في خضم تلك الأحداث المضطربة على الساحة الليبية، نظم مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتجية، يوم الثلاثاء الموافق 14 يوليو 2020، ندوة عبر تطبيق زووم ، بعنوان “التدخل التركي في ليبيا..الدوافع الحقيقة والمخاطر”، لاستجلاء الصورة الحقيقية لأبعاد التدخل التركي وأثره على الأمن القومي العربي والمصري، وحاضر فيها نخبة متميزة من الباحثين السياسيين المخضرمين والمشهود لهم بالكفاءة العلمية والقدرة الرصينة على التحليل السياسي، وإرادك بواطن الأمور وتفسيرها وتقديم النصيحة الصادقة التي تمكن صانع القرار والمتلقي من الإلمام التام بكافة جوانب الموضوع.

شارك في الندوة:
* د. أيمن شبانة أستاذ العلوم السياسية المساعد – كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة.
* أ. منير أديب الصحفي والباحث في شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي.
* د. محمود عنبر مدرس الاقتصاد بكلية التجارة – جامعة أسوان.
* د. محمود زكريا مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة.
* أ. محمد الدابولي الباحث المتخصص في الشئون الأفريقية.
وأدارت الندوة د. نرمين توفيق الباحثة في شئون الحركات المتطرفة والمنسق العام للمركز.

وفيما يلي أبرز ما تناولته الندوة:-

افتتاحية:

خيم على الوطن العربي تهديد جديد متمثل في التدخلات الليبية في الشأن الليبي وتهديها للمصالح القومية للدول العربية الأخرى كمصر ، حيث بدأت التدخلات التركية منذ فترة مبكرة وتحديدا منذ أحداث الثورة الليبية عام 2011، إلا أن التدخلات أخذت صبغة أكثر عدوانية وعسكرية في نوفمبر 2019 حين أبرم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق المسيطرة على العاصمة طرابلس مذكرتين تفاهم أحدهما تخص تقسيم الحدود البحرية بين الطرفين، والأخرى عسكري أمنية يُسمح بموجبها تواجد عسكري تركي في الأراضي الليبية.

تسارعت وتيرة الأحداث الميدانية في الساحة الليبية خلال الشهرين الأخيرين، حيث دعمت أنقرة ميليشيات مصراته المسيطرة على الغرب الليبي بالعديد من العناصر المرتزقة الذين تم إبرارهم للساحل الليبي قادمين من الشمال السوري، مما أحدث تقلب في الموازين العسكرية في ليبيا وسيطرة الميليشيات على بعض القواعد العسكرية للجيش الليبي في منطقة الوطية، وإزاء حالة الكر والفر الميداني بين عناصر الميليشيات والمرتزقة وقوات الجيش الليبي، استعر النظام التركي في دعم الميليشيات والمرتزقة لإكمال السيطرة على باقى التراب الليبي، وهو ما وجدته مصر تهديدا جسيما للأمن القومي المصري واتضح ذلك في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن القاهرة لن تسمح بتجاوز الخط الأحمر للأمن القومي المصري المتمثل في خط سرت . الجفرة.

ولحق الإعلان المصري قرار مجلس النواب الليبي مساء يوم الاثنين 13 يوليو بالإذن للقوات المسلحة المصرية بالتدخل في ليبيا لحماية الأمن القومي المصري والليبي، وطالب بيان مجلس النواب بضرورة تضافر الجهود المصرية والليبية لدحر الغازي والمعتدي التركي.

أولا: الأمم المتحدة جزء من المشكلة

تناول المحور الأول للندوة «مدي مشروعية التدخل التركي في ليبيا في ضوء اتفاقيات الصخيرات»، وفي هذا المحور تناول الأستاذ الدكتور «أيمن شبانة» أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، مدي مشروعية مذكرتي التفاهم اللتين تم إبرامهم بين حكومة الوفاق والحكومة التركية.

وتطرق إلي مسألة التدخل العسكري في الشئون الداخلية للدول الأخرى، مؤكدا أن القانون الدولي يجرم تلك التصرفات باعتبارها تهدد السلم والأمن الدولي، وأن التدخل التركي في ليبيا عامل مهدد للسلم والأمن الدولي، وينبغي علي المجتمع الدولي ضرورة اتخاذ العديد من الاجراءات لوقف تلك التدخلات، وموضحا عدم امتلاك تركيا أية سند قانوني لتبرير تدخلاتها.

أوضح “شبانة” أن الأمم المتحدة كانت ولا تزال جزء من المشكلة الليبية وأحد أبرز معوقات الحل وليس كما تدعي بأنها تحاول حل المشكلة، حيث منحت حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج الشرعية الدولية في تمثيل ليبيا في أروقة الأمم المتحدة، رغم أن اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015 كان ينص صراحة على ضرورة اكتساب حكومة الوفاق شرعيتها من مجلس النواب الليبي المنتخب وهو مالم يحدث.

وأشار  «شبانة» إلى أن اتفاقة الصخيرات كان ينص على فترة زمنية لا تتعدي عامين من أجل صياغة دستور جديد للبلاد، وتشكيل حكومة شرعية تشمل كافة الأطياف الليبية وهو مالم يتم تحقيقه رغم مرور أكثر من أربع سنوات على الاتفاق وهو ما يعني انقضاء الاتفاقية، خاصة أنه لم يتم تنفيذ أي منها على الساحة الداخلية الليبية.

وعلي صعيد متصل نوه الدكتور أيمن إلي أن مجلس النواب الليبي ــــــــــ يتخذ من مدينة طبرق مقرا له ــــــــ هو الجهة الوحيدة التي تمتلك الشرعية القانونية والسياسية في ليبيا والمخول لها طبقا للدستور مسألة التصديق على الاتفاقيات الدولية ومذكرات التفاهم، لذا فالاتفاقيات المبرمة بين الوفاق وتركيا ليس لها أي سند دستوري أو قانوني.

ثانيا: السعي لأستاذية العالم

تطرق المحور الثاني من الندوة حول “مسألة استغلال أردوغان للجماعات الإرهابية إشاعة الفوضي في ليبيا” وفي هذا الإطار أوضح الكاتب الصحفي والمتخصص في شئون الجماعات المتطرفة الأستاذ «منير أديب» أن الجماعات الإرهابية والميلشيات التي تحركها تركيا تهدف في الأساس إلي تحقيق فلسفة أستاذية العالم المعروفة في أدبيات الجماعات الإسلاموية ويحاول النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان استعادة الدور العثماني في المنطقة من منطلق أستاذية العالم الإسلامي.

كما أشار أديب إلي أن تركيا عمدت  إشاعة الفوضي في ليبيا باستخدام الميليشيات لأجل السيطرة على النفط الليبي، حيث أكد أن تركيا تستورد معظم احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي من دول الجوار كروسيا وأذريبجان الأمر الذي يضع الاقتصاد التركي في مآزق عديدة لذا تسعى أنقرة بصورة حثيثة إلي السيطرة الكاملة على النفط والغاز الليبي لأجل تأمين إمدادات الطاقة إلي الصناعة التركية.

وعلي الجانب الأفريقي أشار أديب إلي تركيا من خلال تدخلها في الأزمة الليبية تهدف إلي مد نفوذها إلى العمق الأفريقي، حيث أنشأت قواعد عسكرية لها في الداخل الأفريقي، مؤكدا على الصورة التوسعية الإستعمارية التي تسيطر على صانع القرار التركي، في ضرورة تحقيق أستاذية حزب العدالة والتنمية للعالم الإسلامي، ونوه أديب إلي أن التدخل التركي في ليبيا لا يمكن فصله عن مجريات الأوضاع في شرق المتوسط إذ تخوض أنقرة حربا شرسة مع دول شرق البحر المتوسط لأجل السيطرة على النفط والغاز في المنطقة.

ثالثا: الاقتصاد دئما

ترجع العديد من النظريات السياسية التي تتناول مسألة الصراعات السياسية حول العالم إلي العامل الاقتصادي الذي يكون له دورا حاسم في إزكاء الصراعات وإخمادها، وفي هذا الإطار تناول الدكتور «محمود عنبر  مدرس الاقتصاد بجامعة أسوان» المحور الثالث للندوة حول مسألة الأطماع الاقتصادية التركية في ليبيا والعوامل والأهداف الاقتصادية التي دفعت تركيا للتدخل في الشأن الليبي.

في البداية أقدم الدكتور «عنبر» على تشريح الوضع الاقتصادي التركي الحالي مبينا الخلل الاقتصادي والهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد التركي خلال الفترة الأخيرة والذي تفاقم بصورة غير مسبوقة مع تفشي جائحة كورونا في تركيا والعالم.

وأشار عنبر إلي انكشاف الاقتصاد التركي مؤخرا بسبب جائحة كورونا، حيث بات أكثر اقتصاد في العالم تأثرا بالجائحة وذلك بسبب الاختلالات الهيكيلة التي يعاني منها الاقتصاد التركي مؤخرا، وتجلي الانكشاف في انخفاض سعر صرف العملة التركية «الليرة» أمام الدولار في الفترة الأخيرة، حيث وصلت الليرة إلي أكبر تراجع لها في مايو 2020 إذ وصل سعر صرف الليرة 7.26  مقابل الدولار، هذا بالإضافة إلي ارتفاع معدلات البطالة واستمرار العجز في الميزان التجاري.

وأرجع عنبر إلى أن الانكشاف الاقتصادي كان دافعا لأنقرة لأجل التدخل في الشأن الليبي، حيث أوضح أن الميزان التجاري كان يميل بصورة كبيرة لصالح الجانب التركي خاصة في فترة العقيد القذافي، حيث كانت تنتشر العديد من شركات المقاولات التركية في الداخل الليبي، إلا أنه مع تتالي الاضطربات السياسية خسرت تركيا العديد من العقود المبرمة وتقليل حجم الاستثمارات التركية في ليبيا.

وفي سبيل تعويض خسائرها الاقتصادية في تركيا لجأت إلي التدخل بصفة مباشرة في الشأن الليبي وإبرام العديد من اتفاقيات إعادة الإعمار بينها وبين حكومة الوفاق والتي وصلت إلي ما يقارب 160 مشروع ما بين تطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار.

رابعا: آليات الحل الأفريقي

للاتحاد الأفريقي مسئوليات كبيرة في تحقيق السلم والأمن الأفريقي من خلال العديد من الأدوات التي يمتلكها مثل مجلس السلم والأمن الأفريقي ونشر البعثات العسكرية في المناطق المضطربة ولعب دور الوساطة بين طرفي النزاع، وفي هذا الإطار تناول الدكتور «محمود زكريا» مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة المحور الرابع من الندوة والمتعلق بالآليات الأفريقية لحل الأزمة الليبية.

تطرق زكريا في بداية حديثه إلي المعوقات الفنية التي تعوق تدخل الاتحاد الأفريقي بالشكل الأمثل في الأزمة الليبية وعلى رأسها عدم تمكن الاتحاد الأفريقي من تشكيل قوة عسكرية خاصة به تتدخل في الصراعات والاضطرابات السياسية والأمنية لحفظ الأمن وإدارة عملية التفاوض وإحلال السلم بين الأطراف المتصاعة.

 كما أشار إلى أن جائحة كورونا التي تفشت في أفريقيا إلي تعطيل فعاليات الاتحاد الأفريقي ومنها القمة الأفريقية حول الإستثنائية حول إسكات البنادق والقمة الخاصة بمنظمة التجارة الحرة الأفريقية، حيث تقرر تأجيلهما إلى عام 2021، كما تطرق إلي الأليات المحدودة أفريقيا في نشر بعثات مراقبة عسكرية في البلاد.

وأشار زكريا إلى مسئولية دورل الجوار الليبي الستة (مصر، تونس، الجزائر، السودان، تشاد، النيجر) عن إحلال السلم في ليبيا ومنع التدخلات الأجنبية، موضحا أهمية المبادرات الإقليمية لحل الأزمة الليبية ويأتي في مقدمتها “إعلان القاهرة” الأخير والذي يعد أقوي مبادرة دولية لحل الصراع في ليبيا نظرا لأنه ينطلق من قوة إقليمية قادرة على التأثير في الشأن الليبي.

وعن المبادرات الدولية أشار «زكريا» إلي 6 مبادرات أوروبية لحل الأزمة في ليبيا وهو ما يشير إلي الاهتمام الدولي المتزايد بالأزمة الليبية، حيث تقدمت أوروبا بست مبادرات لحل الأزمة الليبة، حيث تقدمت فرنسا بمبادرتين وألمانيا وإيطاليا وروسيا وسوريسرا كل منهم بمبادرة.

خامسا: مآزق الأمن القومي العربي

باتت التدخلات التركية في ليبيا تهدد منظومة الأمن العربي، ففي هذا الإطار أشار  الباحث محمد الدابولي الباحث في الشئون الأفريقية إلي أن التدخل التركي في ليبيا يعد السطر الأخير في استراتيجية تركيا في حصار المنطقة العربية، فعلي مدار السنوات الخمس الماضية حرصت أنقرة على تطويق المنطقة العربية بسلسلة من القواعد العسكرية المهددة للأمن القومي العربي.

وأشار الدابولي إلى أن تركيا أنشأت قاعدة عسكرية في مقديشيو في أكتوبر 2017 للسيطرة علي منطقة القرن الأفريقي وباب المندب، وسبق لها أن وقعت على اتفاقية تعاون أمني مع قطر في عام 2014 وأرست قاعدة عسكرية لها في الدوحة المسماة قاعدة الريان وذلك في يوليو 2017 أي بعد شهر واحد من بدء المقاطعة العربية الرباعية لقطر في يونيو 2017، هذا فضلا عن التدخلات العسكرية المستمرة سواء في سوريا والعراق، وأخيرا يحاول حزب العدالة والتننمية الحاكم استغلال الاتفاقية الأمنية مع حكومة الوفاق الليبية في تدشين قاعدة عسكرية تركية جديدة في جنوب البحر المتوسط وتحديداً في مصراتة أو طرابلس.

التوصيات:

  1. ضرورة تفعيل إجماع عربي مشترك حول الأزمة الليبية على غرار الإجماع العربي الذي صدر في يونيو 2017 لمواجهة التهديدات القطرية للأمن القومي العربي، وعدم الارتكان إلي قرارات الجامعة العربية التي لا تعيرها تركيا وحلفاؤها أي اهتمام.
  2. لابد أن تكون هناك رؤية عربية عامة للمواجهة سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا، ضد دعم أردوغان الواضح للميلشيات الإرهابية، والتوضيح لأوروبا والمجتمع الدولي أن أمنهم ليس في مأمن مما يحدث حاليا في لبييا.
  3. أهمية تفعيل المشاركة الأورومتوسطية في الضغط على تركيا لوقف تدخلاتها في الشأن الليبي.
  4. تفعيل القوة الأفريقية الجاهزة للانتشار السريع في إطار الاتحاد الأفريقي، التي ستقتطع الطريق على القوى العسكرية الأجنبية على التدخل في الشأن الداخلي الأفريقي.
  5. على الاتحاد الأفريقي التحرك عبر آلياته حول مبادرة أفريقية، ودعوة أطراف الصراع في ليبيا إلى طاولة المفاوضات التي يراعاها الاتحاد الأفريقي، ويجب على الاتحاد الأفريقي والدول الست الجاور لليبيا أن تلتقط إعلان القاهرة لمعالجة الأزمة الليبية، لأنها حتى الآن هي المبادرة الوحيدة التي صدرت من دولة داخل القارة الأفريقية.

وختاما.. أشارت الدكتورة «نرمين توفيق» الباحثة في شئون الحركات المتطرفة والمنسق العام للمركز ومديرة الندوة إلي أهمية التكاتف بين مصر وليبيا خاصة بعد القرار الأخير لمجلس النواب الليبي بالإذن للجيش المصري للدفاع عن الأمن القومي المصري والليبي، وموضحة أن أبناء المختار قادرون على دحر أي عدوان على الأراضي الليبية ووقف الأطماع التركية عن ليبيا، ومشيرة إلي دور تلك الندوات في استجلاء الحقائق وتفسيرها، ومؤكدة استمرار مركز فاروس في عقد المزيد من الندوات والفعاليات الهادفة لتبصير الرأي العام المصري بحقيقة الأوضاع السياسية وما يدور حولنا تغيرات مستمرة.    

يمكن مشاهدة اللقاء الكامل للندوة على هذا الفيديو