كتبت – أماني ربيع

صفحات تاريخ ذوي البشرة السمراء منذ وصولهم إلى أمريكا كرق للعمل في مزارع القطن، ملطخة بالكراهية والدماء، لم تكن الحياة أبدا سهلة أمام سيئي الحظ الذين جلبتهم الظروف إلى بلد الحريات التي قمعت أحلامهم وإنسانيتهم بسبب لون البشرة، وحتى بعد إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن تحرير العبيد يوم 1 يناير 1863، وتغيير الوضع القانوني الفيدرالي لأكثر من 3 ملايين من الرق بالجنوب الأمريكي من “رقيق” إلى “حر”، لم يؤدي هذا إلى حدوث أي تغييرات في الواقع الفعلي وفي نظرة الأمريكيين البيض إلى الأمريكيين من أصل أفريقي.

وبرغم كل هذه السنوات من التقدم والحضارة، بدت العنصرية وكأنها تجري في جينات أمريكا، ولم تفلح قيادة باراك أوباما أول رئيس أمريكي من ذوي البشرة السوداء عام 2009 والذي أصبح السيد الأول للبلاد لولايتين متتاليتين في تغيير أي شيء، حيث أثبت حادث تلو آخر، أن العنصرية الكريهة تختبئ تحت قشرة الحرية المزعومة.

وتسبب مقتل المواطن جورج فلويد يوم 25 مايو الماضي، أثناء اعتقاله في إشعال احتجاجات عنيف بالولايات المتحدة، أخرجت الغضب الكامن لدى الأمريكيين من أصل أفريقي تجاه التحيز العنصري في نظام العدالة الأمريكي، وتحولت بعض المظاهرات إلى العنف مع إغلاق متظاهرين لحركة المرور، وإضرام النار، والاشتباك مع الشرطة التي أطلق أفراد منها الغاز المسيل للدموع والرصاص البلاستيكي من أجل اعادة فرض النظام.

وليست هذه أول احتجاجات من هذا النوع في أمريكا، فحدثت احتجاجات مماثلة عام 1965 في لوس أنجلس، بعد توقيف الشاب الأسود ماركيت فراي من قبل الشرطة والتشاجر مع أقاربه ما أدى إلى تمرد في جيتو خاص بالسود استمر لستة أيام، وكان من نصيب عام 1976 احتجاجين مماثلين في نيوآرك، وديترويت، ولا ننسى اغتيال لوثر كينج عام 1968، وفي ميامي 1980، ولوس أنجلس عام 1992، ومع دخول الألفية الثالثة شهدت أمريكا احتجاجات أيضا ضد العنصرية، كان آخرها في شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية عام 2016.

ولم تكن السينما بالطبع غائبة عن هذه الصفحات السوجاء في التاريخ الأمريكي ورصدت أكثر من قصة سينمائية مظاهر العنصرية في المجتمع الأمريكي في عصور مختلفة، ونستعرض في التقرير التالي مجموعة من أبرز الأفلام التي تحدثت عن هذه الظاهرة:

12 Years a Slave

يستند الفيلم إلى كتاب السيرة الذاتية “عبد لإثني عشر عاما” لسولمون نورثوب، وهو رجل أسود حر، رب لأسرة تعيش حياة بسيطة ومحترمة في واشنطن، تبدأ معاناته بعد اختطافه عام 1841، ويبدأ رحلة عذاب مع العنصرية تجاه الرق تستمر لإثني عشر عاما، يعمل خلالها في أحد مزارع القطن بولاية لويزيانا ويصبح شاهدا على قسوة مالكي المزارع البيض تجاه الرق، وكيف يجردوهم من إنسانيتهم.

لم يقبل سولومون بفقدان حريته، وحاول أكثر من مرة الهروب، أو رواية حكايته، خاصة وأنه متعلم ويجيد العزف على الكمان، لكن السيد يعتبره مصدرا لتسليته، ورغم ذلك يظل في نضاله للتحرر حتى يستطيع إثبات حريته والعودة إلى أسرته مجددا.

الفيلم إنتاج عام 2013،  ومن بطولة الممثل النيجيري تشيوتيل إيجيوفور والممثلة الكينية لوبيتا نيونجو التي نالت عن دورها جائزة أوسكار افضل ممثلة مساعدة، وسارة بولسون، وبرادبيت، ومن إخراج ستيف مكوين.

Django Unchained

عبر المخرج الأمريكي الشهير كوينتن تارانتينو عن العنصرية من وجه نظره عبر دراما فانتازية حافلة بالكوميديا والدماء، يحكي من خلالها قصة جانجو العبد القوي الذي ينطلق في رحلة بحث عن حبيبته برومهيلدا، ويضعه الحظ أمام رجل أبيض من أصول ألمانية يدعى شولترز تنشأ بينهما صداقة، ويبدأن سويا سلسلة من أعمال النصب يقمن خلالها بالبحث عن الفتاة الضائعة، ويكتشف خلال رحلة البحث أن زوجته لدة رجل إقطاعي ثري مغرور وغريب الأطوار يعمل في تجارة العبيد، ويقتل المتمردين منهم، والمرضى بطرق وحشية، منها إطلاق الكلاب عليهم لقتلهم أحياء، يدخلون بيته في محاولة لتهريب الفتاة، لكن يكتشف المؤامرة، وتبدأ مجزرة داخل المنزل، لكن ينجح جانجو في النهاية في إنقاذ حبيبته بعد مشهد دموي يقتل فيه جميع من في المزرعة.

الفيلم واحد من أبرز الأعمال التي ناقشت العنصرية وقسوتها، ولطف حدته الطابع الكوميدي لسيناريو تارانتينو، وكان أشبه بمباراة تمثيلية بين جمعت مجموعة من كبار النجوم، جيمي فوكس في دور جانجو، وليناردو ديكابريو في دور الإقطاعي، وكريستوفر والترز في دور شولترز، وصامويل جاكسون في دور الخادم العجوز، وهو من إنتاج عام 2012.

The Help

هذا الفيلم مقتبس عن رواية للكاتبة كاثرين سكوت بنفس الإسم،تدور في ستينيات القرن العشرين، إنتاج 2011، ويحكي عن العنصرية بين النساء البيض وخادماتهن من ذوات البشرة السوداء في إحدى الولايات الجنوبية.

ورغم أن هؤلاء الخادمات يعتنين بهذه الفتيات منذ طفولتهن وحتى يصبحت أمهات إلا أنهن بعد ذلك يتعاملن معهن بإزدراء وبنظرة يشوبها الكثير من الاستعلاء، حتى أن الخادمات ممنوعات من استخدام حمام المنزل الذي يعشن فيه ويصبحن مضطرات لقضاء الحاجة في العراء مهما كان الجو عاصفا، ويرفضن حتى فكرة دخول ابن أحد الخادمات إلى الجامعة.

تضطر الكثير من الخادمات إلى الرضوخ رغم كل هذا الذل من أجل ضمان دخل أسرهن، ونرى كيف أن الأطفال بفطرتهم النقية لا فهمن معنى العنصرية، ولا كيف يعبر لون شخص عن مكانته في المجتمع، ولا يروا في هؤلاء المربيات والخادمات إلى قلوب محبة وعطوفة عليهم، لكن المجتمع يحول هذه الفطرة بعاداته وقيمه المشوهة.

وبعد اشتعال حركة الحقوق المدنية عم 1963، وبمساعدة صحفية بيضاء محبة لمربيتها السوداء، يقمن بانتقام أدبي من السيدات لعنصريات عبر كتاب يسردن فيه خلال حوار صحفي عن وقائع حياتهن وما يعانينه، ويروين القصة لأول مرة من وجهة نظرهن، ويذكرن أيضا مواقف من حياة هؤلاء السيدات الخاصة لفضحهن أمام سكان المدينة.

الفيلم من بطولة فيولا ديفيس وإيما ستون، وأوكتافيا سبنسر وإخراج تيت تايلور.

American History X

أحد أهم العمال الأمريكية التي ناقشت العنصرية داخل مجتمع الولايات المتحدة المعاصر، وأثار ضجة كبيرة وقت عرضه عام 1998، في هذا الفيلم نشاهد العنصرية تجاه السود من وجهة نظر رجل أبيض.

الفيلم مليء بالعنف، ويحكي قصة شاب أمريكي أبيض يدعى ديريك يقتل شابين من أصول أفريقية، بدخل السجن وهناك تبدأ أراؤه ومعتقداته في التغيير بفضل صداقته من رجل أسود، ويبدأ في مراجعة أفكاره، وعقب خروجه من السجن يكتشف وجود نسخة أصغر من شخصه القديم تتمثل في أخيه الصغير الذي انضم لما يعرف بجماعة النازيين الذين يعتقدون في تفوق العرق الأبيض على الجميع، يحاول مناقشة أخيه وتغيير أفكاره، لكن الشقيق الصغير يرى أن ديريك خان مبادئه ويصبح من أعدائه.

الفيلم من بطولة إدوارد نورتون وإدوارد فورلونج، وكتابة ديفيد ماكينا، وإخراج توني كاي وآلان سميثي.

Crash

يتناول هذا الفيلم أيضا قضية العنصرية في أمريكا من منظور معاصر، ونرى فيه محاولة مختلفة لسرد شكل العنصرية بالمجتمع الأمريكي، بحيث يكون الإنسان جلاد وضحية في ذات الوقت.

ونرى كيف يقيم أفراد المجتمع الأمريكي بعضهم البعض وفقا لتحيزات مسبقة، وكيف يرفضون تقبل الثقافات المختلفة، فكل شخص مختلف عنك في اللوم والعرق، هو آخر، يجب التعامل معه بحذر، وباحتقار في أحيان كثيرة.

يحاول المخرج بول هاجيز تصوير العنصرية أو عدم تقبل الآخر من وجهة نظر نفسية، بأنها مجرد خوف من الخص المغاير لنا، لأنه لا يشبهنا، ولأننا عادة نتعامل مع الأشخاص وفقا لأفكار مسبقة، نرى شرطي أبيض عنصري يتحرش بامرأة سوداء البشرة، لكنه في نفس الوقت شخص بار بأبيه العجوز الذي فقد وظيفته بسبب السود، ورغم ذلك يقابل الشرطي مجددا المرأة السمراء ويحاول إنقاذها خلال حادث تصادم!.

ونرى السيدة البيضاء ساندرا بولوك تخاف ممن ذوي البشرة السوداء وتعتبرهم لصوصا، وترفض الثقة في عامل الأقفال لأنه لاتيني، ورغم ذلك تنشا بينها وبين خادمتها اللاتينية علاقة صداقة لأنها الوحيدة التي اهتمت بها خلال مرضها.

يخبرنا الفيلم أن نعطي أنفسنا فرصة للتعامل مع الأشخاص دون تحيزات مسبقة، أن نتعامل معهم عن قرب ونقيمهم من خلال هذا التعامل، وألا نضع الجميع في قالب واحد بسبب لون أو عرق.

الفيلم من إنتاج عام 2004، وبطولة ساندرا بولوك، مات ديلون ثاندي نيوتن، وكتابة وإخراج بول هاجيز، وحاز على جائزة أوسكار أفضل فيلم.