كتبت – أسماء حمدي

الشكولاتة.. هذه الحلوى الداكنة اللون، حلوة المذاق، نعشق مذاقها اللذيذ ونتهادى بنكهاتها المتعددة، بل قد ترتسم على شفاهنا الابتسامة لمجرد ذكرها، ولهذه الحلوى رحلة طويلة تبدأ من ثمار الكاكاو مرة المذاق، وصولًا إلى الحلوى اللذيذة، لكن شعبية الشكولاتة لها جانب مظلم؛ ففي الوقت الذي يستمتع فيه العالم بالمذاق الحلو، نجد الواقع مختلفًا بالنسبة لأفريقيا، حيث اتهمت الشكولاتة بالتغطية على الاتجار بالأطفال واستخدام عمالة الأطفال في زراعة أشجار الكاكاو.

تعتبر الشكولاتة من المنتجات الفاخرة والمطلوبة عالميًّا، ويبلغ حجم صناعة الشكولاتة ومشروبات الكاكاو أكثر من 100 مليار دولار كل عام.

على الرغم من أن الدول المتقدمة خاصة في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، تستهلك أكثر من 90% من الشوكولاتة المنتجة كل عام، فإن الشكولاتة موجودة إلى حد كبير بسبب أفريقيا، وذلك لأن ما يصل إلى 70% من الكاكاو، المكون الرئيسي لصنع الشكولاتة، يزرع ويحصد في أفريقيا.

تعد ساحل العاج وغانا ونيجيريا والكاميرون من أكبر منتجي القارة السمراء للكاكاو، لكن لا تزال هناك إمكانات غير مستغلة في بلدان غرب ووسط أفريقيا الأخرى التي تعد مناسبة تمامًا لإنتاج الكاكاو.

رحلة الكاكو

تبدأ رحلة الكاكاو الطويلة، والتي تختلف شكلًا ومضمونًا وأدوارًا، فطرفاها مزارعون بسطاء يكدون ويكدحون ولا ينالون من الأرباح إلا القليل، أما الطرف الثاني فهم المصنعون أباطرة صناعة الشكولاتة الذين يقدر حجم أعمالهم بمليارات الدولارات سنويًّا.

تنمو نبتة الكاكو بكثرة في العديد من بلدان القارة السمراء، وهي شجرة متوسطة الطول قاسية الأغصان صلبة الثمار، وفي غرب ووسط أفريقيا -وخاصة ساحل العاج وغانا ونيجيريا والكاميرون- هناك حوالي مليوني مزارع صغير مسؤولون عن أكثر من 70% من جميع الكاكاو المنتج في العالم اليوم.

يعمل المزارعون الأفارقة على رعاية أشجار الكاكاو حتى يحين موسم الحصاد، بعدها تبدأ عملية الإعداد والتجهيز والتي تمر بعدة مراحل، وعادة ما تنضج شجرة الكاكاو عندما يكون عمرها حوالي أربع أو خمس سنوات، وتنتج الشجرة الواحدة في المتوسط ما بين 20 إلى 30 ثمرة، وكل ثمرة تحتوي على حوالي 20 إلى 50 بذرة، والمعروفة باسم حبوب الكاكاو.

هذه الحبوب هي منجم ذهب مصنع الكاكاو، بعد أن تنضج الثمار، يتم حصادها وتقطيعها لاستخراج الحبوب القيمة، والمثير للدهشة أن هذه الحبوب عادة ما يكون لها مذاق شديد المرارة.

ولذلك، يجب تخميرها لبضعة أيام “حوالي خمسة أيام”، لتطوير النكهة الحلوة التي نتمتع بها في الشكولاتة، وبعد التخمير يتم تجفيف حبوب الكاكاو وتنظيفها وتحميصها ومعالجتها في العديد من المنتجات القيمة.

وتعد “زبدة الكاكاو” من أهم المنتجات، وهي دهون نباتية ذات لون كريمي مع نكهة ورائحة الكاكاو، وتشكل الزبدة أكثر من 50% من وزن حبوب الكاكاو والتي تستخدم لصنع الشكولاتة، وكذلك العديد من المراهم وأدوات النظافة والمنتجات الصيدلانية.

أما المواد الصلبة للثمرة ذات اللون البني الفاتح أو البني المحمر والتي تبقى بعد استخراج زبدة الكاكاو من حبوب الكاكاو، فغالبًا ما يتم بيعها كمنتج نهائي في شكل مسحوق الكاكاو، الذي يعد مكونًا رئيسيًّا في المشروبات في جميع أنحاء أفريقيا.

تنتهي مهمة المزارعين والتجار الأفارقة بتصدير المنتج إلى الخارج، لا سيما إلى أوروبا حيث تزدهر صناعة الشكولاتة، ويعتبر الكاكاو واحدًا من المحاصيل أو المنتجات الطبيعية التي أشعلت نار التنافس بين الدول الغربية الاستعمارية.

معظم إنتاج الكاكاو، كان ينتهي في فرنسا وبلجيكا وسويسرا وإيطاليا، ولم تتغير المعادلة كثيرًا بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، لكن الكاكاو ليس استثناءً؛ فالأمر نفسه ينطبق على البن والقطن وغيرها من المحاصيل الزراعية والمعادن، فالمعادلة بين منتجي المواد الخام ومصنعيها كانت وستظل مختلة.

جنون الشكولاتة

تعتبر الشكولاتة من أفضل المنتجات مبيعًا في العالم، وكشف تقرير “كيه بي إم جي” لعام 2012، أن علم النفس هو أحد الأسباب وراء استهلاك كميات كبيرة من “الشكولاتة”؛ حيث يعتبرها علاجًا “روحيًّا ونفسيًّا لطيفًا”.

على الرغم من أن أوروبا الغربية لا تزال أكبر سوق للشيكولاتة في العالم، إلا أن الولايات المتحدة تستهلك الكثير منها أكثر من أي دولة أخرى، وهناك أيضًا طلب سريع النمو على الشكولاتة في روسيا والبرازيل والمكسيك والهند والصين.

في الواقع، ينمو الطلب على الكاكاو والشكولاتة بسرعة كبيرة لدرجة أن الخبراء يحذرون من أن احتمالية نفاد إمدادات الكاكاو في غضون 20 عامًا.

ومن أكبر 12 مستهلكًا للشوكولاتة في العالم، الولايات المتحدة وروسيا وكندا وألمانيا والبرازيل وأستراليا وفرنسا واليابان والمكسيك وبريطانيا وإسبانيا والصين، ومع نمو اقتصاد بلد ما وزيادة دخل الناس، فإنهم يطورون شهية وتذوق الأطعمة مثل الشكولاتة، ومن بين جميع تلك البلدان، هناك دولتان فقط تنتجان الكاكاو وهما “المكسيك والبرازيل”.

الطعم المُر

على الرغم من أن أفريقيا توفر ما يصل إلى 70% من حبوب الكاكاو المستخدمة في صنع الشكولاتة، فإن القليل جدًّا من هذا المنتج الحلو المذاق يستهلك في قارتنا.

على سبيل المثال، في ساحل العاج، التي تعد أكبر منتج للكاكاو في العالم، لم يسبق أن قام العديد من المزارعين الذين ينتجون حبوب الكاكاو بتذوق الشوكولاتة من قبل.

يسلط مقطع فيديو الضوء على هذه الزاوية المنسية تمامًا، حيث يظهر عدد من المزارعين الأفارقة كبار السن في كوت ديفوار يتذوقون نكهة الشكولاتة لأول مرة، برغم أنهم قضوا أعمارهم في العناية بأشجار الكاكاو وجني ثمارها.

وتعتبر عملية زراعة الكاكاو والعناية بها وقطف ثمارها مرهقة جدًّا، ويعمل بها أسر شديدة الفقر، ناهيك عن تسرب الأطفال من المدارس لمشاركة الأهل في الزراعة، وانعكاس هذا على مستقبلهم بالكامل في ظل مقابل لا يصل إلى دولار واحد يوميًّا لكل فرد.

أصبح الاستغلال الكبير للأطفال في عملية إنتاج الكاكاو مثيرًا للجدل على نطاق واسع، ولا ينحصر ذلك على الأعمال المتعلقة بعمالة الأطفال واستغلالهم، وإنما يمتد أيضًا حتى عام 2015، فقد كان هناك حوالي 1900 طفل يعملون في ساحل العاج بالزراعة.

ويوجد في أفريقيا وتحديدًا في جنوب الصحراء الكبرى ما يقارب 30% من الأطفال دون سن الخامسة عشر يعمل معظمهم في الزراعة، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.8 مليون نسمة من الأطفال يشاركون في زراعة الكاكاو.

وتعد طرق زراعة الكاكاو قديمة عكس المتوقع في اقتصاد منتشر عالميًّا مثل هذا، أي أن الزراعات تتم على مستويات صغيرة في مزارع أسرية محدودة المساحة، وبطرق بدائية، بدلًا من طرق الزراعة الحديثة المميكنة في مزارع عملاقة الحجم.

يحدث هذا كون المزارعين هم الحلقة الأضعف في سلسلة إيصال قالب الشكولاتة إلى مائدتك، لا يجد من يدافع عنهم سوى فريق فيديو مزود بمجموعة من قوالب الشوكولا التي يراها ويتذوقها من زرعها لنا لأول مرة، بينما تسيطر مجموعة من الشركات المحدودة العابرة للقارات على باقي عملية الإنتاج.

ولإنهاء هذه الحالة، خرجت بعض المبادرات تهدف لتطوير طرق الزراعة ودعم الفلاحين وتوفير مقابل مناسب لجهودهم ليجعلهم فوق خط الفقر العالمي، مع محاولة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية ومستوى تعليم أطفالهم.

وفي 2018، قالت دراسة -نشرها مركز أبحاث جامعة “واجنجن” بهولندا- إن هذه البرامج لها أثر إيجابي بالفعل على معيشة الفلاحين وكذلك جودة المنتج، إلا أنها ما زالت مطبقة على نطاقات محدودة للغاية، ينقصها الانتشار على نطاق أكثر اتساعًا.