كتب – أ.م.د. محمد جلال حسين

أستاذ الأنثروبولوجيا المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة

تُعد ظاهرة التجنيد القسري للأطفال في أفريقيا من أبشع انتهاكات حقوق الطفل، ولقد تضاربت الآراء بشأن تأريخ ظهور وانتشار التجنيد القسري للأطفال وتورطهم في النزاعات المسلحة، فهناك بعض الآراء تنظر إلى ظاهرة التجنيد القسري للأطفال باعتبارها ليست حديثة العهد، ولكنها ظاهرة قديمة الأزل؛ حيث تؤكد الروايات تورط الأطفال في سلسلة من الحروب السابقة ([1]). بينما تنظر بعض الآراء الأخرى إلى أن ظاهرة التجنيد القسري للأطفال تعد ظاهرة حديثة نسبيًا رغم تورط الأطفال في نزاعات وحروب سابقة، فهي نتاج الابتكارات التكنولوجية التي جعلت الأسلحة أخف وزنًا، والطبيعة المتغيرة للنزاع، والاضطرابات الاجتماعية الهائلة التي تركت وراءها أطفال بلا مأوى([2])

ولقد حظيت ظاهرة التجنيد القسري للأطفال باهتمام دولي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت المساعي الرامية إلى خفض معدلات هؤلاء الأطفال وتقليص عملية إدماجهم في النزاعات والحروب التي تخوضها الجماعات المسلحة سواء الرسمية منها أو المتمردة. ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمان، لا تزال أعداد الأطفال الجنود في تزايد رغم الجهود الرامية للقضاء عليها والحد منها([3]).

ووفقًا لما ورد في مبادئ اتفاقية كيب تاون (1997) يقصد بالطفل الجندي بأنه “أي شخص يقل عمره عن 18 عامًا يكون عضوًا أو مرتبطًا بجماعة سياسية أو قوة مسلحة سواء كانت رسمية أو غير رسمية”([4]). وتتراوح أعمار الجنود الأطفال ما بين 15 و18 عام، ومع ذلك فإن بعضها لا يتجاوز سن السابعة، مع العلم بأن السن القانونية لمشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة هو سن الثامنة عشرة([5]).

ومن المتعارف عليه أن الأطفال يُجبرون على التجنيد عن طريق الاختطاف والتهديد والإكراه، ولكن مع ذلك هناك العديد من الأطفال الذين ينتمون إلى الجماعات المسلحة طواعية منهم دون إكراه في ذلك لأسباب سوف نتطرق للإشارة إليها في متن المقال، ذلك الأمر الذي زاد من وطأة التعامل مع تلك الظاهرة في القارة الأفريقية.

وسواء كانت مشاركة الأطفال في الجماعات المسلحة تتم بشكل جبري أو طوعي، نجد أن عادة ما يؤدي الجنود الأطفال مجموعة من المهام؛ كالمشاركة في القتال، زرع الألغام والمتفجرات، الاستكشاف والتجسس، أو العمل كحراس وسعاة وفي وظائف الدعم اللوجستي والعتالة والطهي والعمالة المنزلية، فضلاً عن تقديم الخدمات الجنسية. ووفقًا لإحصائيات عام 2001، كان هناك ما يقدر بنحو 300 ألف طفل تم تجنيدهم للمشاركة في 30 صراعًا على مستوى العالم، وكان من بينهم 40% أي ما يقدر بـــــ 120 ألف من الفتيات؛ حيث يُعد وجود الفتيات أمرًا اساسيًا لبقاء قوة الجماعة المسلحة بسبب عملهن الإنتاجي والإنجابي، فبجانب عملهن كجواسيس وزارعات للألغام وحاملات للمسروقات وسارقات للماشية؛ يقمن بزراعة المحاصيل وإعداد الطعام وخدمة الرجال والشباب([6]).

الجدير بالذكر، أن التجنيد القسري للأطفال لا يعد انتهاكًا للقوانين الدولية فحسب؛ بل يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الأطفال والمجتمع بأسره، فعندما يتم تجنيد الأطفال ويقضون سنواتهم التكوينية منغمسين في أنشطة يغلب عليها العنف ويتم بناء قيمهم وهوياتهم بتوجيه تلك الجماعات المسلحة يمكن أن يصبحوا أدوات للعنف بدلاً من أن يصبحوا مواطنين أصحاء يتمتعون بقدر من السلام والاستقرار([7]).

وفي سبيل الحد من استغلال الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة من قبل الجماعات المسلحة، دعا المجتمع الدولي إلى وقف استغلال الأطفال في العمليات المسلحة وأوصى باتخاذ إجراءات لحماية الأطفال من التجنيد والاستخدام من قبل الجماعات المسلحة، كما تم سن العديد من القوانين التي تجرم ذلك الفعل. هذا إضافة إلى اتفاقية حقوق الطفل بشأن عدم إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة (2000)، والتي طالبت الدول ضمان عدم تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وحذرت على أي شخص دون سن الثامنة عشرة المشاركة في الأعمال العدائية، كما طالبت بضرورة اتخاذ الدول الموقعة على الاتفاقية كافة التدابير الممكنة لمنع تجنيد واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة. وباعتماد أهداف التنمية المستدامة عام 2015، وافقت الدول على إنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة بموجب البروتوكول الاختياري الذي تم طرحه لوقف تجنيد الأطفال والذي ينص الهدف (7، 8) به على ضرورة اتخاذ التدابير الفعالة لتأمين الأطفال وحمايتهم من المخاطر التي يتعرضون لها ووقف عمالة الأطفال بكافة أشكالها بحلول عام 2025([8]).

ويحظر القانون الدولي أي تجنيد (إجباري أو طوعي) أو استخدام الأطفال دون سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية، ثم جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في بروتوكولها المتعلق باشراك الأطفال في النزاعات المسلحة لترفع الحد الأدنى لسن التجنيد الاجباري إلى 18 عام([9]).

هذا إضافة إلى الجهود العالمية المبذولة في سبيل تسريح الأطفال المجندين وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم المحلية، والمساعي المبذولة في سبيل ذلك من أجل تحقيق الاندماج وتقديم خدمات الدعم النفسي وإعادة التأهيل. ولكن على الرغم من ذلك لا يزال تجنيد الأطفال مستمرًا، فهناك عشرات الآلاف من الأطفال دون سن الثامنة عشرة يتم تجنيدهم واستخدامهم في النزاعات على مستوى العالم وفي أفريقيا تحديدًا؛ حيث تم تجنيد ما يقرب من 16 ألف طفل في النزاعات التي اجتاحت جنوب السودان خلال عام 2013([10]). كما أن هناك عددًا من الأطفال الذين تم تسريحهم تم إعادة تجنيدهم مجددًا؛ حيث تشير “اليونيسف” إلى أنه تم تسريح 163 طفلًا كونغوليًا من معسكر تدريب عسكري في أوغندا، وتم إعادتهم إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2001، ولكن بحلول عام 2003 تم تجنيدهم مرة أخرى والبعض منهم قُتل أثناء الصراع([11]).

وفي ضوء ما تقدم، جاء الهدف من الدراسة الراهنة متمثلاً في استعراض ظاهرة التجنيد القسري في أفريقيا، وإلقاء الضوء على أهم العوامل المسؤولة عن بروز تلك الظاهرة، مع الإشارة إلى أهم الجماعات المتمردة التي تقوم بتجنيد الأطفال في صفوفها القتالية. وتختتم الدراسة باستعراض أهم الآثار النفسية والاجتماعية والجسدية والصحية الناجمة عن التجنيد القسري للأطفال. 

أولاً: إطلالة على التجنيد القسري في أفريقيا

تشير الكتابات الأكاديمية التي ظهرت في البدايات الأولى لمطلع القرن الحادي والعشرين إلى أن هناك ما يقرب من 30 ألف طفل يشكلون جزءًا من الجيوش النظامية وغير النظامية على مستوى العالم، إما كمقاتلين أو كأفراد دعم. ويعتقد العلماء أن أعداد هؤلاء الأطفال آخذة في الازدياد، ولكن مع ذلك فإن العدد الفعلي لهؤلاء الأطفال المجندين في حوالي 72 من القوات الحكومية والمتمردة في حوالي 20 دولة غير معروف. ويُعزى ذلك لصعوبة حصر عدد هؤلاء الأطفال من ناحية، ولعدم إعلان تلك الجماعات عن العدد الفعلي للأطفال الذين تم تجنيدهم لوجود قوانين تجرم إشراك الأطفال في العمليات القتالية. وبالحديث عن أفريقيا، نجد أنها لم تشهد نموًا في التجنيد القسري للأطفال فحسب؛ بل انخفض بها أيضًا متوسط عمر الأطفال المجندين([12]).

وخلال تسعينيات القرن الماضي، شهدت أفريقيا جنوب الصحراء سلسلة من النزاعات الأهلية في ليبريا، سيراليون، الصومال، بروندي، رواندا، الكونغو برازافيل، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساحل العاج، وغيرها. وقد شكل الاستخدام المفرط للأطفال كجنود أحد السمات الرئيسية لهذه الأزمات الأفريقية، حيث أصبحت صورة الطفل الأفريقي الذي يحمل بندقية كلاشينكوف أكبر منه ترمز إلى نوع أفريقي نموذجي من العنف. الأمر الذي جعل أفريقيا القارة الأكثر تضررًا من هذه الممارسة غير المقبولة، وهذا ما ظهر جليًا في سبعة من أصل تسعة تقارير صادرة عن “هيومن رايتس ووتش” تتعلق بتجنيد الأطفال في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء([13]).

وبحلول عام 1994، شارك ما يقرب من 14 ألف طفل في الإبادة الجماعية التي شنها الهوتو تجاه التوتسي في بوروندي، وكان غالبيتهم تحت سن الرابعة عشرة؛ حيث قام الهوتو بإرسال ما يتراوح بين 3000: 5000 طفل لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة إلى معسكرات التدريب في جمهورية أفريقيا الوسطى وتنزانيا ورواندا، كما تم تجنيد العيد من الأطفال من دولة كينيا للمشاركة في القتال الدائر بين الهوتو والتوتسي. كما أصبح الجنود الأطفال سمة مشتركة في أكبر صراع شهدته القارة، وهو الحرب التي شهدتها الكونغو الديمقراطية عام 1996، والتي يشار إلى أن ما يقرب من 10 آلاف طفل شاركوا بها كجنود، وقد تراوحت أعمارهم ما بين السابعة والسادسة عشرة. ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، انغمس الكثير من الأطفال في النزاعات المسلحة في العديد من قارات العالم وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من الوحدات العسكرية الخاصة بالجماعات المسلحة وخاصة الجماعات المتمردة الإرهابية. وبالإشارة إلى أفريقيا – والتي تم وصفها بأنها بؤرة ظاهرة الجنود الأطفال لكثرة الجماعات المسلحة بها والصراعات التي تشهدها تلك القارة – فقد اشارت العديد من الدراسات على أن 36% من أطفال أنغولا تم تجنيدهم قسريًا في النزاعات، و20 ألف طفل شاركوا في حروب ليبيريا عام 2003 أي ما يصل إلى 70% من القوات المقاتلة. هذا بالإضافة إلى جيش الرب الأوغندي الذي قام بخطف ما يقرب من 14 ألف طفل لتجنيدهم قسريًا في النزاعات والغارات التي قام بها الجيش([14]).

وخلال عام 1997، قام الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا بخطف ما يقرب من 200 طفل من اللاجئين الروانديين وقام بتجنيدهم قسرًا في صفوف الاتحاد([15]).

ولقد قام علماء السياسة خلال عام 2004 بمراقبة الحروب والنزاعات المنتشرة في تلك الفترة والتي بلغ عددها ما يقرب من 42 حربًا ونزاعًا مسلحًا، وتبين لهم أن تلك الحروب تستهدف في المقام الأول السكان المدنيون وأن الأطفال الجنود شكلوا ما يقرب من 80% من إجمالي القوات المقاتلة([16]).

ثانيًا: العوامل المسؤولة عن انتشار التجنيد القسري للأطفال

هناك العديد من العوامل التي ساهمت بوضوح في انتشار ظاهرة التجنيد القسري للأطفال في أفريقيا، ومن أهم تلك العوامل؛

  • الفقر: تم تحديد الفقر باعتباره العامل الرئيسي في مشاركة الأطفال الجنود في النزاعات المسلحة في أفريقيا، وذلك من منطلق أن النزاعات المسلحة عادة ما تؤدي إلى نقص الغذاء وفي بعض الأحيان إلى حدوث المجاعات وتدمير وسائل الانتاج والبنية التحتية، الأمر الذي يساهم في تزايد معدلات الفقر واضطرار بعض الأسر إلى التنازل عن أطفالها للعمل كجنود مقابل الحصول على الغذاء([17]). كما تم تحديد الفقر أيضًا على أنه أكبر عامل تحفيزي وراء المشاركة التطوعية في النزاعات المسلحة، فهو بمثابة تفاقم إضافي للفقر وتداعياته التي تحل على تلك المجتمعات التي تشهد الحروب([18]).
  • الحروب والصراعات: تُعد الحروب والصراعات عاملًا مساهمًا في خلق ظاهرة الجنود الأطفال، فلا يقتصر تأثيرها على اقتحام حياة الأطفال وتهديدها فحسب؛ بل تخلق فرصًا للعمل والهروب من أوضاع الأسرة والمدرسة، وتتيح فرصًا لمحاكاة النماذج العسكرية وفرصًا أخرى لخدمة قضايا تتعلق بهؤلاء الأطفال سواء كانت سياسية أو دينية أو عرقية([19]). لذلك،ساهمت الحروب والصراعات الداخلية في ارتفاع معدلات التجنيد القسري الأطفال، وخاصة حركات التمرد التي تقوم بها الجماعات المسلحة مثل حركات تمرد “جيش الرب للمقاومة” تجاه الحكومة في شمال أوغندا. فقد قام جيش الرب باختطاف ما بين 25.000 إلى 30.000 من الأطفال (ذكور وإناث) خلال الفترة من نهاية القرن العشرين وحتى البدايات الأولى للقرن الواحد والعشرين، وقاموا بتجنيدهم في صفوف الجيش للعمل كعبيد جنس وطهاة ومقاتلين وغيرها من أشكال العبودية والقهر([20]).
  • ارتفاع معدلات التيتم: حيث إن الأطفال الذين ينتمون إلى خلفيات عائلية ممزقة والذين فقدوا والديهم وعائلاتهم يعانون من ضعف الروابط الاجتماعية مع أفراد أسرهم ويصبحون أكثر عرضة للتجنيد والانجذاب إلى حوافز الحرب سواء بتهديدهم أو باستدراجهم مقابل الحصول على الطعام والحماية([21]).
  • انتشار الأسلحة الحديثة: حيث ساهمت التحسينات التكنولوجية التي جعلت الأسلحة النارية أخف وزنًا وأسهل في الاستخدام إلى تسهيل عملية تجنيد الأطفال. فلم يعد الرابط بين مرحلة البلوغ والقدرة على حمل السلاح موجودًا، فتلك الأسلحة الحديثة يمكن لطفل في سن العاشرة حملها واستخدامها بكل سهولة ويسر. وبالتالي، سهل انتشار الأسلحة الحديثة خفيفة الوزن عملية تجنيد الأطفال دون سن العاشرة وذلك مقارنة بالأسلحة القديمة التي كانت تتطلب قوة بدنية([22]).

ومن ناحية أخرى، لخص Blattman (2009) العديد من الأسباب التي جعلت الأطفال محورًا للتجنيد في النقاط التالية: أولاً؛ أدى التحول الديموجرافي الحالي في البلدان الفقيرة إلى أن أصبح عدد الأطفال والمراهقين أكبر من الفئات العمرية الأخرى بفعل بعض العوامل التي يأتي في مقدمتها الانتشار الموسع لفيروس نقص المناعة البشرية ، الأمر الذي جعل تلك الفئة العمرية أكثر استعدادًا للتجنيد والاختطاف. ثانيًا؛ قدرة الأطفال على التحمل والبقاء والتسلل وشجاعتهم وإرادتهم في القتال والتي تعزو إلى قدرتهم المحدودة على تقييم المخاطر، لذلك؛ يتم استخدامهم في عمليات زرع الألغام والمتفجرات أو كمتفجرين انتحاريين لكونهم لا يثيرون الشك. ثالثًا؛ كون الجنود الأطفال أرخص تكلفة مقارنة بالبالغين؛ حيث يتلقون موارد أقل بما في ذلك من أسلحة ومعدات. رابعًا؛ ثمة أمور أخرى تتعلق بتفضيل تجنيد الأطفال مقارنة بالبالغين، وتتجلى تلك الأمور في كون أن تصبح مقاتلاً بمثابة فرصة جذابة للأطفال والمراهقين الذين يواجهون الفقر والجوع والبطالة والاضطهاد العرقي أو السياسي، وفي مواجهة تلك المشكلات يكون الأطفال أهدافًا سهلة لتجنيدهم وقد يكونوا أكثر استعدادًا للقتال من أجل الشرف أو الانتقام أو الحماية من العنف. أما خامسًا وأخيرًا؛ كون الأطفال أكثر مرونة وقابلية للتكيف والتلقين، يقومون بتنفيذ المهام دون استجواب من جانبهم لكون الجانب الأخلاقي لم يتطور بشكل متكامل لديهم، كما أنهم أكثر قابلية للبقاء وعدم الفرار مقارنة بالبالغين([23]).

وقد أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن الأطفال من المحتمل أن ينخرطوا في نزاع مسلح أو أن يصبحوا جنود أطفال إذا ما كانوا فقراء، أو منفصلين عن عائلاتهم، أو نازحين من منازلهم، أو يعيشون في منطقة صراع، أو لديهم فرص محدودة للحصول على التعليم. كما يمكن أيضًا إغراء الأطفال ليصبحوا جنودًا لأسباب اجتماعية وحريات دينية وأفكار التحرر الوطني([24]).

وبجانب ما تم الإشارة إليه من عوامل مسؤولة عن انتشار التجنيد القسري، يوجد عامل آخر لا يمكن إغفال دوره في انتشار تلك الظاهرة، وهو ضعف القوانين والتدابير الرامية إلى التصدي للإتجار بالأطفال. فعلى الرغم من أن قوانين العديد من الدول الأفريقية تتضمن بعض المواد التي تنص على معاقبة المتاجرين بالأطفال، ولكن العقبة هنا في التنفيذ([25]).

الجدير بالذكر، أن من المعتاد أن تقوم الجماعات المسلحة باستخدام أسلوب التجنيد القسري للأطفال سواء من خلال عمليات الخطف والإجبار والتهديد وإلحاقهم بصفوف تلك الجماعات، أو اللجوء إلى استخدام أسلوب الإقناع للانضمام، والذي اعتمد في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب الأطفال وإغرائهم للانضمام لصفوف تلك الجماعات([26]). ولكن في بعض الحالات ينضم الأطفال إلى الجماعات المسلحة طواعية دون إجبارهم على ذلك، وفي حالات كثيرة يبحثون بأنفسهم عن الجماعات العسكرية لتقديم أنفسهم للالتحاق بها. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، انضم ما يقرب من 64% من أطفال جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا والكونغو إلى الجماعات المسلحة المختلفة طواعية. وربما يعزو ذلك لعدة أسباب يأتي على قائمتها الفقر والتعرض للظلم الاجتماعي والاقتصادي. كما يعزو ذلك أيضًا إلى رغبة الأطفال في الحصول على قدر من القوة والمكانة؛ حيث يوفر امتلاك السلاح وارتداء الزي العسكري الخاص بتلك الجماعات فرصًا لشعور أولئك الأطفال بقوتهم ومكانتهم([27]). وفي حالات أخرى، ينضم الأطفال طوعًا للجماعات المسلحة بسبب نقص فرص التعليم، ففي تقرير منظمةWorld Vision South Sudan  تم الإشارة إلى أن أحد عوامل الدفع الأكثر تكرارًا للتجنيد الطوعي هو عدم الحصول على التعليم([28]). وفي حالات أخرى، ينضم الأطفال طواعية بحثًا عن الحماية، وخاصة أولئك الأطفال الذين يحاطون بالعنف والفوضى، حيث يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم سيصبحون أكثر أمنًا عند انضمامهم لتلك الجماعات وامتلاكهم للسلاح، وذلك ما دفع بالكثير من الفتيات إلى الانضمام طواعية لصفوف تلك الجماعات المسلحة هربًا من العنف المنزلي أو أشكال الاستغلال التي يتعرضن لها([29]).

ثالثًا: الجماعات المعنية بالتجنيد القسري للأطفال: نماذج مختارة

(1) جيش الرب في أوغندا

في عام 1986، قام زعيم روحي يدعى “جوزيف كوني” بجمع البقايا المتطرفة من الجماعات المتمردة في شمال أوغندا وقام بتشكيل جيش الرب للمقاومة، وقد اعتمد على تلك الجماعات المتطرفة التي لا تحظى بشعبية بين إخوانهم من الأشولي. ويعتقد محليًا أن “جوزيف كوني” يمتلك قوى روحية عظيمة، ويدعي أنه يسعى إلى التطهير الروحي للأمة من خلال الإطاحة بحكومة الرئيس “موسيفيني” الذي تولي حكم البلاد عام 1986([30]).

وقد كانت معارك جيش الرب موجهة في بادئ الأمر تجاه جيش المقاومة الوطني، وذلك حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ولكن بعد ذلك بدأ جيش الرب في مهاجمة السكان المدنيين وإرهابهم واختطاف الأطفال للانضمام إلى قوات المتمردين([31]).

وعلى أثر ذلك قام الأشولي بتكوين مليشيات دفاع محلية للتصدي إلى هجمات جيش الرب للمقاومة. ولقد أدت النزاعات والحروب المتزايدة في أوغندا إلى التجنيد القسري لعدد كبير من الأطفال. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن أعدادًا كبيرة من الأطفال قد تم اختطافهم بالقوة وتجنيدهم في صفوف جيش الرب للمقاومة للعمل كجنود أطفال أو عبيد جنس أو كزوجات للقادة، أو للعمل كحمالين للسلاح والذخيرة المسروقة لصالح جيش الرب([32])، وتم توظيف بعضهم للعمل كحراس شخصيين، جواسيس، وطهاه. ولم يقتصر الأمر على تجنيد الأطفال محليًا فقط؛ بل تم تجنيدهم أيضًا للعمل لصالح جمهورية الكونغو الديمقراطية كجنود وعبيد جنس([33])؛ حيث قام جيش الرب باختطاف ما يزيد عن 60 ألف شاب من الأشولي غالبيتهم من الذكور، وتم اختطافهم من قبل مجموعات صغيرة متجولة من المتمردين الذين يقومون بغاراتهم على المساكن الريفية ليلاً. ويتعرض المختطفون من الأطفال إلى التقييد والضرب والتعذيب ويتم تدريبهم ومنحهم أسلحة ليصبحوا مقاتلين، ويجبر البعض منهم على ضرب المدنيين وإيذائهم وفي بعض الأحيان يُجبرون على محاربة أصدقائهم وعائلاتهم لتقليل خوفهم من القتل([34]). وتشير تقديرات أخرى إلى أن جيش الرب قام باختطاف ما بين 25 ألف إلى 38 ألف طفل أوغندي واستخدمهم كجنود حرب بين عامي 1986- 2006([35]).

ويتمثل الغرض من تفضيل تجنيد الأطفال عن الشباب والرجال في تحملهم للأذى البدني وتلقيهم للتعليمات دون إبدائهم لأي نوع من المقاومة أو الرفض وذلك بالنسبة للذكور، أما بالنسبة للإناث من الأطفال فقد نبع التفضيل من الاعتقاد السائد بأنهن أقل عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية([36]).فضلاً عن انخفاض قدرة الأطفال على تقييم المخاطر والتعبير عن مخاوفهم والدفاع عن أنفسهم([37]).

وقد تعرض هؤلاء الأطفال لأبشع أشكال العنف الممارس من قبل جيش الرب، والذي تمثلت صوره في الاختطاف، التشويه، الاغتصاب، القتل، التعذيب، العبودية الجنسية والاسترقاق وكافة أشكال العنف الجنسي الأخرى؛ حيث اعتاد الجيش على ممارسة العنف المتمثل في ضرب الأطفال بالسياط لارتكابهم مخالفات بسيطة أو لتشجيعهم على السير بشكل أسرع وقت القتال، وفي بعض الأحيان يقومون بقتل من لم يستطع مواكبة أوامرهم وتنفيذها. كما يجبر الجيش الأطفال على ضرب المدنيين وقتلهم أثناء القيام بعمليات النهب، ويجبرونهم على المشاركة في اختطاف أطفال جدد وسرقة المنازل وحرقها في مناطق إقامتهم الأصلية، فضلاً عن إجبارهم على قتل زملائهم الذين تم ضبطهم أثناء محاولاتهم للفرار ليصبحوا عبرة لزملائهم. وفي بعض الأحيان يقوم جيش الرب ببيع الأطفال لحكومة السودان والصومال مقابل الحصول على الأسلحة والمعدات والزي الرسمي للمتمردين. ووفقًا لتقرير اليونيسيف (2006)، يُعتقد أن ما بين 25.000-30.000 طفل تم اختطافهم ما بين عامي (1990-2006)، وتختلف تلك الأعداد من عام لآخر حسب الاحتياج العسكري لجيش الرب. كما أكدت بعض التقارير الصادرة عن الوكالات الدولية إلى أن من بين هؤلاء الأطفال المختطفين لا يزال هناك أكثر من 8000 شخص مجهولي المصير ولم يعودوا لديارهم وأسرهم([38]).

(2) جماعة بوكو حرام في نيجيريا

شهدت نيجيريا انتهاكات عديدة لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي قامت بالتصديق عليها مسبقًا؛ حيث تعد نيجيريا ثاني أكبر دولة لديها أكبر عدد من الأطفال المجندين، وثالث أكبر دولة شهدت عمليات الاختطاف، وذلك عام 2018([39]).

وتعد جماعة بوكو حرام من الجماعات المتمردة التي أثير حولها الكثير من الجدل فيما يتعلق بنشأتها وظهورها؛ حيث ترجع بعض الكتابات نشأتها لعام 2002 حينما أصبحت أنشطتها ظاهرة ومعروفة، في حين يُرجع البعض نشأتها لعام 1995، وقد بدأت تلك الجماعة كطائفة دينية سلمية معروفة وكان قائدها “أبو بكر لاوان”، ولم تُبد تلك الجماعة أية ميول عنيفة إلا بعدما غادرها “أبو بكر” وتولي قيادتها “محمد يوسف” في عام 2002([40]).

وتتكون جماعة “بوكو حرام”، من الشباب الساخطين، وخريجي المدارس الثانوية والجامعات العاطلين عن العمل، والأطفال المعوزين، وبعض الأثرياء والمتعلمين وذوي النفوذ، وغالبيتهم من الأجزاء الشمالية لنيجيريا والبعض منهم من الدول المجاورة (تشاد، الكاميرون، النيجر)([41]).

وخلال عام 2004، هاجرت تلك الطائفة من ولاية بورنو إلى ولاية يوبي وأنشأت مملكة لنفسها لفرض الحكم الإسلامي على شمال نيجيريا وإقامة دولة الشريعة في نيجيريا حسبما يزعم زعيمها “محمد يوسف”، وخلال عام 2009، تم القبض على “محمد يوسف” وقُتل ومعه أكثر من ألف من أعضاء الطائفة في معركة استمرت أربعة أيام مع قوات الأمن النيجيرية ردًا على استهداف جماعة بوكو حرام لعدد من مراكز الشرطة النيجيرية([42]). ومنذ ذلك الحين قامت تلك الجماعة بتصعيد تمردها في نيجيريا. وازداد وطأة التمرد لتلك الجماعة واشتد عنفها بتولي “أبو بكر شيكاو” لها في عام 2010. ومنذ عام 2009، نفذت جماعة بوكو حرام أكثر من ألف هجوم مسلح أسفر عن مقتل الآلاف من الأشخاص([43])؛ حيث هاجمت الكنائس والمؤسسات الحكومية، وقامت بعمليات إطلاق النار والتفجيرات الانتحارية وعمليات الاختطاف واستهدفت أيضًا المدارس وهاجمتها، وقد أسفرت هجماتها العدوانية هذه عن مقتل 12 ألف شخص وإصابة 8 آلاف. كما هاجمت مقر الأمم المتحدة في نيجيريا وأسفر هجومها عن مقتل 23 شخصًا خلال عام 2011([44]). كما شنت الجماعة هجمات متكررة على القرى خلال عام 2019 وقامت بنهب الماشية والأموال وغيرها من الأشياء الثمينة([45]).

وتنتشر تلك الجماعة حاليًا في أربعة دول وهي: تشاد، النيجر، الكاميرون، ونيجيريا. وبالتالي، تحولت تلك الجماعة من كونها مهددًا للأمن القومي النيجيري إلى مهددًا إقليميًا يشكل خطرًا على تلك الدول التي تتواجد بها. وخلال عام 2016، انقسمت تلك الجماعة إلى قسمين نتيجة رفض البعض من أعضاء الجماعة الارتباط بتنظيم الدعوة الإسلامية، الأمر الذي نجم عنه أن أصبح هناك جماعة يقودها “شيكاو” وأخرى يقودها “أبو مصعب البرناوي”، وما ترتب على ذلك من ضعف قوة الجماعة([46]).

ولقد كان من المعتقد أن جماعة بوكو حرام تقوم فقط باختطاف الأطفال، ولكن تبين فيما بعد أنها تقوم بتجنيدهم وتدريبهم على القتال في معسكرات التدريب، خاصة بعدما نشرت الجماعة مجموعة من الصور للأطفال أثناء تدريبهم عبر الموقع الالكتروني الخاص بالجماعة. وتشير إحصائيات اليونيسف إلى أن ما يقرب من 2000 طفل تم تجنيدهم خلال عام 2016 من نيجيريا والدول المجاورة لها. كما تشير تقارير اليونيسف إلى أنه تم استخدام حوالي 117 طفلاً من قبل الجماعة في تنفيذ العمليات الانتحارية خلال عام 2017، وقد مثلت الفتيات نسبة 80% من هؤلاء الأطفال الذين تم استخدامهم؛ حيث يتم استخدام الفتيات في الأعمال الخاصة بالعمليات العسكرية بجانب أعمال الخدمة وإعداد الطعام وتزويجهن لرجال الجماعة([47]).

وهناك ثمة أمور ساعدت جماعة بوكو حرام على تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، تأتي في مقدمتها رؤية الجماعة ذاتها منذ زعامة “محمد يوسف” لها، والتي تقوم على استقطاب الشباب الباحثين عن راحة البال. هذا بالإضافة إلى بعض العوامل الدينية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى مثل الفقر وارتفاع معدل البطالة والافتقار إلى التعاليم الدينية وما صاحبها من تزايد أعداد الطوائف وانتشار المعتقدات المتطرفة للجماعات التي جعلت الشباب عرضه للتطرف بسبب نقص المعرفة بالأديان. وقد استغلت تلك الجماعة تلك العوامل السالف الإشارة إليها لتجنيد الأطفال، بالإضافة إلى اتباع أسلوب الإغراء لاستقطاب الأطفال. فقد قامت الجماعة بإمداد الأطفال بالأموال مقابل قيامهم ببعض المهام مثل إضرام النيران في المدارس والتجسس على قوات الجيش النيجيري، وحمل المسروقات، والقيام بإخفاء الأسلحة والبنادق وغيرها من المهام([48]).

رابعًا: الآثار المترتبة على التجنيد القسري للأطفال

يمثل التجنيد القسري للأطفال أحد أبشع أشكال العنف ضد الأطفال، وذلك لما يترتب عليه من العديد من العواقب الوخيمة التي تحل على الأطفال، فبمقتضاه يحرم الأطفال من عيش الحياة الكريمة، وتسلب منهم حقوقهم في التعليم والصحية والحرية، ويفقدون جذورهم وهويتهم الثقافية. وبالتالي، فإن الآثار المترتبة على التجنيد القسري تنبع من طبيعة ظروف الأنشطة التي يتم استغلالهم بها.

وبغض النظر عن نوع ومستوى مشاركة الأطفال في الجماعات المسلحة، فإن تجنيدهم له عواقب عديدة، سواء على المدى القصير أو الطويل، وسواء على أنفسهم أو على أسرهم ومجتمعاتهم؛ حيث يتعرض الأطفال المجندون للعديد من المخاطر الجسدية والعاطفية الشديدة، وغالبًا ما يتم إهمالهم، ويمكن أن يشهدوا أو يتورطوا في عمليات القتل أو الاغتصاب وما إلى ذلك([49]).

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى العواقب الفردية لتجنيد الأطفال؛ حيث يعاني هؤلاء الأطفال من مشكلات الصحة العقلية بعد ارتباطهم بتلك الجماعات، ولا سيما أولئك الأطفال الذين تعرضوا للعنف وعادوا إلى مجتمعاتهم التي قابلتهم بالوصم المجتمعي([50]). كما أشارت دراسات أخرى إلى انتشار الصدمات النفسية والاجتماعية المرتبطة بالمشاركة في النزاعات والحروب والتعرض للعنف الجنسي كالتأثير على الأداء الاجتماعي والصحة البدنية والعقلية وإعادة الدمج، والاكتئاب الشديد والتفكير في الانتحار وضغوط ما بعد الصدمة، فضلاً عن بعض التأثيرات المنعكسة على تكوين الهوية الذاتية وتشكيل الروابط الاجتماعية([51]).

فعادة ما يتم تنشئة الأطفال الجنود في بيئة من العنف الشديد، وبالتالي يرتكبون الكثير من الأعمال الوحشية نتيجة لما يتعرضون له من صدمات طيلة فترة التجنيد التي تحرم الطفل من النمو الطبيعي والصحي، الأمر الذي ينعكس على اندماجهم في المجتمع ويشعرهم بالعزلة الاجتماعية التي يزيد من وطأتها صعوبة تقبل المجتمع لهم. ذلك الأمر الذي قد يدفع البعض منهم للعودة إلى التجنيد مجددًا ولكن في تلك المرة يكون بكامل رغبتهم([52]).

وقد واجه الأطفال الذين تم تجنيدهم قسريًا العديد من المحن المتمثلة في الفصل القسري عن الأسرة، فقدان الوصول إلى المدرسة ومواصلة التعليم، والحصول على الرعاية الصحية، وعدم تأمين الوصول إلى الغذاء والمأوى، فضلاً عن الإصابة بمشاكل الصحة العقلية كالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، فضلاً عن الوصم والتمييز اللذين يلتصقان بهما عقب عودتهم لديارهم([53]).

وقد أشارت دراسة Blattman (2010) إلى أن إلى أن هناك العديد من العواقب الاقتصادية والاجتماعية لعملية التجنيد القسري للأطفال؛ حيث وجدت الدراسة أن الشباب الذين تم تجنيدهم في طفولتهم قد حرموا من الفرص الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بالشباب الذين لم يتم تجنيدهم في سن طفولتهم([54]).

بينما أشارت دراسة ” Betancourt & et al.” (2020) إلى أن تأثير التجنيد القسري للأطفال لا يقتصر على تلك الفترة التي يقضي فيها الطفل فترة تجنيده وما بعدها، بل يمتد لما هو أبعد من ذلك، ويؤثر بالسلب في العلاقات الأسرية بعد البلوغ؛ حيث أشارت تلك الدراسة إلى وجود مستويات مذهلة من مشاكل الصحة العقلية المستمرة بين الجنود الأطفال السابقين كبالغين مع عواقب مع عائلتهم([55]).

وفي ضوء ما تقدم، يمكننا أن نوجز أهم الآثار المترتبة على التجنيد القسري للأطفال في النقاط التالية:

– الآثار الاجتماعية

  • رفض الأسر والمجتمعات لهؤلاء الأطفال حين عودتهم لمجتمعاتهم، وخاصة الجنود الأطفال الذين يُنظر لهم على أنهم قتلة ومرتكبو جرائم وحشية.
  • عدم القدرة على مواصلة الحياة وتحقيق الاندماج المجتمعي مع أقرانهم.
  • انخفاض التحصيل التعليمي وما يترتب عليه من نقص فرص التنمية.

– الآثار النفسية

  • الشعور بالخوف المستمر من التعرض للعقاب من قبل المختطفين.
  • الشعور بالذنب والخجل والاستياء من الأخطاء التي ارتكبها الطفل دون إرادته.
  • الغضب وإلقاء اللوم على النفس للأشياء السيئة في حياتهم.
  • نمو مشاعر الكراهية تجاه الأسرة التي تخلت عن الدفاع عنه.
  • الشعور بالعجز وقلة الحيلة بسبب عدم القدرة على تغيير الوضع الحالي.
  • اضطرابات ما بعد الصدمة وما يرافقها من عدم المقدرة على التحكم في مسار الأمور الحياتية وانعدام الثقة بالآخرين.
  • الاضطرابات النفسية كالأحلام المزعجة والهلوسة الناتجة عن التعذيب والقلق والاستغلال.
  • اضطرابات السلوك، كالجنوح والميل إلى العدوان والسلوك الجنسي غير السوي.
  • الشعور بالقلق فيما يتعلق بالقبول المجتمعي له، وخاصة في لدى الجنود الأطفال الذين ذاع صيتهم واشتهروا بالقتل وارتكاب الجرائم الوحشية، وكذلك لدى المستغلين في مجال الجنس التجاري([56]).

– الآثار الجسدية والصحية

  • قد يضطر الأطفال إلى تعاطي الكحول والمخدرات من أجل تحمل المصاعب، والتي بدورها تؤدي إلى الإدمان والأمراض والمشاكل العقلية في وقت لاحق.
  • يترتب على الانغماس في الممارسات الجنسية في وقت مبكر حدوث الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن والإصابة بالناسور.
  • التعرض للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا وفيروس نقص المناعة البشرية.
  • الإصابة بالكدمات والجروح نتيجة ظروف العمل غير الآمنة والعنف البدني الممارس تجاههم، وقد يصل الأمر بهم إلى الوفاة في بعض الآحيان([57]).

– خاتمة

في ضوء ما سبق استعراضه في متن الدراسة، تبين لنا أن ظاهرة التجنيد القسري للأطفال تعد من أبشع الانتهاكات التي يتم ارتكابها تجاه الأطفال في أفريقيا، وأن تلك الظاهرة قد حظيت بقدر من الاهتمام الدولي واسع النطاق نتيجة للآثار الناجمة عنها سواء النفسية أو الاجتماعية أو الصحية. فقد اتخذ المجتمع الدولي العديد من الإجراءات التي من شأنها الحد من تلك الظاهرة، والتي تراوحت ما بين تحديد سن تجنيد الأطفال وبين سن قوانين تجرم ذلك الفعل وتفرض عقوبات على القائمين بها.

وبالحديث عن أسباب تفضيل تجنيد الأطفال في صفوف الجماعات المسلحة؛ تبين لنا لوجود العديد من الأسباب الكامنة وراء ذلك، منها ما يتعلق بالظروف المجتمعية كالفقر، وانتشار الحروب والصراعات، وتزعزع الأمن، وانتشار الأسلحة الحديثة، فضلاً عن ضعف تنفيذ القوانين الرامية لحماية الأطفال والإتجار بهم. ومنها ما يتعلق بطبيعة وسمات الأطفال أنفسهم، كارتفاع معدلات الأطفال مقارنة ببقية الفئات العمرية الأخرى، وقدرتهم على التحمل والبقاء والتسلل، فضلاً عن اتسامهم بالشجاعة والإرادة، وكونهم أقل تكلفة مقارنة بالبالغين بالنسبة للجماعات المسلحة.

كما تم استعراض نماذج لبعض الجماعات المسلحة في أفريقيا، كجماعة جيش الرب الأوغندي، وجماعة بوكو حرام بنيجيريا. وقد تضمن ذلك الاستعراض إبراز تاريخ تلك الجماعات والسبل المتبعة لتجنيد الأطفال والانتهاكات التي قامت بها تجاه الأطفال والسكان بوجه عام.

واختتمت الدراسة باستعراض أهم الآثار الناجمة عن التجنيد القسري للأطفال، والتي تراوحت ما بين الآثار الاجتماعية كالوصم وعدم القدرة على الاندماج الاجتماعي وانخفاض التحصيل التعليمي. والآثار النفسية كالخوف المستمر والشعور بالذنب والخجل ومشاعر الكراهية، ناهيك عن بعض الاضطرابات النفسية الأخرى كاضطرابات ما بعد الصدمة والأحلام المزعجة والهلاوس الناجمة عن التعذيب الذي تعرض له هؤلاء الأطفال. ولم يقتصر الأمر على الآثار الاجتماعية والنفسية فحسب؛ بل برزت لنا جملة من الآثار الجسدية والصحية الناجمة عن التجنيد القسري للأطفال، كتعاطي المخدرات والكحوليات، والإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا الناجمة عن عمليات الاغتصاب التي تعرضت لها الفتيات وانغماسهن في الممارسات الجنسية المحفوفة بالمخاطر في وقت مبكر، ناهيك عن الأمراض الأخرى ذات الصلة.

– توصيات الدراسة

وفي ضوء ذلك، توصي الدراسة الراهنة بالآتي:

  • على الجهات المعنية التشديد على تطبيق القوانين المتعلقة بتحديد سن التجنيد للأطفال، وإلزام الدول والحكومات على تنفيذها.
  • ضرورة المتابعة المستمرة والرقابة المشددة للجماعات المسلحة والتحري عن مدى تجنيدهم للأطفال ضمن صفوفهم من عدمه.
  • نشر حملات توعوية تضمن الآثار السلبية الناجمة عن تجنيد الأطفال في صفوف الجماعات المسلحة، مع عرض نماذج لحالات واقعية لأطفال سبق وأن تم تجنيدهم لتجسد المعاناة التي عانوا منها، على أن تستهدف تلك الحملات الأطفال والشباب الذين ينضمون لصفوف الجماعة المسلحة طواعية.
  • تشديد الأمن السيبراني لتتبع أنشطة الاستقطاب التي تقوم بها تلك الجماعات للأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت عامة.
  • توفير خدمات الدعم النفسي والسلوكي للأطفال الذين تم تسريحهم من صفوف الجماعات المسلحة لمساعدتهم على إعادة الاندماج الاجتماعي مع أقرانهم وذويهم، والعمل على توفير البدائل الوظيفية لهم لتمكينهم من ناحية، ولمنع عودتهم لتلك الجماعات المسلحة من ناحية أخرى، وخاصة أولئك الذين انضموا لصفوف تلك الجماعات بدافع الفقر أو الرغبة في الحصول على المأوى والشعور بالأمن.

– الهوامش


[1] (Honwana A., (1999). Negotiating post war Identities: Child soldiers in Mozambique and Angola, CODESRIA Bulletin.

[2] (Cahn, N. (2005). Poor Children: Child Witches and Child Soldiers in Sub-Saharan Africa. Ohio St. J. Crim. L.3, 413.

[3] (Brett R., (2000). Causes, consequences and international responses, in E. Bennett, V. Gamba and D. van der Merwe (eds.) ACT against child soldiers in Africa: A reader, Institute of Security Studies, Pretoria.

[4] (Schauer, E., & Elbert, T. (2010). The psychological impact of child soldiering. Trauma rehabilitation after war and conflict: Community and individual perspectives, 311-360.

[5] (Brownell, G., & Praetorius, R. T. (2017). Experiences of former child soldiers in Africa: A qualitative interpretive meta-synthesis. International Social Work60(2), 452-469.

[6] (McKnight, J. (2010). Child Soldiers in Africa: A Global Approach to Human Rights Protection, Enforcement and Post-Conflict Reintegration. African Journal of International and Comparative Law, 18(2), 113-142.

[7] (Haer, R. (2019). Children and armed conflict: looking at the future and learning from the past. Third World Quarterly, 40(1), 74-91.

[8] (UNICEF. (2021). Ending the recruitment and use of children in armed conflict. London: UNICEF United Kingdom. Retrieved, 18.

[9] (Ludwig, M. (2003). Former Child Soldiers as Refugees in Germany. Quaker United Nations Office.

[10] (UNICEF. (2021). Op cit.

[11] (Becker, J. (2004). Children as weapons of war. Human Rights Watch World Report 2004, 219-244.

[12] (Rakisits, C. (2008). Child Soldiers in the East of the Democratic Republic of the Congo. Refugee Survey Quarterly, 27(4), 108-122.

[13] (Jézéquel, J. H. (2006). Child Soldiers in Africa: A Singular Phenomenon? On the necessity of a historical perspective. Semantic Scholar.

[14] (Singer, P. W. (2005). Child soldiers: The new faces of war. American Educator, 29(4), 28.

[15] (McKnight, J. (2010). Op cit..

[16] (Schauer, E., & Elbert, T. (2010). Op cit.

[17] (Kakhuta-Banda, F. B. (2014). The use of child soldiers in African armed conflicts: A comparative study of Angola and Mozambique (Doctoral dissertation, University of the Witwatersrand, Faculty of Humanities, International Relations).

[18] (Bell, K., & Abrahams, D. (2008). The use of child soldiers in armed conflict. Obiter, 29(2), 162-190.

[19] (Kakhuta-Banda, F. B. (2014). Op cit.

[20] (Kasirye, R. (2007). Rapid assessment report on trafficking of children into worst form of child labour, including child soldiers in Uganda. Kampala: ILO.

[21] (Kakhuta-Banda, F. B. (2014). Op cit.

[22] (Schauer, E., & Elbert, T. (2010). Op cit.

[23] (Blattman, C. (2009). The causes of child soldiering: evidence from Northern Uganda. Paper presented at the Meeting of the International Studies Association 48th Annual Convention, Hilton Chicago.

[24] (Kakhuta-Banda, F. B. (2014). Op cit.

[25] (Nambatya, S., & Gubo, Q. (2016). A Comparative Study of Child Trafficking Causes between China and Uganda. Developing Country Studies, Vol.6 (6) 159- 170.

[26] (UNICEF. (2021). Op Cit.

[27] (Kakhuta-Banda, F. B. (2014). Op cit.

[28] (World Vision South Sudan (WVSS). (2022).South Sudan’s hunger crisis:The Impact on Children in  Armed Conflict. World Vision South Sudan report.

[29] (Singer, P. W. (2005). Op cit.

[30] (Blattman, C., & Annan, J. (2010). The consequences of child soldiering. The review of economics and statistics, 92(4), 882-898.

[31] (Huttunen, M. (2011). Child, soldier, child soldier-the implications of the construction of’child’and’child soldier’for rehabilitation practices in Northern Uganda. Department of Global Political Studies.Malmö University.

[32] (Nambatya, S., & Gubo, Q. (2016). Op cit.

[33]( Kasirye, R. (2007). Op cit.

[34] (Blattman, C., & Annan, J. (2010). Op cit.

[35] ) Huttunen, M. (2011). Op cit.

[36] (Nambatya, S., & Gubo, Q. (2016). Op cit.

[37] (Uganda Youth Development Link (UYDL). (2009). Trafficking and enslavement of Children in Uganda; A form of modern-day slavery, Retrieved from; https://www.uydel.org/reports/Trafficking%20and%20enslavement%20of%20Children%20in%20Uganda-20110706-161547.pdf

[38] (Kasirye, R. (2007). Op cit.

[39] (o’connor, R., Betancourt, T. S., and enelamah, N. V. (2021). Safeguarding the Lives of Children Affected by Boko Haram: Application of the SAFE Model of Child Protection to a Rights-Based Situation Analysis. Health and Human Rights Journal. Vol. (23). No. (1).

[40] (Bakare, S. S. (2018). Boko Haram and the child’s right to education in Africa: Examining the accountability of non-state armed groups. African Human Rights Law Journal. No. (18). 146-170.

[41] (Svendsen, C. (2017). Children in War: A Discussion of Child Soldiers and the Concept of Childhood. Master of Science in International Relations. The Faculty of Landscape and Society/NORAGRIC.

[42] (Husted, T. F. (2022). Boko Haram and the Islamic State West Africa Province. Congressional Research Service (CRS) report.

[43] (Bakare, S. S. (2018). Op cit.

[44] (Svendsen, C. (2017). Op cit.

[45] (o’connor, R., Betancourt, T. S., and enelamah, N. V. (2021). Op cit.

[46] (Svendsen, C. (2017). Op cit.

[47] (Svendsen, C. (2017). Op cit.

[48] (Svendsen, C. (2017). Op cit.

[49] (International Committee of the Red Cross, Inter-agency Guiding Principles on Unaccompanied and Separated Children, Geneva, 2004.

[50] (Haer, R. (2019). Op cit.

[51] (Brownell, G., & Praetorius, R. T. (2017). Op cit.

[52] (Schauer, E., & Elbert, T. (2010). Op cit.

[53] (Betancourt, T. S., Keegan, K., Farrar, J., & Brennan, R. T. (2020). The intergenerational impact of war on mental health and psychosocial wellbeing: lessons from the longitudinal study of war-affected youth in Sierra Leone. Conflict and health, 14(1), 1-8.

[54] (Blattman, C., and Jeannie A.(2010). Op cit.

[55] (Betancourt, T. S., Keegan, K., Farrar, J., & Brennan, R. T. (2020). Op cit.

[56] (Kasirye, R. (2007). Op cit.

[57] (Uganda Youth Development Link (UYDL). (2009). Op cit.