كتب – حسام عيد

احتضنت مصر يوم الثلاثاء الموافق 23 نوفمبر 2021، في صرحها التنموي العملاق والشاهد على إرادة شعبية قوية وإصلاحات ونهضة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد المعاصر، القمة الـ21 لرؤساء دول وحكومات السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا “الكوميسا”.

ووسط حضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعدد من الزعماء وقادة ووفود الدول الأعضاء، عُقدت القمة تحت شعار “تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمي الاقتصادي الاستراتيجي” بهدف تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد الرقمي لتيسير ممارسة الأعمال داخل تجمع “الكوميسا” وتعزيز قدرة الدول الأعضاء على الصمود لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة “كوفيد-19” على اقتصاداتها.

و”كوميسا” هي اتفاقية مشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي، ويضم التجمع في عضويته 21 دولة هي؛ مصر، الكونغو الديمقراطية، جزر القمر، بوروندي، إريتريا، جيبوتي، كينيا، إثيوبيا، إي سواتيني (سوازيلاند)، مالاوي، مدغشقر، ليبيا، سيشيل، رواندا، موريشيوس، تونس، السودان، الصومال، زيمبابوي، زامبيا وأوغندا.

إطلاق رؤية مصر الاستراتيجية “2021-2025” للكوميسا

وخلال الجلسة الافتتاحية، تسلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئاسة القمة من رئيس جمهورية مدغشقر أندري راجولينا، لتتولى بذلك مصر الرئاسة الدورية لتجمع “الكوميسا” لمدة عام للمرة الثانية بعد غياب 20 عامًا.

كما أعلن الرئيس المصري أثناء الجلسة إطلاق خطة العمل الاستراتيجية متوسطة المدى للفترة 2021 – 2025 لـ”كوميسا”.

وتهدف هذه الخطة إلى تعميق الاندماج الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية ما بين دول التجمع، وذلك بالتناغم مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية.

وقال السيسي إن مصر وضعت رؤية تهدف لتعميق تكامل الأعمال بين دول الإقليم لتوسيع وتيرة التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، انطلاقًا من هذه التحديات وفي ظل الدور المهم الذي تضطلع به “كوميسا” كتجمع اقتصادي إقليمي يهدف إلى بلوغ التنمية المستدامة للدول الأعضاء.

وأضاف السيسي أن الرؤية المصرية لرئاسة “كوميسا” استهدفت طرح عدد من المبادرات للمساهمة في تعميق التكامل، في عدد من القطاعات الاقتصادية، على المديين القصير والمتوسط.

وأشار إلى أن رؤية مصر في أن تشجيع الأعمال -بمفهومها الشامل للأعمال التجارية والاستثمارية والإنتاجية- سيسهم بشكل كبير في تسريع وتيرة التعافي.

وفيما يتعلق بالتكامل التجاري الإقليمي، وإزالة العوائق الجمركية، قال السيسي إن مصر تؤمن إيمانًا راسخًا، بأهمية التكامل الإقليمي والقاري، وتسعى دائما لتنمية التجارة البينية، في إطار هذا التكامل دأبت مصر منذ انضمامها لـ”كوميسا” على تطبيق الإعفاءات الجمركية المتفق عليها، في إطار منطقة التجارة الحرة، وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل.

وشدد على العمل على إزالة أي عقبات، تحول دون قيام الدول الأعضاء، بتقديم الإعفاءات اللازمة في هذا الصدد، إذ اقترح وضع آلية لمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، بشكل دوري؛ وهو الأمر الذي سيسهم في مشاركة الدول بفعالية لتطبيق الامتيازات الجمركية.

وقال إن مصر ستولي اهتمامًا كبيرًا بتعزيز التكامل القاري، والعمل على تشجيع الدول الموقعة، على اتفاقية منطقة التجارة الحرة للتجمعات الثلاثة؛ للتصديق على الاتفاقية ليتم تطبيقها، ودخولها حيز النفاذ.

وبشأن التكامل الصناعي، أوضح أن تعاون دول التجمع لزيادة التجارة البينية؛ يتطلب زيادة الإنتاجية والتعاون في القطاعات التصنيعية المختلفة والاستفادة من الموارد المتاحة لدول الإقليم وقدرتها التنافسية في زيادة الإنتاج الصناعي.

مصر بوابة دول “الكوميسا” نحو التعافي

ويعد تجمع “كوميسا” أحد تجمعات التكامل الاقتصادي الإقليمية التي تم إقرارها في قمة أبوجا لعام 1991، ويستهدف تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الشمال والشرق والجنوب الأفريقي، من خلال إقامة منطقة تجارة حرة، يتبعها إقامة اتحاد جمركي ثم الوصول إلى مرحلة السوق المشتركة بين الدول الأعضاء.

وأكدت السكرتير العام لتجمع السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي “الكوميسا” تشيليشي كابويبوي، أن تجمع الكوميسا يفخر بترؤس مصر للتجمع، خاصة وأن الكوميسا في حاجة ماسة إلي قيادة حكيمة لدولة عريقة مثل مصر للعبور بأمان من أزمة فيروس كورونا التي عصفت بالعالم أجمع وبالتالي بالقارة الأفريقية، لافتة إلى أن مصر تعد من أكبر القوى الاقتصادية بالتجمع.

وقد بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي لهذا التجمع 5.6% خلال عام 2019، إلا أن هذا المعدل شهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2020 بسبب تبعات جائحة كورونا.

وتتمتع كافة السلع المصرية المصدرة إلى الدول الأعضاء بإعفاء تام من كافة الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل وفقا لنسب التخفيضات التى تقرها كل دولة، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل.

وفي دراسة متخصصة نُشرت في يوليو 2021، ذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري أن دول “الكوميسا” تعتبر من أهم الشركاء التجاريين لمصر داخل القارة الأفريقية، ليسجل حجم التبادل التجاري 3 مليارات دولار عام 2020، ما يعادل نحو 60% من إجمالي قيمة التبادل التجاري المصري مع القارة الأفريقية خلال العام ذاته والذي سجل 5 مليارات دولار.

وأوضح المركز أن مصر تحظى في علاقاتها التجارية مع دول الكوميسا بتحقيق فائض تجارى خلال الفترة من (2015- 2020)، وقد بلغت قيمته في عام 2020 نحو 1.4 مليار دولار.

وأضاف، تعد دول الكوميسا من الأسواق الواعدة للصادرات المصرية، حيث تبلغ قيمة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى تلك الدول نحو 1.8 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يعادل نحو 1.8% من القيمة المستهدفة لتعزيز الصادرات المصرية، كما سجلت إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول الكوميسا نسبة 9% من إجمالي الفرص التصديرية غير المستغلة لمصر بحلول عام 2025.

فيما ذكرت نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، إن مصر استحوذت على نسبة 20% من حجم الصادرات داخل الكوميسا بإجمالي 2 مليار دولار، في حين بلغت واردات مصر من التجمع 700 مليون دولار.

وبدأت مصر في تنفيذ عدد من المبادرات والبرامج لتيسير نفاذ المنتجات المصرية إلى هذا التجمع الأفريقي، منها تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير ٢٠٢١، وتطبيق برنامج جسور التجارة العربية الأفريقية؛ وذلك لرفع وعي المنتجين المصريين بالفرص التصديرية المتاحة وتنظيم لقاءات مع القطاع الخاص في تلك الدول، بالإضافة إلى قيام الشركات المصرية، مثل المقاولون العرب، بتنفيذ عدد من المشروعات لرفع كفاءة البنية التحتية في بعض دول الكوميسا.

فضلاً عن الشروع في تنفيذ مشروع القاهرة-كيب تاون والذي يهدف إلى ربط مصر بالدول الأفريقية من خلال شبكة من السكك الحديدية لتيسير عملية نقل البضائع، وتقليص مدة الشحن إلى 4 أيام بدلًا من 28 يومًا.

كما تم، إطلاق أعمال منتدى “وكالات ترويج الاستثمار في أفريقيا: التكامل من أجل النمو” بحضور رؤساء هيئات الاستثمار في ٣٣ دولة أفريقية وعدد من المؤسسات الدولية، وعدد من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال المصريين والأفارقة بهدف مناقشة عدة موضوعات من أبرزها؛ تعزيز مشاركة القطاع الخاص في أفريقيا، ودور برامج لإصلاح الاقتصادي في تعزيز قدرة البلدان الأفريقية على الصمود في مواجهة التحديات العالمية.

وختامًا، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن إطلاق استراتيجية «الكوميسا» يعكس الإرادة الحقيقية والعزيمة الصلبة، لدول التجمع، لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي في المنطقة.

وأضاف في كلمته الختامية بالقمة 21 للسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي «الكوميسا»، أن التكامل الاقتصادي الإقليمي في المنطقة يأتي من خلال تبني أفضل الممارسات والسياسات، لتحرير التجارة بين دول التجمع والعمل على النهوض بالبنية التحتية، وتحقيق التنمية الصناعية، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات للمنطقة.