كتب. محمد الدابولي

تأتي الرياح بما لا تشتهى سفن الاقتصاد الأفريقي، فبفعل جائحة كورونا بات حلم أفريقيا في تشكيل منطقة تجارة حرة مؤجلاً رهن توقف تفشي وباء كورونا الذي تمكن من الانتشار في جميع دول القارة تقريبا مخلفا إصابات تجاوزت 33 ألف مصاب.

كان من المفترض أن تدخل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية (AFCFTA)  حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2020 إلا أن ظروف المرض المتفشي حاليا ستدفع المسئولين في الاتفاقية إلي تأجيل تفعيل الاتفاقية إلي الأول من يناير 2021، ومن المحتمل بصورة كبيرة تأجيل قمة الاتحاد الأفريقي المزمع عقدها في 30 مايو المقبل إلي شهري نوفمبر أو ديسمبر المقبلين نظرا لظروف الجائحة، والتي كانت مخصصة لتبادل وجهات النظر الاقتصادية والتجارية بين الدول الأفريقية حول كيفية تعزيز خفض التعريفات الجمركية بين دول القارة.

جاء تأجيل تفعيل «اتفاقية التجارة الحرة» بناء على اقتراح من الأمانة العامة للاتفاقية برئاسة «واكلي مين» المنتخب حديثا في مارس الماضي كأول أمين عام للاتفاقية الأفريقية، وينتظر واكلي موافقة الدول الأعضاء (54 دولة) على قرار التأجيل، ويشير «مين» إلي أن الأولوية الآن هي لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد والأعمال، وفي هذا الصدد نوه إلي مسئولية وزراء التجارة والاقتصاد في أفريقيا في مساعدة المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة على تجاوز التداعيات السلبية للجائحة.

صعوبات تقنية

حاولت الأمانة العامة لاتفاقية التجارة الحرة خلال الفترة الماضية عقد مؤتمر عبر تقنية الفيديو كونفراس بين وزراء تجارة وصناعة الدول الأفريقية لتبادل وجهات النظر  حول كيفية تفعيل الاتفاقية، إلا أن صعوبات تقنية حالت دون إتمام الأمر ، كما شكل العائق اللغوى دورا كبيرا في صعوبة إتمام المؤتمر الافتراضي، فمن المعروف أن الاتحاد الأفريقي له أربع لغات سمية (العربية والانجليزية والفرنسية والبرتغالية) لذا تصعب عملية تقديم خدمة ترجمة فورية لتلك اللغات خلال المؤتمر الافتراضي.

أولويات راهنة

أعادت الجائحة تشكيل فكر وفلسفة مسئولي الاتفاقية، حيث بات لزاماً عليهم ضمان استمرار تدفق التجارة البينية الأفريقية رغم الصعوبات الحالية نتيجة إغلاق معظم الحدود الأفريقية حاليا، هذا بالإضافة إلي ضرورة فتح الممرات التجارية الأفريقية للسماح بالتدفق الحر للمواد الطبية الأساسية في مكافحة تفشي وباء كورونا، وكذلك أهمية رفع الرسوم الجمركية على المواد والسلع الطبية.

كما يجب على الاتفاقية في المستقبل تعزيز قدرات الدول  الأفريقية في تطوير التجارة البينية في المواد والسلع الطبية وتقوية استعدادات الدول الأفريقية في مواجهة الأوبئة والأمراض في المستقبل وذلك من خلال تعزيز توطين صناعة الأدوية والمواد الطبية في أفريقيا وتشجيع الابتكارات وبرءات الاختراع في مجالات الطب والصحة.

وفي هذا الصدد أوضح الأمين العام لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية «واكلى مين» أن الاتفاقية ستعمل على القيمة المضافة لكل دولة أفريقية في مجالات انتاج الأجهزة الطبية خاصة أجهزة التنفس الصناعي التي تعاني القارة الأفريقية من نقص شديد بها فعلى سبيل المثال دولة جنوب السودان تمتلك جهازين فقط أما دول الساحل فتمتك فقط ستة أجهزة وهو ما يعني انهيار تام في القطاع الصحي بتلك الدول وتعريض حياة الملايين من المواطنيين للهلاك نتيجة انعدام الأجهزة الطبية الأساسية.

تخوفات مستقبلية

رغماتجاه مسئولي الاتفاقية على تأجيل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ حتي بداية العاد القادم نظرا للظروف الراهنة إلا أن ثمة هواجس ومخاوف تتسرب حول التحديات التي سيخلفها وباء كورونا على اقتصاديات الدول الأفريقيةبشكل عام واتفاقية التجارة الحرة الأفريقية بشكل خاص، حيث تدور تكهنات حول انهيار الاتفاقية بسبب الأثار السلبية لجائة كورونا على الاقتصاد الأفريقي، وهي كالتالي:

1ـ انخفاض حجم التجارة العالمية:

الهدف الأساسي من تأسيس الاتفاقية هو  رفع حجم التجارة البينية الأفريقية من 16% في عام 2018 إلي 60 % في عام 2022 عبر سلسلة من الاجراءات سيتم اتخاذ على مدار خمس سنوات تشمل رفع التعريفات الجمركية بين الدول الأفريقية.

إلا أن الظروف الحالية قد تطيح بآمال الاقتصاد الأفريقي في تعزيز التجارة البينية، فعالميا تتوقع منظمة التجارة العالمية انخفاض في التجارة العالمية بنسبة 32% وهو ما قد ينعكس سلبا على حجم التجارة البينية الأفريقية وتؤجل حلم رفع حجم التجارة الأفريقية البينية إلى 60% إلي مابعد عام 2022.

وهو  نفس ما أكدت عليه مفوضية الاتحاد الأفريقي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، إذ توقعا بأن أفريقيا معرضة للسيناريو الأسوأ من التداعيات الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا، ودعا الطرفان إلي إعادة هيكلة حتمية للاقتصاد الأفريقي في المرحلة اللاحقة للوباء.

2. انكماش الناتج المحلي الإجمالي

قبل الجائحة الحالية كان بنك التنمية الأفريقيتوقع بأن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالقارة حوالي 3.4%، إلا أنه حاليا تراجعت تلك الآمال حيث يتوقع الاتحاد الأفريقي انكماش الاقتصاد بنسبة تتراوح ما بين 0.8% و 1.1%، كما أنه من المحتمل فقدان دول القارة 15% من حجم الاستثمار الأجنبي، كما أنه من المحتمل ارتفاع نسبة البطالة في أفريقيا خلال الفترة المقبلة حيث أن من المحتمل فقدان 20 مليون وظيفة في القطاعين الرسمي والغير رسمي في أفريقيا.

ويرجع الانكماش الوشيك في الاقتصاديات الأفريقية إلي تدهور قطاع السياحة الأفريقية بعد توقف رحلات الطيران وإغلاق كل دولة لحدودها البرية في محاولة لمنع انتشار الفيروس، هذا بالإضافة إلي تراجع أسعار النفط مما يعنى انخفاض الإيرادات المالية للحكومات بمقدار 20% إلي 30%.

3. تراجع الصادرات الأفريقية

ثمة أمر أخر مهم سيؤدي إلي انكماش التجارة البينية الأفريقية وعرقلة عمل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية ألا وهو الانكماش المتوقع للصادرات الأفريقية عموما بنسبة 35% حسبما أكدت دراسة صادرة عن الاتحاد الأفريقي مما يؤدي  إلي خسارة الدول الأفريقية ما قيمته 270 مليار دولار، كما أن جائحة كورونا ستدفع الحكومات إلي ضخ مزيد من الأموال في مواجهة الوباء بدلا من تدعيم الصادرات والتجارة الأفريقية، فمن المحتمل أن تنفق دول القارة ما يقارب من 130 مليار دولار لمواجهة الفيروس.

في الوقت الذي ستعاني فيه معظم الدول الأفريقية من انخفاض صارداتها السلعية، فإن الدول الأفريقية النفطية مثل نيجيريا وأنجولا ستكون مآساتها مضاعفة فبالإضافة إلي تراجع صادرات السلع، فإن صادرتها النفطية في تراجع أيضا خاصة بعد الأحداث النفطية وانخفاض سعر البرميل بشكل قياسي إلي ما دون الصفر دولار، الأمر الذي سيؤدي إلي انكماش الاقتصاد في الدول النفطية بمقدار 3%. وخسارة 65 مليار دولار تقريبا.

4. تقلص تجارة الخدمات

في الفترة الأخيرة انتعشت تجارة الخدمات الأفريقية مثل السياحة والتحويلات المالية وحركة الطيران وغيرها من الخدمات، إلا أن تفشي وباء كورونا أثر بصورة شديدة القتامة على تجارة الخدمات الأفريقية، حيث أغلقت المناطق السياحية في أفريقيا خلال الفترة الحالية، ومن المحتمل وفقا لتقديرات الاتحاد الأفريقي فإن الحركة السياحية في دول مثل الرأس الأخضر وموريشيوس وغامبيا سوف تنكمش عائدات السياحة فيها بنسبة 7% على أقل التقديرات، كما أنه من المحتمل خسارة قطاع السياحة في أفريقيا عموما حوالي 50 مليار دولار وخسارة مالايقل عن 2 مليون وظيفة في قطاع السياحة.

أما فيما يخص مسألة تحويلات الأفارقة في الخارج والتي باتت خلال السنوات الماضية عنصرا مهم من عناصر تمويل الاقتصاديات الوطنية الأفريقية فإنها ستشهد انخفاضا ملموسا في ظل فقدان العمالة الأفريقية لوظائفها في الدول الأخري نتيجة الجائحة العالمية.

وختاما.. أدى تفشى وباء كورونا على مستوى العالم إلي انكشاف الاقتصاد الأفريقي بصورة مرعبة، نتيجة الاعتماد المبالغ فيه على صادرات المواد الأولية والاعتماد على شركاء تجاريين بعينهم كالصين، مما يدفع الدول الأفريقية إلى ضرورة إعادة التفكير بشكل جدي حول مستقبل الاقتصاد الأفريقي في مرحلة ما بعد كورونا.

سيتحتم على الدول الأفريقية اتخاذ العديد من السياسات التي من شأنها تعزيز قدرات الدول الأفريقية على امتصاص الصدمات الاقتصادية الغير متوقعة كتداعيات جائحة كورونا على سبيل المثال ومن أبرز تلك السياسات تعزيز التجارة البينية الأفريقية والتقليل من الاعتماد على الشركاء التجاريين خارج القارة، حتي يصبح اقتصاد القارة أكثر  أمانا في مواجهة التقلبات التي تصيب اقتصاديات الدول الكبرى كالولايات المتحدة والصين وفرنسا.

ومن هنا تتضح أهمية اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية كوسيلة في تعزيز التاجرة البينية الأفريقية والاستقلال بالاقتصاد الأفريقية بعيدا عن تقلبات الاقتصاد الخارجي، كما أن اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية من شأنها تعزيز اتجاه دول القارة إلي توطين العديد من الصناعات التي أصبحت دول القارة في حاجة ماسة لها مثل صناعات الأدوية والمواد الطبية.

رغم الأهمية المتصاعدة لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية إلا أن تطبيقها أصبح في وضع حرج للغاية نتيجة التداعيات السلبية لجائحة كورونا، ومن هنا يجب على الأمانة العامة لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية بالتعاون مع وزراء التجارة والاقتصاد في أفريقيا العمل على وضع خطة سريعة قصيرة ومتوسطة الأمد تكون من شأنها تقليل الآثار السلبية للجائحة والحليلولة دون انهيار  اقتصاد بعض الدول الأفريقية.