كتبت – د: شيماء سعيد العربي
خبير اقتصادي
إن العالم يشهد العديد من التغيرات في ظل الأزمات المتلاحقة وأبرزها أزمة المناخ والغذاء والطاقة والديون وكوفيد19 والأزمة المالية العالمية، وهو ما دفع العديد من الدول الكبرى للتفكير في إنشاء تجمع جديد قوي وهو البريكس.
ما هو البريكس؟
هو أحد أهم التجمعات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم، والذي تأسس عام 2006 وكان يُسمى “بريك”، أي الأحرف الأولى للدول المكونة لها وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وقد عقد البريكس أول قمة له عام 2009، ثم انضمت جنوب أفريقيا إليه ليتحول إلى بريكس (BRICS).
يهدف البريكس لتحقيق التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي للدول الأعضاء ويسعى للتغلب على هذه الأزمات، والتحول لنظام عالمي متعدد القوى وليس أحادي القوى، وذلك من خلال العديد من الآليات منها تشجيع استخدام المعاملات المحلية بين الدول الأعضاء والسعي لتكوين عملة موحدة.
وتجدر الإشارة إلى قيام دول البريكس بتأسيس «بنك التنمية الجديد» (NDB) عام 2014 برأسمال يتراوح من 50-100 مليار دولار، ويسعى من خلال العديد من الآليات لتحقيق أهدافه؛ فيقوم بتمويل مشروعات البنية التحتية، والتنمية المستدامة، وذلك في مجالات مثل النقل وإمدادات المياه والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، وإنشاء آلية سيولة، أو ما سُمي ترتيب الاحتياطي الطارئ (CRA)، لدعم الأعضاء الذين يعانون من صعوبات في المدفوعات.
أما إذا تناولنا الأهمية الاقتصادية لهذا التجمع الاقتصادي يمكن القول إن دول البريكس تشكل 23% من اقتصاد العالم، و18% من تجارة السلع بالعالم، و25% من الاستثمار الأجنبي، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، وتُعد دول البريكس من أكبر الدول بالعالم التي تحتفظ بالاحتياطيات، وتتمتع بوفرة الموارد الطبيعية، ومن ثم فهي قوة سياسية واقتصادية لا يُستهان بها، خاصة أن الفترة المقبلة ستشهد ضم دول جديدة للتجمع.
وتؤكد مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول البريكس إذا تخلت عن سدس احتياطياتها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي. ويُعد البريكس قوة اقتصادية كبيرة في وقت تناضل فيه الكثير من الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها. كما تُعد مستويات الدين العام لـ “بريكس” متواضعة ومستقرة في الغالب، باستثناء الهند.
أما موقف مصر فقد تقدمت للانضمام للبريكس مدعومة من الصين، كما أن مصر قد أخذت خطوات جيدة تجاه هذا التجمع وهي الانضمام لبنك التنمية الجديد (أنشأته دول البريكس في 2014) في فبراير عام2023. وهنا يمكن الإشارة لأبرز الثمار التي يمكن أن تحصل عليها مصر من الانضمام لهذا التجمع، وهي: تعزيز ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات التمويلية الدولية بالاقتصاد المصري، وفتح قنوات تمويلية جديدة بشروط ميسرة فضلاً عن تحسين ثقة هيئات التصنيف الائتماني لمصر، وتحسين مستوى التجارة الخارجية، وتوسيع حجم الصادرات المصرية وتعزيز تنافسيتها، وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى القطاعات التي تستهدف مصر تنميتها مثل مشروع الضبعة النووي الذي تتعاون فيه مصر مع روسيا، وهي أحد أهم المؤسسين للبريكس. وجميع مع سبق يُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وهو ما يتماشى مع أهداف البريكس.
كما يجدر بنا التأكيد على أن سعي مصر للانضمام للبريكس لا يعني تخليها عن التعاون الاقتصادي مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يجعلها تواكب التطورات الاقتصادية العالمية الحالية التي تتجه نحو التعددية، ووضع نهاية لاحتكار دولة أو كتلة أو عملة واحدة كالدولار.
وعلى مستوى الاقتصاد العالمي فُيعد هذا التجمع خطوة لدعم التوجهات الخاصة بنظام اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب. ومن النتائج الاقتصادية المتوقعة من البريكس تعاون الدول المشتركة مع بعضها في وأي وقت تحدث فيه أزمات في العملة أو أزمات في السيولة قصيرة الأجل، وضمان التخصيص الفوري من بنك التنمية الجديد، وهو ما يُسهم بصورة أو بأخرى في التغلب على هذه الأزمات وتشجيع الاستثمارات في مشروعات التنمية الكبيرة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول المشتركة في البريكس.
ولكن توجد بعض التحديات والعقبات التي تواجه البريكس ومنها التحديات الداخلية المرتبطة بمدى تجانس الأعضاء، ومدى اتفاقهم على الأهداف الرئيسة والأولويات، والتحديات الخارجية، المرتبطة بصعوبات مقارعة الدولار المتغلغل في صلب النظام الدولي، الذي يهيمن على مفاصل التجارة الدولية. وغياب الرابط السياسي والثقافي؛ حيث لا يربط دول البريكس رابط جغرافي أو إقليمي، بل تنتمي إلى أربع قارات مختلفة، ولكن الباحث يرى أن هذا قد يكون سلاحًا ذا حدين فقد يعد عائقًا وقد يُعد دافعًا للتوسع والنمو.
وفي الفترة القادمة من المتوقع أن تناقش قمة البريكس الخامسة عشرة، والمقرر عقدها في جنوب أفريقيا، في أغسطس 2023، البت في طلبات الانضمام للتجمع والتي قدمتها حوالي عشر دول، ومنها مصر، والتي قد يُحسم بعضها في القمة كما سوف يتم تناول مقترح إنشاء عملة مشتركة، وهو ما يُعد خطوة لتخفيف هيمنة الدولار على العالم، وتخفيف العبء الاقتصادي على الدول النامية التي تواجهه تحديًا في توفير الدولار. ويتوقع الاقتصاديون والسياسيون أن البريكس في المستقبل القريب سيكون أحد أبرز التجمعات العالمية الرئيسة التي ستسهم في وضع أسس لنظام اقتصادي عالمي جديد، وما سيترتب عليه من توازنات دولية جديدة خاصة في ظل توقع تنامي نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء كالتالي.
شكل رقم (1) تطور الناتج المحلي الإجمالي والتوقعات المستقبلية للنمو الاقتصادي لدول البريكس – النسبة بالمليار دولار