كتب – د. أيمن شبانة

مدير مركز البحوث الأفريقية – جامعة القاهرة

تحظى قضية الأمن في إقليم البحر الأحمر بأهمية فائقة ومتصاعدة، لدى الدول المطلة على سواحله، وكذا الدول التي ترتبط مصالحها الوطنية بالإقليم، سواء دول الخليج العربي، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة، أو القوى الإقليمية (إثيوبيا – إيران – تركيا)، أو القوى الدولية الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، اليابان… إلخ).

يعود ذلك إلى أربعة عوامل على الأقل هي: الأهمية الاستراتيجية للإقليم، وتنامي المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية؛ لأجل حماية وتعظيم مصالحها، والتحديات التي تجابه تحقيق الأمن في الإقليم، واختلاف الرؤى بشأن أنسب الأطر لتحقيق الأمن الإقليمي.

في هذا السياق، ترصد هذه الورقة (المصالح الإماراتية المتنامية بإقليم البحر الأحمر، وتطرح بدائل عملية لإقرار الأمن بالإقليم، بمشاركة الإمارات والأطراف المعنية الأخرى، على ضوء المعطيات والتحديات الراهنة بالإقليم).

أولًا- الأهمية الاستراتيجية لإقليم البحر الأحمر:

يضم إقليم البحر الأحمر في مدلوله المباشر ثماني دول هي: السعودية، اليمن، مصر، السودان، الأردن، إريتريا، جيبوتي، إسرائيل. لكن الإقليم يتسع عمليًّا ليمثل نظامًا فرعيًّا من إقليم الشرق الأوسط. فهو يقع ضمن الإطار الجيوبوليتيكي لمنطقة الخليج العربي، والمحيط الهندي والقرن الأفريقي. ويتاخم إقليم حوض النيل والأماكن المقدسة بالسعودية وفلسطين، بما يمنحه موقعًا استراتيجيًّا وأمنيًّا فائق الأهمية.

يرتبط الإقليم أيضًا بواحد من أهم الطرق الملاحية والتجارية العالمية، التي تصل الشرق بالغرب، بدءًا بخليج عدن، مرورًا بمضيق باب المندب، وصولًا لقناة السويس، فالبحر المتوسط، حيث إنه أقصر الطرق الملاحية التي تربط الشرق بالغرب (1900 كم)، وأقلها في تكاليف النقل والتأمين على السفن، مقارنة بطرق أخرى مثل رأس الرجاء الصالح، الذي يتطلب الدوران حول أفريقيا.

تشغل الدول العربية 82.2% من سواحل البحر الأحمر، التي يبلغ طولها 4938 كم، بما يمنحها ميزة التحكم في حركة الملاحة به، عبر ثلاثة مضايق هي: باب المندب (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر)، وجوبال (مدخل قناة السويس)، وتيران (مدخل خليج العقبة).

لكن يبقى باب المندب هو أهم المضايق بالنسبة لدول الخليج العربية. فمن خلاله تعبر 20 ألف سفينة سنويًّا، حاملة 12% من التجارة العالمية، منها 1.15 مليار برميل من النفط، بواقع 3.8 مليون برميل يوميًّا، بالإضافة إلى 66.89 مليون طن من الغاز الطبيعي، ليحتل بذلك المرتبة الثالثة عالميًّا، قياسًا بدوره في خدمة التجارة العالمية، بعد مضيقي هرمز، وملقا.

يتمتع الإقليم أيضًا بإمكانيات اقتصادية واعدة. فهو يزخر بالنفط والغاز والحديد والنحاس والمنجنيز والرصاص والزنك، بما يدعم توطين الصناعات به، بالإضافة للثروة السمكية (300 نوع من الأسماك)، والمناطق المؤهلة لإقامة المنتجعات السياحية، خاصة في جزر البحر الأحمر (379 جزيرة).

ثانيًا- المصالح الإماراتية في إقليم البحر الأحمر:

تتنوع المصالح الإماراتية بالإقليم، وذلك للدرجة التي وضعت قضايا الأمن والتنمية به على رأس أولويات السياسة الخارجية لدولة الإمارات، خاصة منذ 2011، ومن أبرز هذه المصالح ما يلي:

1- تأمين مسارات تصدير النفط والغاز:

يعتبر تأمين الملاحة بخليج عدن ومضيق باب المندب مصلحة استراتيجية إماراتية، حيث كانت معظم صادرات الإمارات من إمدادات الطاقة تسلك مضيق هرمز، الذي يمر عبره 35% من النفط العالمي المنقول بحرًا، ونظرًا لتحكم إيران في الضفة الشمالية للمضيق، وتهديدها المستمر بإغلاقه حال تعرض قطاعها النفطي لعقوبات دولية، وغلبة الطابع الصدامي على علاقاتها بدول الخليج، خطت الإمارات بشكل استباقي نحو تحرير النفط من القيود الإيرانية.

اتخذ ذلك مسارين، أولهما داخلي، بإنشاء خط لتصدير النفط من حقل حبشان بأبوظبي إلى الفجيرة، بطاقة 1.5 مليون برميل يوميًّا. والآخر إقليمي، بالمشاركة في تأمين الملاحة في خليج عدن وباب المندب.

ولعل ذلك هو ما يفسر مشاركة الإمارات في عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين باليمن، وتطويرها لقدراتها الدفاعية، لتصبح ثالث أكبر دول الخليج قياسًا بعدد قواتها المسلحة، بعد عمان والسعودية، والثانية خليجيًّا بعد السعودية، بالنسبة للقوات الجوية، والثانية خليجيًّا بعد قطر من حيث قدراتها البحرية. كما بلغ إنفاقها الدفاعي عام 2016 نحو 22.7 مليار دولار (الرابعة عشرة عالميًّا).

2- تطوير الاستثمار في قطاع الموانئ:

تتبنى الإمارات مشروعًا استراتيجيًّا لبناء الاقتصاد الوطني، يتجاوز الاعتماد على عوائد تصدير إمدادات الطاقة، إدراكًا منها أن ذلك سيجعلها دولة ريعية، ويهدد اقتصادها بتقلبات مستمرة، وفقًا لتقلب أسعار مواد الطاقة، ويعرضها لمخاطر جمة مع نفاد احتياطات النفط والغاز.

لذا نشطت الإمارات في الاستثمار بقطاع النقل البحري وإدارة الموانئ، فكانت تدير زهاء 77 ميناءً حول العالم حتى نهاية العام 2017، وتعتبر موانئ البحر الأحمر من أهمها، بعدما فازت الإمارات بعقود إدارة وتطوير العديد منها وأبرزها: دوراليه بجيبوتي (2006)، وعدن (2008)، وعصب ومصوع بإريتريا (2015)، وبربرة وبوصاصو بأرض الصومال (2017)، بالإضافة للاستثمار بموانئ العين السخنة والإسكندرية بمصر.

ازدادت أهمية هذا التوجه بحدوث أربعة متغيرات مهمة هي: توسعة قناة السويس، والإعلان عن إنشاء جسر الملك سلمان بين مصر والسعودية، وإطلاق مشروع نيوم، لإقامة منطقة اقتصادية عالمية بين مصر والسعودية والأردن، واحتدام المنافسة الدولية والإقليمية، بشكل بات يمثل تهديدًا للمصالح الإماراتية.

ولمواجهة ذلك، وقّعت هيئة موانئ دبي والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقًا في نوفمبر 2017 بشأن تأسيس شركة مشتركة لتطوير منطقة قناة السويس، لتصبح واحدة من أهم مناطق جذب الاستثمار بالعالم. كما انخرطت الإمارات في تسوية النزاع الإثيوبي-الإريتري في منتصف 2018، بغية تنشيط مينائي عصب ومصوع، وذلك إثر التضييق على استثماراتها بمينائي عدن وجيبوتي.

3- حماية الاستثمارات والتجارة في الإقليم:

يعتبر إقليم البحر الأحمر أحد أبرز الوجهات الاستثمارية والتجارية للإمارات؛ إذ بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية بالسعودية عام 2017 زهاء 4.1 مليار دولار، فيما بلغت قيمة مبادلاتهما التجارية 22.8 مليار دولار، كما بلغ حجم تجارة الإمارات مع إثيوبيا وكينيا والصومال 5 مليارات درهم، فيما بلغت استثماراتها بالدول الثلاث 17 مليار درهم، وفي نوفمبر 2019 أضحت الإمارات أكبر مستثمر بالسوق المصري، بقيمة 7.2 مليار دولار، فيما بلغت تجارة الدولتين 5,3 مليار دولار. وبالتالي فإن وجود بيئة أمنية وسياسية مواتية بالإقليم يمثل مصلحة استراتيجية إماراتية.

ثالثًا- القوى المتنافسة في إقليم البحر الأحمر:

يتنافس العديد من القوى الدولية والإقليمية بإقليم البحر الأحمر، ومن أهمها: القوى الاستعمارية السابقة، خاصة بريطانيا، وفرنسا، والقوى الدولية الكبرى، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، بالإضافة لقوى إقليمية أخرى أهمها تركيا وإيران ودول الخليج العربية، وإثيوبيا وإسرائيل، حيث تتمسك الأخيرة بوصف خليج العقبة بأنه من البحار المفتوحة للملاحة الدولية، كما تطرح بعض المشروعات الموازية (مشروع قناة البحرين).

ويدور هذا التنافس حول محاور عديدة أهمها: تأمين إمدادات النفط، وترتيب الأوضاع الأمنية بالإقليم، ومجابهة التحديات القائمة والمحتملة فيه، والاستفادة من موارد الإقليم، والانفتاح على أسواقه الواسعة، وتوسيع دوائر حركة السياسة الخارجية، كما تتخذ المنافسة ثلاثة مظاهر أساسية هي: إنشاء القواعد العسكرية، وتوقيع اتفاقات التعاون الدفاعي، والاستثمار بقطاعي إدارة الموانئ وتطوير البنية الأساسية.

1- إنشاء القواعد العسكرية:

تستخدم تلك القواعد في صيانة السفن وتزويدها بالوقود، ومراقبة الأوضاع الأمنية، وتدريب القوات المشاركة في الحرب ضد الإرهاب، وشنّ الهجمات ضد العناصر المتطرفة، وتعد جيبوتي أكثر دول الإقليم استضافة للقواعد الأجنبية.

فهناك القاعدة الفرنسية، والقاعدة الأمريكية التي تم تدشينها عام 2001، في إطار السعي لإنشاء قيادة أمريكية خاصة بأفريقيا “أفريكوم”. وهي القاعدة التي وفرت الدعم لإسرائيل لدى تنفيذها للضربات الجوية الاستباقية لمهربي السلاح بشرق السودان، كما أنشأت اليابان قاعدة بجيبوتي عام 2009، وتبعتها الصين عام 2015، وذلك في خضم تنافس الدولتين حول التمركز بالممرات البحرية العالمية. كما أكد سفير جيبوتي بالرياض أن السعودية بصدد إنشاء قاعدة عسكرية بها.

تكرر الأمر ذاته بالصومال، فأنشأت تركيا قاعدة بمقديشيو في أكتوبر 2017، وسط ترحيب حكومة وشعب الصومال، بفضل الدور التركي الفاعل في دعم المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار بالصومال، وفي إريتريا، تشير التقارير لحصول إسرائيل على تسهيلات بحرية بأرخبيل دهلك، دون أن يرقى ذلك لوجود قاعدة إسرائيلية بها.

2- اتفاقات التعاون العسكري:

تشمل هذه الاتفاقيات توريد السلاح، والمناورات المشتركة، مثل المناورات التركية السودانية بميناء بورتسودان (يونيو 2014)، ونشر القوات (القوات القطرية في مناطق الحدودية الإريترية الجيبوتية)، وتقديم التسهيلات العسكرية (التسهيلات الأمريكية في مينائي ممباسا ونابلوك بكينيا، ومنطقة “أربا مينش” بإثيوبيا). وهنا تجدر الإشارة إلى توقيع العديد من الاتفاقات العسكرية بين قطر وتركيا وإثيوبيا والسودان، وتبلور تحالف رباعي بينها، يسعى -من بين أغراضه- للضغط على مصر، وبالتالي فهو يصب في خانة إضعاف مصر، كأحد أبرز حلفاء الإمارات في تأمين البحر الأحمر.

3- الاستثمار في إدارة الموانئ وتطوير البنية الأساسية:

تبرز في هذا الشأن أمثلة عديدة أهمها: الاتفاق بين إثيوبيا وجيبوتي بشأن استخدام ميناء جيبوتي (2002)، الذي كانت تعتمد عليه تجارة إثيوبيا بنسبة 90%، والدور الصيني في تطوير ميناء جيبوتي، ومحاولتها المستمرة لإزاحة شركة موانئ دبي، وإدارة شركة البيرق التركية لميناء مقديشيو (2014)، وفوز تركيا بامتياز إعادة تأهيل سواكن بالسودان (2017)، وفوز قطر بامتياز تطوير ميناء بورتسودان، لتحويله إلى أكبر ميناء للحاويات بالبحر الأحمر (2017).

ولعل التمركز بموانئ البحر الأحمر يمهد للوجود العسكري بالإقليم، ومثال ذلك دخول تركيا للصومال من باب المساعدات الإنسانية، مرورًا بالاقتصاد، وصولًا لإنشاء قاعدة عسكرية، وقد تكرر ذلك بسواكن السودانية، حيث يمهد الوجود التركي بها لتوطين الصناعات العسكرية، وإنشاء قاعدة عسكرية مستقبلًا، ليشكل ذلك تحديًا للمصالح المصرية والخليجية، حيث تبعد سواكن عن الحدود المصرية بمسافة 355 كم. وتقع على بعد 720 كم من السد العالي، و333 كم من ميناء جدة السعودي.

أما عن الاستثمار في مجال تطوير البنية الأساسية، فيبرز الدور الصيني في إنشاء خط سكة حديد جيبوتي-أديس أبابا، والذي من شأنه إيجاد منفذ بحري لإثيوبيا، ينهي عقدة الدولة الحبيسة لديها، ومن الأمثلة النموذجية أيضًا الاستثمار القطري بالسودان والاستثمار التركي بالصومال.

رابعًا- التحديات التي تجابه الأمن والتعاون بالإقليم:

1- انتشار التيارات الدينية المتطرفة:

يمثل إقليم البحر الأحمر بيئة جاذبة للتيارات الدينية المتطرفة، والتي نفذت العديد من العمليات الإرهابية النوعية منذ تفجير سفارتي الولايات المتحدة بكينيا وتنزانيا (أغسطس 1998وتفجير المدمرة الأمريكية كول بميناء عدن (نوفمبر 2000)، وما زال الإقليم يعج بحركات التطرف وأهمها: حركة الشباب المجاهدين بالصومال، وتنظيم القاعدة باليمن، وتنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، وأنصار بيت المقدس في سيناء… إلخ.

كما توجد حالة من التنافس على قيادة التيار الجهادي بالإقليم بين تنظيم القاعدة العالمي وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”؛ إذ يسعى كل تنظيم لتقديم نفسه كمرجعية لحركات التطرف، وفي هذا السياق تم تأسيس ولاية سيناء التابعة لداعش، كما انشق أحد فصائل حركة الشباب المجاهدين، معلنًا البيعة لأبي بكر البغدادي زعيم داعش كخليفة للمسلمين، وذلك في أكتوبر 2015، تمهيدًا لإنشاء ولاية القرن الأفريقي.

وتمثل الحالة الأخيرة خطرًا جسيمًا على الملاحة بالبحر الأحمر، خاصة أن الفصيل المنشق، بقيادة عبدالقادر مؤمن، يقبع في منطقة جبال جال جالا الحصينة بإقليم بونت لاند، على خليج عدن، ويسعى للسيطرة على مينائي بوصاصو وبربرة، مما يهدد حركة الملاحة، في ظل انخراط آلاف الصوماليين بصفوف داعش بالعراق وسوريا، والسعي لإعادة توطينهم بالصومال، لمواصلة أنشطتهم الإرهابية، بالتوازي مع وجود فرع لداعش باليمن، وتهديدات الحوثيين للملاحة بالمنطقة، بدعم كامل من إيران، التي تستخدمهم كمخلب لتنفيذ مخططاتها.

2- الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية:

تعتبر الحرب الأهلية بالصومال واليمن هي أبرز حالات الصراع الداخلي بالإقليم؛ حيث أدى الصراع فيهما لضعف السلطة المركزية، وتردي الحالة الأمنية، وعدم إحكام السيطرة على سواحل البلاد، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية؛ إذ تؤكد تقارير الأمم المتحدة وجود ما يقرب من نصف مليون لاجئ صومالي، و1.5 مليون مشرد، و3.2 مليون نسمة بحاجة للمساعدات الإنسانية، وهو ما يمثل 43% من مجموع السكان، وينطبق ذلك أيضًا على اليمن منذ 2011.

وبالنسبة للنزاعات الإقليمية، فأهمها النزاع بشأن تقاسم المياه بين مصر وإثيوبيا والسودان (سد النهضة نموذجًا)، والنزاعات الحدودية، وأبرزها النزاع بين إريتريا وجيبوتي، والنزاع المصري السوداني بشأن حلايب. ولا شك أن هذه النزاعات تؤثر بالسلب على إمكانيات التعاون بين دول إقليم البحر الأحمر.

3- الجريمة المنظمة:

تتنوع أشكال الجريمة المنظمة بالإقليم، فتشمل عمليات القرصنة بخليج عدن قبالة السواحل الصومالية، والتي تبلغ تكاليفها السنوية بحسب البنك الدولي 18 مليار دولار، وتهريب السلاح والبشر والبضائع والمخدرات، مما يؤثر بالسلب على الاستقرار الأمني، ويزيد مخاطر وتكلفة الاستثمار والتجارة بالإقليم.

بالنسبة للقرصنة، فمعقلها هو إقليم بونت لاند بشمال شرق الصومال، أما تهريب السلاح والمخدرات، فمن أهم مراكزها جزيرة ميون بباب المندب، حيث يتم التهريب عبر الدروب الجبلية الموازية لساحل البحر الأحمر، فيأتي السلاح من إيران إلى الجزر الإريترية، مرورًا بإثيوبيا والسودان ومصر، وصولًا لفلسطين وسوريا.

أما تهريب البشر، فيتم عبر تجميع راغبي الهجرة غير المشروعة في معسكرات بولايتي كسلا والقضارف بشرق السودان، تمهيدًا لنقلهم بحرًا إلى السعودية أو برًّا إلى إسرائيل عبر سيناء، وكثيرًا ما يتم استغلال ظروف الفقر التي يعانيها المهاجرون في تجارة الأعضاء غير المشروعة، خاصة في إسرائيل.

4- الحملات الدعائية ضد دولة الإمارات:

تتعرض الإمارات لحملات دعائية مكثفة تستهدف زعزعة مركزها الاقتصادي بإقليم البحر الأحمر؛ حيث دأبت تلك الحملات على اتهام الإمارات بالتخطيط لإضعاف الموانئ الخارجية التي تديرها، ليبقى التفوق حليفًا لموانئها، مع استغلال الأزمات السياسية والاقتصادية للتمركز بالإقليم. وهنا اتهم البعض الإمارات بالمشاركة في تحالف دعم الشرعية باليمن بهدف التحكم في الموانئ اليمنية، خاصة عدن والحديدة، وأنها قامت بتحويل ميناء ضبه (أكبر موانئ النفط اليمنية) إلى مقر لقواتها ومركز للاعتقال والتعذيب.

انعكست تلك الدعاية بالسلب على المصالح الإماراتية في بعض الحالات أهمها: إلغاء اليمن لتعاقدها مع هيئة موانئ دبي لتطوير ميناء عدن عام 2011، وإنهاء امتياز الهيئة بميناء دوراليه بجيبوتي في مارس 2018، وبالرغم من انسحاب القوات الإماراتية من عدن، وتخفيض مشاركتها في الحملة العسكرية باليمن إلا أن الدعاية السلبية ضدها لم تتوقف.

خامسًا- الآليات الراهنة لتحقيق الأمن البحر الأحمر:

لا توجد حتى الآن منظومة متكاملة مستدامة لإقرار الأمن بالبحر الأحمر، لكن توجد تحالفات ظرفية مؤقتة، تنشأ لمواجهة الصراعات والأزمات بالإقليم، وهنا أيضًا مبادرات وتحركات فردية أهمها:

1- التحالف الدولي لمواجهة القرصنة بخليج عدن:

أطلق الاتحاد الأوروبي هذا التحالف عام 2008، تحت مسمى عملية أتلانتا، وتبع ذلك إنشاء مجموعة اتصال دولية بشأن القرصنة، مقرها جيبوتي، بمشاركة 80 دولة، وفي تقديري فإن هذه التحالفات تعكس رغبة المتنافسين في التمركز بالإقليم أكثر من سعيهم للقيام بعمل منظم لمواجهة القرصنة، خاصة أنه يضم أطرافًا متباينة في مصالحها وتحالفاتها، فهل تحتاج الولايات المتحدة (القوة البحرية الأولى عالميًّا) لتكوين تحالف بهذا الحجم لمواجهة القرصنة؟ وهل يمكن حدوث تحالف حقيقي في هذا الشأن يضم إيران والولايات المتحدة معًا؟

2- تحالف دعم الشرعية باليمن:

انطلق هذا التحالف تحت مسمى “عملية عاصفة الحزم” في مارس 2015، ثم إعادة الأمل ابتداء من أبريل 2015، بهدف استعادة الشرعية باليمن، في مواجهة التمرد الحوثي، وتعتبر السعودية والإمارات ومصر أبرز المشاركين بالتحالف، كما انضمت السودان للتحالف بعدما نجحت دول الخليج في إخراجها من معادلة التحالف مع إيران، عبر خطوات متتابعة انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية في يناير 2016.

لكن الدعم الإيراني للحوثيين عبر البحر الأحمر، والحدود العمانية-اليمنية ساهم في إطالة أمد العمليات العسكرية، مما دفع لتكوين التحالف الإسلامي لمواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية بالإقليم في ديسمبر 2015، حيث يقع مقره بالعاصمة السعودية الرياض، وتشارك فيه أربعين دولة.

3- التدخل المنفرد ضد الجماعات المتطرفة:

ومثال ذلك التدخل العسكري الإثيوبي لدعم حكومة عبدالله يوسف في مواجهة اتحاد المحاكم الإسلامية (2006- 2008)، وتدخل كينيا ضد الشباب المجاهدين عام 2011، وكذا الضربات الجوية الأمريكية ضد قيادات الشباب المجاهدين.

4- المبادرات الدولية:

ومن أهمها مشروع “القرن الأفريقي الكبير”، الذي تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف التسعينيات حتى الآن، وهو مشروع يربط بين إقرار الأمن وتحقيق التنمية بالإقليم، لكن المشروع لم ينفذ حتى الآن، بعدما تبين أن أحد أهدافه كان دعم انفصال جنوب السودان عن الدولة السودانية، وأن تمويله يرتبط بابتزاز دول الخليج العربي، بفزاعة الإرهاب والقرصنة والمد الشيعي بالإقليم.

سادسًا- الأنماط المقترحة لمشاركة الإمارات في ضمان الأمن الإقليمي:

هناك أربعة أنماط مقترحة للمشاركة الإماراتية وهي: تحجيم التيارات الدينية المتطرفة، وتسوية الصراعات الأهلية والنزاعات الإقليمية، وإنشاء منظمة إقليمية للأمن والتعاون، ودعم إنشاء القوة الأفريقية الجاهزة للانتشار السريع، وقد تم ترتيب الأنماط سالفة الذكر حسب أولويتها، والفرص والتحديات المرتبطة بإنفاذها، وفيما يلي عرض لآليات المشاركة الإماراتية وفق الأنماط الأربعة:-

­­­1- تحجيم التيارات الدينية المتطرفة:

  • تجفيف مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة، عبر إنشاء قاعدة بيانات ” قائمة سوداء”، تضم أسماء الشركات ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني الضالعين في علاقات تجارية ومالية غير مشروعة مع الحركات المتطرفة بالإقليم.
  • نشر الفكر الديني المستنير، بالاستفادة من الأزهر الشريف، الذي يتمتع بثقل كبير لدى مسلمي الإقليم، والمجلس الأعلى العالمي للإفتاء، الذي أطلقته الإمارات، ويضم 35 عالـمًا من مختلف بلدان العالم، والتوسع في إنشاء المراكز الثقافية، والمعاهد الدينية، ومدارس تعليم اللغة العربية، وإنشاء محطات فضائية موجهة تبث برامجها باللغات العربية والأمهرية والسواحلية.
  • دعم برامج مكافحة الفقر بالإقليم، حيث تستغل التنظيمات المتطرفة ظروف الفقر في ترسيخ الفكر المتطرف وتجنيد الشباب.
  • منع تمركز التنظيمات المتطرفة بالمناطق القريبة من الساحل؛ مثل (صعدة باليمن)، والموانئ الواقعة على خليج عدن (بونت لاند بالصومال)، بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين (مصر والسعودية)، ومشاركة القبائل التي تقطن تلك المناطق.

وتبدو أولوية إعمال هذا النمط، قياسًا بالخطر الذي تمثله التنظيمات المتطرفة على حركة الملاحة بالبحر الأحمر والاستثمار والتجارة الإماراتية. كما أنه أقل الأنماط من حيث درجة المخاطرة، والتكلفة المالية، بالإضافة لاتساقه مع الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، ومع دور الإمارات الفاعل بهذا الشأن، فهي من أبرز المساهمين في تأسس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. كما تترأس الفريق المعني بمكافحة التطرف العنيف “هداية”، الذي تأسس عام 2012 بأبوظبي، كما أنها تدرج بالفعل 83 تنظيمًا على لائحتها للتنظيمات الإرهابية.

2- تسوية الصراعات الأهلية والنزاعات الإقليمية:

  • دعم المصالحة الوطنية بالصومال، والتوفيق بين حكومتها المركزية والحكومات الإقليمية فيها، خاصة في بونت لاند، ودعم جهود بناء المؤسسات وإعادة الإعمار، وإعادة توطين اللاجئين والنازحين.
  • إعادة تأهيل القوات المسلحة والشرطة الصومالية، لمواجهة تداعيات انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي بها “أميصوم”، والذي ينتظر حدوثه بنهاية عام 2020.
  • انضمام الإمارات لمنتدى شركاء منظمة إيجاد، بما يسوغ انخراطها في تسوية النزاعات الداخلية والإقليمية بالبحر الأحمر.
  • التمسك بعودة الشرعية باليمن، وتحجيم نفوذ الحوثيين فيها، بما يتناسب مع وزنهم الحقيقي على أرض الواقع.

3- إنشاء منظمة إقليمية للأمن والتعاون:

تقوم هذه المنظمة على أساس “عربي-أفريقي”، فتشمل الدول المطلة على البحر الأحمر، كما تضم دولة الإمارات (ذات المصالح الاستراتيجية بالإقليم)، وإثيوبيا (القوة الإقليمية الأكبر بالقرن الأفريقي)، والصومال (بموقعها على خليج عدن والمحيط الهندي). وتغطي أنشطتها أربعة مجالات هي: محاربة الإرهاب، الجريمة المنظمة، تسوية الصراعات، ودعم برامج التنمية ومكافحة الفقر.

ويتطلب تفعيل المنظمة التعاون مع المنظمات المعنية (حلف الأطلنطي- الاتحاد الأوروبي-الاتحاد الأفريقي)، والقوى الدولية الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين، والتي يمكنها توفير الدعم المعلوماتي والتدريبي واللوجيستي.

وتبدو فرص إنشاء المنظمة قائمة في ظل رغبة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في تحميل أعباء الأمن الإقليمي للقوى الإقليمية، والتأييد المتوقع من جانب السعودية ومصر والأردن، بعد تدشين التحالف الإسلامي، وإنشاء الأسطول الجنوبي، وتدشين مصر لمقر قيادة البحرية المصرية بمدينة سفاجا، وإنشاء قاعدة برنيس العسكرية. وكذا تأييد إريتريا لإنشاء القوة المقترحة، لتأكيد خروجها من العزلة الإقليمية، ودعم إثيوبيا، حيث تقع معظم أنشطة المنظمة في الدائرة الأولى لحركة سياستها الخارجية (القرن الأفريقي).

لكن تبقى هناك بعض التحديات التي تجابه تفعيل المنظمة، وأهمها: الضغوط الأمريكية لضم إسرائيل للمنظمة (وهذا هو التحدي الأكبر)، واستمرار إدراج السودان على اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

4- دعم إنشاء القوة الأفريقية الجاهزة للانتشار السريع:

تتبع هذه القوة مجلس السلم والأمن الأفريقي، ويجري التخطيط لإنشائها منذ 2005، وقد نص بروتوكول مجلس السلم والأمن على إنشاء القوة فعليًّا عام 2010، لكن الموعد تأجل إلى ديسمبر 2015، ليتم تأجيله مجددًا بعد ذلك.

وتتمثل أبرز التحديات التي تجابه إنشاء القوة في عدم دخول الاتفاقية الأفريقية للدفاع المشترك وعدم الاعتداء حيز النفاذ منذ 2005، وصغر حجم الجيوش الأفريقية وتسييسها، وافتقار أغلبها لوحدات مدربة على تنفيذ مهام حفظ وبناء السلم، ونقص مراكز الدعم اللوجيستي، لكن في حال إنشاء القوة فعليًّا يمكن للإمارات المشاركة فيها بأشكال ثلاثة هي: الدفع بعناصر من المراقبين العسكريين وقوات الشرطة، دون خوض مهام قتالية، والمشاركة بعناصر مدنية، تعمل بمجالات الرعاية الصحية والتأهيل النفسي والمهني والترجمة والاستشارات القانونية، وتقديم الدعم المالي واللوجيستي.