كتبت – أسماء حمدي

عقد كامل من الحرب مر، ولا يزال متشددو بوكو حرام يجوبون القرى والمدن دون عقاب، يمتلك مقاتلوهم الآن طائرات من دون طيار أكثر تطورا من الجيش النيجيري المنهك والمحبطة معنوياته، وفقا للسياسيين المحليين والمحللين الأمنيين.

يسيطر المتشددون على أربعة من المناطق العشرة في ولاية بورنو الشمالية، بالقرب من بحيرة تشاد، وفقًا لمحللين أمنيين ومسؤول فيدرالي، ويقومون بشن هجمات شبه يومية، بما في ذلك إطلاق النار الأسبوع الماضي على موكب حاكم ولاية بورنو.

كان من المفترض أن تنتهي حرب نيجيريا ضد جماعة بوكو حرام المتطرفة، لكن في وقت سابق من العام الجاري، أعيد انتخاب الرئيس محمد بخاري، بعد تفاخره بتقدمه في قتال بوكو حرام، حيث أعلن مرارًا وتكرارًا أن الجماعة “هُزمت تقنيًا”، والآن أقر الرئيس بأن “أعضاءها ما زالوا مصدر إزعاج”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

بالنسبة لأشخاص في قرى مثل كوندوجو، تبدو هزيمة بوكو حرام بعيدة، فالهجوم الذي وقع في 17 يونيو، أسفر عن مقتل 30 شخصًا بينهم ثمانية أطفال.

حسب العديد من الروايات، فإن الجيش النيجيري يشعر بالإحباط وهو في موقع دفاعي، واشتكى بعض الجنود من أنهم لم يحصلوا على إجازة لزيارة أسرهم منذ ثلاث سنوات، وسقطت أسلحتهم وعرباتهم في حالة سيئة، وفي أغسطس قام القائد الجديد لعملية لافيا دول، والتي تعني “السلام بالقوة”، بتذكير ضباطه بضرورة تقديم الطعام والماء إلى جنودهم، وهو القائد الثامن في 10 سنوات.

في أغسطس، أعلن الجيش أنه يسحب قواته من المواقع البعيدة في القرى ويجمعها في مخيمات محصنة يسميها “المعسكرات شديدة الحراسة”، وتقع المعسكرات داخل مدن أشبه بالمحميات، حيث استقر الجيش النيجيري في السنوات الأخيرة وجذب إليها عشرات الآلاف من المدنيين، إما بعد أن طردهم بوكو حرام، أو بعد أن أحرق الجنود قراهم لتأمين المناطق الريفية.

وتُحيط الخنادق بالبلدات لإبطاء الغزو المسلح، لكن انسحاب بعض قوات الجيش من المناطق الريفية سمح لمقاتلي بوكو حرام بالعودة وبسط سيطرته عليها.

وقال الرائد آك كرما، الذي كان يجلس خلف مكتبه بالقرب من مقر معسكر باما شديد الحراسة، إنهم تمكنوا من إحباط هجوم لبوكو حرام قبل أيام، لكنه قلل من شأن تهديد الجماعة الإرهابية، ويضيف: “تهاجمنا بوكو حرام هنا وهناك لكن هذا لا يعني أنها تستطيع شن هجوم كبير فمعسكر باما قلعة محصنة”.

دمرت الحرب مع بوكو حرام حياة السكان في المناطق الريفية شمال شرق نيجيريا، وهي واحدة من أفقر المناطق على وجه الأرض، وتسببت الحرب في فرار أكثر من مليوني شخص من منازلهم، بالإضافة إلى مقتل عشرات الآلاف وإصابة آخرين، مع كثير من حالات الاختطاف وإجبار الكثير على الانضمام إلى القتال، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن ما يقرب من 22000 نيجيري قد فقدوا خلال الأزمة الراهنة.

منذ بضع سنوات، بدا الوضع يوحي بالتفاؤل، في عام 2015، بعد انتخاب الرئيس بخاري لأول مرة، أحرز الجيش النيجيري تقدما هائلاً في هزيمة بوكو حرام، وتمكن من طرد المقاتلين من ميدوجوري عاصمة ولاية بورنو، وأيضا من المدن الصغيرة التي سيطرت عليها بوكو حرام، وتعقبهم الجيش إلى مخابئهم داخل الغابات.

لكن مع استمرار الحرب في السنوات الأخيرة، تحول انتباه السلطات النيجيرية إلى المشاكل الأمنية الأخرى، المتمثلة في حروب العصابات والمتطرفين في زمفارا شمال غرب البلاد؛ وأيضا المعارك عنيفة حول ملكية الأراضي في وسط البلاد؛ وارتفاع معدلات جرائم القتل؛ وعمليات الاختطاف للحصول على فدية.

 وأعلن الرئيس بخاري عن خطط لنقل المواطنين النيجيريين جوا من جنوب إفريقيا، حيث تعرض النيجيريون للهجوم في سلسلة من أعمال العنف الناجمة عن كراهية الأجانب.

يقول القادة العسكريون، الذين يواجهون شكاوى من أن استراتيجيتهم قديمة وغير فعالة، إن المعسكرات الكبرى هي طريقة جديدة وأكثر فاعلية للتصدي للجماعات الإرهابية، التي أصبحت قادرة الآن على شن هجمات متطورة على الجيش.

لكن بعض المسؤولين يصفون المعسكرات الكبرى بأنها تراجع صريح، وقال مسؤول فيدرالي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الجنود كانوا يحصنون أنفسهم داخل المعسكرات شديدة الحراسة، مشيرا إلى أن مقاتلي بوكو حرام يهاجمون المعدات التي يتركها الجنود وراءهم وهم يتخلون عن مواقعهم في المعسكرات.

قد يطيل الفساد الحرب، وفقًا لبعض المسؤولين الحكوميين والمحلليين وعمال الإغاثة في شمال شرق نيجيريا، اتهموا بوكو حرام بالربح من الصيد غير المشروع على طول بحيرة تشاد، حيث يتم حظر جميع عمليات الصيد، وفرض الضرائب على المركبات المارة، الآن ، يتم اتهام الجيش بالقيام بنفس الشيء.

تخصص الحكومة ما يعادل حوالي 80 مليون دولار كل ثلاثة أشهر للجيش، ومع ذلك يفتقر الجنود النيجيريون إلى الكثير من الذخيرة والرعاية الطبية – مما يترك العديد من السكان يسألون إلى أين تذهب كل هذه الأموال، وفي وقت سابق من هذا العام في ران، التي تنقطع عنها الكهرباء، تخلّى الجنود الساخطون من دون أجهزة الرؤية الليلية عن مواقعهم، وفقًا للعديد من عمال الإغاثة.

على طريق ترابي في قرية مملوءة بالحقول، وقف عبد (10 سنوات) رافعًا قميصه، كاشفا عن ندبة جديدة تمتد بالطول أسفل بطنه، نتيجة تفجير انتحاري نفذه بوكو حرام في يونيو وأدى إلى شظايا تمزق بطنه، واحتشد حوله مجموعة من أطفال آخرين، يكشفون عن ندوب مماثلة من الهجوم.

وقد فر بعض الجنود في وجه الهجمات بدلاً من البقاء للقتال، بحسب روايات السكان، قال أبوبكر 13 عامًا، أثناء عودته إلى منزله من المدرسة في بلدة جوبيو في أواخر أغسطس، رأيت العديد من الجنود يتجولون في القرية، وقالوا: “اركض من أجل حياتك، يصرخون وهم يفرون. “بوكو حرام قادمة”.

قال الفتى، إنه شاهد الجنود وهم يبدلون ملابسهم الرسمية بملابس مدنيين، وأوقفوا شاحنتهم العسكرية تحت شجرة، واستقلوا سيارة مدنية وانطلقوا بعيداً.

وقالت امرأة من غوبيو: إن أربعة جنود مرعوبين انضموا إلى أسرتها مختبئين، واختبأ خمسة آخرين في منزل جارها، وقالت إنهم ظلوا صامتين في الداخل لمدة يومين بينما نهب المسلحون البلدة وتفاخروا بصوت عالٍ بمدى سهولة الاستيلاء عليها.

وقال مسؤولون: إن معظم السكان والجنود فروا خلال هجوم لبوكو حرام، قامت فيه بنهب أدوية ومعدات المستشفى وأشعلت النار في المباني الحكومية والخيام العسكرية، ومن ثم انطلق المقاتلين في المركبات التي تركها الجيش.

ويعتقد المسؤولون أن تلك الهجمات تنفذها داعش في غرب إفريقيا، وهي مجموعة منشقة تضم حوالي 3000 مقاتل، وانقسمت الفصيلة في عام 2016 عن قوات يقودها أبوبكر شكاو زعيم بوكو حرام منذ فترة طويلة، بسبب رفضه لهجماته على المدنيين المسلمين.

منذ عام 2018، هاجم فصيل “داعش” الذي تلقى توجيهات دعائية من التنظيم في سوريا، مقرًا للواء ومركزًا عسكريا متعدد الجنسيات لمحاربة الإرهاب، وفقًا للمسؤولين والمحللين .

في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش، يقول الناس إنهم يتسامحون الآن مع وجود المتشددين، وعاد عدد من السكان إلى مزارعهم لكسب لقمة العيش، بدلا من تواجدهم داخل مخيمات مزدحمة عرضة للكوليرا وأمراض أخرى.

بدأت بعض جماعات الإغاثة في التراجع، واعتبرت النزاع طويلا إلى درجة أنه لم يعد حالة طوارئ حادة، ويأتي ذلك وسط تقارير عن هجمات يومية لبوكو حرام.