونفونيا؛ إذ تم الاعتداء على قطارات الوقود المتجهة لمصانع شركة روسال الروسية لإنتاج الألومنيوم، كما تم إغلاق الطريق الرابط بين مصانع الألومونيوم في سونفونيا والميناء في محاولة لمنع تصدير البوكسيت، كما دعت قوى المعارضة «الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور (FNDC)» إلى استمرار الاحتجاجات، ردا على تزوير الانتخابات وعدم دستورية النتائج المعلنة، فيما أكدت الحملة الانتخابية لـ«ديالو» وجود شبهات تزوير، وأنها تقدمت بالفعل بالطعن على النتائج أمام المحكمة الدستورية، وأضافت الحملة الانتخابية لـ«ديالو» أن اللجنة المسئولة عن إدارة العملية الانتخابية أبطلت العديد من كشوف فرز الأصوات.

أما على المستوى الحكومي، فقد تصدت الشرطة للتظاهرات الاحتجاجية، كما نجحت في إزالة الحواجز التي أقامها المتظاهرون لمنع الوصول إلى مصانع الألومنيوم، فيما تم تعطيل خدمات الهاتف والإنترنت في غينيا، وهو ما أكده مشغلو شبكات الهواتف في غينيا -مثل شركة أورانج- إذ تم تعطيل خدمة الهاتف والإنترنت لمدة 72 ساعة منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات، كما دعا السكرتير الدائم للحزب الحاكم قادة المعارضة للتخلي عن العنف. 

أما على المستوى الدولي والإقليمي، فقد نددت الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالعنف الدائر في البلاد وطالبا بحل النزعات بواسطة الطرق السلمية، فيما يُجري حاليا وفد مشترك من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” زيارة حاليا لغينيا من أجل تهدئة الأوضاع في البلاد، ونجحت في إقناع حكومة كوندي بعدم التصعيد الأمني وإنهاء الإقامة الجبرية التي فرضت على مرشح المعارضة ديالو، وسحب قوات الشرطة من شوارع العاصمة كوناكري وعودة الهدوء للبلاد.

تسكين الوضع

أسفرت تدخلات الإيكواس والاتحاد الأفريقي عن تسكين الأوضاع مؤقتا في كوناكري، باعتراف ديالو ضمنيا بنتائج الانتخابات في مقابل رفع الإقامة الجبرية عنه، ولكن يظل الأمر  رهن الاشتعال مرة أخرى، خاصة أن المعركة الانتخابية لم تنته بعد، فما زالت المحكمة الدستورية تنظر في الطعون الانتخابية التي تقدمت بها قوى المعارضة، ومما يعزز أمر الاشتعال في الفترة اللاحقة ما أبدته السفارة الأمريكية في كوناكري حول وجود بعض التلاعبات في إعلان نتائج الانتخابات.

ومما يعزز فرص التوتر  أيضا حالة التسرع والتلكؤ التي واكبت الإعلان عن نتائج الانتخابات؛ ففي الوقت الذي سارعت فيه حملة ديالو إلى إعلان نتائج الانتخابات وإعلان فوز المرشح ديالو بمنصب رئاسة البلاد اعتمادا على  تقارير  متابعي ومراقبي حملة ديالو الانتخابية، تلكأت اللجنة المستقلة للانتخابات في الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات، حيث أصدرت النتائج بعد مرور خمسة أيام على الأقل من إجراء الانتخابات، الأمر الذي أحدث ضبابية في المشهد السياسي، وعزز من مصداقية قوى المعارضة حول فوز ديالو في الانتخابات، وأن ثمة مؤامرة تم ارتكابها من أجل إعلان كوندي فائزا بالانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة، كما أن تلكؤ اللجنة في إعلان الانتخابات مثير، خاصة أن إجمالي الناخبين في غينيا حوالي 5.4 مليون ناخب فقط، شارك منهم حوالي 4.099.321 ناخب، وذلك وفق الأرقام التي أعلنتها اللجنة المستقلة الانتخابات في غينيا.

ماذا بعد؟

نحن أمام حالة انغلاق في الأفق السياسي في غينيا، بدأت مع التعديلات الدستورية في مارس 2020، وتعاظمت مع الانتخابات التي تم إجراؤها منذ أيام، ومعها باتت مسألة تداول السلطة سلميا في غينيا في مهب الريح في ظل تشبث الرئيس الطاعن في العمر «ألفا كوندي» بمنصب الرئاسة، الأمر الذي يعيد للأذهان الوسائل التقليدية  لتداول السلطة في غينيا قبل عام 2010، والتي تنحصر في الانقلابات العسكرية الدموية، كما حدث في انقلاب لانسانا كونتي في أبريل  1984 وانقلاب موسى كمارا  في ديسمبر 2008.

ومن المثير في التجربة الغينية، أن الانقلابات العسكرية تتم في المرحلة الانتقالية التي تبدأ بعد وفاة رئيس البلاد، فبعد وفاة الرئيس الأول للبلاد أحمد سيكوتوري في 26 مارس 1984، انقلب لانسانا كونتي على الرئيس الانتقالي «لويس لانسانا بيوفوغي» في 3 أبريل من نفس العام، ولم تكد تمر ساعات على وفاة الرئيس لانسانا كونتي في 22 ديسمبر 2008 حتى دبر النقيب موسى كمارا انقلابه في 23 ديسمبر 2008، لذا يثار تخوف من أن هناك انقلابا عسكريا يجري الإعداد له حاليا في غينيا، خاصة أن سن الرئيس الحالي ألفا كوندي قد يكون عائقا أمامه في أداء وظائفه السياسية.

ومن تخوفاتنا في المرحلة المقبلة أن يحدث تأزم أمني في البلاد على خلفية الانغلاق السياسي، وبروز ظاهرة المظلومية الإثنية التي تعد البوابة الملكية لانتشار الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، والتي تحاول منذ سنوات أن تجد لنفسها موطئ قدم في منطقة ساحل خليج غينيا، الغني بالموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز الطبيعي، فالأزمة السياسية الحالية في غينيا وفي جارتها كوت ديفوار قد تشكلان معا منطقة فراغ أمني كبيرة في غرب أفريقيا تستغلها الجماعات الإرهابية.