كتب. محمد الدابولي

أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية  فلورانس بارلي مساء يوم الجمعة 5 يونيو 2020، عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد الملك دروكدال والمكنى باسم أبومصعب عبد الودود، في مدينة تساليت شمال مالي والوقاعة بالقرب من الحدود المالية الجزائرية، وذلك خلال عملية عسكرية للقوات الفرنسية العاملة في المنطقة.

وبمقتل «عبد الملك دروكدال» القيادي التنظيمي الأبرز في منطقة الساحل ــــــــ الذي آثر خلال السنوات الماضية الإنزواء عن الأضواء لصالح قيادات أخرى كمختار بلمختار وأمادوا كوفا وإياد أغ غالي وغيرهم ــــــ يعاد إلقاء الضوء حول التحولات التنظيمية التي شهدها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ نشأته وإلي اليوم.

نمو مطرد

نمت التنظيمات الإرهابية بصورة مطردة خلال العقدين الأخيرين في منطقة الساحل والصحراء، حتي بات أكبر  إقليم في العالم من الناحية الجغرافية يعج بالتنظيمات الإرهابية المسلحة، إذ يشمل الإقليم دول كليبيا والجزائر وتشاد ومالي والنيجر  وبوركينافاسو وأخيرا موريتانيا.

باتت الدول المذكورة سابقا ساحة عمليات مفتوحة للتنظيمات الإرهابية، مستغلة العديد من العوامل السياسية والبيئية والاقتصادية التي مهدت لترسيخ وجود تلك التنظيمات الإرهابية، وفي محاولة لفهم طبيعة التنظيمات الإرهابية وتحركاتها وتنظيماتها في منطقة الساحل، أصدر مشروع التهديدات الحرجة«THE Critical THREATS» التابع لمؤسسة «أمريكان انتربرايز» The American Enterprise Institute دراسة بعنوان «Salafi-Jihadi Ecosystem in the Sahel» للكاتبة كاثرين زيمرمان، تناولت فيه خريطة التحولات التنظيمية للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، والدوافع التي عززت وجود تلك الجماعات.

عوامل التمدد

ساهمت العديد من العوامل في انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وفي هذا الصدد أكدت الكاتبة «كاثرين زيمرمان» أن هشاشة الحدود وعدم قدرة الدولة المركزية في منطقة الساحل على ضبطها ساهم بشكل كبير في انتشار التنظيمات الإرهابية التي وجدت في تلك الحدود الغير مراقبة فرصة للتمركز والانتشار وتهريب الأسلحة من قطر لأخر فضلا عن الانتقال بسلاسة من دولة لأخرى.

وأوضح المقال أن فشل ضبط الحدود بين دول الساحل يرجع إلي سوء تجهيز الجيوش الوطنية الأفريقية التي تفتقر إلي الآليات والوسائل المناسبة لضبط حدودها التي تتخطى عشرات الآلاف من الكيلومترات، ومن العوامل أيضا المسببة لانتشار الجماعات الإرهابية فقدان الدولة لوظيفتها التوزيعية والاقتصادية، فالدول الأفريقية حكوماتها غير قادرة على حشد مواردها الاقتصادية وتنميتها الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي سوء في توزيع الموارد الاقتصادية مما يخلق مظلومية اجتماعية لدي الجماعات الإثنية التي تم تهميشها.

وساهمت أزمات تغيير المناخ في بروز أزمة المظلوميات الاجتماعية للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، حيث دائما ما تشهد تلك المناطق صراعات محلية بين المزارعين والرعاة حول المزارع وموارد المياه التي باتت شحيحة.

 أبرزت التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل استجابة قوية لتلك المظلوميات الاجتماعية، حيث نجحت التنظيمات في امتطاء تلك المظلوميات لأجل التوسع والانتشار ، ففي عام 2012 تحالف حركة التوحيد والجهاد مع التنظيمات السياسية المعبرة عن جماعة الأزواد، وفي مناطق وسط مالي تنشط جبهة تحرير ماسينا معتمدة على مظلومية اجتماعية يعاني منها سكان وسط مالي، وفي إقليم السوم في شمال بوركينافاسو نشطت جماعة أنصار الإسلام لمالام إبراهيم ديكو في استغلال المظلوميات الاجتماعية في شمال البلاد.  

فيما ساهمت عوامل لوجستية أخرى مثل سيطرة التنظيمات الإرهابية على طرق التجارة في المنطقة الصحراوية على نشر الفكر الإرهابي بين الجماعات والقبائل المتناثرة في الصحراء الكبرى الأمر الذي خلق ملاذات شعبية لتلك الجماعات.

تاريخ الانتشار

يعود تاريخ انتشار الإرهاب في منطقة الساحل إلى عام 1992، حينما أقدم الجيش الجزائري في ذلك الوقت على إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، مما أدخل البلاد في دوامة حرب أهلية استمرت عقد من الزمان بين الجيش الجزائري والجماعة الإسلامية المسلحة (GIA).

وفقا للكاتبة كاثرين زيمرمان نجد أن الجماعة الإسلامية المقاتلة كانت بمثابة النواة الأولي للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، ففي عام 1998 انشقت عنها «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي لعبت فيما بعد في تحويل نشاطها من إطار محلي في الجزائر إلي إطار إقليمي دولي في منطقة الساحل..

اشترك مقاتلو الجبهة في عمليات القتال والحرب التي دارت في العراق عقب الغزو الأمريكي في عام 2003، الأمر الذي عزز الروابط بين الجبهة السلفية وتنظيم القاعدة، ففي سبتمبر  2006 أعلنت الجبهة انضمامها لتنظيم القاعدة، وفي يناير 2007 تحول مسمى الجبهة إلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لتكون أول تنظيم موالي للقاعدة في أفريقيا.

أدي انضمام الجبهة السلفية إلي تنظيم القاعدة إلي تحول كبير في الرؤية السياسية والعملياتية للتنظيم، فلم تعد جهود الجبهة مركزة على قتال الجيش الجزائري فقط بل أصبحت مهتمة بالانتشار في كل دول المغرب الإسلامي ومنطقة الساحل. 

انخرط عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في تعزيز الروابط الاجتماعية بالعديد من الكيانات الإجتماعية في منطقة الساحل عبر تقديم حزم المساعدات الغذائية لسكان تلك المناطق والمصاهرة مع بعضها كما فعل «مختار بلمختار» القيادي في تنظيم القاعدة  الذي تزوج من إحدي العائلات العريقة في مدينة تمبكتو شمال مالي.

مما سبق يتضح لنا أن تنظيم القاعدة نجح بسرعة قياسية في استيعاب الجماعات الإثنية في منطقة الساحل، فلم يكد يمر  خمس سنوات على تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حتي بدأ مقاتلو التنظيم في إنشاء دول تعبر توجهات التنظيم كما حدث في شمال مالي عام 2012.

الانشقاقات

تعرض تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامية على خلفية التوسع في منطقة الساحل إلى مزيد من الانشقاقات والتي كان أبرزها في أكتوبر 2011 حيث انشقت جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا ضمت في كنفها العديد من قيادات تنظيم القاعدة في ذلك الوقت مثل السلطان ولد بادي وأبوالوليد الصحراوي وحمادة ولد محمد خيرو، وبررت الحركة انشقاقها بسبب السيطرة المتزايدة للعناصر الجزائرية بقيادة عبد الملك دروكدال على مفاصل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، والاختلاف بين القادة حول سبل توزيع الفدية.

وبالاضافة إلي حركة التوحيد والجهاد ظهرت حركات أخري مثل أنصار الدين بقياد إياد أغ غالي في منطقة كيدال وجبهة تحرير ماسينا، واشتركت الجماعات المنشقة سابقا في التمرد على الدولة المالية في عام 2012 وتأسيس دولة الأزواد في شمال مالي، الأمر الذي دفع بفرنسا بالتدخل لمنع السيطرة على بماكو في يناير 2013.

وفي نهاية 2012 شهد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب انشقاقه الثاني، إذ انشق أبرز أمراء التنظيم «مختار بلمختار» عن التنظيم مكونا جماعته الخاصة الملثمون والتي أصبحت فيما بعد معروفة باسم الموقعون بالدم، واستهل بلمختار انشقاقه بعمليتين إرهابيتين كبريتين أحدهما استهدفت مصفاة النفط في أمناس جنوب شرق الجزائر وهجوما إرهابيا أخر بمدينة أغاديز شمال النيجر.

ضغوط عسكرية

ساهمت العمليات العسكرية الفرنسية السرفال وبرخان في ممارسة المزيد من الضغوط على الجماعات الإرهابية الأمر الذي دفعها إلى الاندماج، فمثلا تشكل تنظيم المرابطون باندماج تنظيمي حركة التوحيد والجهاد مع تنظيم الملثمون وتم اختيار أبوبكر المهاجر زعيما للتنظيم، وفي مارس 2017 تشكلت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» باندماج تنظيمات المرابطون وتنظيم القاعدة في الصحراء وجبهة تحرير ماسينا، وتم إعلان تبعية التنظيم الجديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

داعش على الخط

رغم توجه التنظيمات في الساحل نحو الاندماج من جديد تحت راية القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بقيادة عبد الملك دروكدال، إلا أن أبو الوليد الصحراوي الذي انشق عن القاعدة في عام 2011 أعلن في مايو 2015 مبايعته لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي تحت مسمى أمير تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وبدأت أولي العمليات الإرهابية في سبتمبر 2016، وبات التنظيم الأكثر نشاطا في منطقة الساحل إذ أنه في أكتوبر 2017 نجح في استهداف  القوات الأمريكية في قاعدة أغاديز شمال النيجر وقتل أربعة جنود أمريكيين.

تنظيمات محلية

رغم السيطرة الواضحة لتنظيم القاعدة على تنظيمات الإرهاب في منطقة الساحل في مقابل منافسة محدودة من تنظيم داعش، إلا أنه توجد العديد من التنظيمات الأخرى التي لم تعلن ولائها إلي اليوم إلي أي من التنظيمين الكبيرين، مثل جماعة أنصار الإسلام في شمال بوركينافاسو التي تأسست على يد مالام إبراهيم ديكو ويتولى قيادتها حاليا شقيقه جعفر بعد اغتيال مؤسسها في مايو 2017، وتنشط الجماعة في إطار محلي فقط أي مواجهة الجيش البوركيني ومواجهة الحكومة وفي وغادوغو.